أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح -4-














المزيد.....

سجن الرّوح -4-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5824 - 2018 / 3 / 23 - 13:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم أمرّ بالتجارب الكافية كي أكبر . كي يكبر الأطفال عليهم أن يلعبوا، ويخطئوا. أن يتلقوا المعلومات الصحيحة، والحنان الكافي، وأن يتم حمايتهم صحياً. هذه الأشياء لم تكن متوفرّة في ذلك الحين، ورأيت أنّ الدراسة في مدرسة داخلية في دمشق قد يكون حلماً، وتقدمت لمسابقة القبول في دار المعلمات ونجحت، فقد كان النّجاح مرهون بالعلامة في الصّف التاسع، وعدم وجود عيوب لفظية، ومع أنّني عشت السنوات الأولى في القسم الدّاخلي، لكن اختلف الأمر قليلاً، فلأوّل مرة أرى سندريلا على مسرح العرائس في مدرسة اللاييك، وأوّل مرّة أحضر مسرحاً حقيقياً، وسينما حقيقيّة، وأول مرّة أقرأ لشكسبير.
أقف في نافذة غرفتي في الصباح قبل موعد المدرسة، فأرى الأشجار غافية في حي المزرعة، وعندما أرى أحدهم يدخل أو يخرج من باب البناء لا أصدّق أن تلك الأبنية مسكونة، وفي تلك السنة انتسبنا أنا وصديقاتي إلى الحزب الشيوعي في الخامسة عشر من عمرنا، ولم نكن نفهم ماذا يعني هذا، وربما أنا لم أكن أفهم فقط، وكان لقاؤنا الأول مع مراد يوسف، ثم عطية مسوح حيث كان طالباً في الجامعة، وكنا فرقة من طالبات الدار من بينهن . نوال يازجي، وداد شوك، وكلما اجتمعنا في بيت عطية مسوح تطعمنا أمه مجدرة. حيث أن يوم العطلة مخصص لهذه الطبخة.
في هذه النمرة كان وقتي مليئاً حيث نوزع المنشورات، ونختلط مع الشباب في أعمارنا، وهذا في حد ذاته كاف، ولكن لم أشعر مرّة أنّ هناك أمور جديّة. شعرت أنّني أقلّ نضجاً، فهم أكثر حرّية وانفتاحاً، يتحدثون بالحبّ والزواج وأنا أخجل من هذا الحديث. أعتقد أن الحب والزواج هو سرقة، وحرام. أغلبنا أتينا من بيئات ريفيّة، لكنّني أوّل مرّة أعرف أنّ اليهود كائنات حقيقية ولهم سوق، وأن الكنيسة مكان عبادة مرتب أكثر من أماكن العبادة في بلدتي. كما أنّني لآوّل مرّة أتعرف أنّ هناك شيء اسمه عيد الميلاد، ورأس السّنة.
كان يمتعني أن أقرأ قصيدة عبد المعين الملوحي في رثاء زوجته، وكنا قد حفظناها عن ظهر قلب. رغبت في تعلم الموسيقى، وكنت أحياناً لا أخرج في يوم الجمعة مع صديقاتي كي أعزف على البيانو في غرفة الموسيقى، أعيد المقطوعة وأعيدها، أغني معها بصوت عال، فالدار شبه فارغة في هذا اليوم، وعندما قدمت امتحان الموسيقى قالت لي المعلمة صوتك ليس نشازاً كأنّه مدرّب على الغناء.
كنت في ذلك الوقت أشعر بالخوف، والضياع والحيرة، الخوف لأنّني أخفي نشاطي عن عائلتي وأخاف أن يكشف، والضياع لأنّني لا أفكر مثل الفتيات، وربما أعتقد أنه غير مسموح لي، والحيرة حول سؤال يتردد في ذهني: وماذا بعد؟
عندما حضرت احتفال عيد المرأة لأوّل مرة لم أعرف على ماذا يتحدثون. كل ما سمعته هو أنه في الاتحاد السوفييتي يعطون للنساء وروداً حمراء، وهذا الشيء لم يكن يعنيني على الإطلاق. كنت أقول أشعر أنّني أحتاج أكثر من ذلك.
لم أعجب بالاحتفال بعيد المرأة فقد كانت النساء تصطحب بناتها معها، وتتحدّث عنهن الكثير، لم أكن أعرف لماذا، وفيما بعد عرفت أنهم يعرضون بناتهم للزواج.
مع أنّني شاركت في احتفالات كثيرة بعدها في عيد المرأة، وكنت ربما مشاركاً فاعلاً، حاولت تأليف المسرحيات، والتغيير قليلاً، لكن لا الموارد كانت تسمح ولا العقلية التي يعيش فيها الحزبيون.
كنت أسمع همساً على الدّراسة في موسكو، وكانوا يرشحون البعض للدراسة الحزبية التي لا أعرف ماهي، وكيف يدرسها الشخص، لكن كان هناك دراسة جامعية، ولأول مرّة طرحت إحداهن موضوع عدم العدالة في موضوع الدراسة الجامعية، فالفقراء يدرسون تكنيك، والأغنياء يدرسون الطبّ، وحتى أن بعض البعثيين قد ذهبوا، فأجابها المسؤول بأنّ للبعثيين حصّة لا علاقة لنا بها، وتجاهل سؤالها الثّاني، وتبين فيما بعد أن المنح كانت تباع بشكل طبيعي.
انتشرت في تلك الفترة قصّة أخلاقية حول خالد بكداش عندما لجأ عند أحد رفاقه الأرمن في لبنان، وكانت تلك المقدمة لانقسامات كبيرة، أصبح آل الفيصل في اثنين من الأحزاب المنشقة. أحدهم مع مراد يوسف، والآخر له جماعة، والفتاة زوجة رياض الترك مع توجّه ثالث. هذا التغيير مرّ ربما خلال عشرين عاماً. ولم أكن حينها في دمشق.
بينما كانت بعض العائلات في المدن قد بدأت تستفيد من الجو العام لما بعد عبد الناصر، بقيت العائلات الفقيرة تعاني من العزلة. عزلة الحزب، وعزلة المجتمع . وبدأت الاتّهامات بالخيانة المتبادلة، وكانت التّهمة الكبرى أن هذا الشخص اشتراكي وليس شيوعي! وكانت البيوت الغنية لها علاقة مع سلطة البعث، وهناك سهرات مشتركة، لكنّهم كانوا يشبهون أعضاء الشّرف في كل الأحزاب.
رغم انحياز البعض لفكر البعث، لكنّني وجدت في الكاتبة قمر كيلاني نموذجاً احببته، وكانت تشبه الدّمية في شكلها، أو ربما باربي الحديثة. أعجبني فيها رقتّها، تحرّرها، وحساسيتها، كنت أشعر أنها تشبهني من الدّاخل، وكانت نزيهة حمصي زوجة أكرم الحوراني امرأة قوية متواضعة، لم أر بين النساء الشيوعيات التي عرفونا عليهن كمناضلات نموذجاً أفضل. بل شعرت أن زينب نبوه كانت تمثل شيئاً لا أحبّه، لم أكن أعرف ما هو؟ عرفت فيما بعد أنها محبّة للظّهور عندما قادتنا لاعتصام في السفارة التشيلية ضد بنيوشيت فيما بعد.
كنت أبحث عنّي من خلال تلك النشاطات، وآمل أن أجد نفسي في مكان ما، لكنّني تنقّلت من أسوأ إلى أسوأ إلى أن رأيت أن المرأة في الحزب الشّيوعي ليس لها قيمة إن لم تكن مدعومة من الذّكور، ودعمهم لا يختلف عن الدّعم الذكوري في أي مجتمع آخر.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول فضيحة كامبريدج أناليتيكا
- سجن الرّوح-3-
- سجن الرّوح-2-
- سجن الرّوح-1-
- طريق العودة
- بمناسبة عيد المعلم العربي
- هل غيّر الغرب فكر المرأة السّورية؟
- قصة حقيقية عن العبودية
- سيرجي سكريبتال مرة أخرى
- رد على وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حول حادث تسمم ال ...
- الفقر يخلق الظّلم
- من أمام المقبرة
- تحرّر المرأة مرهون بالسّلام
- يوم الإنسان السّوري بدلاً من يوم المرأة
- الجنس الثالث
- اضحك، فليس في الضحك عار
- تماهى مع النّظام، واشتم العرب السّنة
- العجز عن الكلام
- آسفة على الكذب
- طواحين النّار


المزيد.....




- رصدته كاميرات المراقبة.. شاهد رجلًا يحطم عدة مضخات وقود في م ...
- هل تعلم أنّ شواطئ ترينيداد تضاهي بسحرها شواطئ منطقة البحر ال ...
- سلطنة عُمان.. الإعلان عن حصيلة جديدة للوفيات جراء المنخفض ال ...
- في اتصال مع أمير قطر.. رئيس إيران: أقل إجراء ضد مصالحنا سيقا ...
- مشاهد متداولة لازدحام كبير لـ-إسرائيليين- في طابا لدخول مصر ...
- كيف تحولت الإكوادور -جزيرة السلام- من ملاذ سياحي إلى دولة في ...
- محاكمة ترامب -التاريخية-.. انتهاء اليوم الأول دون تعيين مُحل ...
- حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في عمان يتقبل التهاني ...
- كاتس يدعو 32 دولة إلى فرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات جديدة على إيران ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح -4-