أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - الصعب والأصعب في رحلة فدوى طوقان















المزيد.....



الصعب والأصعب في رحلة فدوى طوقان


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 5685 - 2017 / 11 / 1 - 09:28
المحور: الادب والفن
    


الصعب والأصعب في رحلة فدوى طوقان

مئة سنة على ولادة الشاعرة فدوى طوقان



[ قبل ستوات أصدرت كتابا باسم "نقدات أدبيّة"، وهو مجموعة من 11 مقالة، يتناول بالنقد نتاجات متنوّعة في الأدب الحديث. لكن يبدو أنّ الكتاب كسدت سوقه هذه الأيّام، فلم يعدْ يُقرأ إلا نادرا. حتّى معظم "المختصّين" لم يقرءوا الكتاب المذكور، كما تبيّن لنا مؤخّرا. هذا ما اضطرّنا هذه الأيّام إلى إعادة نشر المقالات المذكورة في المواقع الإلكترونيّة، كلّ مقال على حدة. كما أسقطنا "الإحالات" في الهوامش لنفس السبب. فلعلّ في ذلك ما يسهّل على القارئ تناول هذا الكتاب "بالتقسيط المريح"!]
أصدرت فدوى طوقان سيرتها الذاتية في جزأين: الأول أسمته "رحلة صعبة، رحلة جبلية" عام 1985، وكتب مقدّمته الشاعر سميح القاسم. ثمّ أعادت "دار الشروق" في عمّان إصدار هذا الجزء، مصوّرا عن طبعة "الأسوار" بعد أن قلبت اسمه فجعليه "رحلة جبليّة رحلة صعبة""، وأضافت تحت اسم الكتاب "سيرة ذاتيّة"تعريفا بجانره الأدبي. وفي سنة 1989 صدر الكتاب في طبعة أخرى في القاهرة عن دار "الثقافة الجديدة"، ودائرة الثقافة في منظّمة التحرير الفلسطينيّة، دونما تغيير يُذكر سوى إضافة "طبعة خاصّة"، وهي فيما يبدو من مقتضيات حقوق النشر والتوزيع.
أمّا الجزء الثاني من سيرتها فأسمته "الرحلة الأصعب"، وصدر في طبعته الأولى عن "دار الشروق" في عمّان سنة 1993. وبين أيدينا الآن الطبعة الثانية منه، "مزيدة منقّحة" سنة 1994. وكتب مقدّمة هذا الجزء الدكتور هاشم ياغي، فأشار إلى رحلتها الأولى ورحلتها هذه مقارنا بينهما وموازنا.
في "الرحلة الأصعب" ذكرت فدوى أنّ فصولا من سيرتها كانت نُشرت في "الجديد" الحيفاويّة بناء على طلب محرّر "الجديد" آنذاك، الشاعر محمود درويش، في باب "صفحات من مفكّرة" فقالت: "استجبت لرغبة محمود [درويش] ونشرت صفحات من مفكّرتي في أحد أعداد مجلّة الجديد (1969/11، 1970/1)، ومن المناسب أن أذكر أن تلك الصفحات التي نشرتْ آنذاك في باب "صفحات من مفكرة" كانت النواة التي انبثق منها كتابي "رحلة صعبة – رحلة جبلية" الذي نشرت منه فيما بعد حلقات في مجلة الجديد ما بين العامين 1977 – 1978، حين كان يرأس تحريرها سميح القاسم".
يمكننا القول بناء على هذا المقتبَس إن طلب محمود درويش كان، في الواقع، السبب المباشر في كتابة الشاعرة لسيرتها، لكن يبدو أن الفكرة لاقت عندها قبولا، وربّما كانت أصداء النشر الأوّل شجّتعها على متابعة المشروع بإصدار الجزء الأوّل الذي تسرد فيه حياتها منذ الطفولة المبكّرة حتى وفاة أخيها نمر سنة 1963، وعودتها من إنجلترا إلى الوطن. جدير بالذكر، في هذا السياق، أنّها أضافت في الكتاب المذكور فصلا مستقلّا أسمته صفحات من مفكرة 1966 – 1967، جعلته في 27 بندا، ذكرت فيه بأسلوب أقرب إلى أسلوب المذكّرات، حرب 1967 واحتلال إسرائيل للضفّة الغربيّة.
معنى ذلك أنّ فدوى طوقان أصدرت سيرتها الذاتيّة بعد أن غدا هذا الجانر ظاهرة قارّة في الأدب العربي الحديث. مع ذلك، فإنّ ما كُتب في هذا المجال قبل فدوى حاول فيه مؤلّفوه، وجلّهم من الرجال، الابتعاد ما أمكن عن القضايا "الحسّاسة" كنواحي الضعف الإنساني، والسلوكيات "الشاذّة"، وحتّى المجالات العاطفية أحيانا.
بكلمة أخرى، كانت السيرة الذاتيّة قبل فدوى، في الغالب، تتناول القضايا التي ترفع من شأن مؤلّفيها، بإبراز نضالهم وعصاميّتهم، بحيث يشكّلون قدوة لقارئيهم فعلا. هكذا يتجلّى جرجي زيدان وطه حسين وأحمد أمين وميخائيل نعيمة.. بحيث يجوز لنا القول إنّ هؤلاء الأوائل اختطّوا ورسّخوا مبنى واضح المعالم للسيرة الذاتيّة، يختلف من هذه الناحية عن السيرة الذاتيّة في الغرب، حيث بدأت السيرة الذاتيّة بأدب "الاعترافات" لدى القدّيس أغسطين وجان جاك روسو بالذات، فشكّلا بذلك "نموذجا بدئيّا" لكتّاب السيرة الذاتيّة الأوروبيّين.
في هذا السياق تكون فدوى، بإصدارها سيرتها الذاتيّة، خطتْ بهذا الجانر خطوة هامّة إلى الأمام، متحدّية المحاذير التي يأخذ بها حتّى الرجال في المجتمع العربي المحافظ. يقول غسّان عبد الخالق: "لا ريب أنّ ما كان يقف بالمرصاد لفدوى طوقان، وهي تهمّ بكتابة سيرتها الذاتيّة، قمين بأن يصرفها ويصرف غيرها عن ركوب هذا المركب. فهي امرأة، وتتحدّر من عائلة محافظة، وتنتمي إلى مدينة ذات تقاليد عريقة ومحسوبة. وهي تنتمي كذلك لمجتمع يخوض غمار تحرّر وطني واجتماعي وسياسي وثقافي، منذ مطلع هذا القرن [العشرين] وقد أثقلته الهموم العامّة حتّى لم يعدْ لديه متّسع، منذ عقود، لأيّ همّ خاصّ"؟
قبل كتابة سيرتها الذاتية بسنوات عديدة، لم تعدم فدوى وسيلة للتعبير عمّا عانتْه في طفولتها وصباها "بين الجدران". فقد أخذت فدوى منذ الأربعينات تكتب الشعر وتنشره في الصحف والمجلات العربية، ثم أخذت بإصدار مجموعاتها الشعرية تباعًا منذ 1952. ومن يطالع أشعارها المذكورة يجدْ فيها، بالتصريح حينا وبالتلميح أحيانا، تصويرا لمأساتها الشخصيّة في علاقتها بعائلتها وبيتها أيضا. فإذا كانت في سيرتها تتحدّث عن "الجدران"، والبيت السجن من حولها، فقد ذكرت ذلك في مجموعتها "وحدي مع الأيّام" في قصيدة جعلت عنوانها "من وراء الجدران" بالذات، في التكنية عن البيت/السجن:
وكرّت دهور عليه وما زال يمْثل كاللعنة الباقيَهْ
وقفت بجدرانه العابسات وقد عُفّرت بتراب القرون
وصحتُ بها يا بنات الظلام ويا بدعة الظلم والظالمين
ألا تقوم هذه الأبيات "معادلا شعريا" لما ذكرتْه في سيرتها بعد سنين طويلة، بقولها: "في هذا البيت، وبين جدرانه العالية التي تحجب كلّ العالم الخارجي عن جماعة "الحريم" الموءودة فيه، انسحقت طفولتي وصباي وجزء غير قليل من شبابي". في سيرتها تذكر أيضا "الصخرة" التي حملتْها في دورات الصعود والهبوط دونما نهاية، في تناصّ واضح مع صخرة سيزيف. وموتيف الصخرة ذاته كان ورد في قصيدة مبكّرة لها أيضا، عنوانها "الصخرة"، تقول فيها:
"أنظر هنا/ ألصخرة السوداء شُدّت فوق صدري/ بسلاسل القدر العتيّ/ بسلاسل الزمن الغبيّ/ أنظر إليها كيف تطحن تحتها/ ثمري وزهري/ نحتتْ مع الأيام ذاتي/ سحقتْ مع الدنيا حياتي/ دعْني فلن نقوى عليها/ لن نفكّ قيود أسري/ سأظلّ وحدي/ في انطواءْ/ ما دام سجّاني القضاءْ".
تذكر في السيرة أيضا شخصيّة الوالد الجافّ القاسي، نحوها خاصّة، وهي علاقة مركّبة سنعرض لها لاحقا. وكانت ألمحتْ أيضا إلى هذه العلاقة في قصيدة لها جعلتها بعنوان: "هو وهي". وهي "حوارية" طويلة نسبيا، أشبه بتمثيلية قصيرة، بين محبّ باسم عبّاس وحبيبته ليلى، تستخدم فيها أوزانا شعريّة مختلفة؛ الرمل، المتقارب، الرجز، الخفيف، وتراوح بين الشكل المقطوعي وشعر التفعيلة، بل إنها "تقسّم" البيت من الخفيف على المتحاورَين أيضا! ما يهمّنا هنا أنّ القارئ حالما يأخذ في قراءة القصيدة يكتشف أن ليلى تتحدث باسم فدوى طوقان، ما في ذلك شك، وعباس هو الاسم الشعري للشاعر المصري الذي أحبّته فدوى. بل إنها في أحد أبيات القصيدة تصرّح انها "هي في جرزيم تُقصيها النوى وهو بطيبة". في الحوارية المذكورة تصف ليلى/ فدوى حياتها، مردّدة موتيف "الجدران" مرّة أخرى، وتعرض لصاحب السجن أيضا. وفي القصيدة اعتراف جريء بطبيعة العلاقة العدائيّة مع هذا السجاّن/ الجلّاد. نكتفي هنا بإيراد بعض الأبيات ذات الدلالة في هذا السياق العائلي:
(...) حياتيَ يا عباّس حلم مروّع الأشباحِ
حلم أطبقت عليّ به جدران سجن داجٍ رهيب النواحي
وإذا انشقّ باب سجني أطلّتْ / منه عينا وحش رهيب كبيرِ
هو جلّاديَ اللئيم ربيب الحقد والعنف والأذى والشرورِ
وتعلّمتُ كيف تختلط الثورة والبغض في دم المظلومِ
وبأعماقيَ التربصُ يُخفيه هدوئي في صمته المسمومِ
يا لقلبي الموتور كم رنّحَته / نشوة الإنتقام من جلادي
وأنا في مشاعر الحبّ غرقى / وهو خلف الأبواب بالمرصادِ
هذه هي علاقة ليلى بسجّانها، أو هي في الواقع علاقة فدوى بوالدها، باحتْ بها هنا، بعد أنْ سمّتْ نفسها ليلى من باب "التقيّة"، دونما مداراة أو مواربة: إنّها علاقة السجين بسجّانه المستبدّ. يطفح صدرها بمشاعر الثورة والبغض والانتقام، والسجّان/ الوالد جلّاد لئيم، وحش رهيب، قلبه مليء بالحقد والعنف والأذى والشرور. بل إنّه يستمتع بالشرّ ويستعذب التعذيب! لا نريد الاسترسال في النظر في شعر فدوى الجارح هذا، فنحن بصدد قراءة سيرتها لا شعرها، وإن كانا يتداخلان ويتوازيان في أكثر من موضع. نريد أن نخلص إلى السؤال: ما الذي دفع بفدوى إلى كتابة سيرتها، وقد كان لها الشعر وسيلة تعبير طيّعة منذ أيام شبابها؟
يبدو أن فدوى لم تكتفِ بهذا "البوح" الجريء في الشعر. إنّه في آخر الأمر شعر، كثيرا ما يغلب فيه التخييل على الواقع، كما أنّ الشعر أيضا يقرؤه البعض ولا يقرؤه ويفهمه كثيرون. لذا رأتْ أنْ تنشر سيرة حياتها، بأسلوب بسيط صريح، وبضمير المتكلم أيضا، لتشكّل هذه السيرة اعترافا شخصيّا صادقا، لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل. ثمّ إنّ الشعر أخيرا كتبتْه قبل سنين طويلة، ولم تحمّله سوى الاحتجاج والنقمة، بينما تهيّئ لها السيرة فرصة لاستعادة الماضي من جديد، وتقييمه عن بعد، وتفسيره بمنطق فدوى الشاعرة المعروفة ذات المكانة في البلاد العربية قاطبة. يقول جان ستاروبنسكي: "كلّ سيرة ذاتيّة، حتّى حين تقتصر على القصّ الخالص، هي تفسير الذات. والأسلوب هنا يقوم بوظيفة مزدوجة في ترسيخ العلاقة بين "المؤلّف" وماضيه هو، لكن بتوجيهه إلى المستقبل أيضا، وفي الكشف عن المؤلّف لقرّائه".
هكذا قرّرتْ فدوى التي كانت طيلة حياتها "تحسّ بانكماش ونفور من الإجابة على الأسئلة التي توجّه إليها عن حياتها"، أن تعرض حياتها الماضية لمن يعرفها ولمن لا يعرفها من القراء، لأنها ترى في حياتها قدوة يمكن أن يفيد منها القارئون، والقارئات خاصة، ويستهدوا بها في حياتهم: "إن البذرة لا ترى النور قبل أن تشقّ في الأرض طريقا صعبا، وقصّتي هي قصة كفاح البذرة مع الأرض الصخرية الصلبة، إنها قصة الكفاح مع العطش والصخر. فلعل في هذه القصة إضافة حيط من الشعاع أمام السائرين في الدروب الصعبة [...] إن قوى الشر، سواء أكانت غيبية أم اجتماعية أم سياسية، تقف دائما ضد الإنسان وتعمل على تحطيمه ولكن الإنسان يقف أمام هذه القوى بكبرياء وعناد بالرغم من ضعفه".
هكذا قرّرتْ فدوى التي كانت طيلة حياتها تحسّ "بانكماش ونفور من الإجابة عن الأسئلة التي تُوجّه إليها عن حياتها" أن تعرض حياتها الماضية لمن يعرفها ولمن لا يعرفها من القرّاء، لأنّها ترى في حياتها قدوة يمكن أن يُفيد منها القارئون،والقارئات خاصّة، ويستهدوا بها في حياتهم. تقول في سيرتها: "إنّ البذرة لا ترى النور قبل أن تشقّ في الأرض طريقا صعبا، وقصّتي هي قصّة كفاح البذرة مع الأرض الصخريّة الصلبة؛ إنّها قصّة الكفاح مع العطش والصخر. فلعلّ في هذه القصّة إضافة خيط من الشعاع أمام السارين في الدروب الصعبة [...] إنّ قوى الشرّ، سواء أكانتْ غيبيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة، تقف دائما ضدّ الإنسان وتعمل على تحطيمه، ولكنّ الإنسان يقف أمام هذه القوى بكبرياء وعناد بالرغم من ضعفه".
على هذا النحو تذكر فدوى بصراحة أنّ عامل القدوة كان نصب عينيها في تأليفها سيرتها. فقد استطاعت هذه الفتاة المقموعة أن تتغلّب على كلّ المعوّقات في البيت والبيئة، لتصبح شاعرة كبيرة يتردّد اسمها على ألسنة الناس وأقلام النقّاد. أفلا يجدر بهذا الإنجاز أن يذاع على الناس جميعا؟ تشبه فدوى في هذا السياق، طه حسين: فهو أيضا عانى المعوّقات في بيئة متخلّفة، لا ترحم المعوّقين فيها ولا الضعفاء. ولكنّه ناضل بعزيمة وإصرار نادرين حتّى استطاع قهر المعوّقات كلّها من حوله، والتعالي على البيئة المتخلّفة التي ظلمته. لذا فإنّ سيرة فدوى، كما سيرة طه حسين في الأيام، لم تعدم عامل المحاسبة أيضا. ففي رأينا أنّ فدوى طوقان أجرتْ في سيرتها، في الجزء الأوّل منها، حسابا عسيرا مع عائلتها وبيئتها بإقدامها على نشر "خفايا" البيت الطوقاني. وهو بيت إقطاعيّ عريق، ذو صيت ذائع وسمعة وطنيّة واسعة، خصوصا بعد المكانة الرفيعة التي حقّقها أيضا أخوها الشاعر إبراهيم طوقان بقصائده الوطنيّة اللاهبة في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، خلال الكفاح الدامي الذي خاضه الفلسطينيّون ضدّ الانتداب الإنجليزي والمشروع الصهيوني. لم تتهيّب فدوى في سيرتها كشف دواخل هذا البيت المظلمة، وممارساته الرجعيّة، فكسرتْ بذلك الصورة المشرقة لهذا البيت! وهي "إساءة" تحتاج إلى شجاعة نادرة؛ فما من شجاعة أعظم من نقد الذات، نقد العائلة، وبالأسلوب الصريح الجارح الذي يطغى على الرحلة الصعبة خاصّة. لذا فإننا نرى أنّ فدوى ما كانت لتقدم على كشف كلّ هذه العيوب على الملأ لو لم تهدف، واعية أو دونما وعي، إلى محاسبة من اضطهدوها، في طفولتها وصباها، ونكّلوا بها شرّ تنكيل. هنا أيضا يشبه هذا المنحى ما نجده في الأيام، وإن كان في سيرة فدوى أكثر صراحة ومباشرة. سردتْ فدوى حياتها بصدق وجرأة، كما أسلفنا، وليس من همّنا تلخيص هذه السيرة، بذكر كلّ أحداثها، وعلاقة فدوى بجميع شخصيّاتها، وإنّما نرمي إلى إبراز محاور مركزيّة في هذه السيرة، تشكّل أساسا للفرضيّة التي تقوم عليها مقالتنا هذه.
المحور الأول أنّ فدوى تتجلّى في كلّ ما ترويه من أحداث طفولتها طفلة مقموعة بكلّ معنى الكلمة. كانت فدوى السابعة بين عشرة إخوة؛ خمسة من الذكور وخمس من الإناث، ومع ذلك، كانتْ أمّها تحدّثها أنّها حاولت الإجهاض "على دورها". كأنّما لتذكّرها أنّها شخصيّة غير مرغوب فيها. أمّا ابوها فرغم غضبه لمحاولة الإجهاض، إلّا أنّه كان يطمع بصبيّ خامس، فخيّبت فدوى أمله وتوقّعه. كذلك أصيبت فدوى في صغرها بمرض الملاريا، فترك ذلك آثاره في صفرة تعلو وجهها. إلّا أنّ هذه الصفرة لم تبعث الرحمة والشفقة في قلوب مَن حولها، بل غدتْ مصدرا للتندّر والسخرية بالذات: "وكان شحوبي ونحولي مصدرا للتندّر والفكاهة، وإطلاق النعوت الجارحة عليّ: تعالي يا صفراء، روحي يا خضراء.. وهكذا كنت أنزوي في ليلة القدر عند ركن في ساحة الدار المكشوفة أو عند شجرة من أشجار النارنج وأرفع وجهي إلى السماء ضارعة إليها أن تجعل لخديّ لونا جميلا مشربا بالحمرة حتى يكفّوا عن تسميتي بالصفراء والخضراء. فقد كانت تلك التسمية تجرح إحساسي إلى درجة كبيرة". وإذا كان هذا الظلم من "تقاليد" الفكر الرجعي في موقفه من المرأة بوجه عام، فإنّ فدوى لاقتْ من الظلم والتجريح ما لم تعرفه أختها "فتايا" مثلا، ممّا يجعل الظلم بالطبع أشدّ مضاضة: "كنت أقف دائما موقفا سلبيّا مستسلما تجاه ما يُغضب أو يثير، فما ملكت يوما الصوت الجريء لأرفعه أمامهم بالاحتجاج. أمّا شقيقتي "فتايا" فكانت ذات تركيب نفسي مختلف تماما: لا تخفض رأسها ولا تبالي بمن رضي أو سخط". ولماذا كانت أختها "فتايا" ذات تركيب نفسيّ مختلف؟ لم تذكر فدوى سبب ذلك في كتابها، فلعلّها خجلت من ذكر السبب. إلا أنّها في الفصول التي نُشرت في "الجديد" قبل طباعة الكتاب، صرّحت قائلة: "وكان أبي يحبّها [فتايا] ويطلق عليها اسم المسكوبيّة للشبه الكبير بين ملامحها وملامح المرأة الروسيّة، بوجهها الأبيض المستدير الممتلئ، وسمنتها المشدودة غير المترهّلة". لم تعانِ فدوى كلّ الويلات في البيت إذن لكونها أنثى فحسب، بل لأنّها غير جميلة، أو لنقل "بشعة" أيضا، في نظر أفراد أسرتها، وأبوها أوّلهم.
ولعلّ أكثر أحداث صباها إيلاما ما كان جرى لها مع الغلام الذي كان يتابعها في طريقها إلى المدرسة ومنها، فكانت نتيجة هذه المتابعة ومحاولة التواصل معها وبالاً عليها ودمارًا على حاضر فدوى الفتاة ومستقبلها أيضا: "كان التواصل الوحيد الذي جرى لي مع الغلام هو زهرة فلّ ركض إليّ بها ذات يوم صبيّ صغير في "حارة العقبة" وأنا في طريقي إلى بيت خالتي. ثم حلّت اللعنة التي تضع النهاية لكلّ الأشياء الجميلة. كان هناك من يراقب المتابعة فوشى بالأمر لأخي يوسف. ودخل يوسف عليّ كزوبعة هائجة: "قولي الصدق".. وقلتُ الصدق لأنجو من اللغة الوحيدة التي كان يخاطب بها الآخرين، العنف والضرب بقبضتين حديديّتين، وكان يتمتّع بقوّة بدنيّة كبيرة لفرط ممارسته رياضة رفع الأثقال. أصدر حكمه القاضي بالإقامة الجبريّة في البيت حتّى يوم مماتي.. كما هدّدني بالقتل إذا أنا تخطّيت عتبة المنزل. وخرج من الدار لتأديب الغلام". هكذا وبهذه السهولة، يقرر أخوها لأتفه الأسباب حبسها في البيت، ومنعها من مواصلة تعلّمها في المدرسة. والأنكى من ذلك أنّ الوالد يسأل أمّها عن سبب انقطاعها عن المدرسة، فتجيبه بأن "القصص كثيرة هذه الأيّام حول البنات، فمِن الأفضل، وقد بلغت هذه السنّ، أن تبقى في البيت"، فلا يكون ردّه سوى الموافقة فورا، دونما سؤال أو استفسار، والخروج من البيت!
في هذا الجو الخانق القامع عاشت فدوى طفولتها وصباها، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، تمشي مطأطئة الرأس وقد شوّهوها أمام نفسها، تخجل بأنوثتها فتحاول إخفاءها، ويمزّق ابن عمّها الكبير فستانها لأنه يُكسبها منظرا جميلا!
فهل نعجب بعد كلّ ما مرّ بها من إهانة وتجريح واضطهاد وقهر وإذلال، أن تحاول الانتحار رغبة في الخلاص من هذه الحياة: "كان شعوري بالاغتراب يتكثّف، وبدأ إحساسي باستلاب أحلامي وأمانيّ وتطلّعاتي الطموحة يتّخذ صفة مرَضيّة. في هذه المرحلة بالذات ابتلعتُ محتويات زجاجة الأسبرين بكاملها، وكان طبيب العائلة الدكتور نديم صلاح هو الذي أنقذني من الموت الذي أصبح ملاذي الوحيد للخلاص مما كنت فيه من عذاب".
في قصيدة بعنوان "في ضباب الأمل"، تشرح فدوى أيضا بأسلوب شعري مباشر، لماذا يكون الموت، في نظرها، خيرا من الحياة:
لمَ جئتُ للدنيا؟ أجئتُ لغاية هي فوق ظنّي
أملأتُ في الدنيا فراغا خافيًا في الغيب عنّي؟
أيحسّ هذا الكون نقصًا حينما أُخلي مكاني؟!
وأروح لم أخلف ورائي فيه جزءا من كياني؟!
هذي حياتي، خيبة وتمزّق يجتاح ذاتي
هذه حياتي، فيمَ أحياها؟ وما معنى حياتي؟!
بعد هذا التفصيل لعذابات فدوى وإحباطاتها وعالمها الأسود المسدود في وجهها، نعجب فعلا للكاتبة تهاني شاكر حين تحاول، بشكل أو بآخر، التفتيش عن الذنب في فدوى ذاتها؛ كأنّما الميل إلى الحزن هو ما صبغ حياتها في العائلة باللون الأسود، لا تلك الحياة التي سردتْها فدوى في سيرتها بصدق وشجاعة : "ومن السمات التي تبرز في شخصيّة فدوى أيضا، الميل إلى الحزن، فهي تُضفي على كثير من المواقف مأساويّة غير واقعيّة، مثال ذلك قضيّة القيود المفروضة على حرّيّة المرأة، وحركتها، وعلاقاتها. فهي قضيّة عامّة لها سلبيّاتها وإيجابيّاتها، وهي لا تخصّها وحدها، بل تخصّ النساء جميعهنّ [ ... ] ويبدو من خلال السيرة أنّها الوحيدة بين إخوانها وأخواتها التي تعاني من علاقتها بوالديها، وممّا لا شكّ فيه أنّ الوالدين لم يعاملا إخوتها أفضل من معاملتهما لها، لكنّ شخصيّتها كانت أكثر شفافيّة وميلا إلى الحزن منهم".
في هذا الجو المظلم الخانق، الذي عاشته فدوى، كان أخوها، الشاعر إبراهيم طوقان، مصدر الضوء الوحيد؛ المخلّص الذي أخذ بيدها محاولا تعويضها عمّا خسرتْه من العلم والودّ والحنان: "مع وجه إبراهيم أشرق وجه الله على حياتي.. أوّل هديّة تلقّيتها في صغري كانت منه. أوّل سَفر من أسفار حياتي كان برفقته. هو الوحيد الذي ملأ الفراغ النفسيّ الذي عانيتُه بعد فقدان عمّي. والطفولة التي كانت تبحث عن أب آخر يحتضنها بصورة أفضل وأجمل وجدت الأب الضائع مع الهدية الأولى والقبلة الأولى التي رافقتها". وإذا كان أخوها إبراهيم المخلّص الذي رعاها، ووهبها حنانه، وعلّمها الشعر والثقافة أيضا، فلا شكّ أن تحرّرها الحقيقي، وتلك سخرية القدر، لم يكنْ كما يستشف من سيرتها الذاتية، إلا بهزيمة 1948، وموت أبيها في السنة ذاتها أيضا"!
هناك محور مركزي آخر في سيرتها يتمثّل في العلاقة الغريبة التي كانت بين فدوى وأبيها. كل ما لاقت في البيت من شرور كان مصدره الأب نفسه، أو من يعملون باسمه. فالأب يحكم البيت حكما مستبدّا، هو الآمر الناهي، ولا يرتفع في البيت صوت فوق صوته. حتى الشيخة التي تصفها فدوى بأنها "صاحبة الهيبة والسلطة، والبوليس السرّي الذي يعمل لحساب أرباب العائلة، ويقدّم لهم التقارير بما يجري في البيت"، حتى الشيخة ما كانت لتستطيع إصدار الأمر والنهي على نساء العائلة، واستغابة عباد الله وانتقادهم بحقد ومرارة، لو لم تستمدّ سلطاتها من أخيها والد فدوى.
ذكرنا آنفا قصيدة فدوى "هو وهي"، حيث تصف البيت الذي تعيش فيه بالسجن، وفي هذا السجن وحش رهيب، جلاد لئيم، ربيب الحقد والأذى والشرور، بحيث تعلّمتْ "اختلاط الثورة والبغض في دمها". وفي سيرتها تذكر من جديد قصيدة "هو وهي" المذكورة والجلّاد الذي ذكرتْه فيها: "ظلّتْ مراهقتي هدفا لسيف "الجلاد" الذي ذكرتُه فيما بعد في قصيدتي "هو وهي"، وفي كثير من قصائد "وحدي مع الأيام". فقد كان ذلك السوط على يفاعتي بدعوى التقاليد والمقاييس الأخلاقية الظالمة. كنت أعرف أن الضغوط لم تكنْ تتعلّق بالتقاليد بمقدار ما كانتْ تنفيسا عن غيظ وحقد، بسبب مسيرة الشِعر التي بدأتُ أغذّ السير فيها بتصوّف غريب".
فمن هو "الجلاد" الذي يحكم هذا السجن، فيبعث الرعب في أبناء البيت؟ القصيدة تومئ بصراحة، كما أسلفنا، إلى الوالد صاحب الأمر والنهي، ومصدر السلطات كلّها في البيت. إلّا أنّ فدوى في سيرتها تجنّبت الصراحة والمباشرة، فعمدتْ إلى التعميم والتجريد بإيرادها الجلّاد بين هلالين، وأضافتْ إليه السيف توسّلا إلى المعنى المجازي، وابتعادًا عن التحديد والتشخيص. وفي حوار مع فدوى أجرته الكاتبة ليانة بدر، تشير فدوى في أكثر من موضع إلى أنّ "الجلاد" هو ابن عمّها، إلّا أنّ السياق في القصيدة لا يدعم رأيها المذكور، بل لعلّ في إشارتها إلى قريبها المذكور، وتسميته "الجلاد" ثلاث مرّات في الحوار ذاته، ما يشي بمحاولتها نفي التهمة عن أبيها بعد سنوات طويلة على قصيدتها الصارخة تلك! لسنا هنا حيال بحث نفسي، ولكنّ قراءة القصيدة، وصورة الأب كما تتمثل في السيرة أيضا، جعلتْنا نقرر في شبه يقين أن "الجلاد" المذكور في القصيدة والسيرة ليس إلّا أباها، وأنّها كانتْ تكنّ لوالدها الكره أو "البغض" فعلا، كما ورد في القصيدة. إنها واقعة جارحة محرجة يصعب على المرء عامّة، وعلى من تربّى على التقاليد الشرقيّة و"قدسيّة العائلة" بالذات، الاعتراف بها. من هنا كانت المداورة والالتفاف والتهرّب من التصريح المباشر في السيرة. تذكر والدها في السيرة في أكثر من موضع، بأسلوب المداورة المذكور، وتترك لقارئها استخلاص عاطفتها المحددة نحوه: "أمّا أبي فكان جافّا، لا يترك لي ولإخوتي مجالا لنتقرّب إليه أكثر. وقد ظلّ حضوره يبعث في نفسي الضيق منذ طفولتي". وإذ تحاول تحديد مشاعرها نحو والدها تلجأ إلى أسلوب فيه كثير من التحفّظ والتحرّج: "لم أكنْ أحمل لأبي عاطفة قويّة، بل ظلّ شعوري تجاهه أقرب ما يكون إلى الحياديّة، لم أبغضه ولكنّي لم أحبّه". يصعب على القارئ تخيّل هذه المنطقة "الحيادية" بين الحبّ والبغض، وتجاه الوالد بالذات. كما أنّها في الحوار السابق ذاته، مع ليانة بدر، تصرّح بأنها أحسّت باليتم يوم فقدتْ أخاها إبراهيم، ولم تحسّه عند وفاة أبيها، لأن "فجوة وجدانية" كانت بينها وبين أبيها. وكيف ستكون مشاعر فتاة نحو والد يرى ابنته تنقطع عن الدراسة لأنّ "القصص تكثر حول البنات"، فيوافق فورا على هذا القرار الجائر، دونما تفسيرات أو مبرّرات. بل يتحدّث إليها أيضا "بصيغة الغائب" وهي ماثلة أمام عينيه، قائلا لأمها "قولي للبنت تفعل كذا وكذا"؟ وإذا كانت فدوى في سيرتها عمدتْ إلى تجنّب التصريح بكره أبيها، بل نفتْ ذلك قائلة: "لم أبغضه ولكن لم أحبّه"، وهو نفي لا يختلف في دلالته العميقة عن الإثبات، فقد عبّرت في رسائلها إلى أنور المعدّاوي عن "بغض الأهل" صراحة: "إنني كنت حدّثت أنور في بعض تلك الرسائل عن إصابتي في مرض بغض الأهل، لشدّة ما كنت أعاني من اضطهاد وظلم وفظاظة من قبل بعض أفراد أسرتي".
نخلص إلى القول إن علاقة فدوى بأبيها، كما سردتْها في سيرتها على الأقل، تشكّل "اعترافا" صادعا، خرقتْ فيه كل التقاليد والمواضعات المتوارثة في العائلة العربية، فأصابت بذلك "قدسية" الرابطة العائلية في الصميم!
تجلّت جرأة فدوى وتحدّيها العادات والتقاليد، في محور ثالث أيضا، تردّد في سيرتها في أكثر من موضع، وهو محور الحبّ والعلاقة العاطفية. تذكر فدوى في مقدّمة "رحلة صعبة" انّها لم تفتح خزانة حياتها كلّها، لأنّها لا ترى من الضروري نبش كلّ الخصوصيات. إلّا أنّها لا تعلّل ذلك بالخوف من القرّاء والبيئة المحافظة، وإنما لأنّ "هناك أشياء عزيزة ونفيسة، نؤْثر أنْ نبقيها كامنة في زاوية من أرواحنا بعيدة عن العيون المتطفّلة، فلا بدّ من إبقاء الغلالة مسدلة على بعض جوانب هذه الروح صونًا لها من الابتذال". إلّا أنّها، مع ذلك، تذكر في "رحلة صعبة" أنّ الحبّ في حياتها هو ما يجعل للحياة معنى، هو كل شيء: "بالنسبة لي ظلّ الحبّ يحمل مفهوما أوسع من كونه تأكيدًا لأنوثة المرأة، ظلّ بالنسبة لي تأكيدًا لإنسانيّتي المسحوقة، وإنقاذا لها. ولقد بقيتُ طول عمري مشدودة إلى الحبّ، مدفوعة بعاطفة شعريّة يصعب توضيحها [...] بقي هو الشعلة الأكثر اجتذابا في مجالات الحياة المختلفة". بل إنّها في موضع آخر تكاد تكتب قصيدة في تمجيد الحبّ وتقديسه: "في لحظات الحبّ يحسّ الإنسان بإنسانيّته تتكثّف، يخرج من القطب الجليديّ المعزول ويرحل إلى الوهج والإشراق، ويصبح الآخر كأنّما هو الجسر إلى كوْن التمّت أجزاؤه المبعثرة، وأصبح كلّا واحدا بلا انهيارات، كون هو الطريق إلى العافية النفسيّة والروحيّة بكلّ ما فيها من حلاوات ومرارات وتناقضات ومفارقات، كون جميل وقاسٍ وحنون كالحياة نفسها [...] لا غرابة في أن يحبّ القلب الواحد أكثر من مرّة، فمن الشذوذ أن يتجمّد قلب الإنسان عند شخص معيّن طول الحياة. إنّها ظاهرة طبيعيّة أن تنشأ في القلب وتتكرّر أكثر من علاقة".
لم تذكر فدوى الذين أحبّتهم بالاسم: هناك حبيب من القاهرة، هو أنور المعدّاوي، ذكرتْه في "صفحات من مفكّرة"، وهي تصف هذا الحبّ بكثير من الانفعال بأنه حبّ حقيقي وواقعي: "عودة إلى القاهرة. ما أغرب قلب الإنسان! على غير ميعاد أو توقّع وجدتني ألتقي بإنسان كنت قد أحببتُه منذ أكثر من عشرين عاما لم نلتقِ خلالها أبدًا. كنتُ قد أحببْته إلى حدّ الرغبة في الموت، كان أوّل حبّ واقعي وحقيقي، وقف في نهر حياتي كحاجز هائل اعترض مسيره، وأوقف جريانه، حتّى راحت مياه النهر تعلو وتعلو مع كلّ يوم جديد لتستحيل إلى دوّامة مخيفة، تدور بي وتلفّني وتفصلني عن العالم الخارجي من حولي". وهناك أيضا "الصديق الغريب"، يتردّد لقاؤهما واسمه المستعار غير مرّة. ويبدو أنّه رجل أجنبي، دبلوماسي ربّما، تعرفّت عليه في حفلة من حفلات الكوكتيل، واستمرّت العلاقة بينهما. وهناك أخيرا صديق إنجليزي، كنّتْ عنه بالحرفينA.G. ، أحبّته خلال زيارتها إلى أكسفورد، فكان حبّا قويّا لقيتْ فيه الراحة والسعادة: "كانت تجربة باهرة ستظلّ ذكراها تبعث بالدفء إلى القلب طول الحياة، وإلى أن ينطفئ هذا القلب في رماد الموت. كان شقيق الروح .A. G جنّة لقيتُ في ظلّها الهدوء والسلام والراحة والسكينة. إنسان مؤنس وديع، بجانبه كان يغيب شعوري الدائم بأنّي قد أُلقيَ بي في عالم أقوى منّي".
المجال الأخير الذي خرقتْ فيه فدوى "الأعراف"، هو تأكيدها الذات وقضايا الذات، رغم سردها في "رحلة صعبة" حياتها خلال فترة عاصفة من تاريخ الشعب الفلسطيني. بكلمة أخرى، يمكن القول إنّها التفتتْ في "رحلة صعبة" إلى داخلها، إلى معاناتها وعذاباتها وتجاربها، ولم تولِ اهتماما كبيرا للأحداث السياسيّة منذ وعد بلفور، عام ولادتها، حتّى حرب 1967.
تظهر فدوى في سيرتها "رحلة صعبة" بعيدة عن النضال الوطني، مصابة "بمرض بغض السياسة"، وتلك هي صورتها التي انبثقتْ من سيرتها ومن مجموعاتها الأولى، وظلت "تلاحقها" حتى آخر أيامها. ففي مقابلة أجرتْها معها عزيزة نوفل، في سنة 2003، في أواخر أيّامها، عادت هذه "التهمة" إلى الظهور في أحد الأسئلة: "في فترة السبعينات اتُّهمتْ فدوى بأنّها شاعرة ذاتيّة، ماذا تقولين بذلك؟" وكان على فدوى، حتّى في أواخر أيامها، أن تدفع عنها "التهمة"، مؤكّدة أنّها لم تنخرط في نضال الجماهير إلّا بعد حرب حزيران فعلا.
كانت "رحلة صعبة" إذن خرقا للتقاليد والمواضعات في البيئة العربيّة عامّة، والنابلسيّة خاصّة، من عدّة وجوه: البوح الجريء بما عانتْ في طفولتها من اضطهاد وتشويه، وكشف عذاباتها والتنكيل بها، طفلة وفتاة، حتى اعتبرت البيت الذي نشأت فيه سجنا في أكثر من موضع، الإساءة إلى "قدسية" العائلة حين عرضت لعلاقتها بأبيها بأسلوب يستشف منه "البغض" للوالد أو "الحيادية" بتعبيرها على الأقل، سرد قصص الحب الذي كان لها بصراحة وصدق، حتى مع رجل "غريب"، وإن لم تذكر الأسماء طبعا. وأخيرا اعترافها بصدق بأنها كانت تنفر من السياسة وكتابة الشعر السياسي حتى حرب حزيران 1967 على الأقل. هذا أيضا ما عناه غسّان عبد الخالق حين ذكر أنّ الشعب الفلسطيني "أثقلته الهموم العامّة حتّى لم يعدْ لديه متّسع ــ منذ عقود ـ لأيّ همّ خاصّ" كما فعلت فدوى في سيرتها. لم تُنكر فدوى نفسُها، في سيرتها، نفورها من السياسة وكتابة الشعر السياسي/الوطني أيضا. ذلك أنّ سنوات العذاب، التي أمضتها في عائلتها،جعلتها فيما يبدو "رومانسيّة" خالصة بعواطفها ومواقفها، ونتاجها، تشغل قضاياها الذاتيّة كلّ اهتماماتها وفكرها:" لم يكنْ باستطاعتي التفاعل مع الحياة بالصورة القويّة التي يجب على الشاعر أن يتفاعل بها [...] كان أبي يأتي إليّ طالبا منّي كتابة الشعر السياسي. كان يريدني أن أملأ المكان الذي تركه إبراهيم. فكلّما برزتْ مناسبة وطنيّة أو سياسيّة أقبل عليّ يسألني الكتابة في الموضوع. وكان صوت في داخلي يرتفع بالاحتجاج الصامت: كيف وبأيّ حقّ أو منطق يطلب منّي والدي نظم الشعر السياسي وأنا حبيسة الجدران، لا أحضر مجالس الرجال ولا أسمع النقاشات الجادّة، ولا أشارك في معمعة الحياة. حتّى وطني لم أكنْ قد تعرّفتُ على وجهه بعد، فقد كان السفر محرّما عليّ".
تفسّر فدوى في هذا المقتبَس نفورها من السياسة وكتابة الشعر السياسي بأنّها كانت "حبيسة الجدران" خلال الأربعينات، لا تعرف مجالس الرجال والقضايا السياسيّة. إلّا أنّ فدوى، بعد موت أبيها أيضا، وخروجها من الجدران لم تستطع الالتحام بالقضايا العامّة، والمشاركة بشعرها في النضال الوطني، ومجموعاتها الشعريّة الأولى تشهد بذلك. بل إنّ فدوى نفسها في موضع آخر من السيرة تُقرّ بأنّها لم تعرف "الإحساس الدائم بالواقع، والالتصاق الوجداني الملازم بالقضيّة الوطنيّة، إلّا بعد حرب حزيران". ونحن نزعم أنّ فدوى ظلّت طوال حياتها "رومانسيّة"لا تستطيع الإفلات من القضايا الذاتيّة، ومن الهموم الشخصيّة، رغم كتابتها الشعر الوطني بعد 1967، ووقوع نابلس والضفّة الغربيّة كلّها تحت الاحتلال الإسرائيلي بكلّ تضييقاته وتنكيلاته وآثامه.
على كلّ حال تظهر فدوى في سيرتها "رحلة صعبة" بعيدة عن النضال الوطني، مصابة بمرض "بغض السياسة". تلك هي صورتها التي انبثقتْ من سيرتها، ومن مجموعاتها الأولى، بل ظلّت "تلاحقها" حتّى آخر أيّامها. ففي مقابلة أجرتها معها عزيزة نوفل، في سنة 2003، في أواخر أيّامها، عادت هذه "التهمة"إلى الظهور في أحد الأسئلة: "في فترة السبعينيّات اتُّهمتْ فدوى طوقان بأنّها شاعرة ذاتيّة، ماذا تقولين في ذلك؟". وكان على فدوى، حتّى في أواخر أيّامها، أن تدفع عنها هذه "التهمة"، مؤكّدة أنّها لم تنخرط في نضال الجماهير إلّا بعد حرب حزيران فعلا.
كانت "رحلة صعبة" إذن خرقا للتقاليد والمواضعات والأعراف في البيئة العربيّة عامّة، والنابلسيّة خاصّة، من عدّة وجوه: البوح الجريء بما عانتْ في طفولتها من اضطهاد وتشويه، وكشف عذاباتها والتنكيل بها، طفلة وفتاة، حتّى اعتبرت البيت الذي نشأتْ فيه سجنا في أكثر من موضع؛ الإساءة إلى "قدسيّة" العائلة حين عرضتْ لعلاقتها بأبيها بأسلوب يّستشفّ منه البغض للوالد، أو "الحياديّة" بتعبيرها على الأقلّ؛ سرد قصص الحبّ الذي كان لها بصراحة وصدق، حتّى مع رجل "غريب"، وإن لم تذكر الأسماء طبعا؛ وأخيرا اعترافها بصدق بأنّها كانت تنفر من السياسة وكتابة الشعر السياسي، حتّى حرب حزيران 1967 على الأقلّ.
في كلّ مجال من المجالات المذكورة، كانت فدوى صريحة جريئة، تستعيد ماضيها وتسرده بصدق، في نظر فدوى الكبيرة حينا، وفي نظر الطفلة المعذّبة حينا آخر، بحيث نستطيع أن نقرّر مطمئنين أنّ الرحلة الصعبة كانت خروجا متحدّيا على كل التقاليد والأعراف، ولم تخلُ من عامل المحاسبة أيضا.
في سنة 1993، بعد ثماني سنوات على صدور رحلة صعبة، أصدرت فدوى، كما أسلفنا، الجزء الثاني من سيرتها، وأسمته الرحلة الأصعب، ويتناول الفترة منذ حرب 1967 حتى مؤتمر مدريد. الكتاب من 203 صفحات، ويضمّ مقدّمة بقلم الدكتور هاشم ياغي، و27 فصلا مرقّما دون عنوان. والفصول الثلاثة الأخيرة منها جعلتْها بعنوان "أسماء ومواقف" تتحدّث فيها عن لقائها بالشاعر محمود درويش في تونس، ثمّ في قصر الثقافة بعمّان، ومرثية لذكرى الكاتبة باسمة حلاوة، ومقالة للصحفي الإسرائيلي يغئال سرينه يصف فيها لقاء فدوى طوقان بالشاعرة اليهودية دالية رابيكوفتش.
أغلب الظن أنّ فدوى يوم أصدرتْ "رحلة صعبة" لم تكنْ نوَتْ بعد مواصلة سرد سيرتها. لم يظهر في "رحلة صعبة" ما يَعِد أو يبشّر بصدور الجزء الثاني، كما أنّ حرب 1967 وردتْ في آخر الجزء الأول، ضمن باب "صفحات من مفكّرة 1966 – 1967" بما فيها الاحتلال الإسرائيلي وارتفاع الأعلام البيضاء، وهذه الحرب ذاتها كانت فاتحة كتابها الثاني أيضا. ثمّ إنّ عنوان الجزء الثاني، "الرحلة الأصعب"، يقوم على حوار عنوان الجزء الأول: إذا كانت رحلتي التي سردتُها في الجزء الأوّل "رحلة صعبة وجبلية"، فإني اليوم ساردة عليكم رحلة أصعب من سابقتها. هذا ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة "الرحلة الأصعب"، أصعب من الأولى. ولا أظنها قصدتْ أنها أصعب الرحلات مطلقا، وهي دلالة قد يحملها هذا التركيب اللغوي أيضا. يضاف أخيرا أن الجزء الثاني ظهر تحت عنوانه: "سيرة ذاتية"، تعريفا بجانر الكتاب الأدبي، بينما لم يظهر ذلك في الجزء الأول. فهل شعرت فدوى، الشاعرة المرهفة، أنّ الجزء الثاني يحتاج إلى هذا التعريف، لأنّه في الواقع ابتعد عن السيرة الذاتية في كثير أو قليل، بينما يعرّف الجزء الأول نفسه بنفسه، إذ هو سيرة ذاتية واضحة لا يرقى إليها الشك، ولذا فلا حاجة إلى التعريف؟!
الدكتور هاشم ياغي رمى في مقدمته أيضا إلى هذه المفاضلة بين رحلتيها الأولى والثانية، متبنّيا موقف فدوى في اعتبار هذه الرحلة أصعب من سابقتها: "كتبت الشاعرة المرهفة الحس فدوى طوقان رحلة جبلية صعبة [...] ثم تجيء فدوى اليوم برحلتها الأصعب التي تضعها بين أيدي القراء ليروا فيها معاناة ومتاعب وقلقا وتفاعلا مزلزلا يفوق في درجته ما كان في الرحلة الجبلية الصعبة التي أشرت إليها". ولماذا كانت الرحلة الثانية أصعب من سابقتها؟ عن هذا السؤال يجيب الدكتور ياغي في المقدمة أيضا، مقارنا بين ما اخترقت فدوى من قيود في الأولى وفي الثانية، أو لنقل بين معاناة فدوى في الفترة الأولى من حياتها ومعاناتها في ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، فيقول: "فإذا كان هذا الكتاب، أي الرحلة الأصعب، يلي كتاب فدوى السابق أي الرحلة الجبلية الصعبة، فإنما يبيّن أن فدوى الشاعرة، قد استطاعت أن تخرق قيودا اجتماعية عاتية في كتابها السابق، واستطاعت كذلك، أن تخترق محطات جهنمية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية يخططها عدوّ شرس لا يعرف الهوادة في جشعه ونهمه لابتلاع حضارة كاملة في شعب فدوى وقومها".
لا جدال في وحشيّة الاحتلال الإسرائيلي، بل إنّ كلّ احتلال وحشي بطبيعته. أمّا أنّ معاناة فدوى، والكتاب سيرة ذاتية لفدوى، كانت تحت الاحتلال أعتى منها في طفولتها وصباها، فهذا ما يصعب الأخذ به فعلا. الكاتبة تهاني شاكر، وقد عرضتْ في كتابها بتفصيل شديد لمحتويات الكتابين، حاولتْ أيضا تفسير هذا الانعطاف الحادّ بين الرحلتين؛ الانتقال بالسيرة من الداخل إلى الخارج، من الذات وهموم الذات إلى الجماعة وقضاياها الوطنيّة، فردّتْ ذلك إلى تغيّر شخصيّة فدوى. كأنّما فدوى كاتبة الرحلة الأولى هي فدوى الفتاة المقموعة، وفدوى كاتبة الثانية هي فدوى الكبيرة الناضجة المسكونة بالقضيّة الوطنية: "كانت فدوى قبل عام 1967 تتمنى أن ترتمي في حضن الجماعة، فتعيش حياتها واهتماماتها ومواقفها المتصلة بالقضايا الوطنية، لكن ذلك فوق قدرتها. وبعد نكبة 1967 تغيرت شخصيتها تغيّرا تاما، إذ تلاشت همومها الخاصّة، وأصبحت مسكونة بالهمّ الجماعي، وبقضية فلسطين [...] ولا بدّ أن الزمن قد لعب دورًا في تغيير شخصيتها، فهي لم تعد شابة صغيرة تسعى لإثبات وجودها في الساحة الأدبية، أو إثبات إنسانيتها من خلال إقامة علاقات غرامية".
في رأينا، وهو اجتهاد شخصي قد نصيب فيه وقد نخطئ، أن فدوى كتبتْ "رحلة صعبة" باعتبارها سيرة ذاتية اعترافية، عرضتْ فيها لكلّ ما عانتْه في حياتها بصراحة وجرأة نادرتين، مدركة أثناء كتابتها وفيما بعد كتابتها أيضا، أنّها خرقتْ "محرّمات" كثيرة وداستْ مواضعات أكثر. ومثل هذه السيرة الاعترافية لا بدّ أنّها أثارتْ نقدا واستهجانا في أوساط محافظة كثيرة في بيئتها القريبة والبعيدة، بل لعلّها هي أيضا التفتتْ بعد حين إلى ما كتبتْه، فوجدتْه "لائحة اتهام" طويلة ضدّ عائلتها والمجتمع النابلسي المحافظ، وانصرافا إلى الذات في "مجتمع يخوض غمار تحرّر وطني حتى لم يعد لديه متسع لأي همّ خاص" – شعرتْ بذلك كلّه، فرأتْ أن تكتب الجزء الثاني من سيرتها "تكفيرا" عمّا كان في جزئها الأول، ودفعًا لاتهامها بأنها "شاعرة ذاتية" لا همّ لها إلا الذات وقضايا الذات!
نلقي نظرة سريعة على "الرحلة الأصعب" فنجد أن فدوى تحوّلتْ من الراوي البطل في الجزء الأوّل إلى الراوي الشاهد، بالمصطلحات الروائية، في الجزء الثاني. فباستثناء بعض اللقاءات والندوات المتّصلة بالشعر، تسرد فدوى قصّة الاحتلال الإسرائيلي، ونضال الشعب الفلسطيني المناهض للاحتلال: الخامس من حزيران، سقوط سيناء والجولان والضفة، خاصة نابلس، مقاومة الاحتلال، تهويد القدس، المناضلات من نابلس، لقاؤها بديّان وجمال عبد الناصر، زيارة غزة، الصدام بين فرقة عوفر والفلسطينيين، الجسور المفتوحة والتصاريح، اعتذار طويل عن العنف في قصيدتها "آهات أمام شباك التذاكر"، لقاؤها بشخصيات يسارية إسرائيلية مثل حنة زيمر، دالية ربيكوفتش، فليتسيا لانغر.. باختصار كلّها موضوعات سياسيّة، أو تتّصل بالسياسة. حتّى زيارة حيفا ولقاؤها بالشعراء العرب في إسرائيل، وقصائدها التي تأتي على ذكرها في الكتاب تتّصل بالسياسة أيضا. أمّا فدوى الشاعرة التي تروي سيرتها الذاتيّة فقد ضاعتْ في ركام الأحداث السياسيّة، أو تحوّل كتابها من سيرة ذاتية إلى ما يشبه المذكّرات السياسية.
حتى الأسلوب تحوّل من أسلوب ذاتي "رومانسي" هادئ في الرحلة الأولى إلى أسلوب سياسي مباشر يحفل بالخطابيّة والمباشرة والشعارات الجاهزة، وبضمير الجماعة في أحيان كثيرة: "لم يكنْ بيت حمزة أوّل بيت فجّره ديناميت جيش الاحتلال، ولن يكون بالتأكيد آخر بيت.. ما أكثر أصحاب البيوت الذين مرّوا بتجربة حمزة. وتظلّ القافلة تسير قدما، وتظلّ التضحيات والقرابين والأضاحي تُبذل بسخاء على مذبح الوطن المقدّس، ويظلّ تيّار المقاومة، مدفوعا بأيدي الشبيبة الباقين والأطفال الذين كبروا قبل الأوان، يقف سدّا معرقلا في وجه طغيان الاحتلال وجبروته". والقارئ يتابع القراءة ويسأل: هل هذه هي فدوى طوقان الشاعرة أم هي تخفّت بزيّ صحافيّ؟
في رحلتها الثانية انتقلت فدوى من المركز إلى الرصيف، ومن السيرة الذاتية الاعترافية إلى كتابة هي أقرب إلى التقرير السياسي. قد تكون في كتابها الثاني ساهمت في مقاومة الاحتلال، وسعتْ إلى المصالحة مع جميع من تعرّضوا لها بالنقد الشديد في الكتاب الأول، فدفعتْ عنها التهمة بالذاتية والابتعاد عن نضال الجماهير، بلْ لعلّها حققتْ أيضا ما أراده منها أبوها بعد وفاة أخيها إبراهيم. إلّا أنّ كتابها هذا يصعب تصنيفه من السيرة الذاتية بمفهومها الضيّق، رغم العنوان الثانوي على الغلاف. ذلك أن المسرح يحفل بالسياسة والأحداث السياسية والشخصيات السياسية. أمّا الذات فانزوت بعيدا حتى لا نكاد نبصر بها.
وأخيرا: هل رحلة فدوى هذه، وقد غدتْ شاعرة كبيرة وشخصيّة مرموقة، يستقبلها بالحفاوة والتكريم جمال عبد الناصر وموشيه ديان أيضا؛ هل رحلة فدوى هذه أصعب من رحلة الفتاة المقموعة "بين الجدران"، أم هو الأسلوب الخطابي المغالي طغى على اسم الكتاب أيضا؟!
[email protected]



#سليمان_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغزل احتجاجا؛ قراءة في غزل الجواهري المكشوف
- كاتب عصري !
- المفتّشة اليهوديّة !
- سالم لأنّه ظلّ.. سالما !
- ضحايا -أبو عمر-!
- كيف أتدبّر بعدها ؟!
- نوافذ الستر
- القناعة كنز لا يفنى ؟!
- رومانسيّة مشايخ؟!
- ريتا الواقع والقناع
- لم أتغيّر.. وقفت على الرصيف !
- رفضتنا حيفا.. فاستقبلتنا تل أبيب في الأحضان !
- المنايا خبط عشواء !
- هذيك الأيّام؛ مارون عبّود أبو محمّد !
- الرحيل الافتراضي !
- وحدي ؟!
- هذيك الأيّام: ماذا سيقولون في القرية؟!
- غسلا للعار ؟!!
- هوامش للغتنا المعاصرة 2
- هل استقى شوقي حكايته من الفولكلور اللبناني ؟!


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - الصعب والأصعب في رحلة فدوى طوقان