أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الزهيري - قسوة ..














المزيد.....

قسوة ..


محمود الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 5936 - 2018 / 7 / 17 - 08:15
المحور: الادب والفن
    


إنها الحيرة والإرتباك والتشويش علي كل الأفكار والرؤي والتصورات المعبأة بها عقولنا التي في أدمغتنا , والتي تستشعرها بالتوازي أفئدتنا التي صارت هواء , تتلقي الشهيق الملوث , وتنفث الزفير الطائر علي أجنحة تأزماتنا وأوجاعنا وقلة حيلنا وضيق ذات اليد , وهذه الحيرة تأتي بالتزامن مع الحيرة والتشوش والإرتباك الذي صار متلازماً مع كل حركاتنا وسكناتنا , لتنتهي بالقسوة كما بدأت بها , خاصة وأن القرارات السياسية التي تصدرها السلطة الحاكمة بإسم الشعب , ومعها كافة القوانين كذلك , ليست بإسم الشعب , وليست بوزاع من ضميره وأخلاقه , وليست نابعة من إرادته الحرة المستنيرة الواعية والمدركة لإرادة القانون وصيرورة نفاذه في حق الشعب المنتمي لهذا الوطن المكلوم المحزون المثقل بالهموم والأوجاع والأحزان , فصارت القرارات والقوانين بمثابة أدوات خادمة للسلطة الحاكمة , وأدوات قهر للمحكومين الفقراء المرضي والبائسين ممن أثقلت القرارات والقوانين الإقتصادية علي كاهلهم بما لايستطيعوا معه تحمله , فصاروا كالمصابين بالأمراض النفسية يحدثوا أنفسهم بأنفسهم بأصوات مسموعة لامهموسة , ويطرحوا الأسئلة تلو الأسئلة ولا يجدوا إجابات عليها , فهذا رجل خمسيني أذلته الأمراض واحتقرته الحياة , وتسلطت علي جسده وفقره واحتياجه كل كلاب الأرض ممن يكفروا بإنسانية الإنسان , ونزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة واستبدلت بالجحود والقسوة , وهذه إمرأة شارفت علي إكتمال النصف الأول من العقد الخامس , وكأنها ممن تخرجوا إلي حياة المعاش بعد الستين , فصارت كتلة من الشحوم والدهون , اتشحت بالسواد , وغطت الرأس بخمار لايخفي ثقل الدهون علي جسدها الذي صار مترهلاً , وتجر أقدامها بصعوبة حتي يكاد يتشابه المشي مع الزحف الثقيل المنهك , وتتعاطي أدوية السكر والضغط بجانب المرض المزمن اللعين سرطان الكبد , وهذا طفل لم يكتمل عامه التاسع ومصاب بفشل كلوي , ويتردد علي الغسيل ثلاث مرات أسبوعياً , بتكاليف ترهق وتخنق إنسانية الفقراء , وهذه فتاة في بداية العقد الثالث ,ضاقت بها حياة الأسرة وسكناها المكون من حجرتين وصالة ومطبخ وحمام , ليتم إستخدام الصالة كحجرة نوم للأب والأبناء الذكور , ويتم هدم الحائط بين دورة المياه والمطبخ لتوسعة المطبخ واستخدامه حجرة نوم واستبدال الحائط بينهما بستارة من القماش , فماذا تصنع هذه الفتاة التي صارت حياتها سجن ضيق , وصار جسدها كذلك بمثابة سجن لروحها التي تسكن هذا الجسد المهدود المكدود المرهق , الشاحب من سوء التغذية وأمرض الفقر ..
أب عاجز وأم كذلك , وفتاة وقفت الحياة عند حدود عملها بمصنع الدخان , الذي أنهك صحتها وصار ت رئتيها وقلبها مخنوقون علي الدوام , فهي لاتستطيع أن تتغيب عن العمل لعلاج نفسها والمساعدة في علاج والدها ووالدتها , ومساعدتهما في تحمل أعباء المعيشة المريرة هما وأشقاؤها الصغار , لدرجة أنها كرهت الحياة , والناس , ومصنع الدخان والمواصلات والشوارع والمباني الحكومية والمستشفيات العمومية والمساجد والكنائس , وحتي أفران الخبز البلدي , حيث جسدها الساكن فيه روحها المعذبة , صار هو الآخر يتعذب من التحرش المستمر به والتلاسنات والملامسات المخجلة والخادشة للحياء العام ولحيائها كأنثي , وكأن وجودها بينهم بلا زواج منحة من القدر حيث تري والدتها ووالدها أن قطار الزواج قد فاتها بمراحل , وأن فوات هذا القطار صار لمصلحة هذه الأسرة المعذبة , إلي أن إزدادت تكاليف المعيشة , ومصاعب الحياة , وارتفاع أسعار الأدوية والعلاج , بالتساوي أحياناً وبالتوازي أحياناً أخري مع كافة السلع الغذائية وغيرها , وصارت الأسرة غير قادرة علي سداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز , وبالطبع تكاليف فواتير العلاج والأدوية , فمرت بحالة يأس مروعة , إلي أن اختارت مضطرة طريق الجسد , وهذا مقابل مبالغ تتعاطاها لسداد هذه التكاليف , وصار الأب والأم وكأنهما لديهما العلم التام بما تصنعه إبنتهما من صنائع , تكسر الأنوف وتذل النفوس حسب الموروث الديني والإجتماعي, ولا يستطيعا الكلام معها إلا عبر نظرات الحسرة والألم , إلي أن شاهدها أحد الأشخاص من الأقرباء من ذوات المسبحة والمسواك واللحية واللباس القصير , فما كان منه إلا أن تتبعها , وتيقن من صنيعها , ليواجهها بأمرها , ويخبر أسرتها , فما كان منها إلا أن رحلت بإرادتها عن دنيا الحقراء بإلقاء جسدها المكدود تحت عجلات سيارة مسرعة , لتلقي حتفها صريعة مضرجة بدمائها المختلط بلحمها لتفارق روحها هذا الجسد , إلي حيث تريد أن ترحل , وتظل الأسرة بكاملها محرومة من نعمة الموت قتلاً بالمرض أو تحت عجلات سيارة كالتي صرعت إبنتهم , لعلهم يلتقوا بالراحة الأبدية , إلا أنهم مصابون بالرعب من تكفيرهم بإختيارهم لموتهم حسب فتوي من تسبب في مقتل فتاتهم , والتي كانت حياتها في البدء قاسية , وتنتهي بقسوة الموت قتلاً !!



#محمود_الزهيري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هي كل حياة !!
- حقاً مأساة
- حوار النبوءة : جرائم الماضي والحاضر , واختلاف الأسماء والمسم ...
- مالهذه الطفلة والشيطان ؟!
- رسالة من إبنته سمر: في الذكري ال 26 لإغتيال الشاهد الشهيد فر ...
- علي شرط التجريد: جدل العقل والنص , لمن يكون النصر !؟
- عن رؤية الشاعرة هدي أمين : الفتوي في نقطتين !!
- اليقين والثابت والمتغير !!
- عن تهديدات سيرجيو راموس وأسرته بالقتل : فماذا عن محمد صلاح و ...
- العكاز ..
- تحت راية السجان !!
- الأربعاء الأسود : من زكريات 25 مايو -آيار- 2005 ..
- زكري العار : الأربعاء الأسود 25 مايو - آيار - 2005 !!
- عن إختطاف وائل عباس واحتجازه : فماذا بعد !؟
- قدسية الشيخ والبابا بقرار إداري , وليس بقرار سماوي !!
- إبراهيم عيسي .. وأزمة مفهوم الصيام !!
- الأصل والصورة : رحلة في عقل متأمل!! *
- العلمانية وازدراء الأديان .. أزمة الأوصياء وأبناء الطاعة الع ...
- إزدراء الأديان أم إزدراء الإنسان !؟
- إلي سحر الجعارة : سيوفهم من خشب .. وسيوفنا عقولنا!!


المزيد.....




- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الزهيري - قسوة ..