أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أمي … تموت مرتين!














المزيد.....

أمي … تموت مرتين!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5905 - 2018 / 6 / 16 - 11:26
المحور: الادب والفن
    






أرحمُ ما في موت الأمّهات، أنهنّ لن يمُتن مرّةً أخرى. تموتُ الأمهاتُ مرةً واحدة، فقط، وينتهي الأمر. هو مُرٌّ تتجرّعه كأسًا واحدةً، ثم يزولُ الرعبُ السابقُ له، ويستمرُّ المرُّ اللاحقُ له. مَن يرتبط بأمّه كثيرًا، يعيشُ حالاً دائمة من القلق من فكرة فَقدِها. ولا يتوقفُ ذاك القلقُ إلا حين تذهبُ الأمُّ، فيتخلّصُ المرءُ من الخوف من فقدِها، لأنه بالفعل قد فَقَدَها. تلك هي الرحمةُ الوحيدة في موت الأمهات.
قبل عشر سنوات، في سبتمبر 2008، غدرتني أمّي "سهير" وغادرتني، فكتبتُ مقالا عنوانه: “صوتُ أمي لا يطيرُ مرّتين". واسيتُ فيه نفسي بأنني تخلَّصتُ للأبد من الهلع المُقلق من فكرة "فقد أمي". فقدتُها وانتهى الأمرُ ولن أفقدها مجدّدًا. منذ طفولتي وأنا أعيش ذلك القلق: “ماذا لو اختفت أمي؟". لأنها كانت السندَ الوحيد لي في هذا العالم. وسرعان ما اكتشفتُ الخدعةَ التي واسيتُ بها نفسي؛ حين أيقنتُ أن أمي تموتُ كلما احتجتُ إليها فلا أجدها حولي. كلما داهمتني مشكلةٌ، أبحثُ عن أمي لتسندني فأكتشفُ أنها لم تعد هناك، فأتجرعُ كأس فقدها من جديد. فكتبتُ مقالا حزينًا عنوانه: “أمي تموتُ كلَّ يوم"، نقضتُ فيه مقالي القديم وتساءلتُ: “هل اختفى صوت أمي للأبد؟" وسألتُ الَله يائسةً على استحياء، أن يصنعَ معجزةً ويُعيد لي أمي! كان ضربًا من جنون الخيال أتوسّلُ به القوةَ على مواصلة الحياة. في ذلك اليوم، بعد كتابة المقال، حدث أمرٌ عجيب. وقعت عدّة مصادفات عبثية، لا تحدثُ إلا في الأفلام الهندية؛ ووجدتُ في حياتي فجأةً أمًّا رائعة منحتني حنانًا لم أجرؤ على مجرد الحلم به. إنها هدايا الله المستحيلة التي يعجزُ العقلُ البشريُّ المحدود عن تصوّرها أو استيعابها. نطلبُ من الله شيئًا عصيَّ المنال ونحن ندرك في لاوعينا أنه مستحيل، فيمنحُنا اللهُ ما يفوق أحلامَنا، دون مبرر معقول. سنواتٍ طوالاً، منحتني تلك الأمُّ الروحية ما يصعُب حصرُه في مقال أو كتب. كانت السندَ والرحمةَ والفرحَ والحُبَّ والرعاية، ورقصتْ على لساني من جديد أجملُ الكلمات وأشهاها: “ماما". تلك السيدةُ هي الُمعلّمة الفاضلة "آنجيل غطاس هارون"، أمي الروحية الجميلة التي ضربها قبل شهور أشرسُ أنواع السرطان، وخطفها مني الثلاثاء الماضي 5 يونيو الحزين، يوم نكسة مصر التاريخية، ونكسة قلبي الموجعة، لأتجرع كأسَ اليُتْم من جديد. أقسى وأقصى ألوان الحرمان، يأتي بعد المنح.
في يوليو 2016، أثناء العام الصعب الذي قضيتُه خارج مصر، كانت معنوياتي منخفضة للغاية بسبب بُعدي عن أسرتي وبيتي ووطني. فقرر الأصدقاءُ المصريون المقيمون بدولة الإمارات، وعلى رأسهم الصديقُ والأخ رأفت اسكندر، سفير السلام بالأمم المتحدة، أن يخففوا عني مرارةَ الاغتراب، بأن يجلبوا لي "قطعةً من مصر". طلبوا من ماما آنجيل، أن تأتي لزيارتي في الإمارات، لكنها كانت مريضة ولم تستطع السفر. وقررت سالي عزمي، ابنتُها وصديقتي، أن تسافر إليَّ وحدها. ذهبتُ إلى مطار أبو ظبي لاستقبال سالي، وكانت المفاجأة التي رتبها السفير رأفت دون علمي. فوجئت بأن أمي الروحية قد تحاملت على نفسها ومرضها وسافرت من أجلي. هول المفاجأة جعلني أسقط على الأرض من فرط الفرح، وانخرطتُ في البكاء. تلك هي الأم العظيمة التي فقدتُها بالأمس. ويالهول الفقد.
في كتابي وشيك الصدور (الكتابة بالطباشير الملون)، كتبتُ لها إهداءً يقول: (ماما جولا، لا تتركيني)! لكنها تركتني وسافرت إلى السماء قبل أن ترى الكتاب. فهل أُغيّر الإهداءَ وأعاتبها على تركي وحيدة؟ أمْ أتركه شاهدًا عليها، وعلى لحظة مُرَّة من حياتي؟ أمي ماتت مرتين! سهير، آنچيل، سلامٌ على روحيكما الطيبتين.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصريون
- رمضان … شهرُ الأقباط
- رحلة العائلة المقدسة … عيدًا قوميًّا
- البئرُ المقدسة
- لماذا تُدهشنا دولةُ الإمارات؟
- الرقص داخل الأغلال … محاولة للطيران
- السؤالُ أم الإجابة؟
- العالم يُحذّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد
- الرئيسُ والبيسكليت...والعجبُ العجاب
- أنا لِصّة طباشير
- لماذا أكتبُ بالطباشير؟
- 3 دروس صعبة ... في حكاية محمد صلاح
- لماذا يُقبّل البابا أقدامَ الفقراء؟
- صائغُ اللآلئ … عظيمٌ من بلادي
- الأرخميديون
- هاتفي... الذي أحبَّ تونس
- مات نزار العنكبوت ... منذ خمس دقائق
- عاصفة الغبار ... شهادة جماهيرية ل (علي الحجار)
- فيلم هاني رمزي الجديد .. الضحك بطعم المرّ
- هل جدلت السعف بالأمس؟


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أمي … تموت مرتين!