|
إشكالية العقل والنص تفكيك التناقض .*
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 5976 - 2018 / 8 / 27 - 15:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
العقلانية مبدأ فكري ونظرية فلسفية تضع " كل شيء" تحت وصاية قوانين العقل وتحليلاته وتفسيراته مستعينا بالمنطق كأداة ـ لوغوس ـ هل قوانين العقل نص ؟! وربما يبدو غريبا أو يعد عنصرا دخيلا اعتبار العرفان ـ الاستشراق ـ حالة عقلانية ، فالعرفانية تتجسد في حصول المعرفة الروحية بالصفاء والنقاء ومن ثمة الاتصال بالروح و السمو والتعالي، لدرجة الوصول لحالة تخلو من المادة ، روحية محضة ـ تمكن من التوحد بين عناصر الوجود الأصلي ، الواجب والضروري ، وبين الوجود منبثق عن الأصل ، وجود محتاج وليس مستغني . في تلك الحالة التي تكون الروح واعية ومدركة وحتى مفكرة ـ تكشف وتستكشف أسرار الوجود ـ يحدث توحد بين مسميين يتشاركان ذات الصفات ويفترقان بذات الوظائف ـ في ذلك المشهد المشهود تصبح العرفانية والإشراق ظاهرة عقلانية . وثاقة الصلة بين العرفانية والنص التاريخي تدخلنا ، وفق التحليل السابق ، بنسق الترابط الحيوي بين العقل والنص ، نحن اعتبرنا أعلى منتجات أو انكشافات النص مسألة عقلانية ، فلا مناص إذن لأي من الإثنين الانفكاك عن الآخر ؛ قد يبدو توجهنا هنا تكبيلا للعقل ، بيد أن تصورنا لمفهوم التفكر ـ بواسطة العقل ـ يوجب الاستناد إلى عتبات بديهية هي بالأصل غلال للعقل ، وليس مجحفا الميل لإسباغ صفة النص على المثل الأفلاطونية كأنموذج ، أو وسم اللوغوس الأرسطي بنص ، ما نرمي إليه تفكيك الإشكالية وإعادة بنية العلاقة الطبيعية بين الطرفين . هل نحن هنا أمام إشكالية السؤال : من هو الأسبق بالوجود البذور أم الثمار ، الوجود أم غايته ؟ في الحقيقة فإن حل الإشكال هنا لن يفضي إلى نتيجة ذات فائدة منطقية ، فقراءتنا الفينومينولوجية المعتادة تتيح لنا فهم الوجود بما هو وكما هو بالمقام الأول . وفي تفاصل تلك الظاهرة يغدو الخير مبرأ من أغلال المنفعة وأواصر الانقياد والتقليد .لواحد من العنصرين . بل لا مفر من توافقهما إذا أخذنا مبدأ معياريا هو حالة ديمومة الجدل بين النص والعقل . بذلك التصور قد نتمكن من التسليم للعلم دون تحويله لمعبود فهو المرجع الرئيس والأهم والأقدر لكنه ليس محض المرجع ـ على الأقل إلى اليوم ـ للفهم والتفسير والكشف . من مزايا النص التاريخي وربما من إشكالياته ؛ أنه نص مفتوح رغم تمامه وختمه، فكلما أخضعته لنقد أو معالجة معيارية جديدة ينفتح على مسارات معاني غير مسبوقة، ويبقى الجدل البرهاني مستمرا حول : هل التفسير أو التأويل شيء في النص أم حوله وخارجه ؟ هل القصد الغائي و القصد الدلالي معياري أم استشاري، وأخيرا هل النص عين الذات فلا تنقطع الصلة بينه وبين النَاص ، أم هو عين موضوع ينفصل عن ذاته بمجرد الإفصاح عنه ؟ انحازت مذاهب فلسفية لمحدودية العقل البشري ما يعني تاليا وجود ضرورة لمعرفة خارج العقل ، يتلقاها من الخارج ، في حين ذهب العقلانيون إلى كفاية العقل وقدرته على بلوغ المعرفة دون حاجة لتلقين أو وحي . في كلا الحالتين ترتكز المعرفة على العقل ، فذلك المحدود طبقا للمثاليين هو مناط التلقي ، وهو القادر على استيعاب ما يوحى ، فهو الناقل والمفسر والمعلل . هكذا في كل الأحوال ، باعتبار النص منتج عقلي ،لا مناص من إعطاء العقل أولوية ، لأنه ببساطة من يحدد ماهية " المعنى " هو العقل ومن يقدر حدود المعنى هو أيضا . ربما كان حل اللغز بين نقد العقل المحض وبين حدود العقل البشري ؛ هو قدرة ذلك العقل على الكشف، ومعرفة ما كان وما هو كائن وما يمكن أن يكون في حدود الطاقة والعلم " المحدودين" أي القابلية للخطأ والصواب ، فنحن أمام " كمية " من التفكير المنطقي المتسلسل زمنيا، ذلك "الكم" يمتلك القابلية للتحول ل" نوع " فتغدو منتجات العقل حقائق . للتفكير والتحليل على سبيل الحقيقة سلطة المفسر أقوى من سلطة النص عملياً. عندما يأخذ النص طريقه ليغدو سلوكا عادة ما يمسك بناصيته ؛ الحدس المشترك ، أو المخيلة الجماعية . أو القراءات والتفسيرات التاريخية ، وفي كل الحالات ، تتراجع سلطة النص كمؤثر أصيل لتنتقل إلى نواتجه والأوصياء عليه، التفكير الحر – العقلاني- يعيد للنص مكانته ويسمح بقراءة مباينة للشائع وأحيانا المغرض ، التفكير النمطي ، المقيد بالأيديولوجيا أو حتى المنهج ، يتيح سبيلا مؤهلا ومحددا للفهم ، وعادة ما يكون عتبة للتمكن من التفكر الحر ، شريطة التحرر من قيود آليات ووسائل وأنماط التفكير التي تفرضها الأيديولوجيا والمنهج ، ذلك هو السياق المنطقي لبدء عملية انتاج " مفكرات " أي منتجات تفكر ، جديدة ومحايدة وأكثر موضوعية ، في تلك الحالة يحصل تفكيك لبنية النص من أجل فهم وتأويل أكثر قدرة على الاستيعاب المتاح ، الموجود ، بذات النص وموضوعه ، وعبر هذه الآلية سيكون ممكنا إنتاج نصوص جديدة ، والحصول على قدر وأفق مفتوح من تلك التي تحظى بالمكانة التاريخية والمنطقية وحتى العلمية . ولعلنا نبدأ هنا ، وفي كل الإحالات ، بإنتاج منهج أو مذهب أو مدرسة جديدة بسياق المنهج أو المذهب .ـ يبقى السؤال الملح : إلى أي مدى يمكن اعتبار النص ـ أي نص ـ منتج عقلي ؟ مفيد جدا بظرفنا الرهن تعريف محددات العقلانية ، بالاتساق مع تحليلنا أعلاه نجد ، بصعوبة ، أن كثير من اللاعقلانيات ـ الأسطورة ، الخيال العلمي ، التضحية والفداء ، السريالية ،الخ . قضايا في صلب العقل ، المفهوم أو المصطلح المنفتح أو المنكشف أو الموجود بسياق أفق لا نهائي لوظائف وأليات وأدوات التفكر يؤذن باستيعاب ذلك التناقض الإيجابي المولد للمعنى . * استكمال لمبحث النص .
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل الموروث كنتيجة موضوعية لذات النص
-
النص ذاتا وموضوعا وهوية
-
المعالجة الواعية للتطرف النصوص التاريخية غير قابلة للحذف !
-
الكهف الأفلاطوني الحديث والمعاصر *
-
مقاربة حداثية للتراث *
-
ما هو النص ؟ معنى الإشكالية بين المحكم والمتشابه
-
الحضور الأنطولوجي للعلم إشكالية المشروع الإسلامي
-
القلق؛ فعل فكّر ومسألة الشعور :دراسة فلسفية
-
بحث في الظاهرة الاجتماعية : العنف ضد النساء كأنموذج
-
في انطولوجيا الذات والنفس والمعرفة
-
الوجود عند أبي هذيل العلاف وإبراهيم النظّام ، مقاربة ميكانيك
...
-
التنوير كأفهوم من أبيقور إلى كانط ومابعده
-
ماهية الحقيقة والأوهام الأنطولوجية : دراسة فلسفية
-
الماهية عند أرسط: المقولات العشر ، القياس
-
كتابة الأبحاث والرسائل الجامعية والدراسات نصائح وأفكار
-
ممارسة الفلسفة -التفلسف- غيّر نمط حياتك
-
تفكيك أصولية التكفير
-
ترانيم ذات صوفية
-
ما هي متطلبات المرأة بناء الحب الحقيقي
-
استراتيجيات ومهارات فن الحوار والتفاوض الفعال الجزء الثالث
المزيد.....
-
مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم
...
-
دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب
...
-
انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض
...
-
الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها
...
-
حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
-
تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر
...
-
مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم
...
-
البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ
...
-
مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
-
عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|