أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - جب داؤود














المزيد.....

جب داؤود


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5567 - 2017 / 6 / 30 - 19:26
المحور: الادب والفن
    


الأشباح تطاردني ..
( دنْكَر ، دنكريا ) تطارده الأشباح ...
دخل من باب ( الحوش ) .. اجتاز ساحة الدار بسرعة وهو يلهث .... وصل الى باب الغرفة .. عاري الصدر ، حافي القدمين ... تركت اخته المكنسة من يدها وقالت بلهفة :
يا ويلّي ...يا مصيبتي .. يا ( شحّاري ) شو صاير فيك ...؟
خرج ( دنْكَر ) صباحاً حاملاً كتاب الفيزياء للصف الثالث الثانوي ، كعادته، ذهب يقرأ على الطرقات بين حقول القرية وعاد دون كتاب ودون قميص ... حافياً ، حائر النظرات .
( دنكرْ) شابٌ ذكي .. مجتهدٌ .. خلوق وخجول وخاصةً من النساء ... لا يختلط مع أقرانه لأنَّ المنهاج كبير والشهادة مفصل مهم للجامعه والمستقبل ..
بعد ذلك اليوم لن يكون ثمةً مفصلاً في حياتهِ ، لقد لازم بيته ولم يفتح كتاباً بعد ذلك إطلاقاً ، لقد ساءتْ حالته وانغلق تماماً عن محيطه والثانوية ، ولم تُجدِ معالجة الطبيب له إِلَّا قليلاً بفعل تأثير المُهدئات ، وفي الأحيان التي يخرج فيها إلى الحقول وكروم الزيتون لا يّسلّم على أحدٍ ولا يكلّم من يراه.
اهلُ القرية نسبوه إلى ( جب داؤود ) ..

تقول الحكايه : إِنَّ من يشرب من بئر داؤود يُصاب بشيء من الجنون أو البلَهْ .... وتقول حكاية قديمه أيضاً إِنَّ البئر مسحور ،أُلقيتْ فيه تعويذة فأضحى عكِراً وحوله الأشباح ، وحكاية أخرى تقول أنّ رجلاً اسمه داؤود حفر بئراً لأجل حبيبته كي يُريحها من نقل الماءِ مراراً بجرّة الفخار من النبع البعيد ولكي لا يسقي أحداً أذاع خبر اً : من يشرب من الجب يفقد عقله ، حدث ذلك من مئتي سنه خلتْ وربما أكثر .. ولا أحد يعرف موقع البئر أو يؤكد وجوده ..
أحياناً ( دنْكَرْ ) يظهر وقد تهدّلَ شعره على كتفيه ، صامتاً لا يكلّمُ أحدا .. وقد بانت ملامحه وحركاته أقرب إلى المعتوهين ....
وفي أوقاتٍ نادره كان يتكلم :
في إحدى المرات جلس في ساحةٍ بالمدينه .. أخرج بيضة َ دجاجٍ من جيبه وحاول أن يضع البيضة على رأسها لكنّ البيضة لا تثبت على رأسها .. وظلّ يحاول ويحاول عشرات المرّات لكن عبثاً فلا يفلح ،والنَّاس تتجمع حوله وتتفرّج ... وأخيراً قال أحدهم :
لا تتعب ، لن تقف البيضة على رأسها ...
ردّ ( دنْكَر ) : إذا كُنتُم واثقون فلماذا تتفرجون ... أكيد شاربين الماء من جب داؤود ..
وفي نهارٍ شتائيٍ صاخب قال لجماعة ينقذون غريقاً عند الشاطئ : اتركوه ، حدا بيصيد في هذا الجو ... أكيد شربان الماء من جب داؤود
ومرّةً كان يراقب طالباً كيف يحّلُ مسألةً رياضيّه :
غبي ... ما هيك تُحل المسأله ... هات... حلّها دنْكَر وقال :
خذ ، شارب ماء من جب داؤود
ويوماً كان دنْكَر ماشياً فرأى المختار الشاب .. تقدّم اليه وتفل في وجهه ... بصق مرّتين : شربان ماء من جب داؤود.؟
صفعهُ المختار ورماه أرضاً وأوسعه ضرباً ،ومضى ...
وكان آخر ظهور له يحمل بندقية صيد قديمه ، يجول خارج القريه ويعود مساءً بعد أردى شاباً قتيلاً بطلقتين من البندقية قائلاً له : لماذا شربت من جب داؤود ...؟
غاب على اثرها عشرون عاماً في مشفى للأمراض العقليه ورجع لا يعرف أحداً ولم تسمع منه الّا عبارة : جب داؤود
------------

في العيد الصغير ... عيد الفطر السعيد .. أُ فَرِجَ عن السجناء والمرضى ... رجع ( دنْكَر ) أبلهاً تماماً ، قال طبيب القريه المبدع الذي عاد من ارقى جامعات العالم والمختص بعلم النفس الاجتماعي والأمراض العقليه بعد أن عاين ( دنْكَر ) قال مُحاضِراً :

لا مجال للشفاء ... جب داؤود خرافه .. مثل الأشباح في المقابر أو الوديان او المنازل المهجورة المنفردة والبعيدة ..
الأشباح وهمٌ العقل .. عجزٌ عن المواجهه .. هو سطوة الجهل وثقافته .. وسطوة القوه
الأشباح تطاردنا ... ترافقنا في السفر .. تعيش في حكايا الجّدات ... في غرف النوم ... وراء محلات الباعة ... عند الأحزاب وقاطعي الطرق ... في الحروب والتهجير .. في الأيدولوجيا والميتافيزيقيا ....
الأشباح في الماضي ... في غموض المستقبل .. في الجيوب الفارغه .. في العوز والفقر والمرض ... في الجهل المريب ..
الأشباح في غرف التعذيب والأذلال في السجون .. يلبسون بذلات رسميه أنيقة ... بذلات ضباطٍ كبارٍ في الجيش، يقطنون في القصور العامره .. ترافقهنّ أجمل النساء ... الأشباح نساء راقصات وعناقيد كرز فوق الأشجار العاليه ..وحول موائد الخمرة والحشيش ..
لا .. لا .. فالأشباح بشرٌ حقيقيون هذه مسلّماتُ العلم ..
أنهى الطبيب محاضرته وخرج راكباً سيارته ، مغادراً وعند أطراف القريه خرجت السيارة عن الطريق ... انزلقت إلى خندق على الجانب ثمّ ارتطمت بشجرة توت كبيره وتشوهت معالمها ..
قال المارّة الذين سحبوا الطبيب من سيارته وأرسلوه الى المشفى
: أكيد إِنَّ الطبيب شارب ماء من جب داؤود
----



#كمال_عبود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو قطيط
- النورَجْ
- الجلموق
- الغربال
- الأبلق مختار الرعوش
- حلساء .. ملساء
- ظِلالْ
- حكايا جدو أبو حيدر -30-
- حكايا جدو أبو حيدر -29-
- حكايا جدو أبو حيدر -28-
- حكايا جدو أبو حيدر -27-
- حكايا جدو أبو حيدر -26-
- حكايا جدو أبو حيدر -25-
- حكايا جدو أبو حيدر -24-
- أوجاع
- حكايا جدو أبو حيدر -23-
- حكايا جدو أبو حيدر -22-
- حكايا جدو أبو حيدر -21-
- حكايا جدو أبو حيدر -20-
- حكايا جدو أبو حيدر -19-


المزيد.....




- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - جب داؤود