أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - مهارة الرواية اليتيمة














المزيد.....

مهارة الرواية اليتيمة


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 5897 - 2018 / 6 / 8 - 19:21
المحور: الادب والفن
    


في الادب كما في الفن ، ثمة من ينجز عملا واحدا في حياته ويصبح ايقونة مبدعه وتاريخه الوحيد .. كثيرون اولئك الذين تميزوا في عمل واحد وابدعوا فيه وتفردوا، في مجال السينما ، الموسيقى ، الرسم ، النحت والادب خاصة في مجال الرواية .. هوس ابداعي يحقق نجاحا لا مثيل له يضع فيه الكاتب جميع ما يملك من قوة ابداعية ومهارة وحرفة عالية .." باتريك زوسكيند " احد اهم الروائيين في عصرنا ، انه صانع رواية العطر " قصة قاتل " في عام 1985 . والتي صدرت عن احدى دور النشر السويسرية . انها اسطورة روائية حبكها زوسكيند بعناية فائقة وبناء رصين مثير ومدهش لا تتكرر وصارت ايقونة الادب الروائي الالماني رغم وجود اسماء كبيرة ولامعة اخرى .. غرونوي القاتل ، شخصية غرائبية بعقل اكبر من عمره ، الباحث عن اساليب عجيبة لتنفيذ خططه التي تمليها عليه غرائزة الدفينة .. يمتلك حاسة شم لا مثيل لها ، حاسة جعلته متفردا في عالم صناعة العطور ، مادته اجساد فتيات جميلات مقتولات يستمتع بقتلهن بدم بارد واريحية مدهشة للوصول لحالة الانتشاء النادرة التي ينتظرها بعد حصوله على سر الصنعة وينتج عطرا جذابا يثير المشاعر بنشوة غريبة لا مثيل لها في عالم العطور .. انه عطر الاجساد الجميلة المقتولة .
حققت الرواية مبيعات هائلة يساوي مجموعها في كل انحاء العالم ، مجموع ما بيع من الروايات الالمانية قاطبة باستثناء رواية " طبل من صفيح " لغونتر غراس .. انها رواية خلود كاتبها المتفاني في صنعته ، عمل واحد خالد اغنى عن اعمال كثيرة ربما لا يذكرها احد .. ذكاء الكاتب جعله يفكر الف مرة في المغامرة اللاحقة ، ولكنه لم يبادر ولم يندم على ذلك ، فاكتفى بواحدة صنعت له مجدا لا يضاهيه مجد.. انها الموهبة الفذة التي لا يكررها الزمان الا نادرا .
كم اعرف من الروائيين الذين انجزوا عشرات الاعمال التي انتشرت شرقا وغربا ، راحوا يتسابقون على الكتابة للتنافس في فضاء الرواية الصعب ولم يوقفهم الا الموت .. هذا ديدن الاديب الباحث عن التميز والفرادة في سوق الرواية ، يكتب حتى انقطاع النفس وربما تتميز عنده رواية واحدة او لا .. "العطر" اختزلت حياة كاتبها الادبية واكتفى بصناعة صرح خالد يذكرنا بالروائيين التاريخيين الذين صنعوا قلاعا روائية ظلت عنوانا مهما ورقما صعبا ما زلنا نتذكرها بفخر القراءة المبكرة .. فكرة رواية العطر ، كانت غريبة وجريئة ومثيرة ، كيف يصنع عطرا ليس له شبيه من اجساد النساء القتيلات ؟ انها جذوة الاشتغال بنفس متواصل وثقة بالنجاح لا يمتلكها كاتب اخر رغم الابداع والتميز اللذين يتمتعون بهما .. هذا الارتقاء يشبه البناء المعماري المدهش والمثير في كل وقت ، فكثير من المعماريين يحاولون للوصول الى عظمة ذلك المبنى .. تظل "العطر" الرواية الخالدة التي كسرت حاجز النجاح للروايات التي تصدرت قائمة النجاحات لفترة معينة ، انها رواية النجاح الدائم والشهرة التي تربعت في سجل كاتبها المتغيب عن ساحة الرواية لاكثر من ثلاثة عقود لم يستطع احد من الروائيين ان يحتل هذه المكانة رغم ان اعظم الروائيين برزوا في القرن العشرين كان تاريخهم اكبر واوسع شهرة من باتريك زوسكيند الماهر . لكن هذا ليس معيارا كافيا للتميز ، فكثير من التلاميذ تفوقوا على معلميهم والتاريخ شاهد مباشر على هذا ، بل ان معظم الادباء الذين لامسوا ضفة الرواية لاول مرة ، برزوا وتميزوا وكتبوا عشرات الاعمال التي عرفت وذاع صيتها ، وكانت رواياتهم الناجحة تنتشل الاخرى الضعيفة من مهاوي السقوط . فكيف حال كاتب الرواية الواحدة كما في حالة الروائي الاميركي ( ج . د. سالينجر ) حين كتب رائعته " الحارس في حقل الشوفان " في عام 1951 وهي رواية ازمة الانتماء والهوية في عالم المراهقين ، ظلت يتيمة لا غيرها في سجل سالينجر الذي نجح بتميز وهو يصنع شخصية كبيرة تصارع واقعا مأزوما ، انه هولدن كولفيلد وهي شخصية صورت
بعناية وابداع وخلقت فضاء متوهجا مضيئا انعش صفحات الرواية التي بيعت منها اكثر من 65 مليون نسخة .. نجحت الرواية واشتهرت ولم يصنع سالينجر رواية اخرى تنافسها ولم يفكر في ذلك رغم قدرته وحرفيته التي سفحها على صفحات روايته الوحيدة بمهارة نادرة .. وهكذا ظلت الرواية اليتيمة ، حدثا فريدا ومدهشا متّعت القارئ بمختلف انساق ثقافات القراءة وبمختلف مستويات التلقي .
وان تفحصنا زوسكيند الالماني وسالينجر الاميركي ، نجد رابطا بينهما يكتشفه القارئ الحذق ، انه حرفة ومهارة وتجربة شخصية قد تكون خلف هذا النجاح والانتشار الكبير على طول السنين ، انها مهارة الافذاذ في عالم التنافس واثبات الوجود الروائي وسط اسماء مهمة وخطيرة حفرت تاريخها بجدارة واشتهرت بحرفية واقتدار وتبجيل .. انه خلود العقل الروائي الفريد المنتج للروائع الخالدة والراكض نحو الافق وحيدا برواية لا اخت لها ..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرجينيا وولف .. سباق الرواية مع الموت
- مقاربة روائية عراقية
- الشاعر كمال سبتي في ذكراه العاشرة
- صمويل بيكيت في عزلته الروائية
- كتاب الثقافة
- ما يتجنبه القاص في سرده!
- غياب الشاعر .. حضور الشعر
- فرجينيا وولف .. نصف رواية متبقية
- الثقافة بقلب نابض
- ثقافة المذيعين والأخطاء المكشوفة
- هل يصنع السياسي مجدا لنفسه ؟ ‏
- القصة القصيرة جدا وتقرير المصير
- هل يوجد نجم ثقافي في العراق ؟‎
- بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر كمال سبتي .. موت الشاعر ...
- الروائي منتحرا .. فرجينيا وولف الساحرة
- هل يوجد نجم ثقافي في العراق ؟
- عن قاص عراقي
- الشاعرُ مؤنثٌ كالوردة
- القصة العراقية .. هموم التجربة ومتغيرات الذائقة
- هجرة الثقافة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - مهارة الرواية اليتيمة