أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - غياب الشاعر .. حضور الشعر














المزيد.....

غياب الشاعر .. حضور الشعر


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


يغيب الشاعر ، لكنه يظل يتباهى بما انجزه .. الشاعر يتعافى في محنته ، انه هكذا لا يشبه الآخرين ولن يفعل ذلك .. كمال سبتي ، يموت غريبا في منفاه الهولندي البعيد .. منفى اختاره من دون منافي اللجوء ليكتب وينظّر ويبدع ويصبح متفردا .. في اعوام الصبا العشرة المخذولة بمرض يصيب العائلة بالرعب . سقط الصبي مغشيا عليه .. ولكن هل سيموت يا دكتور ؟ يجيب الدكتور بصوت خافت : انه ميت بالفعل !! تعالى بكاء الام المفجوعة وجلس الاب مصدوما .. مات كمال في العاشرة في مستشفى كئيب لا يعرف الشمس ولا الفرش النظيفة .. كانت مثل اكفان مدماة .. بعد ساعتين تدب الحياة في اوصال الميت النحيفة ، فتختلط دموع الذعر بدموع الذهول ..هل كتبت له الحياة يا دكتور ؟ لا .. سيموت مبكرا !! عاش مهوسا بالموت والشعر ، لم يعرف غيرهما رغم انه كان سعيدا في الوجه وحزينا في الشعر . ترك ذكريات البيت مرغما نفسه على نسيان نبوءة الطبيب .. لم ينس وظل يتذكر .. حفظ الشعر وهام على وجهه بين كتب الاقدمين وشعرهم حتى حفظ الشعر واتقن النحو اتقانا غريبا .. في بداية السبعينات نزل طالبا الى بغداد داخلا معهد الفنون الجميلة تاركا مدينته الى الابد ، فمشروعه الشعري لا يحب الترحال فظل في بغداد بين تنظيراته وكتاباته الشعرية التي لفتت نظر الاخرين .. انه موهبة شعرية ، فتوقفوا عنده طويلا .. هكذا نشأ شعريا .. فعاش الشعر في بغداد ثمانية عشر عاما لينتج اربعة دواوين شعرية ، وليعش في الغربة ثمانية عشر عاما لينتج اربعة كتب اخرى .. احب كثيرا الرقم 4 ، انه الرقم الذي اصبح ملازما له مثل الموت .. فقد كان ترتيبه في العائلة الرابع .. وكانت ميتته الرابعة في العائلة ، في العراق اصدر اربعة كتب ، وفي الغربة اربعة اخرى .. وتنقل في هروبه في اربع دول قبرص ، يوغسلافيا ، اسبانيا ، هولندا . وسافر من هناك الى اربع دول بريطانيا ، السويد ، فرنسا ، امريكا . بعد خروجه من البلاد جاء لزيارتها عام 2004 وظل اربعة ايام ليتوفى والده .. اخر كتبه كان عنوانه ( صبرا قالت الطبائع الاربع ) وافتتحه بقصيدة رباعية يقول فيها :
( جَلَسَ الجَميعُ عَلى الأَريكَةِ مُتْعَبينَ : الْلَيْلُ وَالأَشْجارُ وَالجُنْدِيُّ وَالقَمَرُ الحَزينُ ، يَقولُ أَوَّلُهُمْ : تَعِبْتُ مِنَ الظَّلامِ ، فَتَضْحَكُ الأَشْجارُ مِنْ ضَوْءِ القَمَرْ . لَكَأَنَّما تِلْكَ الأَريكَةُ مِثْلُ تابوتٍ تَفَتَّحَ نِصْفُهُ ، لَكَأَنَّما كانَ القَمَرْ يُلْقي عَلى الجُنْدِيِّ نَظْرَتَهُ الأَخيرَةْ وَكَأَنَّما الجُنْدِيُّ جُنْدِيٌّ يَموتُ على الأَريكَةِ مِثْلُ تِمْثالٍ تَكَسَّرَ نِصْفُهُ ، وَكَأَنَّما الأَشْجارُ تُخْفي مَأْتَماً شَهِدَ الجَميعُ : الْلَيْلُ والأَشْجارُ والجُنْدِيُّ والقَمَرُ الحَزينُ عَزاءَ جَلْسَتِهِ الأَخيرَةْ ) . وهكذا ظل الرقم ملازما لا نعرف ما الذي يعنيه ومؤكد كان يعني للشاعر الكثير .. اما الموت ، فهو ايقونة الحياة بالنسبة لكمال ، فعاش مرتبكا قلقا منه متذكرا كلام الطبيب في موت العاشرة من العمر .. فذكره ثمان مرات في اول كتبه ( وردة البحر ) وذكره ثمانية مرات في كتابه الثاني ( ظل شيء ما ) وذكر الموت في كتابه الثالث ( حكيم بلا مدن ) مرة واحدة ، وذكره في الكتاب الرابع ( متحف لبقايا العائلة ) اربعة عشر مرة .. فيما تنامى الاحساس بالموت لديه في غربته . فذكر مفردة الموت في كتابه الخامس ( اخر المدن المقدسة ) مرتين ، فيما ذكره في ( آخرون قبل هذا الوقت ) تسع مرات . وذكره في ( بريد عاجل للموتى ) ثمانية عشر مرة ، وذكره في الكتاب الثامن ( صبرا قالت الطبائع الاربع ) مرتين .. فيكون المجموع اثنتان وستون مرة توزعت بالتساوي تماما بين كتب العراق وكتب الغربة ... حتى ان مجموع السنين التي عاشها في بغداد والسنين التي عاشها في الغربة تقبل القسمة على اربعة .. انها محنة الشاعر ان يموت وحيدا شاعرا مجيدا في غربته في الاسبوع الرابع من الشهر الرابع من عام 2006 ترك كمال سبتي مخطوطات شعرية لم يمهله الموت لنشرها او طبعها .. يقول كمال في ديوانه الاخير : ( كانَ أَبي يَقولُ : في الحَرْبِ لِي أَرْبَعَةٌ ، وَمِثْلَ كونْفيشيوسَ يَخْشى أَنْ يَموتَ الابْنُ قَبْلَ الأبِ في الحَرْبِ ، وَكانَ لايَرانا كَلَّنا ، أَرْبَعَةً ، لَوْ مَرَّةً واحِدَةً ، في بَيْتِهِ . اِثْنانِ مِنّا يَأتِيانِ ، قُلْ ثَلاثَةٌ وَلا تَزِدْ وَكونْفيشيوسُ في بالي وفي بالِ أَبي عِشرونَ عاماً ، وَأَبي لا يَقْرَأُ الحَكيمَ ، لكِنَّ أَبي يَعْرِفُ ما الحِكْمَةَ في الشَّرْقِ ، فَإِنْ لَمْ يَمُتِ الأَبْناءُ في الحَرْبِ فَقَدْ يَهْرُبُ جنديّانِ ، قَدْ يَموتُ واحِدٌ وَلَمّا يَبلُغِ الخَمسينَ في بَغْدادَ ، كانَ لا يَرانا كُلَّنا أَرْبَعَةً ، لَوْ مَرَّةً واحدَةً ، في بيْتِهِ . يَعْرِفُ ماالحِكْمَةَ في الشَّرْقِ ، فَكُنّا أَرْبَعَةْ يَحْلُمُ كانَ أَنْ يَرانا كُلَّنا .. ) .
هل هي حياة الشاعر اذن ؟ انه طريد الكوابيس في يقظته ، تلك التي سمعها من طبيب في يوم لم يستطع نسيانه فانقض عليه مبدعا في الجنوب الهولندي واصابعه تؤشر صوب شاشة الحاسوب الذي خزن كل حياته به ، لتحط ثانية تلك الحياة في البيت الاول لكمال قرب عيادة الطبيب صاحب النبؤءة ..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرجينيا وولف .. نصف رواية متبقية
- الثقافة بقلب نابض
- ثقافة المذيعين والأخطاء المكشوفة
- هل يصنع السياسي مجدا لنفسه ؟ ‏
- القصة القصيرة جدا وتقرير المصير
- هل يوجد نجم ثقافي في العراق ؟‎
- بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر كمال سبتي .. موت الشاعر ...
- الروائي منتحرا .. فرجينيا وولف الساحرة
- هل يوجد نجم ثقافي في العراق ؟
- عن قاص عراقي
- الشاعرُ مؤنثٌ كالوردة
- القصة العراقية .. هموم التجربة ومتغيرات الذائقة
- هجرة الثقافة
- الكتابة في درجة الانصهار
- أدب الخيال العلمي وسطوة المعاصرة
- تأويل الثقافة
- في أول الطريق
- ثقافتنا في العصر التقني
- الكتابة عند حاجز الجنون
- الحوار المتمدن .. الحوار الإنساني المرصع بالحرية


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - غياب الشاعر .. حضور الشعر