أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل السادس 2














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل السادس 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5883 - 2018 / 5 / 25 - 10:04
المحور: الادب والفن
    


" عليكَ أن تنتجَ في عُمر مبكر، ما لو أردتَ أن ترى نجاحك قبل بلوغ الشيخوخة "، هكذا قالت له " هيلين " ذات مرة وكان ما يفتأ بعدُ شاعراً شاباً. لقد استلهمَ نصيحتها الثمينة، إنما في الأعمال التجارية لا الأدبية. من ناحيتها، كانت امرأةُ الرسام، غريبةُ الأطوار، قد اعتادت نثرَ النصائحِ المفيدة على من حولها، دونما أن تفيد منها بنفسها. إذ بقيت كاتبة مغمورة لحين رحيلها عن العالم، فيما إنتاجها الحقيقيّ قد طعمته لنيران الموقد وذلك في أوان نوبات مرضها العصبيّ. فكم أشبهت بملّاك شديد البخل، عاش في جوار مزرعة أسرة " غوستاف "، وكان يعدّ أغنى أهل المنطقة: لقد قضى حياته يكّد ويكدح، مثل أيّ فلاح، ثم ماتَ جائعاً معوزاً تاركاً تحت سرير نومه ملايين الفرنكات، المحزّمة بحرص ضمنَ أكياسٍ بلاستيكية ثقبتها أسنان الفئران.
أستعادَ كلماتِ المرأة التعسة، بينما ذهنه يطوف حول عالم لمٍ يعُد له وجودٌ إلا في المكان القاصي من الذاكرة. وكان يعلمُ بالتأكيد، أنّ " هيلين " ما تنفكّ تجول في ذلك العالم السحريّ، المفقود.. تجول فيه، كأنها سادرةٌ في منام، بالرغم من كونها هيَ من تنبأت يوماً بانهيار باريس، بوصفها مركزاً للثقافة العالمية. بلى، أنهار المركزُ لينهض على أطلاله برجُ بابل، السياحيّ. أراد أن يكتبَ لها شيئاً من هذا القبيل، فيما كان يتأمّل الكارت بوستال، المصوّر برجاً آخر، ينتمي للواقع لا للمجاز. ولكنه آثرَ ألا يحزنها بكلماتٍ مُحْبِطة، هيَ المستسلمةُ زمناً لمشاعر الخواء واللامبالاة. على أنه يعرف حقيقة أخرى، تبتسمُ له ساخرةً على شفتيّ صديقته الموهوبة. فمهما كتبَ لها من كلماتٍ جميلة على البطاقة، فإنها لن تغفر ضنّه عليها برسالةٍ مفصّلة مثلما كان دأبه مع والدته وشقيقته في حياتهما.
الأم، بدَورها، لم يعُد في وسعها مكاتبته بعدما أضحت مجرّد ذكرى؛ ظلاً أخضرَ لشجرة جوز ممدداً على سطح ماء " السين "، يطنّ بأنغام عشرات الزيزان. ولن يكون في مقدوره بعدُ، طمأنتها عن أحواله، المغربية، برسائل من عدّة صفحات، مكتوبة في أناةٍ وصبرٍ جديرين بحبهما الكبير. وإنه لينظر الآنَ، عبرَ النافذة المسدول على حوافها ركام الثلج، إلى ماضٍ مُهِرَ بختم الموت ـ كما يفعل توقيعُ الرسّام، آنَ الانتهاء من الخطوط الأخيرة للوحة.
ثلاثة أعوام تقريباً، مضت على أثر زيارته الأولى إلى مسقط رأسه. وها هوَ يؤوب ثانيةً، ليبيع أملاك العائلة برمتها كي يوسّع مشاريعه في المغرب. هذا البلد، عليه أن يكون الآنَ موطنه الأبديّ طالما أنّ رباطه بالوطن الأم صارَ أوهى من خيط العنكبوت. الخال، كان قد سبقَ الأم بنحو العام في رحلة الانتقال إلى العدم. أخبرته في إحدى رسائلها باقتضابٍ عن موت شقيقها الوحيد، دون حاجةٍ لِمَسّ مشاعره بتفاصيل مرضه ونزعه الممض. ولكنها آلمته أشدّ الألم، لما اعترفت له في الرسالة نفسها بأمرٍ لم يخطر في باله قط: خطاب " آناستاسيا " الموجه إليه، والذي وجد على فراش موتها، وكان قد علمَ هوَ به بفضل ثرثرة الخال السكّير؛ هذا الخطاب، سبقَ أن قامت الأم برميه في موقد المدفأة، المشتعل. الخبر، كان قد بلبل كيانه في حينه، فسلّمه لشتى ضروب الظنون وعلامات الاستفهام. كان يتساءل، في كلّ مرة، عن أيّ داعٍ منطقيّ، دفع والدته للكذب بادعائها فيما مضى بفقدان أثر الخطاب.
إلى أن كان يوم أمس، حينَ عثرَ مصادفةً على دفتر صغير يحتوي على قصائد شقيقته. ولم يكن اتفاقاً، في مقابل ذلك، وجوده في الجناح العلويّ من الفيللا؛ أينَ كان خاله يقيم فيه خلال سنواته الأخيرة. بلى، لقد صعد إلى العلية غير مبالٍ بالبرد القارص، بغيَة إكمال بحثه عن أوراقٍ ما، يُمكن أن تكون عائدة للشقيقة الراحلة. هنالك عثرَ على صندوقٍ بيضويّ الشكل، مما يُستعمل في حفظ الرسائل، وقد تكدّست فوقه مجلات قديمة. خِلَل البخار، المتصاعد من فمه المقرور، راحَ يقلّب أوراق الدفتر المسجّلة فيه الأشعار بخطٍ منمنم، مرتعش. الرعشة، ما لبثت أن انتقلت إلى يده لاحقاً، فيما كانَ يقرأ بعضَ قصائد الحبّ في جلسته ثمة عند موقد المدفأة في الصالة الأرضية.. رعشة الشك، التي ألمت به، كونها قصائد مكتوبة بشكل لا لبس فيه لشخصٍ يعرفه حق المعرفة. إذاك، امتلأت نفسه تقززاً من الرائحة المقيتة، العالقة بالأوراق؛ رائحة الخال، المدمن المقامر المتبطل.

*
" العقلُ المزعْزَع، ينمو بالحقد وحده
ولكنك، يا إلِكْترا، تنتقمين من نفسك
بحبّ لا أمل منه
سوى ما يؤمل من رعاية حيّة ماكرة
في كنف معبد الخطيئة!
أزفَ الوقتُ لمغادرتكِ معبدٍ
سبقَ وغادرته الآلهة إلى المنفى ".
تلك، كانت آخر كلماتٍ قرأتها السيّدة السورية في دفتر المذكرات، العائد للمسيو الفرنسيّ. القصيدة، يلوحُ أنها أثّرت كثيراً في الرجل حتى أمكنه أن يحفظها عن ظهر قلب. اللهم إلا أن يكون قد احتفظ بدفتر أشعار شقيقته، واستلّ منها القصيدة. بصرف النظر عن رجاحة أيّ من الاحتمالين، فإنّ قلبَ الخانم اهتز في عنف على أثر القراءة. بل لقد بلغ من انفعالها، أنها أعادت قراءة القصيدة وهيَ تهجسُ بكون مفرداتها مألوفة لها. ولكنها ثابت ببطء إلى سبيل الرشد، لتشردَ بفكرها عبرَ نافذة حجرة المحترف، المفتوحة على مشهد سماء الصبّاح الصافية، الموحية بنهار حار من المفترض أن تقضيه في الضاحية بضيافة " مسيو جاك ".. نهارٌ آخر، من خريفٍ تُقتطع أيامُهُ دونما هوادة من لدُن الصيف ـ كما سكين ماضٍ، يجزّ اللحمَ المقدد والبارد.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل السادس 1
- سيرَة أُخرى 69
- إلِكْترا: الفصل الخامس 5
- إلِكْترا: الفصل الخامس 4
- إلِكْترا: الفصل الخامس 3
- إلِكْترا: الفصل الخامس 2
- إلِكْترا: الفصل الخامس 1
- إلِكْترا: الفصل الرابع 5
- إلِكْترا: الفصل الرابع 4
- سيرَة أُخرى 68
- إلِكْترا: الفصل الرابع 3
- إلِكْترا: الفصل الرابع 2
- إلِكْترا: الفصل الرابع 1
- إلِكْترا: الفصل الثالث 5
- إلِكْترا: الفصل الثالث 4
- إلِكْترا: الفصل الثالث 3
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل السادس 2