أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الرابع 4















المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الرابع 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5872 - 2018 / 5 / 14 - 10:00
المحور: الادب والفن
    


نهضت فجأة، ولمّا تكن قد استوت بعدُ في جلستها بجانب الطبيب. جاراها " آلان "، مفسحاً لها المجال من ثمّ كي تترك الطاولة. كان بودها لو أنه لا يتبعها في سعيها إلى طرف الوادي، هنالك أينَ ضجّ الأولاد باللعب في المياه الضحلة، المتداخلة مع الصخور والأحجار. لحُسن الحظ أنّ العجوز أمسك بتلابيب سكرتيرها؛ هوَ المعتادُ ـ بحُكم مهنته ولا ريب ـ على صُحبة جميع الأعمار: " ذوو الأصول المشرقية، أمثالنا نحنُ، يتميزون ببياض البشرة. أتعلم لماذا؟؛ لأننا من أصول يمنية! "، قالها ناقلاً بصرَهُ من الشاب إلى الصهر العراقيّ.
بلى، شاءت " سوسن خانم " أن تبقى برهةً مع نفسها لا يُقطَع استرسالُ فكرها، المُتجه حتماً إلى ماضي علاقتها بالشاعر. إلا أنها " سُميّة "، مَن أوقفَ خطوتها التالية، حينَ خاطبتها متسائلة بنبرتها المُداهنة: " لعل المكان ضيّق هنا، يا عزيزتي؟ ". وأضافت فوراً شاملة الآخرين بنظرتها، كما لو أنها تبغي استقراءَ رأيهم " بالوسع ضم طاولة أخرى، أليسَ كذلك؟ خصوصاً وأننا سنتناول الغداء هنا ". أجابتها السيّدة السورية، متكلفةً الابتسام: " بل المكان مناسب، وكل ما في الأمر أنني رغبتُ بالمشي قليلاً.. ". سارعت الأخرى للتعليق، مؤيدةً: " نعم، معك حق. الرحلة الجبلية متعبة.. أعني، المكوث في السيارة لما يقرب الساعتين ".
أطلقَ سراحُها، إذاً. وها هيَ تهمّ بالمضي نحوَ الجهة المقصودة، غير عابئة بالنظرات المتبادلة بين ابنتيّ الخالة. المرافقة، التي رفعت رأسها نحوها مبتسمة، ما لبثت أن أكملت كلامها مع " خدّوج ". أما صهر العائلة، الجالس قبالة الطبيب، فإنّ الخانم لم تكن قد أعارته أيّ التفاتة. وكان هذا يتهيأ عندئذٍ لإجابة سؤال العجوز، شبه الخَرف: " قل لي، هل حقاً أنّ صدّام حسين يخفي قنبلة ذرية تحتَ أرضية قصره؟ّ ". فكّرت الخانم، فيما كانت تبتعد عن جلستهما، أنهما صنوان مناسبان لناحية الواقع وظله؛ الرمز: " العجوز، أضحى خارجَ الزمن نتيجة تقدّمه في السنّ. فيما الآخر، ما أنفكّ يعيشُ في زمنٍ غابر؛ زمن، لم يكد يتخلّص من عبادة الأصنام إلا كي يهوي على عتبة قداسة الإمام! ".
لقد تأثرت " سوسن خانم " بشدّة، ولا مِراء، بشأن الحالة الصحية الحرجة للشاعر. إنه سبقَ واختفى من مراكش بصورة مفاجئة، غير متوقعة، وكما لو أنه هوَ الآخر حلّت عليه " لعنة شيرين! ". لو عدنا إلى مذكرات الراحلة، بهدف تقصّي طبيعة صلتها بالشاعر، لرجعنا منها خائبين مع أحاجٍ أكثر غموضاً من قصائده. علاقتهما، كانت معقدة. ليسَ حَسْب كون الرجل متزوجاً ويكبرها بكثير في السنّ، بل وأيضاً لأنّ ذلك هوَ شأنُ أيّ علاقة بين شخصين على مستوى واحد من الثقافة. ربما يبدو هذا الكلام غريباً مريباً؛ وإنه كذلك ظاهرياً: كلاهما كان يمتلك في جوارحه الحساسية نفسها تجاه الثاني، وفي آنٍ واحد، ينطوي على ذاته كما ناسك في عزلة الكهف.. عزلة الفن، بكلمة أوضح؛ وكانت بالنسبة إليهما، كليهما، تتفوق على أية مشاعر بما في ذلك الحب.
على أنّ عزلة " شيرين " كانت مؤلمة ممضة، بما أنها ناتجة عن نوعٍ من مرضٍ نفسيّ يُحيل إلى تجربة حبّ سابقة جرحتها بعمق. ولعلها لو حظيت بالشاعر شريكاً لحياتها، لبقيت حبيسة جدران عقدتها المرضية حتى درجة الخلل العقليّ أو الانتحار. المفردة الأخيرة، ترددت على صفحات المذكرات وكما لو كانت صدىً لمثيلتها في اليوميات تلك، التي دأبت على تسجيلها خلال إقامتها في فيللا الأسرة المحسنة.. نذيراً من العالم الآخر، ما لبثت هيَ أن لبته أخيراً أثناء تواجدها في الحجز الاحتياطيّ بتهمة قتل قرينها. وماذا عن " المهدي البغدادي " نفسه؟ هل أخذ علاقته بالراحلة على محمل الجدّ، أم أنها كانت مجرد نزوة شاعر؟ ولكن، ينبغي أولاً ذكرُ شيءٍ عن حالته النفسية قبيل تعرفه على " شيرين "، وفي التالي، إتمام حكاية علاقته بمن سبقتها؛ ونقصد مواطنتها السورية، الغنية!
هيَ ذي " سوسن خانم " في قلب الوادي تقريباً، متكئة على صخرة ناتئة، مسرّحةٌ قدميها العاريتين في معين الماء البارد. السماء فوقها على درجة مدهشة من النقاء، كأنما تتهيأ لاستقبال موكب مهيب من الملائكة. وقد تكون هذه النسائم العليلة أنفاسها، المبشرة بقرب وصول موكبها. وإنّ الأطفال أقرب بني البشر شبهاً بالملائكة، يعلنون حضورها الرمزيّ من خلال وجودهم نفسه. ها همُ منتشرون في عمق الوادي وأطرافه، يلهون ويتصايحون ويتشاتمون ويتعاركون. البعضُ منهم توحّدهم لعبةُ التسلية بهرة صغيرة عن طريق تبادل قذفها في الماء، واجدين لذة كبيرة في تعذيبها. ربما أنّ غالبيتهم من القرية تلك، المشرفة على الوادي. إلا أنّ أنداداً لهم كانوا يشاركونهم التسلية تلك، تحت أعين أهاليهم المتنزهين، القادمين من خارج الإقليم. " سوسن خانم "، استاءت من أولئك الأهل أكثر مما شعرت به تجاه الأولاد. إذ كانوا يرمقونهم بنظرات متعاطفة، مشجعة. كانوا على ما يلوح، واجدين هم أيضاً تسلية ممتعة في تأمل منظر تعذيب الهرة المسكينة.
" أوه، كم هيَ جميلة هذه القطة البيضاء! "، هتفَ أكثر من صوتٍ أنثويّ حالما تناهت الخانم إلى مكان جماعتها على ترّاس المقهى. كانت الهرة الصغيرة مبتلة حتى العظم، ترتعد من البرد وربما الذعر أيضاً. إذ راحت تنقل عينيها بين الحضور، وفيهما نظرة متشككة بكونهم أناساً رحيمين. ولم يخطئ ظنها، في بعضهم على الأقل. فإن " سميّة "، بادرت لتخاطب الخانم وعلى ملامحها تعبيرُ الاشمئزاز: " كان الأفضل ألا تحملينها، يا عزيزتي، فلعلها مصابة بالجرب. وإذا رغبت باقتناء قطة صغيرة، فإنني سأحاول تدبّر الأمر من اليوم؟ ". شكرتها الأخرى، فيما كانت تضع الحيوان على الأرض في بقعة مُشمسة كي يصيبها شيءٌ من الدفء وتجفف نفسها. بيْدَ أن المسكينة، لفألها العاثر، لم يقدّر لها حظوة التنعّم بمرافقة السيّدة السورية. فما أن عادت حاميتها هذه للاطمئنان عليها، بعدما أقلقها همودها تحت الشمس بلا حركة، فإذا هيَ تكتشف أن الحياة قد جفت في عروقها.
ذلك اليوم، على أثر عودتها مساءً من المنتزه، رنّ جرس الهاتف في صالون شقتها. كانت " سميّة " على الخط الآخر، تتكلم بلهجة حزينة متهدّجة: " قبل قليل، أعلمنا الدكتور عبد المؤمن بخبر مؤسف. شقيقه المهدي، توفيَ اليوم في المستشفى بمدينة طنجة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 68
- إلِكْترا: الفصل الرابع 3
- إلِكْترا: الفصل الرابع 2
- إلِكْترا: الفصل الرابع 1
- إلِكْترا: الفصل الثالث 5
- إلِكْترا: الفصل الثالث 4
- إلِكْترا: الفصل الثالث 3
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الرابع 4