أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الكهف الأفلاطوني الحديث والمعاصر *















المزيد.....

الكهف الأفلاطوني الحديث والمعاصر *


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 5817 - 2018 / 3 / 16 - 17:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تحت ظلال عالم الاتصالات المدهش والمذهل فعلا ، يتحرك الفرد محاطا بما يشده على الدوام إلى التعلق الدائم بواحد أو أكثر من وسائل التعايش والتضايف الافتراضي ، لحدٍ يجعله منشغلا معظم الوقت بتلبية استغراقه بخضم العالم الآخر خشية غياب شيء ضروري أو مهم أو مثمر ، يكون حجبه عنه خسارة مادية وربما معنوية و الأشد خشية أن تكون خسارة روحية أو نفسية . يشتغل الجميع ويلتهي الكل عن دراية وعن انسياق لا واعي أيضا ، كهف أفلاطوني جديد مستحدث مختلف كل الاختلاف ، فالأضواء مبهرة والأصوات الموزونة والنشاز، الموسيقى والصخب ، السكينة والقلق ، الأشياء هنا لا عد ولا حصر لها ، والأفكار متراكمة فوق بعضها البعض تتزاحم بشدة وعنف ، مزيج فريد وغريب من الألوان واللوحات والصور والمشاهد والحكايات والألعاب يتداخل بأعجوبة يُبرز كل شيء ، يُعري كل الأشياء ، من يعاني من الحجب والستر والاختفاء ، من يبحث عن رغبات ومتع ، تجارة كتب بل مكتبات ، من يبحث عن حدث عن واقعة أو خبر ، قل كل الأخبار وكل الأحداث وكل الوقائع ، أي مجنون حبذ الخروج من ذلك الكهف الذي لا قاع له ولا حدود ولانهاية لاستطالته وعمقه وعرضه ؟ لدينا ما تريد وأكثر لدينا زيادة ، لدينا ما لم تحلم به ولا حتى ما ظننت أن بإمكانك الحصول عليه .
أبحث عن روحي وذاتي ، أفتش عن جوهرتي الثمينة ، إنسانيتي ، أجد من ذلك ظلال ، لا أدري حقيقة إلى أي حد تتوافق الظلال مع الواقع أو تتطابق مع وجودها ، أسأل عن قيمة وجودي ومكانته ، عن قدرتي على فهم ذلك الكم الهائل من المعلومات والمعطيات التي لا تتوقف ويتطلب مني استيعابها وحلها ، هناك بالتأكيد شيء ما ناقص ، أفتش في مكتبة لم أحلم يوما أن تكون بين يدي ، سأستحضر الكندي والفارابي وهيراقليطس و زينون ، وربما أعود أكثر من ذلك إلى أقصى حد يأخذني الزمن إليه ، وسأعرج بالإياب على أبي الوليد فله مكانة فريدة عندي ، لن أتوقف عند ديكارت وكانط وهيغل ، سيكون لي لقاء محقق من هوسرل وأساتذته وتلميذه الألمعي مارتن ، سيكون عسيرا ذكر كل من التقيتهم والأعسر شرح تفاصيل اللقاء أو المقابلة ، هناك شخص سيكون معي دائما ولن يفارقني بحلي و ترحالي ، يلازمني أين ما توقفت أو امتطيت آلة الزمن ، إنه ذاتي المفكر ، إنه ذاكرتي ، وما أحمل من تاريخ وما أعيش من حاضر ،لا يمكنني التخلص منها أو تركها ، قد أغفل عنها ، بيد أنها ستلكزني في عمق وجودي انتبه أنت بدوني لا وجود.
لا أحتاج لتأشيرة ، فكل الأمكنة التي أرغب بالوصول إليها سأصل ، الكائنة والتي كانت ، بما فيها تلك التي بادت أو باتت أطلالا كأطلال خولة ببرقة ثهمد ، حتى ولو لاحت كباقي الوشم في ظاهر اليد. أما تلك التي لم تكن سأستحضرها وأتطلع نحو من تقبع هناك بعيدة في جوف الزمن القادم ، مؤشراتها جلية وغزيرة ، لم أعرف سببا لسرعتها المفرطة ولا قبل لي بكشف الكثير من حجبها ، لي العذر وربما بعضه ، لكن لا عذر لي بعدم اللقاء بمن لم أعثر عليهم ولا بمن حرمتني اللغة من لقائهم ، عند كل الأركان هناك حيوات وأرواح فتية نضرة بعضها عمرها مئات السنين وبعضها قارب آلاف السنين ، لا تموت فهنا أمثالي كثر يمدونها برمق الحياة ويسقونها من مداد حبرهم وفكرهم . تجلس مع الجميع كما تجلس معي ، الفرق بمن يملك وعاء أكبر وأعرض بل وعاء أكثر مرونة وقدرة على الترتيب والتصنيف فيستوعب ما لا أقدر عليه أنا أو غيري أو كثيرون أمثالنا ، المهم ألا نحرم ممن يحب الاستحضار والجلب ، والأهم امتلاك ما يلزم للكشف والحفر والتنقيب ، فكنوزٌ وجواهر مخفية بفعل فاعل وأخرى مخفية بجهل جاهل وثالثة بقدرة متمكن مقتدر .
تمتطي مركبة مزودا بما تستطيع وما هو متاح ، وهو ليس بالقليل ، تمسك دليلك وخارطة طريقك تحدد البداية ومحطات التوقف والتزود وصولا لدار الضيافة مستقر الفكر ، تستوقفك عثرات وتقع دون قصد منك زلات وهنات ، فإذا ما استطعت بلوغ المُنى فأنت أهل له وإلا فأنت مسؤولا دون غيرك ، ما من إمكانية لأكثر مما تملك ولا تكليف فوق المستطاع ، وكل على قدره ، فمن اجتهد وأصاب فأجران ، تحمل ثقلا يكتنز خليطا من القديم والجديد تعرضه بقالب متجدد ، يغلب ظنك حصول الرضا من أصحاب الشأن وآخرون متعالون ينظرون من فوق فلا يرون إلا القليل ، وبعضهم يحجب الرؤيا فيخفي ما يرى آملا بتواري المشهد .
ليست كل الغايات المقصودة جلية ، وما تجلى قد لا يكون ما أريد له التجلي ، وفي كل المشاهد يبذل العارض جهده لبلوغ عقل المشاهد ورضاه ، والصورة ليست واحدة وليست هي تلك التي رسمتها بالتحديد ، فلكل عدسة بؤرتها ، ولكل عين بصيرتها ، فما قَصَد طرفة يوما أن يكون وجوديا وما قصد لبيد أن يكون مثاليا ، ولم يدر بخلد ابن عربي أن يقلده ألماني تفسح بينهما سبعة قرون ، وما خطر ببال فارس الظاهراتية مارتن أن يشابه العارف بالباطن ، فما قرأت في الكينونة والزمان إلا وأحسست بأني أقرأ في فصوص الحكم، ولا أدعي أني وعيت أيا منهما وإن كان المتأخر أقرب وأقل مشقة ، فشراحه كثر ولا وجل يعتريهم من إخراج أو تضليل.
في أخر منصة تقف فيها لإلقاء أخر مجموعة من أبيات قصيدة لم ولن تنتهي ، تكتشف بأنك على أعتاب موجة جديدة من التجلي والكشف لم تكن على استعداد لركوبها أو الانحناء أمامها أو الصمود في وجهها ، لك أن تختار ولك أن تحتار ، فإما المضي أو الصمود أو الانحناء ولن يكون القرار قرارك والرأي رأيك ، فكما تكتب القصيدة شاعرها يسبغ النص مؤلفه ، وما كل ما أراده يصل ، وما كل ما وصل أراده ، إنها سنة التأليف والتوليف والتصنيف ، وحكاية زرقاء اليمامة عن البصيرة وليست عن البصر ، وعن الحكمة وليست عن عجز السنين ، وعن النزير وسوء التقدير ، فما عجزت بنت اليمامة وما كل بصرها ، تلك العجوز التي تمتلك بصيرة الحكماء وبصر الفتيان اسمها الشائع حب الحكمة ، أو سمها كما سماها الشيخ الرئيس ، استكمال النفس البشرية بمعرفة حقائق الموجودات على ما هي عليه على قدر طاقة البشرية.
إن الإنسان قارئا كان أم مؤلفا ليس مجردا عن وجدانه ولا ولاءاته النفسية والذهنية كسلطة داخلية ، كما أنه خاضع أو متأثر بسلطات خارجية لا تنتهي ، طبقا لتفنيد فوكو لحرية البحث الفلسفي ، كونه أي ذلك الإنسان باحث أم مستبصرا أم مجرد عابر سبيل مراقب من الداخل بإمكان فلسفي ومن الخارج بأشكال و أنواع السلطة ، فالحس المشترك سلطان وعقل مشترك ، يؤثر حتى بمن يؤثر فيه ، والتصور المشترك حكم مسبق وحدس قبلي يعيد صياغة تصورنا ويتدخل في صياغات حكمنا وأقيستنا ، وبمحاذاة ذلك كله فادعاؤنا الحرية يوجب المسؤولية ، وادعاؤنا العلم يوجب البيان . وادعاؤنا الحكمة يوجب التعقل .

* مقدمة الطبعة الأولى من كتابي : تأملات في الفينومينولوجيا والحقيقة والإنسان



#احسان_طالب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربة حداثية للتراث *
- ما هو النص ؟ معنى الإشكالية بين المحكم والمتشابه
- الحضور الأنطولوجي للعلم إشكالية المشروع الإسلامي
- القلق؛ فعل فكّر ومسألة الشعور :دراسة فلسفية
- بحث في الظاهرة الاجتماعية : العنف ضد النساء كأنموذج
- في انطولوجيا الذات والنفس والمعرفة
- الوجود عند أبي هذيل العلاف وإبراهيم النظّام ، مقاربة ميكانيك ...
- التنوير كأفهوم من أبيقور إلى كانط ومابعده
- ماهية الحقيقة والأوهام الأنطولوجية : دراسة فلسفية
- الماهية عند أرسط: المقولات العشر ، القياس
- كتابة الأبحاث والرسائل الجامعية والدراسات نصائح وأفكار
- ممارسة الفلسفة -التفلسف- غيّر نمط حياتك
- تفكيك أصولية التكفير
- ترانيم ذات صوفية
- ما هي متطلبات المرأة بناء الحب الحقيقي
- استراتيجيات ومهارات فن الحوار والتفاوض الفعال الجزء الثالث
- تأملات فلسفية في الأنطولوجيا والحقيقة والإنسان
- الإحراق فتوى تخالف النص وتحرق المجتمع معالجة فقهية أصولية
- اكتشاف عالم عماد شيحا الأسطوري إبحار عبر أمواج رواية بقايا م ...
- العام المطلق والعام المخصص مسألة أصولية


المزيد.....




- هل يعيد تاريخ الصين نفسه ولكن في الولايات المتحدة؟.. وما علا ...
- مجلس الشيوخ الأمريكي يناقش مشروع قانون ترامب للإنفاق وسط انق ...
- محكمة إسرائيلية توافق على تأجيل جلسات محاكمة نتانياهو في قضا ...
- يضم معارضين سياسيين ومواطنين أجانب... القصف الإسرائيلي يلحق ...
- فرنسا تعتزم أداء -دور محوري- في مفاوضات النووي وطهران تبدي - ...
- مشاهد للجزيرة توثق قصف مسيّرة للاحتلال فلسطينيا يحمل كيسا من ...
- ماذا تعرف عن إنفلونزا العيون؟
- الفساد يطيح بوزير يوناني و3 نواب
- غزة تنزف منذ 630 يوما.. إبادة ممنهجة ومعاناة لا تنتهي في ظل ...
- للمرة الأولى.. أطباء أسناء يركّبون سنًّا لدب بني


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الكهف الأفلاطوني الحديث والمعاصر *