ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1503 - 2006 / 3 / 28 - 09:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
1
يحتج المعتصمون أمام القصر العدلي في دمشق على حالة الطوارئ في عيدها الثالث والأربعين!
غير قليل منهم مستهم حالة الطوارئ شخصيا ومباشرة: اعتقلوا لسنوات دون توجيه اتهام لهم ودون إحالتهم لمحكمة. خلالها لم يصادر حقهم في تقرير مصيرهم، بل فقدوا كذلك الحق في معرفة المصير. فالاعتقال العرفي، المزدهر أيما ازدهار في ظل حالة الطوارئ، عنى على الدوام تحكيم الإرادة العارية عريا مطلقا للسلطة السياسية والأمنية في مصير من تعتبرهم أعداء. وإذ عتقتها السنين، فقد تحولت حالة الطوارئ إلى نظام يوزع الحرية المطلقة في جهة، وانعدامها التام في جهة أخرى، وقانونه: كل شيء يمكن أن يحصل لأي شخص في أي وقت!
الحرمان من الحق في معرفة المصير يجعل المعتقل رهينة. مصيره مرتبط بتحقق مطالب خاطفيه الرسميين.
2
قال الشاب الذي كان يسهم في ضرب المعتصمين بأغصان مقطوعة من الأشجار: أنتم ضدنا نحن الشباب! نحن أمل المستقبل! يبدو أنه لقن العبارة الأخيرة قبل إطلاقه لمباشرة مهامّه النضالية.
أمل المستقبل يضرب مطالبين بالحرية! ما به اليأس، إذن؟ مم يشكو؟!
"آمال المستقبل" تضرب الرجال، تهشم وجه أحدهم، وتسيّل دماء بعضهم، وتعتقل آخرين. وتتويجا للنصر، تتحرش جنسيا بالنساء: بروائية معروفة، وبسجينة سياسية سابقة. المنتصرون تكرموا بالامتناع عن سبيهنّ!
3
كان عناصر حفظ النظام معتصمين بحافلتهم، يتسلّون بمتابعة مشهد الاعتداء على المعتصمين. لم يشاركوا في القمع. كانوا "احتياطيا استراتيجيا"، يمكن أن يتدخل عند اللزوم. لا لزوم. كان المعتصمون مثالا للمسالمة والسمو، شيء يغري بالسحق. مهاجموهم تجسيد للنقيض التام.
عنف أجهزة السلطة، يبقى من حيث المبدأ محترفا، غير شخصي، وغير مهين. عنفها يستخدم من أجل المنع. ليس هذا هو المطلوب. الغرض هو الإذلال وليس المنع وحده. واقعيا، كان ثمة دوما عنصر إذلال كبير ومهيمن في عنف أجهزة السلطة، العنف الاستجوابي أو العنف العقابي أو العنف الانتقامي. ويصلح هذا العنصر مقياسا للا عمومية الدولة، لانعدام الدولة.
4
الثالوث: علم سوريا؛ شعار: الله، سوريا، بشار وبس؛ وضرب المعتصمين! عناصر المنعكس الشرطي اللازم لإنتاج الارتكاس المطلوب: الخوف والمهانة.
كان "آمال المستقبل" يزعقون في وجه المعتصمين: "خونة! عملاء! قاذورات! كلاب! حشرات! سندوسكم بأحذيتنا!" يحتفون بالكراهية في عيدها و"يجددون البيعة" لها.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟