أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الرابع 1














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الرابع 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5868 - 2018 / 5 / 9 - 23:43
المحور: الادب والفن
    


وجدت نفسها في منزل جدّها، الأشبه بالقصر الريفيّ، وقد ضجّ الليلُ بأصوات الأطفال اليقظين. فناء الدور الثاني، أينَ حجرة أولئك الأطفال، كان مضاءً بشكل مبهرٍ على طريقة الأعراس الفلاحية. أبواب الحجرات الأخرى، مفتوحة كلها على مصراعيها، يدخل منها ويخرج طوال الوقت، خدمُ الدار بسحنهم الداكنة اللامعة، كبرونز تماثيل موسكو. موسيقى قوية، محلية اللحن، انبعثت من حجرةٍ في آخر الرواق وكأنما لتضافر الاعتقاد بأنّ ثمة عرساً أو حفلاً ما.
" اللعنة..! إنهم لا يهدؤون أبداً "، قالت امرأة وهيَ تطل برأسها من باب حجرة الأطفال. عرفت فيها مرافقتها السابقة، التي تحولت إلى نوع من خادمة.. عرفتها على الرغم من النقاب الأسوَد، المسدل على كامل هيئتها، ساكباً جسدها في قارورة واحدة.. صوتَها الأجش، عينيها المكحلتين، يديها الموشومتين. وتلكم كانت علاماتها، المميّزة، عند السيّدة السورية. وإنها تسأل الخادمة قلقةً، ما لو كانت الطفلة الصغيرة بين أولئك الأولاد. إلا أنّ هذه، على دهشتها، أخفت رأسها مجدداً داخل الغرفة بعدما صفقت الباب بشدّة.
صوتٌ نسائيّ، تصاعدَ على الأثر من وراء باب إحدى تلك الحجرات المفتوحة: " إنها مع شقيقتي في غرفتهما، ومن المرجّح أنهما أخلدتا للنوم باكراً كعادتهما ". ثم ظهرت صاحبة الصوت الأشبه بثغاء الماعز، محتضنةً كلباً صغيراً للغاية. هذا الجرو، طفق يرمش بعينيه المتناعستين، المتوهجتين بخبثٍ آدميّ. وإذا به يفتحُ فمه، مخاطباً إياها: " لا، إنها ليست نائمة؛ فأمي تكذب كعادتها! كنتُ ألعب معها عند حافة البئر، هنالك في الحقل. كانت تتطلع إلى قاع البئر، وتقسم أنها ترى جدّها ثمة وتسمع صوته مستغيثاً معولاً.. ". فيما كان الرعبُ يفيض على نفسها، إذا بامرأة أخرى تطلّ من وراء كتف أم " الجرو "، لتتكلم بدَورها بنبرةٍ مسمومة.
" أما والدها، فإنه الآنَ تائهٌ في قارب وسط البحر الفاصل روسيا عن السويد. زوجي، المخادع كأغلب المهرّبين العراقيين، ما كان بحاجةٍ لأوغر صدره على ذلك الشاعر المسكين. ولكنني سأشمتُ غداً بشقيقته، غريمتي المغرورة، حينَ أراها مرتدية ملابسَ الحِداد، الناصعة البياض كبشرتها! "، قالتها وقد تخللت عباراتها هأهأة ساخرة. الموسيقى، تفجّرت عندئذٍ أكثر وحشية مع تصاعد تلك الضحكة الشيطانية. ثم غشت الظلمة المكان بأسره، مما أثقل نفسها ودفعها إلى الركض باتجاه نافذة الفناء الوحيدة، المطلة على الشارع، والمتسلل منها بصيصُ مصابيحه الكهربائية. وإذا هيَ في وسط الشارع، تواصل الركضَ مُطاردةً من قبل أقدام ثقيلة؛ أيادٍ ملوّحة بسكاكين، صرخات انتقام، نباح كلاب، وقناع كالنقاب يسقط عن وجه امرأة، تكتشف فيه وجه الأمّ، التي ما لبثت أن دمدمت بلهجتها الريفية: " سوسن، أقسم لكِ أنني ولدتك قبل معرفتي ببستانيّ والدك.. ".

*
أفاقت على صدى صوتٍ عميق، كأنه متصاعد من بئر. تنفست بعمق، ثم زفرت مخاوفها دفعة واحدة مع نور النهار، الذي غمرَ عينيها وجعلهما بلون العسل. حجرة النوم، كان لها باب مفتوح على شرفة الدور الثاني، العريضة والقليلة العمق. سحبت ستارة ذلك الباب، الموارب قليلاً، فصافح بصرَها منظرُ " المجنونة " الجميل، المورّدة الأوراق تحت أشعة شمس الصباح. الهدوء، كان يبشّر بنهار عطلة رائع. مثلما أن عبقَ ورود الحديقة، المرتقي درجات الهواء وصولاً إلى سريرها الفاره، عليه كان أن يطردَ أيّ ذكرى سيئة؛ واقعية أو منتمية لعالم الحلم. ولكن فجأة، على حين غرّة، بدأت تستعيد كابوسَ الليلة المنصرمة. ليخفق قلبها بقوّة وألم مع صورة " خَجيْ " الصغيرة، المغروسة فيه ـ كوردةٍ غضّة في مزهرية.
كان من شيمة " سوسن خانم " اعتبار نهاية الأسبوع عطلة شاملة، بما فيها عادة الكتابة في دفتر المذكرات. هروعها إلى حجرة المرسم، مباشرةً بعيد خروجها من الحمّام، كان له علاقة ولا شك مع ذلك الكابوس. هنالك، تطلّعت إلى ساعة الحائط، المزخرفة بالصّدف على الطريقة الدمشقية، فرأت عقربها الصغير يقترب من رقم 8 المُصوَّر رمزاً مثل باقي أشقائه الأحدَ عشرة. من المفترض أن تنجز كلّ عمل منزليّ بنفسها هذا اليوم، نظراً لغياب بقية من يخدمونها سواءً في المكتب أو المقر. أراحها ذلك، خصوصاً لما فرغت من تسجيل وقائع الحلم، المنتهي بالكابوس المشئوم: إنها لتضيق كل الضيق أن يرى أحدهم الدموعَ في عينيها، أو حتى احمراراً فيهما، المعقّب كلّ مرةٍ تستدعي فيها صورة حبيبتها الصغيرة.
" يا لبؤس عواطفنا، لو أنها مقتصرةٌ على التصرفات الطبيعية، التي يُحسنها الحيوان أكثر منا! ": فكّرت باستياء وحنق فيما كان يلوحُ أمامها شريطُ صوَر زيارة الفيللا. إنهم ثمة كانوا قد سخروا ولا مِراء من عواطفها تجاه " خجي "، طالما أنها لم تجشّم نفسها يوماً عناء زيارتهم. فلم يكن غريباً منهم، ألا يدعونها يومئذٍ للصعود إلى الدور الثاني كي تلقي نظرة على الطفلة. على أنها ما عتمت أن محت ذلك الشريط بلمحةٍ، آنَ نهوضها نحوَ حجرة ملابسها كي تنتقي ثوياً مناسباً للرحلة الجبلية. فيما كانت تلجُ الحجرة، تناهى رنين الهاتف من مكانه على طاولة المكتب. على الخط الآخر، صدحَ ثغاء الماعز حيوياً ضاحكاً: " عزيزتي، لو كان بالوسع أن تعكفي بسيارتك على الفيللا. لقد فكّرنا بالانطلاق سويةً، وسنكون معاً في قافلة من ثلاث سيارات. جارنا الطبيب العجوز، أنتِ تعرفينه؟ إنه شقيق صديقكم، المهدي البغدادي. لقد أبدى أيضاً رغبته بمرافقتنا إلى أوريكا.. الخ ". نطقت كلامها دفعة واحدة، مع فواصل من الضحك المرح.. أو ربما المتهكّم. ردّت عليها الخانم بالإيجاب، فيما داخلها يغلي غضباً: " شيطان يأخذكِ، أنتِ ومسخك! ". المفردة الأخيرة، جَرَت على لسان سرّها دونما أن تنتبه إلى أنها اللقب المشنوع، الذي كانت تطلقه " شيرين " على ابن تلك المرأة.

> مستهل الفصل الرابع من رواية " كعبةُ العَماء "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الثالث 5
- إلِكْترا: الفصل الثالث 4
- إلِكْترا: الفصل الثالث 3
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الرابع 1