أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جوزفين كوركيس البوتاني - وقفة احتجاج في قاعة محاضرات مغلقة*














المزيد.....

وقفة احتجاج في قاعة محاضرات مغلقة*


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 4806 - 2015 / 5 / 14 - 21:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دخل الأستاذ الى قاعة المحاضرات وهو يحيي طلبته ثم شرع يتحدث بصوت حاد: "قبل ان نبدأ المحاضرة، دعنا نقف دقيقة تضامن واحتجاج على ارواح شهدائنا من الأخوة الفلسطينيين!"

فوقف الجميع وقفتهم لدقيقة كاملة وهم صامتين بوجوه يرتسم عليها الحزن. الكل ساخط في داخله ولكنه يرفض الإعلان عن سخطه خوفًا او خجلاً او خشية التعرض للفصل او السخرية من قبل البقية في القاعة. وانتهت الدقيقة وأذن الاستاذ لطلبته بالجلوس وشرع كل يهيئ اوراقه للبدء في كتابة المحاضرة، إلا طالبًا واحدًا بقي حيث هو واقف وعلامات الاحتجاج مرسومة على وجهه. حمحم الاستاذ وقال: "بامكانك الجلوس إن شئت. ام انك نسيت؟" ولم يتحرك الطالب. ظل حيث هو صامتًا ومتذمرًا مما أغاض الأستاذ فكرر الآخير كلامه آمرًا اياه بالجلوس. ومضت دقيقة اخرى اعتذر بعدها الطالب من الاستاذ وجلس. استغرب الاستاذ وتقدم منه قائلاً: "ماذا اصابك يا بني؟ هلا وضحّت لي اذا سمحت؟ لماذا اطلت الوقوف؟"

فاجاب الطالب بصوت حازم: "لقد اضفت دقيقتان من عندي من اجل شهدائنا نحن. من اجل مفقودينا. من اجل مرضانا الذين بلا دواء. وقفت احتجاجًا وتضامنًا مع بلدي المغلوب على امره. لقد مضى اكثر من عقدين ونحن نضحي بأرواح لا تعد ولا تحصى. وقفت احتجاجًا على هذا الحصار الذي دمر حياة شعب بأكمله. وقفت اجلالاً للشيوخ وللأطفال. للذين هاجروا ويهاجرون مجبرين بحثًا عن لقمة عيش، عن خيمة سلام تضمهم. شعبي أولى بالوقوف من اي شعب آخر حاليًا. هذا لا يعني بأني لا احب فلسطين، وإنما فلسطين لديها من يقف لها، ولكن من يقف معنا نحن؟ من يمد يد العون لنا؟ فمنذ بداية الحصار وانا اتابع الأخبار في كل الإذاعات العربية ولم اجد إلا قلة ممن ينصفوننا ويناشدون دول العالم لخلاصنا. لم اجد أصوات عربية كثيرة تشد من أزرنا. فكل برامجهم عن تنمية شعوبهم. وأما نحن فلا احد يأبه بنا وكأننا لسنا على الخارطة. لقد رموا بنا جانبًا ليهتموا بالحديث عن تصدير نفطهم واستيراد ما يحلو لهم. يتحدثون حتى عن البراري، عن الأسكيمو، وحتى عن التبت إلا عن معاناتنا نحن! يبثون برامج عن التطور العلمي ولهم قنوات خاصة لتعليم شبابهم عن الحاسوب والإنترنت وعن ركن المرأة وعن الله وعن يوم الحساب، ولكني لم اسمع اصواتًا تذكر تتطرق للعراق ولمآسيه، بل على العكس من ذلك، لقد بتنا نشكل خطرًا عليهم. لن انسى ما حييت وقوف بعض من الدول التي تدعي العروبة ضدنا مع العدو. ليتنا نعرف من هو عدونا الحقيقي! ولن انسى دولاً اخرى وقفت مع حكومتنا المستبدة ضد شعبنا بحجة إننا نستحق ذلك! ولن انسى دولاً جاهدت للابقاء على الحصار الاقتصادي حفاظًا على مصالحها تحت فلسفة مبطنة عنوانها "الحياة مصالح"!

واضاف قائلاً: "لقد وقفت ايضًا نيابة عن الجميع معلنًا احتجاجي على الحكومة وعلى الوضع واطالب بالتغيير واتسآل لماذا لم نسمع يومًا من احد المطالبة بتغيير حقيقي داخل البلد؟ لكم تمنيت ان ارى احتجاج فعلي لا شعائري. صدقني يا استاذ ان شعبي يستحق اكثر من هذا، وإن كانت السلطة فاسدة ولا تروق لهم، فليزيحوها عنا وليجلبوا لنا حكومة غيرها! انهم على علم تام بأن الشعب لا حول له ولا قوة. والآن يا استاذي هل عرفت لماذا احتج؟ ام انك لست معي؟ قل لي كيف نقف مع فلسطين ونحن عاجزون عن الوقوف في وجه حكومتنا المستبدة؟ من سيقف معنا؟ من سيفتح باب الأمل لنا؟ لقد سئمنا هذا الحصار ومخلفاته!"

صمت الجميع وتنهد الأستاذ وهو يرمق الطالب بنظرة حب واحترام فائقين وقال له: "ارى بأنك تود قلب النظام؟" وقاطعه الطالب: "لا يا استاذ. اود خلق نظام حقيقي وفعلي وليس قلبه!"
"العلة تكمن هنا." اضاف الطالب مشيرًا الى رأسه. وبقي واقفًا حتى يأذن الاستاذ له بالجلوس ولكن الأخير لم يفعل هذه المرة. فوقف الطلاب الواحد تلو الآخر معلنين تضامنهم مع زميلهم الشهم الذي ايقظ الغيرة في نفوسهم فصاحوا هاتفين بصوت واحد: "نقف لأجل العراق الحر. لأجل مرضانا. لأجل اطفالنا. لأجل شيوخنا. ولأجل مستقبلنا. نقف ضد كل من تسول له نفسه بهدم بلدنا. نقف من اجل العاطلين عن العمل. نرفض كل من يحاول تقطيع بلدنا كما يحلو له. فنحن ابناءه له الحق علينا كما لنا نحن الحق عليه. نحن سادته وعبيده في آن واحد."

وجلس الجميع بعدها ملتزمين الصمت ومنتظرين التعليق من استاذهم، ولكن الاستاذ خانته العبرة وغمرته موجة من الفرح رغم كل المآسي التي يمر بها الوطن. لقد اكتشف بان طلبته ليسوا تافهين وسطحيين كما كان يظنهم لمجرد انهم يلبسون ملابس شبابية غربية. ما جرى في القاعة اثبت له بأن نظرته لهم لم تكن دقيقة حيث اكتشف بانهم سادة انفسهم. بل هم سادة من نوع خاص يليقون بالعراق ويليق العراق بهم. انهم لحق اصحاب نظرة بعيدة. فأخذ الطبشور وكتب على اللوحة: عاش العراق مكرمًا بين الأمم!

حدث هذا كله في قاعة مغلقة ولم يشهده احد سوى الاستاذ وطلبته. كان احتجاجًا بسيطًا وربما بلا تأثير يذكر، ولكن يكفي انه حدث والبقية ستأتي لاحقًا؟....

*كتبت هذه المقالة اثناء فترة الحصار الاقتصادي المفروض على العراق.



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هلوسة ليلية
- أحمر الشفاه
- الخيط
- حوار امرأة مع الريح
- المملوكة الحزينة
- الغربة تقطنني
- روائح
- وجوه
- حداد
- المتسولة المدمنة
- غربة مكان
- هذا المكان
- دسّني في عبك
- الغانية والهيكل المقدس
- حب بلا كلمات
- حزينة أنا
- من أنتِ؟
- ديك شهريار
- هذا المساء
- قالوا


المزيد.....




- دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازون
- لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
- انقسام في الكونغرس بعد أول إفادة بشأن ضرب إيران
- البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
- اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا ...
- بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا ...
- كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
- -نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض ...
- البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جوزفين كوركيس البوتاني - وقفة احتجاج في قاعة محاضرات مغلقة*