أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - هدية من بلاد ما بين الجرحين














المزيد.....

هدية من بلاد ما بين الجرحين


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 5725 - 2017 / 12 / 12 - 23:26
المحور: الادب والفن
    


افتح هديتك الثقيلة بثقل الشوق الذي اثقل القلب . أتأملها بحيّرة. ألمسها بحذر شديد. هذه التي وصلتني من بلاد بعيدة، من بلاد السندباد. من بلاد ما بين الجرحين. من رجل استغفله قلبي ولم ينسني يوم كنت مغفلة. هديتك المغلفة تبهر العين وتوجع القلب. آه يا ايها البعيد، ماذا يوجد داخل صندوقك المحكم هذا؟ صندوق يذكرني بصناديق الحمل التي كانت امي تحزمها بأحكام كلما قررت الحكومة بنقل ابي من مكان لآخر بحكم عمله، لذا فكان علينا ان نتبعه طائعين. ولم يزعج أمي ترك المكان بقدر ما أزعجها ضب الصناديق الثقيلة واعادة ترتيبها من جديد في أماكنها. أغلبها كانت اواني خزفية واستكانات شاي ذهبية مزخرفة باهضة الثمن، منها تركية ومنها صينية وآنيات من الكرستال (التشيك) وقدور تيفال فرنسية. لا زلت اذكر تلك الآواني التشيكية، كما كنا نطلق عليها يومها، قبل تفكك البلد سلميًا، يوم كانت تسمى (تشيكوسلوفاكيا)، وبعدها قُسِمَت كرغيف الى نصفين كما يحاول البعض تقسيم بلدي الى اكثر من نصفين-- من يدري ربما الى خمسة او اكثر. الله اعلم. فالكل يريد قضمة. وليته يكون تقسيم سلمي ومبني على المسامحة حيث يتمنى كل الموفقية للآخر وتبقى الحدود مفتوحة كقلوب اهلها الطيبين إن نجحوا بتقسيمنا لا سمح الله.

آه ... يا طيب القلب مادخل هديتك بهمومي؟ هديتك اوجعتني اكثر مما افرحتني. فتحت ابوابًا مغلقة قبل ان افتح هديتك المغلفة بورق فضي كلون شعرك الكث. هديتك المربوطة بشرائط حمر مذكّرة إياي بحذائي الاحمر. بكعبه العالي الذي لم ارتده سوى مرة واحدة لموعد لم اذهب اليه والسبب كسر فردة كعب عند عتبة البيت وكأنها كانت تنذرني بعدم الذهاب ومن يومها لم ارتدي الكعب العالي. يومها تخلفت عن موعد اؤجل اكثر من مرة. من يدري ربما كان سيغير مجري ايامي الرتيبة. لم اقل حياتي فكما تعلم أنا مزاجية وسريعة الملل. بيني وبينك ندمت وقتها واحيانًا احاسب نفسي قائلة: "هل كان سيغير ذلك المدعو (السيد معجب) حياتي ومزاجي المتقلب كطقس هذا البلد؟"
ما بالي اليوم اربط كل ما مررت به في الماضي بهديتك هذه؟ يامن تفوح من صدره رائحة بخور الاديرة القديمة فلازالت الذاكرة تعبق برائحتك الزكية. ليتك تعرف كم افتقدك في هذه اللحظة بالذات. أشتقت لاضمامتك الدافئة. أتعرف يا صديقي الطيب بأن هديتك المفرحة وصلت قبل حلول الأعياد بأسبوع؟ وكأنها تقول لي "القادم اجمل"! وها أنا احاول جاهدة ضبط نفسي المتخلخلة واتهيء لفتحها قبل حلول الظلام، وشعورغريب يتملكني انا التي لقبت نفسي يوما بالمرأة القوية التي كانت تحلم حتى وهي صاحية. اليوم احلم بتك الضمة التي ضممتني بها يوم جئتك مبشرة بأن موعد سفري قد حدد وانه بات قريبًا. جئتك وانا بكامل فرحتي المغشوشة. اكتشفت الغش بعد ان ذقت مرارة الغربة، بالأخص عندما أدركت بأني في مكان غير مكاني وفي بيت غير بيتي. وكما قال الذين قبلي بعد ان اغلقت كل ابواب العودة في وجوههم واضطروا مجبرين لخلق بيوتًا مريحة لأنفسهم. والوطن الثاني مهما كان رائعا معك يبقى يلازمك شعور كشعور الزوجة الثانية. نومها متقطع. بيتها من القش وجدرانه من الغش. عيناها على الطريق...

آه يا سندباد هديتك آخر دعابة خريف وصلتني في الوقت المناسب لتسليني-- او بالأحرى لتعزيني. هذا الخريف كان رائعًا. لقد اغرقني بثماره وبمفاجآته وبأعياده الغريبة التي ستطل قريبا. هديتك وصلت لتذكرني بالاعياد التي نسيتها أو تلاشت بحكم الاوضاع المريرة وبحكم الغربة ايضًا.
يا ترى ماذا يحوي هذا الصندوق القادم من بلاد السندباد من بلاد ما بين النهرين اقصد ما بين الجرحين؟ ما رأيك لو اضعه جانبًا لحين اكمل قهوتي المسائية وبعد ان اقرأ رسالتك المعطرة سأقرر فتحه او تركه لأشعار آخر، أو سأدسه تحت شجرة الميلاد ثم افتحه في ليلة العيد كطفلة تحلم بفتح هديتها طيلة الليل. وحالما يبزغ الفجر سأسرع لهديتك وافتحها بلهفة، أو سأفتحها ليلة رأس السنة التي ستلتهم حبة عنب أخرى من عنقود العمر بتلذذ وتمضي غير مبالية بنا؟ هي تتلذذ بالمضغ وأنا الجأ الى حبة لوجع الرأس لأهد أوجاع الرأس التي اعاني منها كل ليلة رأس سنة.
لا بل سأفتحها الآن! فلأدلل نفسي قليلاً. فكل شيء يجب ان يفتح في وقته، وإلا يفقد طعمه كما تفقد القضايا قيمتها عندما تترك على الرفوف بتعمد حين لا يعود أحد يسأل عنها، وكأنها لم تكن موجودة يومـًا. آه يا سندبادي الطيب! ها انا افتحها يا إلهي لا اصدق ما أرى! قلادة خرز زرقاء كلون عينيك! ومبخرة فضية كمبخرتي التي تركتها معلقة في غرفتي القديمة. خاتم بحجر كريم كقلبك محفور عليه عبارة "إلى تاريخي" الموجعة.
ماذا تقصد بها يا ترى؟

آه.. ها أنا أجهش ببكاء مرير.
هذه المرأة المحبوسة في صدري
أسمع صوت صراخها
أسمعها
تقول بأنكسار
ايها المتباهي بتاريخك
فأن تاريخك لم يعد موجودًا
لقد دمروه
وشوهوه
ولفقوا مئة كذبة
حوله
حولي
وحولك
هناك من حوره
حسب مصلحته
حسب مزاجه
وحسب ما تقتضي الحاجة...
تاريخك لصقوا انوفهم الطويلة
به
بي
وبك
وقالوا
ما قالوا عنه وعنا
منهم من نسبه اليه
منهم من قام بهدمه
منهم من طمسه
منهم من تاجر به
ومنهم من ادعى انه مزيف
مثل اوراقهم الثبوتية...
تاريخك يا سندبادي الطيب
اليوم أراه
محبوسًا مثلي في المدن الغريبة
تحرسه عيون غرباء
حراسة مشددة...
تاريخك لم يعد ملكك
ولا ملكي،
حتى انا لم اعد ملكك
افق من نومك وحاول ان تستعيد الاوضاع والأحداث
واستعد للقادم يا صديقي
فقد يكون اسوء لي ولك،
وبعدها احفر على الخواتم كما يحلو لك
واهدي لي هدايا موجعة
تعود بي إلى ايام مضت
امرأة بثوب وردي تنتظر حبيبًا على السطوح
وتحلم بالعودة الى حضن امها
والى حضن الوطن
والى حضنك الدافئ
ولكن أفق اولاً،
وبعدها احفر بكل ما تطاله يداك...
كما يمكنك ان تكتبها بكل لغات العالم
الى تاريخي
وأي تاريخ مرير!



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوقت
- مات فيدل كاسترو
- خذي الصدق من فم امرأة يا امرأة
- ع الضيعة يمة ع الضيعة
- كنت صغيرة
- يوميات أرملة مملة
- قصتان
- من يوميات فلاحة
- من دفاتر لم تقرأ
- من يوميات أمراة شبه منسيه.
- الحضور والرحيل
- تصديق ما لا يصدق
- ولا زالت الميمة جنب الخيمة
- مسطبة العابرين
- متشردة
- لحظات مكسورة-الجزء الخامس
- وطن مغلق بقلوب مفتوحة
- جاري العزيز
- حوار بين أم وابنها
- وقفة احتجاج في قاعة محاضرات مغلقة*


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - هدية من بلاد ما بين الجرحين