أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - خيال طبق الواقع














المزيد.....

خيال طبق الواقع


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 5954 - 2018 / 8 / 5 - 22:19
المحور: الادب والفن
    


أبو خالد كان جارنا في القرية. كنّا جيرانا أيّام طفولتنا وبعض الشباب. قبل مغادرتنا القرية للعمل في المدينة. أنا وإخوتي تربّينا على جريدة الحزب الأسبوعيّة. كان أبو خالد يأتينا بها في نهاية الأسبوع، وأبي يدفع له شهريّا، حالما يقبض تأمينه في آخر الشهر. باختصار كان أبو خالد عندنا ابن بيت. جار الرضا، كانت تسمّيه أمّي. جار أحسن من أخ، أبي كان يقول عنه كلّما ذٌكر اسمه. سنين طويلة عشنا جيرانا، ولم يقع بيننا يوما خلاف. لا بين الكبار ولا بين الصغار.
أبي كان يعجبه أبو خالد أيّما إعجاب. منذ قيام إسرائيل والرجل مع الحزب، لا يغيّر مبدأه. المبدأ ليس قميصا، كان أبي يردّد على أسماعنا دائما، فنغّيره كلّ صباح. كان أبو خالد عضوا في الحزب حتّى في أصعب الأيّام. لم يحصل على درجة أو زعامة أو أيّ فائدة شخصيّة، مثل كثيرين من الرفاق غيره. مرّة واحدة، لا غير، زار الاتحاد السوفييتي. لم يطالب هو بشيء. الرفاق في المركز هم الذين كانوا السبب في رحلته تلك التي لا تُنسى إلى موسكو. على فطنة: والدي وكثيرون غيره في القرية كانوا يسمّونه الاتّحاد السوفياتي. أبو خالد كان يردّد على مسامعنا دائما أنّه الاتّحاد السوفييتي. لا كما نسمعه من الناس في الشارع. أبو خالد يعرف اللفظ الدقيق من الرفاق في المدينة، والرفاق هناك لا يخطئون طبعا. لا في السياسة، ولا في لفظ الأسماء بدقّة أيضا. في موسكو، كان جارنا يحدّث أبي، كلّ شيء يا جار مختـلف. ليتك تزورها مرّة واحدة يا جار. كنت ترى بعينك أنّ الدعاية الرأسماليّة كلّها كذب في كذب. الناس في الدور أمام السوبرماركت. بسبب القوّة الشرائية للروبل طبعا. والأمن مستتبّ تماما. لا زعرنة، ولا عاهرات في الشارع، ولا عالم سفلي يفعل كلّ ما يشاء. كما هي الحال في الدول الرأسماليّة كلّها!
ابنه خالد طبيب. سافر إلى الاتحاد السوفييتي وتعلّم الطبّ. مجّانا طبعا. لكن الغريب أنّه لا يتحدّث عن الحزب وعن الاتحاد السوفييتي مثل والده. مسكين، الشغل ذابحه، كان أبو خالد يشرح وضع الدكتور. ليس لديه وقت ليحكّ رأسه. لكنّه مع الحزب طبعا. مشترك في الجريدة سنويّا، يتبرع في كلّ حملة للحزب، و في كلّ انتخابات يصوّت للحزب طبعا. لا يغيّر مواقفه، لكن غارق في الشغل. لا وقت لديه للسياسة. هذا هو سبب صمته المزمن. هل يمكن أحدا قضاء سبع سنوات في الاتحاد السوفييتي، ولا يكون عقائديا مئة في المئة؟ حزبي مثل الوالد وأكثر. لكن الشغل ذابحه. إذا كان الوالد عشق الاتحاد السوفييتي، قبل زيارته حتّى. من بعيد لبعيد. فكيف بالولد وقد عاش هناك سبع سنوات، ورأى بأمّ عينه كلّ شيء؟ لكن لا وقت عنده للكلام والنقاش. الله يساعده على شغله!
في أواخر الخمسينات كان أبو خالد في موقف صعب فعلا. عبد الناصر اختلف مع الاتحاد السوفييتي. الناس كلّهم كانوا مؤيّدين لعبد الناصر. أبو خالد انعمت أبصاره. كلّ بيت كان يدخله في القرية كان يجد أصحابه، والجيران أحيانا، حول الراديو وعبد الناصر يخطب. خطابات مثل السم ضدّ الاتحاد السوفييتي. الناس بسطاء، يصدّقون كلّ شيء. كان أبو خالد في موقف صعب. صعب جدا. هو يعرف الأمور على أحسن وجه. يواظب على قراءة الجريدة، وسافر إلى حيفا، حيث سمع محاضرة طويلة عريضة عن الوضع في الشرق الأوسط عامة، وعن الخلاف مع عبد الناصر. قال الرفيق، عضو المكتب السياسي، في الاجتماع إن صوت العرب أصبحت عينه معجمة. لم يفهم أبو خالد معنى هذي الجملة. لكن الرفيق الذي كان بجانبه شرح له أنّه صار صوت الغرب، بزيادة نقطة! كيف يستطيع جيرانه في القرية فهم ذلك كلّه واستيعابه؟ أيّام صعبة عاشها أبو خالد. كان يتجنّب النقاش في هذه القضيّة. رأسا كان ينتقل بالنقاش، إذا كان عن عبد الناصر وخطاباته الكثيرة، إلى داخل إسرائيل. يشرح للناس كيف كيّفت إسرائيل على مواقف عبد الناصر الجديدة. حتّى الأحزاب الصهيونيّة صارت تؤيّد القوميّة العربيّة ! من هنا اعرفوا، يا إخوان، أن عبد الناصر على خطأ !
قبل سنة، أو أكثر قليلا، توفي أبو خالد. أبي سبقه بسنوات، وظلّ حتّى آخر أيّامه يحترم الرجل، لأنه لم يغيّر مواقفه يوما. الجميع في قاعة العزاء كان يتحدّث عن الفقيد وعن استقامته. رجل مبدئي، لم يغيّر موقفه طول عمره. لم نعد نجد هذا النوع من الرجال في هذه الأيّام. الناس في هذه الأيّام لم تعد تعرف المبادئ.
ابنه الدكتور فقط كان صامتا طوال الوقت. يعزّيه الناس بوفاة الوالد، فيردّ عليهم بصمت وأدب. الجميع كان يتحدّث عن مناقب الفقيد؛ عن استقامته وثباته على كلمته، على مبدئه؛ على تأييده الاتحاد السوفييتي. إلا الدكتور ابنه. لم يشارك في الأحاديث عن أبيه، وحبّه المخلص للحزب، وللإتّحاد السوفييتي. الدكتور حزين. حزين جدا لوفاة الوالد. لكنّه يؤثر الصمت على الكلام.
[من كتابه "ملفّات الذات" الصادر حديثا]



#سليمان_جبران (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عارف الماضي: خواطر موسيقيّة بقلم سمّيع غير موسيقيّ !
- .. وهبَ الشعرَ حياته، فضمن له الشعرُ الصدارة والخلود !
- تحقيق المخطوطات دونما مصطلحات !
- صيغة الحداثة في -أباريق مهشّمة-
- القديم والجديد في الصورة الشعرية عند الجواهري
- ظلّ الغيمة؟! قراءة في السيرة الذاتية لحنّا أبو حنّا*
- بناء الذاكرة في كتاب الأيّام
- كيف تحوّلت جزيرة مالطة إلى جزيرة الملوط؛
- توظيفات السجع في-الساق على الساق-
- الصعب والأصعب في رحلة فدوى طوقان
- الغزل احتجاجا؛ قراءة في غزل الجواهري المكشوف
- كاتب عصري !
- المفتّشة اليهوديّة !
- سالم لأنّه ظلّ.. سالما !
- ضحايا -أبو عمر-!
- كيف أتدبّر بعدها ؟!
- نوافذ الستر
- القناعة كنز لا يفنى ؟!
- رومانسيّة مشايخ؟!
- ريتا الواقع والقناع


المزيد.....




- -ابتدينا-..عمرو دياب يطلق ألبومه الجديد ويتعاون فيه مع ابنه ...
- وثائقي -غزة: أطباء تحت النار-.. القناة 4 تكسر احتكار الرواية ...
- منتصر الحمد: كيف نعيد تموضع اللغة العربية كفاعل ثقافي عالمي؟ ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” رابط نتيجة شهادة الدبلومات الفنية 2 ...
- أقنعة وألسنة لهب: باراغواي تحتفل بمهرجان كامبا رانغا على طري ...
- الأميرة ريم علي: -نرفض أن نموت ثقافيًا-..انطلاقة الدورة الـ ...
- معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب يحتفي بالمغربي محمد بن ع ...
- -جائزة الشيخ حمد للترجمة- تعلن عن لغات دورتها الـ12 لعام 202 ...
- رعب وأبطال خارقون ومخلوقات خطيرة.. 8 أفلام تعرض في يوليو
- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة


المزيد.....

- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - خيال طبق الواقع