أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 69














المزيد.....

سيرَة أُخرى 69


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5879 - 2018 / 5 / 21 - 04:21
المحور: الادب والفن
    


1
في مدينة أوبسالا السويدية، كنتُ أتمشى منذ بداية الربيع على طريقٍ أثير وذلك أثناء اقامتي فيها لما يقرب من عشرين عاماً. الحيّ الذي سكنته، Gottsunda، يشكل فيه الأجانب غالبية تقريباً. وهو يتميز بمناظره الطبيعة الخلابة، عدا قربه لأهم بحيرتين في المدينة. تحت منزلي مباشرةً، يمتد هذا الطريق عبر السهل الفسيح، Gipen، الذي يحتوي على مزارع خاصة بالخضار والأزهار علاوة على الملاعب وأماكن التنزه.
كلا ولديّ الكبيرين ( الصبي والبنت )، ولد ونشأ في هذا الحي. في صغرهما، كنا معتادين على التنزه معاً على هذا الطريق، وصولاً إلى تلك المزارع. أحياناً، كنا نتابع الطريق الى إحدى البحيرتين. في ذلك الوقت، كنتُ أحرص على تربية الأولاد على عشق الطبيعة والحنو على الحيوان. فكنا نتفقد أعشاش النمل على طول الطريق، نراقب طوابيرهم النشطة الساعية خلف الغذاء. ولكن، كانت ابنتي تغلّبني حينَ نتجول وهي في عربتها الصغيرة. فطوال الطريق كانت تصرخ فيّ: " بابا، هذه نملة إياك أن تدهسها! ".

2
ساقية أيام زمان، كنتُ أحرص على التجول على طول ضفتها في كل مرة أزور فيها حي Gottsunda بمدينة أوبسالا. فيما مضى، عشت سنوات في ذلك الحي. لم يكن بيتي يبعد كثيراً عن البقعة الساحرة، التي تخترقها الساقية كسيل من لازورد. العجيب، أن النهر يبعد عدة كيلومترات عن المنطقة؛ مما يعني أن الجزء الأكبر من الساقية مختفٍ في قناة تحت الأرض. إذ يبدأ جريان المياه من فتحة قسطل اسمنتيّ، ليتدفق مباشرة في مجرى الساقية المنحوت بين الصخور والآكام.
حينَ كان ولداي صغيرين، كنا نتمشى إلى تلك البقعة الخضراء، المتعدد فيها أيكات الأشجار الغابية. فيما الزهور، بمختلف أنواعها الربيعية، تتراقص على وقع خرير الماء وحفيف الأغصان. هنالك، كنا نغطس أرجلنا بالساقية ونرش بعضنا البعض بمائها. أحياناً كنا نعود مع زيز أخضر ذهبيّ ( جعران )، أو ضفدع صغير نطلقه في حديقة الدار. ذات يوم، عثرنا على ضفدع بلون أخضر قاتم. أمسكت به، وقربته إلى وجهي كي تتأكّد ابنتي الصغيرة ( كان عمرها سنتين حينذاك ) أنه غير مؤذي. وإذا به من الخوف يقذف سائلاً أخضر، لوث صدري وقميصي. قالت ابنتي ضاحكة لشقيقها: " الدفدع ثخ على بابا! ".

3
عصراً بعد الدوام، كان موعد ابني مع أول يوم من نشاطه الرياضي الصيفي. عند الساعة الخامسة تماماً، كنت هناك بعدما تأكدت من العنوان. جمهرة كبيرة من الأهالي كانوا مشغولين بتعبئة استمارات أو بأخذ قوارير المياه العذبة، فيما أولادهم يتصايحون مبتهجين. ثم توجهنا جمعاً إلى الملعب الكبير، لنجلس على المقاعد الخشبية العريضة نراقب أولادنا. تم تقسيمهم إلى خمس مجموعات، كل واحدة تضم بالمتوسط 15 ولداً مع ثلاثة مدربين.
الطقس كان حاراً، بما أن أوروبا تشهد مرتفعاً في درجات الحرارة منذ حوالي عشرة أيام. وقد أنعكس ذلك على الطبيعة، التي ازدهرت بشكل رائع. الأرض سجادة خضراء مطرزة بالأزهار الربيعية المذهبة، تهيمن عليها الأشجار المكللة باللون الأبيض الناصع كالثلج. الحوريات، يرفرفن بأيدي أرق من النسيم وهن كاسياتٍ عاريات. همتُ بأفكاري، بعيداً عن مفاتن الدنيا. وإذا أبني، يفاجئني بقفزة رشيقة إلى مكاني على الدرجة الثالثة من المدرج: " بابا، أين كان عقلك؟ عشر مرات لوحت لك من بعيد وأنت لا ترد عليّ!! ".

4
شهر رمضان، حكمته محددة بتذكّر الفقراء ورمزيته في أنّ القرآن نزل خلاله. أما نهاية رمضان، فيبدأ فجراً بزيارة الأموات. في طفولتنا، كان طقس زيارة المقابر عزيزاً علينا وأثيراً. كنا نقطف الورود من حديقة البيت، ثم نرافق الأهل إلى المقبرة. لدى عودتنا، كنا نسير على ايقاع الأصوات الرائعة لتهليلة العيد، المنطلقة من المساجد القريبة. قبور أجدادنا وأقاربنا من ناحية الأم، تضمها تربة الآله رشية بأعلى الزقاق. فيما الآخرون من جهة الأب، فكانت قبورهم موجودة في تربة النقشبندي.
قبل عدة أيام، أتصل ابني من مدينة اوبسالا. قال لي، أنه ورفاقه يتجولون في منطقة المقبرة الإسلامية طالباً مني أن أحدد له شكل قبر جده ( المرحوم الوالد ). قلت له: " القبر عليه شاهدة حجرية، منقوش عليها اسم جدك بالأحرف اللاتينية الكردية. ومتوّج بعلم كردستان محفوراً بالألوان ". بعد نحو نصف ساعة، أرسل لي sms بالسويدية: " وجدته! ".

5
التوت، كان من أكثر الثمار قرباً لقلوبنا في زمن الطفولة. كنا في سبيل الحصول عليه، ندخل مسجد سعيد باشا بحجة الصلاة. هذا مع العلم، أن بساتين الحارة كانت مغروسة بعدد كبير من أشجار التوت بنوعيه، العادي الأبيض والشامي الأحمر. شجرة التوت الأبيض في منزلنا، قام الوالد بتطعيمها بفرع توت شامي. ولكنه ما لبث أن قطع الشجرة من جذورها، مبرراً ذلك بحاجة أزهار حديقته لمزيد من الشمس والضوء.
في الزقاق، كانت حدائق بيوت بعض الجيران تحظى بالشجرة المباركة. شجرة " أم عمر "، كانت مزدهرة بالتوت الشامي، ولكن كان من المحال تذوق ثمارها حتى لو كانت متساقطة على الأرض. في المقابل، كنا نستقبل بالترحاب من قبل جارتنا الكريمة، " شريفة "، حينما نسطو على شجرتيّ حديقتها الغنّاء. أما جارتنا " دلال "، فإن حديقة بيتها كانت أشبه بالسبيل؛ ندخل متى شئنا ونبدأ بتسلق شجرة التوت الأبيض الهائلة الارتفاع. ذات يوم، فاجأنا زوجها ونحن على الشجرة. كان الرجلُ معاقاً بالجانب الأيمن من جسمه، ومع ذلك كنا نخشاه. وأتذكّر أنني بقيت مختبئاً ذلك اليوم بين أغصان الشجرة، بعدما قفز بقية رفاقي وهربوا. أخيراً، انتبهت إليّ امرأته الطيبة وساعدتني في النزول بسلام.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الخامس 5
- إلِكْترا: الفصل الخامس 4
- إلِكْترا: الفصل الخامس 3
- إلِكْترا: الفصل الخامس 2
- إلِكْترا: الفصل الخامس 1
- إلِكْترا: الفصل الرابع 5
- إلِكْترا: الفصل الرابع 4
- سيرَة أُخرى 68
- إلِكْترا: الفصل الرابع 3
- إلِكْترا: الفصل الرابع 2
- إلِكْترا: الفصل الرابع 1
- إلِكْترا: الفصل الثالث 5
- إلِكْترا: الفصل الثالث 4
- إلِكْترا: الفصل الثالث 3
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 69