أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - جورة بو سمعان














المزيد.....

جورة بو سمعان


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5576 - 2017 / 7 / 9 - 19:02
المحور: الادب والفن
    


طولُها مئةُ ذراعاً وعرضها سبعون .. على كتف مدينة المفرِقْ .. بين جبلين .. وعلى يسار الطريق إلى واحة البُرده وجدتْ تلك الجورة الواسعه والعميقة .. جورة بو سمعان .. منذ متى؟ مَن سمّاها؟ كيف وجِدتْ؟ لا أحدَ يعرف.

رواية قالت إن نيزكاً حفرها .. وأخرى قالت إِنَّ الحرس الملكي لسلطان قديم حفرها ووضع بها أسوداً يرمي إليهم معارضي الملك لتفترسهم .. أمّا (سانون) التي ناهزت المئة عام فقالت إِنَّ الأتراك حفروها في (سفر برلك)* .. وإنَّ جنود فرنسا الشقر كانوا يأتون إليها.

حكايات الجوره كثيره ، حتى أنَّ لبعضها طابعاً إسطورياً ، لكنّ المؤكّد أنها كانت مصدر رعب وقلقْ ، كانت تشبه فم تمساح عملاق ، ابتلعت خرافاً وتيوساً سقطت بها .. اخفتْ في جوفها العميق جثث ضحايا وأفاعٍ .. رمى الكثيرون أوساخاً بها .. أضحت مستنقعاً كريه الرائحه، عفناً، حين يجفُّ صيفاً تبدو في القاع جذوع الأشجار اليابسة وبقايا ثياب وبراميل، أخشاباً وقطعاً كبيرةً من البلاستيك ، وعظام حيواناتٍ وأشياء واشياء ...

كبرتْ مدينة المفرق .. اتسعت شمالاً حتى شارف بناؤها الجوره البعيده ثمّ تجاوزتهاالبيوت، اختار الفقراء أن يبنوا منازل هناك لأنّ الأرض بدون ثمن ولأن االسكن قرب الجوره مقيتْ ...

لم تكن الجوره إلّا مصدر همٍّ يُضاف إلى همَّ الفقر والحاجة ، سقط فيها سلوم المجنون ، وابن حمّاد الفتى المتهور .. كان على درّاجته مسرعاً جداً فهوى فيها .. تزحلقت عن أطرافها بقرة وهوتْ إلى القاع .. حملت الريح القويةُ مرّة ثياب أم أحمد - الداخلية - وثياب أولاد جارتها عن حبل الغسيل ورمتها في الجوره ، ورمى أبو فارس ابنته الصبية فيها في غيهب ليلٍ شتائي مظلمٍ بعد أن قُيّد يديها ورجليها ..

ضاق احتمال الناس .. رفعوا كتباً إلى حاكم المدينه كي يردم الجوره .. لم يهتمّ للأمر كثيراً .. ولكنه بعد مناشدات قال لأهل الحي: لا أستطع ، الأمرُ متروك للحاكم الأعلى ...

قالوا: لن يأتي جواب الحاكم الأعلى إلّا بعد سنين .. لنا معرفةً بذلك وتجارب .. سيموتُ كثير وسيمرض أطفالنا ...
قال حاكم المدينه: سأضعُ حارساً للجوره يمنع أحداً من الإقتراب منها.

تمّ تعيين الحارس ، لكن كوارث الجورة بقيتْ، حيث الحارس يهرب من دوامه ولا يحرس شيئاً، فقرر حاكم المدينه أن يضع حارساً على الحارس يُجبره على التوقيع كل نصف ساعه، وهكذا صار حارسان، ثمّ صاروا أربعةً لليل والنهار، أحضرو طاولة النرد وصاروا يلعبون وهم يحرسون،
جاء رجل عجوز كي يتفرّج على اللعب ثمّ جاء معه جاره تالياً .. وصار يقصدهم رجلاً آخر يعمل لهم القهوة والشاي .. ثمّ أضيف لهم بناءً بنى لهم خيمةً من القصب، وصار الأولاد يلعبون قربهم، وصار بائع الذرة مقيماً بينهم يبيع عرانيسَ نشوئه .. ولحقه بائع جوّال آخر يبيع خضاراً وفاكهةً .

ثمّ أقام شرطيان بشكل دائم كي يحافظا على الأمن، وأسكن عوائلهم قربهم .. وهكذا كان العدد يزيد وصار لزاماً تأمين خدماتٍ أخرى .. ماء وكهرباء ومدرسه صغيره وتجارة تتطور وأصبح سوقاً ومشفى ومواصلات وكثر النشاط وجاءت (الخواجات) تستثمر .. عملوا سياجاً عالياً حول الجوره، وارتفعت قيمة العقارات والسكن والمحال التجارية .. وأصبحت طريق الجوره أهمّ شارع في البلد وصار معلماً للسياح وفنادقه مثالاً للفخامة ..

لقد أضحت عدة أسواق مزدهرة حول الجوره فعمد أصحاب الأسواق وجمعيات خاصه على تحويل الجوره الى بحيرةٍ جميله واستخدموا العمال والآلات أحرقوا ما في الجوره وبدؤوا بتسوية القاع وبناء الجدران الضخمه من الأسفل الى الأعلى .. وفي الوقت الذي انتهى البناء وامتلأت البحيرة الجديدة ماءً وأصبحت تحفة جميلة جاء مدير البريد يحمل كتاباً فيه موافقة الحاكم الأعلى على كتاب مرفوعٍ له من سنين بالموافقة على ردم الجوره...

هدم كل المباني التي حولها لأنها بُنيتْ بشكلٍ مُخالِفٍ للقانون ولأنَّ فنادقها ومقاهيها تخلُّ بالشرف والأخلاق .. وإحالة كل من يعترض الى قانون الأحكام العرفيّة التي تعني وتجيز إعدام من يمنع ردم الجوره ..

انقسم الناس على تنفيذ القرار وتقاتلوا وتحاربوا .. من السكان من رحل ومنهم من تحطمت مخازنه أو خسر فندقه أو بيته ... منهم من سُرِق أو قتُل، أو ضاع عمله وقوت يومه ..

أضحت الجورة مرّةً اخرى مكباً للنفايات والذخائر والضحايا ومكباً لألعاب الأطفال والدمى التي فارقوها والمراجيح الخاوية من براءه الأطفال وضحكاتهم ومكاناً لدفن الموتى الذين لم يستطع أحد دفنهم ..

مازالت جورة بو سمعان تشبه فم تمساحٍ لعين عصيّ أن يغلق فمه أحدا.



#كمال_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جب داؤود
- أبو قطيط
- النورَجْ
- الجلموق
- الغربال
- الأبلق مختار الرعوش
- حلساء .. ملساء
- ظِلالْ
- حكايا جدو أبو حيدر -30-
- حكايا جدو أبو حيدر -29-
- حكايا جدو أبو حيدر -28-
- حكايا جدو أبو حيدر -27-
- حكايا جدو أبو حيدر -26-
- حكايا جدو أبو حيدر -25-
- حكايا جدو أبو حيدر -24-
- أوجاع
- حكايا جدو أبو حيدر -23-
- حكايا جدو أبو حيدر -22-
- حكايا جدو أبو حيدر -21-
- حكايا جدو أبو حيدر -20-


المزيد.....




- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب
- تردد قناة سبونج بوب على النايل سات …. أجدد الأفلام وأغاني ال ...
- الكشف عن القائمة القصيرة لجائزة -PublisHer-


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - جورة بو سمعان