أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - بعد إنتظار طويل ... عاد غودو















المزيد.....

بعد إنتظار طويل ... عاد غودو


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 5880 - 2018 / 5 / 22 - 05:38
المحور: الادب والفن
    


أنسحبت المرأة اللعوب الى داخلي معلنة هزيمتها النكراء وصوت صراخها أزعج جاري الأطرش. أغلقتُ عليها كل النوافذ وأمرتها بالإنزواء في الزاوية المخصصة لها. وبختها لتكف عن اللعب بالنار التي أحرقت كل أصابعها كما وأحرقت بيدرها قبل الحصاد بأيام قليلة. أحرقت أجمل أيام عمرها بتعمد كمن يحرق أوراقاً سرية بالخفية. وكأن إشعال النيران غدت عندها عادة، لذا فطلبت منها التنحي جانباً. فلم أعد أحتاجها، أو بالأحرى، لقد إنتهى وقت اللعب! انصاعت مجبرة -- وعلى أي حال فهي مطيعة وبارعة في الإنصات.

وها هي أمام صورة رجل يشبه جدها، لا بل أباها، لا بل هو لا يشبه أحداً، وإلا لما أغرمت بهذا الوجه القريب من وجه (راسبوتين) بنظراته الحادة وبزرقة عينيه الغامقتين يوم أغواها وهي بكامل قواها. تأملت الصورة الملصقة بجانب مرآتها الصدئة وبدأت تخاطبه بود، وهي تمعن في المرآة. بدأت تشكو له بحرقة، كأنها تشكو للسماء. إنها تناشد نفسها قائلة:

أيتها النزيهة، ليتك تكرمت وأسديت كل نصائحك هذه قبل أن أحرق أصابعي. وكل ما كنت أملكه يوماً، و قبل أن أتلف العمر وأنا بانتظار المدعو السيد (غودو)، ذلك الذي زرعك بجانب شجرته النصف مورقة ومضى تاركاً صوت صفيره في الريح. صفيرموجع. صفير لرجل منتصر. صفير لرجل منكسر.لا يهم! ذلك الذي أبتكر لعبة، ولكنه وقبل أن يكملها، تركها ليكملها من يأت بعده. ولكن أحداً لم يفهم اللعبة بعده ليكملها. واليوم أود أن أخبرك، أود أن أهمس في أذنك بأني كبرت وكبرت شجرتك. الملل نخر عظامي والنمل الأبيض نخر جذع شجرتك-- أقصد شجرتنا النصف مورقة والنصف مثمرة التي انتظرتك تحتها. ودعّني أبشرك بأني أكملت اللعبة وحدي، وحين أدركت أن عودتك مستحيلة، قررت بتلهية نفسي العزيزة عليك باللعب على سبع حبال. وبالكعب العالي الذي أهديته لي يوم كنا وكان. لعبت حتى تعبت وضحكت على ذقن كل من سولته نفسه على الجلوس بجانبي تحت ظل شجرتك- أقصد شجرتنا. ولا أخفي عليك، تماديت معهم ولم يعد مهماً عندي من الفائز. فقد تحولت الى مدمنة غدت كل ايامي لعب في لعب، لأني أكتشفت عن طريق الصدفة بأن الحياة كلها مجرد لعبة يا عزيزي. الحياة كذبة بيضاء لوثتها برماد سجائري والضحك على الأخرين. الحياة حكمة. فضيلة. تسلية. سميها ما شئت. المهم إنها تعلمك فن التنافس على ما لا تعرفه... ربما على كسر ظهر الملل الذي يقضي علينا بحيله اللعينة؟ هذا ما تعلمته منك على الأقل .. ولكن، ماذا دهاني؟ أين حبالي؟ ماذا حل بها؟ وأين كل هؤلاء الذين طرقوا بابي بقوة حتى مزقوا طبلة أذناي؟ أم ان زرعك لي بجانب شجرتك دفعهم للهرب؟ أم تراه وفائي المبطن بالغدر هو الذي نجاني من شرهم المؤكد؟ أتعرف، كنت على حق عندما أقنعتني بأن الحياة لعبة وكل من ينتهي دوره، يرحل دون ان يلتفت أو يسأل نفسه إن كان فاز أو خسر، طالما اللعبة تنتهي دوماً لصالح لا أحد. طالما تنتهي اللعبة بالتعادل دوماً. والكذبة غيرتني وغيرت ذلك العابر الدائمي الذي اشتهى يوماً أن يغفو نصف إغفاءة على كتفي ليستريح قليلاً قبل ان يكمل مشواره، بعد ان همس في أذناي: " إنتظريني. قد أعود." همس كلماته بطريقة مثيرة للشك.

وأنتظرتك، رغم أني كنت أعلم سلفاً بأن (غودو) لن يعود. وهذه ال "قد" جعلتني أصدقك. وحولني انتظارك إلى نصف مصدقة، وتحت شجرتك أختلقت مئة لعبة ولعبة حتى اصبح الموقع ساحة للعب- وكم تسليت في غيابك! واليوم يا صاحبي كبرت أنا. أجل، كبرت يا معلمي الكفيف، وتبخرت كل الوعود بالوفاء كما تبخرت وعودك وتشبعت بأكاذيبك البيضاء. لم أعد أشم رائحة الصدق. وحولني الغياب من مذنب إلى جاني يجيد التلاعب بالقانون كأي قاضي في مدينتي الفاضلة. فجميع القضاة في مدينتي رحماء وبارعون في اللعب مثلك ومثلي. تارة أحاسبهم وتارة يحاسبونني. كل ذلك من باب التسلية لا أكثر. لقد حبست المرأة التي أغرمت بك في درجي المثقل برسائل لنفوس حائرة. نفوس لا تعرف إن كانت أغرمت بي، أم أنا التي أغرمت بها واوقعتها بشرك الوهم وعلمتهم اللعب ببراعة الثعلب عندما يلاعب ذيله تحت الكرمة المثقلة بالعنب الحامض.

اليوم أسكت هذه المرأة بوضع يدي المشققة على فمها. هاهي تعضها كما عضضت أنا أصابعي كلها سلفاً، لاعنة يديك البارعة في شتل الأشجار وشتلي. لعنتك لأنك زرعتني بجانب شجرتك المحرمة عليّ. كان عليك ان تمضي دون أن تغرسني. لا أظن كنت سأحاسبك على فعل ذلك! والآن، أخبرني، ما العمل؟ ما السبيل إلى قلعي؟ أريد من يقلعني ويرمي بي جانباً! ضحكت المرأة التي أسكتّها بالقوة وقالت ساخرة: " أتريدين من يقلعك؟ حسناً، إقلعي هذه الشجرة النصف مورقة أولاً، وبعدها تخلصي من نفسك أو تخلصي من كلاكما في آن واحد بعود ثقاب وينتهي كل شيء!"

ولكن اخبرني كيف؟ وقبل أن تنفذ ما قررته نفسي التعيسة، سمعت صوت سعالك الذي سبق طرقك للباب. فها قد عدت إذن. عدت بعد أن نخرت الغربة عظامك. عدت بعد أن شوهت الغربة ملامحك. عدت ذليلاً منهكاً مثلي تماماً. عدت باحثاً عن شجرتك وعني. ضممتني صامتاً دون أن تحييني. دون أن تسألني عما حل بي في غيابك. دون ان تسأل ماذا كنت افعل من دونك. فكل همك أن أكون هنا بجانب شجرتك. وطلبت مني أن أقص عليك حكاية الأبن الضال، غير أني قصصت لك حكاية المرأة والسبع حبال. أخبرتك عن عدد سقطاتها، وعن ذلك الأنتظار الذي سلب العمر منها. لم تكن تصغ اليّ. كنت خائر القوى، شارد تنصت السمع إلى نصف شجرتك المورقة، وكيف كانت أغصانها تمازح الريح فرحة بقدومك المفاجىء هذا. وكأن عواء الريح يذكرك بشيء ظننت بأنك كنت قد نسيته...

قلتٌ، وأنا أقطع شرودك بقطعة سكر- أقصد بقبلة شوق مدقع: "أغفر لي لأني خنتك بغيابك. هل ستغفر لي؟ اطلب الغفران رغم إني لازلت مقتنعة تماماً بأن الحياة لعبة. إنها كلعبة الغميضة، تارة تُظهِر لي نفسها، وتارة تختفي ... وبين ظهورها وأختفاءها، تحدث أشياء غريبة. وها أنت اليوم أمامي. منهك مثلي. تائه مثلي. تائب مثلي. ولا أعرف إن كان هناك وقت لأحدثك عن حبالي السبع، وكم كنت بارعة بالقفز عليها! هل أخبرك التفاصيل أم الوقت ضيق؟ إذن سألخصها لك!
الحبل الاول: خنقتُ به أنوثتي.
الحبل الثاني: خنقت به أحلامي.
الحبل الثالث: خنقت به ماضيَّ.
الرابع: خنقت به كل خطاياي.
الخامس: خنقت به كل الرجال الذين تبعوني مصدقين اكاذيبي المبهرة.
السادس: خنقت به رجلاً أراد قلعي بقوة.
وأما السابع فما يزال معي. كنت قد هيئته لخنق المرأة التي أمضت العمركله بإنتظارك عبثاً. وها أنت قد عدت قبل أن أنفذ الوعد! فهيا أخبرني، ماذا أفعل بالحبل السابع؟ لم تجبني ولم ألح عليك. وها قد أسكتني صوت شخيرك كما أسكتني يوماً صوت صفيرك ...



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عامود البيت
- أهرب
- جِئتكَ
- الميسوفونيا
- حبل أمي
- إنتبه!
- هدية من بلاد ما بين الجرحين
- الوقت
- مات فيدل كاسترو
- خذي الصدق من فم امرأة يا امرأة
- ع الضيعة يمة ع الضيعة
- كنت صغيرة
- يوميات أرملة مملة
- قصتان
- من يوميات فلاحة
- من دفاتر لم تقرأ
- من يوميات أمراة شبه منسيه.
- الحضور والرحيل
- تصديق ما لا يصدق
- ولا زالت الميمة جنب الخيمة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - بعد إنتظار طويل ... عاد غودو