|
المريض رقم 1987
كمال عبود
الحوار المتمدن-العدد: 5829 - 2018 / 3 / 28 - 12:56
المحور:
الادب والفن
مشاهدات سمران- المريض رقم 1987
كل المحاولات فشلت ، لم تُجدِ مساعيه في تحقيق مبتغاه : التسريح من الجيش .... تطوّع منذ خمسة عشر عاماً واعتبر ذلك مهنةً تعطيه راتباً دائماً ... كان رقيباً في البداية ثمّ صار مساعداً ... بعد السنوات الاولى اصبح يشعر بالملل ، ثمَّ بالغضب والقرف وخاصة عندما يسمع حكايا الصيد ... الصيد الذي كان مغرماً به .. يشغل كل وقته ... يبيع من صيدهِ ويعيش -بحريّه - حريّة افتقدها وحلم بالمسير الى حيث الوديان والبحيرات والجبال .... الى حيث الصيد ومتعته ، كل طلباته بالتسريح رُدّتْ اليه ... لم يكن ثمّة مبرر .. فصحته جيّده واداؤه جيّد و- سجله – نظيف. بعد يأسٍ وقنوط قرّر الهرب من قيود المعسكرات ونظام القسوه ، لكنّ أحد زملائه منعه رأفةً به لان الهرب من الجيش يعني سنواتٌ طويله في السجون، ساءت حالة سمران .. اضحى عصبياً متوتراً ... يغضب لأتفه سبب ... يحطّم ما يراه ... أوشك ان يطعن بالحربة احد الضباط ثمّ أشعل النار في خيمة الطعام ... وهكذا حُوّل إلى مشفى الامراض العصبيّه والنفسيه ...
المشهد الأوّل : استفاق سمران من تأثير ابرة المخدر القويه التي استقبلوه بها حال دخوله ... وجد نفسه يلبس ثوباً برتقاليّاً على فراش في غرفة باردة وشخص بجواره يبحلق به ببلاهةٍ ويمدّ لسانه نحوه ، وقرب الباب فراش آخر عليه رجل قام ودار في الغرفة وهو يتبول واكمل تبوله على سمران وفراشه.
المشهد الآخر : فُتح باب الغرفه على ساحةٍ كبيره ، خرج سمران الذي اصبح له رقماً على ظهره -1987- فرأى مشاهد غريبه ..... رجلٌ يركض بسرعة وكأنه يقود دراجة نارية وينحني يميناً ويساراً كي لا يدهس أحداً ، وثمةً رجل يمشي مشية عسكريه ويؤدي التحيه : انا جاهز سيدي الجنرال رجلان ضخمان ، ادخلا سمران واعطوه حقنة المهديء فنام الى اليوم التالي. مشهد مختلف : رجلٌ يفتح ذراعيه يحتضن أحدهم ويسأله : وين شفت عليا ...؟ ويحتضن الثاني ويسأل نفس السؤال ثم الثالث والرابع ويعود الى الأول والثاني ، وفي ركنٍ آخر رجلان يرقصان بصورة جميلة ومتناسقه ويدبكان على اغنية : على دلعونا وعلى دلعونا .... وجهك يا زينب جنّن الكونا .
ثمّة آخر رسم بحجرة صغيرة خطاً مستقيماً طويلاً على الارض وطلب من المرضى ان يجتازوا الخط سباحةً فهذا شاطيء البحر ، انبطح البعض وجاهدوا محاولين السباحة واجتياز الشاطيء ، وينقطع المشهد : حان وقت الابره المخدّره.
مشاهد أخرى في يوم آخر : رجل يتقدم من سمران ويلبس طقماً كحلياً وقميصاً ابيضاً وربطة عنق جميله تحسبه رجل اعمال ومفكراً عظيماً يطوّح بيديه : ألا أيها الليلُ الطويل ألا انجلي .... بصبحٍ وما الاصباحُ منك بأمثلِ ويلوّح مبتعداً : انجلي ... انجلي .... انجليييييي .... يغيب الشاعر ويأتي الرجل القابع على فراش مجاور لسمران حمل كيساً فارغاً وقال : هل توجعك رأسك ..؟ قال سمران : نعم كثيراً قال الرجل : انا لا توجعني رأسي .. هذا المساء سأقطع رأسكَ وأضعه في الكيس ثمّ اقطع رأسي واضعه على جسمك بدلاً من رأسك وآضع رأسك على جسدي .... لا تخاف لن أوجعك فلديّ سكين حادةٌ وقويّه ! بهت سمران وبحلق في فضاء الغرفة ولم ينم ليلتها ....
المشهد الأخير شوهدت امرأة طبيبة تجتاز الساحة وتجلس في نهايتها على كرسي ، تفتح كيساً تحمله وتوزع على المرضى كعكاً وحلوى وجوزاً وكرات للّعب وفاكهةً جافّة محلاة بالسكر ، والمرضى حولها هادؤون مطمئنون ... تمسح رأس احدهم ......تربّتُ على كتف آخر .... تحضن شاباً وتمشط شعره .... تبتسم للجميع ... تقضي معهم ساعات طويله وهم ينادونها : ماما .. ماما ..
يتكرر المشهد أياماً كثيره وحضور ماما بين المرضى يعني لهم السعاده ، تجيب على اسئلتهم ، تنقذ بعضهم من حالة الضياع والفراغ الى عالم حاضر ... تقص عليهم الحكايا وتغسل لهم وجوههم وفي حضرتها يغيض الالم وتتقلص دائرة البلاهة ويتسلل الى نفوسهم شيئاً من ذاكرة جميله وعلمٍ عميق يظهر مجدداً في نفوس البعض ...
ماما لم تعتمد على الدواء الّا قليلا ، كان شعارها : بالعطف والحنان تحدث المعجزات.. ان تكون اماً حاضره فهذا يعني انّ الدواء قد حضر ، وان الالم قد زال ، لقد ساعدها فريق العمل ورجعوا الى حياة كل مريض في طفولته ومسيرة حياته وتأكّدوا أنّ غالبية الامراض النفسيه تكمن في غياب أمٍ وفقد حنانها وعطفها ، أو فقدان أختٍ أو زوجة وحبيبه ... ***** سمران المريض رقم 1987 كان من المئات الذين تمّ شفاءهم بعلاج -ماما- وعادوا الى رحب الحياه ***** في حضور الام تحضر الروح وتزهو الحياة باشراق لذيذ وجميل ... يا الحاضرة امام العين وفي القلب وفي الروح دام في الحياة سرّ وجودك البهي ... يا الحاضرة في الوجدان والذاكره الساكنة في الاورده ونبضات القلب : كل عام وانت جمال الكون ***** من وحي عيد الأم – القنجرة – اللاذقية - 2018
#كمال_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيخ الجبل
-
زرطيط
-
القاشوش
-
لهّاية الراعي
-
الضرّابة
-
حمّام العنّابة
-
هبّاش النبّاش
-
فدّان أبو مالك - الأكحل
-
ألْ التعريف والمُعرّفُ بالإضافة
-
سلسلة الفضّه
-
بائعة الجبن شيماء
-
الحنكليس والانتياس
-
قميص عرّو
-
جورة بو سمعان
-
جب داؤود
-
أبو قطيط
-
النورَجْ
-
الجلموق
-
الغربال
-
الأبلق مختار الرعوش
المزيد.....
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|