أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - اوجاع قريتي ...ف 22















المزيد.....

اوجاع قريتي ...ف 22


عبد الغني سهاد

الحوار المتمدن-العدد: 5802 - 2018 / 3 / 1 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


الفصل 22
الفصل الثاني والعشرين..
الريح و العملاق. ......
انشغل الناس بتشييع جنازة القايد باشو..الذي ودع الحياة بابتسامة صفراء لم يكن راضيا بمفارقة الحياة..لم يرض بنهايته على هذا الشكل.الذي اختاره له الراوي المتحكم في فصول الحكاية . نزعه الاخيركان وهو يحدج في وجه البهلول..يقرأ عليه نهاية فصله في الحكاية..كان يحاول ان يقرأ مشاعر البهلول على وجهه. .والبهلول يصد عنه الى جهة الجدار .. يتابع القراءة بصوت اجش بعض السور من القران..التي تذكر الموت ...هل كان جادا في رغبته تخفيف الم النزع عليه ..بعد فترة قصيرة من نزعه انتشر الخبر في القرية كالنار في الهشيم... خبر سيء بالطبع بالنسبة للاتباع وعناصر السلطة يتداولون حول عجز ابنه المصروع وشلته في ولايته. لكن في المجالس لتشييع الجنازة روجو ان البهلول فهو الضالع في اغتيال القائد باسوحين ويقولون كذلك انه دس له السم في الطعام للتعجيل بحتفه..مثل باقي الشائعات انتشرت الشائعة بين سكان القرية وعم الرعب والخوف من الاتنقام من مولانا البهلول ..وانقسم سكان القرية الى مؤيد للمصروع ومؤيد لمولانا البهلول.. ومن مناصري هذا الاخير كان المهدي المقاول عمر مول البغل ..الذي رفض ويرفض مبدئيا استعمال العنف فييما بين سكان القرية ..ومعه كان الى جانب البهلول كل الناس الطيبيين ...سترون انها نفس التجربة الاولى تكررت في القرية ..يموت احد حكامها ويرفع الايادي الى البهلول ...الا ان شخصية البهلول في الماضي ليست هي نفسها اليوم ولن تكن مطابقة لما سياتي به المستقبل ..لا توجد اية ادلة على تورطه في قتل القايد باشو هذا الامر تعرفونه جيدا. وتحدثون به بعضكم بعضا في كل الجهات ..لكن ابن القايد يريد التخلص مني .. والقضاء على سمعتي الطيبة التي استرجعتها تدريجيا في قريتي..منذ عودتي اليها ..في حين في الماضي كنت محتقرا منبوذا من طرفكم جميعا ما عدا السيد عمر الذي كان يتخدني صديقا له ..انصاري الجدد ينادونني (..).. يا مولانا ..ولم يكن لارضى لنفسي بهذا اللقب والرتبة لكني اجد نفسي مضطرا لقبول مجرى الاشياء.. كي احافظ على مكانتي العالية في القرية التي ما كان ليصلها احد منكم..ولا واحد منكم .. ..حتى المهدي المعلم الذي اسخر منه و استصغره واضحك في وجهه.كلما التقيته في السوق ...لم يصل الى مرتبتي الاجتماعية والروحية الجديدة..ابن القايد باسو المصروع اتباعه يعدون على رؤوس الاصابع ..من المنحرفين والاعيان الذين لهم سمعة سيئة في القرية.. واني بصدد تخطيط حدود نفوذي بينكم و من السهل علي ان اغير مجرى كل شيء في واقع القرية واعيده من جديد الجديد.. ..واقصاء الاعداء من مركز القوة ..واراحة العرابيد والشيخات وتجار المخدرات وفلاحي القرية من سطوتهم..لكنه لم يفكر يوما لطيبوبته بتصفيتهم ..وانهاء وجودهم من حياة القرية.
مات القايد باسو باسابيع قليلة فاجتمع الناس في مسجد القرية وقدموا عيسى البهلول لقيادة القرية والجلوس مكان المنبوذ باسو لحلحلة قضاياهم اليومية .لكن الاجتماع لم يتم ويكتمل في وئام على تنصيب البهلول..سرعان ما سمع المصروع بالخبر..وحضرمسرعا الى باب المسجد مع اتباعه وعسسه..وقال في وجه الجموع :
كنت اتوقع منكم بالوقوف كرجل واحد ويد واحدة.. الى جانبي لاني انا الحق..وتوقعت منكم فضح الاعيب هذا البهلول .ووجدت منكم الخذلان لا غير ...وتعلمون انه من يوم عاد البهلول الى القرية والارتباك والفوضى يسري في ارجائها .. خيبتم ظني فيكم ....وتكالبتم على البهلول وعلى السلطة والنفوذ .وابظهرتم عن حقدكم القديم للقيادة ..واكثر من ذلك ها انتم تسمونه مولاكم..ولا اعرف كيف اصبح هذا الابله (مولاكم...)...مولى البهاليل ..
ظننتموه وليكم ومخلصكم..الى هذا الحد من الغباء والغفلة وصلت بكم عقولكم الصغيرة ..؟ تروجون للاباطيل و الخرافات ..كان عيسى البهلول حقيرا بينكم ..وكنتم تستهزؤون به في مجالسكم ..وعندما عاد من الخارج بالثروة ..اصبح في طرفة عين مولاكم..وها انتم تعطونه القيادة قيادتكم على طبق من ذهب ..لن يكون مصيركم سوى السجن والقتل لكم و الخراب لمنازلكم ..ولن نسكت لكم ايها الانجاس ..كلاب القرية الضالة افضل منكم ...
ولم يكن احد من الناس يسمع للمصروع..وهو يصيح فيهم بمثل هذا الكلام الجارح المهين لكرامتهم ..ومنهم كثير والبهلول نفسه لم يستوعب الموقف جيدا ..الاطراف المتارعة على القيادة و على السلطة ..تفهم القليل عن الشؤون الدنيوية للقرية ..ومحيطها ..وفهمها لامور الدين واسعة وعميقة ..كل الاشياء هنا في القرية يتدخل فيها الدين ..وقد اشار المعلم المهدي لهذه المشكلة منذ زمن بعيد ..والبهلول لا يعرف مايريد ..ولماذا عاد الى القرية ..قد يكون كذلك عاد للانتقام للبتول وهو سبب وارد على كل حال ..لكن اظن انه حتى ولو كانت اي البتول ..هي السبب في هذه العودة .. فالاحرى بالبهلول ان يعمل على العودة بها الى الخارج قصد التمتع معها بالثروة التي ورثها من اليهودي المونسييور ..ان كان بالفعل ترك ثروة ؟..الرعاع الذين صاحوا في وجهه عند عودته القرية ذات يوم كانوا يصيحون (..انقذنا يامولانا )..وتلك اشارة واضحة الى النزوع الديني في اصلاح امور القرية ..عاد البهلول رغما عنه كرمز وكمنقذ ومصلح ديني لشؤون القرية وانخرط دون ان يشعر في اللعبة بملازمته تلقين القايد باسو السور الربانية ..و عادت احلام الشيوخ والمسنيين من سكان القرية بعودة( السحابة البيضاء) التي جابت القرية ايام الاحداث الكبرى ما بين القايد باسو والغراب الاسود والحاج عمر مول البغل ..وكان البهلول طرف فيها باعتبار التهمة وجهت اليهما هما الاثنان ..الحاج عمر مول البغل والبهلول ...حقير السوق ..ذليل القرية ..من اين سياتيهم البهلول بكرامة السحابة البيضاء ..وكيف يمكنه القيام بانقاذهم من جور السلطة والفقر ..والجهل الذي ورثوه وورثوه بالرغم من جهود المعلم المهدي الطويلة النفس في تعليم صبيان القرية ابجديات العلوم والمعرفة الحديثة ....مات القاد باسو ..وابنه المصروع سيتولى امر القيادة من بعده ..ولن يستطيع المهدي و البهلول ولا غيرهما القيام باي شيء لصالح الاهالي ..القرية بما انها تغوص في الجهل والخرافة فلا امل في تحقيق النماء فيها ستبقى الامور هكذا ..جامدة ان لم تتراجع الى الوراء ..وتندلع المواجهات ما بين الرعاع الذين بداوا في المناوشات والحروب فيما بينهم ..من يريد البهلول في القيادة داخل القرية ..ومن يناصر النظام القديم .. ابن القايد المصروع....
انشغل الاهالي بالمناوشات فيما بين الطرفين ..واغفلوا الوباء الفادح الذي انتشر بين السكان ..اطلق الاهالي عليه (الريح الناقمة)..ولا ادري ماهية هذا الوباء فهو لا يشبه الطاعون ..ولا الكوليرا ..ولا حتى الجدام ..الاوبئة التي تعود عليها الاهالي ..على كل حال هجم المرض الذي يبدأ بالحمى الباردة التي تحطم قوة الاجسام ..ويبدأ المصاب بفقد ذاكرته ..ويهدي باشياء يراها ولا يراها معه احد ..لذلك لن اناقش مدى صحة التسمية ..على كل حال هجم المرض على القرية هجوما يمكن مقارنته بما نقراه من قصص الاوبئة والمجاعات في البلد في العصور الوسطى ...وفي لمح البصر ابتلع العديد من اجساد الناس ..وحصد العديد من الارواح ..لم يكن الوباء ليفرق ما بين الطيب والخبيث من الناس ...كما الريح لا تعتم بما تسوقه امامها الى الفناء ..وكانت بذلك التسمية في مضمار المناقشة والتمحيص ..الريح المنتقمة من من ومن ماذا ...حتى هذه التسمية للاهالي لهذا الوباء كانت غير واضحة ومفهومة ..امتد الوباء الى الحالة النفسية كذلك ..وكان اهل القرية بالفعل يعانون من الفقر الى جانب طغيان الحكام المحليين والجهل االمفروض عليهم ..وبدات تقع في القرية الكثير من المناوشات والمشاحنات العقيمة والتافهة ..وانطلقت حفلات المجون والسكر الليلية الى حدود الجنون ..وكثر تنقل البغايا من سرير الى سرير ..وكان الاهالي كمن يحاول ان يتناول نصيبه كاملا من الخمر في جرعة واحدة ..ومن جهة اخرى ..وقعت قومة او لنقل يقظة في الايمان وليست في الوعي بما يحصل من مطبات اجتماعية وانسانية ..استيقظ الايمان في دواخل الاهالي باشكال متكالبة او لنقل تفشى فيما بين الناس ذلك الايمان السطحى ..الذي يتمظهر في النفاق الاجتماعي الحاد والمفرط ..فازدحم الناس داخل المساجد والاضرحة والزوايا ..وطالبوا البهلول بتاسيس زاوية له في القرب من البئر ...لعلكم تذكرون المقام الذي دفن فيه البغل .في منزل السي عمر صاحب البغل ..ولعلكم كذلك تذكرون السحابة التي انتقمت من الغراب الاسود الذي كان يريد اهانة البهلول ..وعندما طهرت اول الاصابات بوباء الريح المنتقمة التي تهب من الغرب ..زاد ايمان الناس المتكالب ومعه تزايدت العربدة والزيف والتهام المخدرات والحشيش بين الاهالي ..كان الحال كانه فيضان بعد انهيار سد ما ...حيث تجرف السيول القوية النبات الاخضر واليابس ...واصيب اهل القرية بالرعب ..والحيرة....تذكروا طغيان حكامهم القدامى والجدد ..وهكذا تضخمت الذاكرة المرتعبة متغدية من قلق الناس على مصائرهم ..ونتيجةلهذه الحالةكان من الطبيعي ان يطلبوا الراحة في شيء ما ..وهذا الشيء كان متمثلا في امانيهم واوهامهم التي كونوها حول عودة البهلول بشخصية ومكانة جديدة ..استغوت كبيرهم وصغيرهم .بدأت في نفس الوقت تترعرع فيما بينهم الاقاويل والاشاعات موازية لانتشار الوباء الذي يحصد كل يوم العديد من الاجساد ..وكان يقال انه والله اعلم ..يظهر كل يوم في وقت الغروب ..عملاق في السماء ..التي صبغت بلون سحابي او ضبابي ..وكان من الناس من يستخدم اوصاف يصعب على العاقل تصديقها ..كان هذا العملاق (الريح المنتقمة ) حسب هذه الاوصاف يرقص رقصة الصامبا ..ولما يقترب من نهاية الرقصة يسمعون الرعد ..بل اقوى من الرعد ..فيبدأ العملاق في التلاشي والابتعاد في عنان السماء وهو يقهقه ..وكانوا كلهم يؤكدون على الضخامة في جسد العملاق ,,,وضحكته التي كانت تهتز لها الارض ..لكنهم اختلفوا في وصف الرقصة ...منهم من كان يقول انه كان يرقص ..ومنهم من كان يظن انه كان يضاجع نفسه ..او انه كان يستمني ..وكانت القطرات البيضاء العذبة تتساقط على رؤوسهم ...والغريب ان اغلبية من تناول اوصاف العملاق بحركة الاستمناء او مضاجعة النفس كانوا من انصار البهلول ..وكلما سئل البهلول عن اخبار العملاق ..كان يلود بالصمت ..وتعتعة بعص السور الغريبة من كلام الله تشبه قراءة الطلاسيم ..وكان المعلم المهدي يسخر من هذه الاشاعات ..ويشمت من الدرك الاسفل الذي وصل اليه وعي الناس قي القرية .. يقولون ان الاستمناء كان يحدث كانه امطار طوفانية غزيرة تسقط على القرية ..لكن الوباء تغلغل مع مرور الايام ..في كل مكان في القرية ..ووصل الخبر الى الحاج عمر المقاول في المدينة المجاورة بعد تناول وسائل الاعلام لظاهرة العملاق الذي يطهر في سماء القرية ..لم يكن عمر لا ساخرا ولا متعجبا من هذا الظهور المباغث في سماء القرية لصاحبه البغل الحالم ..شعر السي عمر بالارتياح ..واخبر زوجته زنوبا التي كان لها موقفا لا مباليا لما يحدث لاهالي القرية ..اخبرها بان لحظة العودة الى القرية حانت ..واعترف لها بانه من اليوم الاول لهجرته القرية كانت مشاهد الشيء العملاق الذي يجول في سماء القرية في جهة الغرب يسكن كل احلامه..وكان كلما حلم بذلك المشهد يقفز مذعورا من نومه ..و لا يستطيع الحديث لاحد عن حلمه لاحد ..وكتمه عنها هي ايضا .حلم تحول الى حقيقة تتجلى تفاصيلها لكثير من الاهالي في سماء القرية .........
سنساير المقاول عمر في حيثيات حلمه ..ونسمع من الناس اقوالها و اشاعاتها..في امور كثيرة قد تستوى الاحلام بالاشاعات والحماقات ..يبدو ان كل شيء في وقائع الناص والقرية يراوح الوهم والخرافة ..هل كان الحاج عمر يبحث لنفسه على مبرر خاص للعودة ويعتقد انه ما يشبه صخرة الحتمية التاريخية او العود الابدي ..مادا باستطاعته ان يفعل ..سوى الزيادة في الطين البلل ...من قال لكم انه يحب الناس ..وناس قريته على الخصوص كان كاذبا ..وكذلك ذلك الفيلسوف الذي اعتزل الناس لفترة تم عاد اليهم بدعوى حبه لهم واسداء النصح لهم ...ونسي قول من هو احكم منه حين رد عليه( ...كنت يوما مثلك احب الناس لكني اليوم اليوم توقفت عن هذا الحب ..وعوضته بحب الله ..ثم زاد ..وما هذا الانسان في نظري الا كائن ناقص ..اذا ما احببته قتلك حبه ..الا الله ..وحب الله ..هو الوحيد الذي يسعدك .)...
منبع الخير قد نضب اذن ..فلماذا الاصرار على هداية التائهين والغافلين ..والذين يرون الحكيم يمر بمحاداتهم ..ويحذرون منه كانه اللص يمر بهم ؟
تولع المعلم المهدي بمجالسة البلهاء لانهم يجلبون النعاس .لشد ما يغتبطون عندما نحبد حماقاتهم ونشهد بصواب ارائهم ...الحرب والوباء والخرافة..ثلاثة اقانيم تظر وتنمو وتسامق السماء وراء الجهل ..والجهل يضرب باطنابه في اعماق القرية ..
مزودة العقل يلزم ملائها بالمعرفة والعلم ..والا الحياة ستكون مملة ومكررة على طول الايام..في يوم يسميه الاهالي بيوم النبش..
وهو عندهم يوم معلوم في تاريخ القرية .. دعاهم البهلول بمطاردة العملاق بروح البغل ولاجل ذلك لابد من النبش في قبره ..واخراج روحه الطيبة .لتقوم بدورها .حين تجمعوا قادمين من الجبال والحقول المجاورة في وسط الطريق الى السوق وقد استبد القلق بعقولهم واصطبغت ملامحهم وجوههم بقناع الموت وكان المنظر رهيبا ..الى الحد الذي كان هؤلاء الاهالي فيه يرتعدون وينظرون الى البهلول وهو ينبش قبر البغل قرب البئر المعلوم
في الضربة الاولى انفتح فم القبر الذي تعرف على مكانه بطرقه الغريبة ولم يكن يعرف مكانه سوى المعلم المهدي مع السيد عمر .. حدث الناس انه توصل الى معرفة مكانه بتحرياته وطلاسيمهم التي اخدها من اليهودي المونسينيور ..في الضربة الثالثة بدأ يفور كالتنور ..وفي الثالثة .. وامام انظار الجميع ..صعد الريح العملاق الى السماء .فاندهش الجميع وابتعدوا بمسافة كبيرة مرعوبين ..
قال احدهم ....:هل رايت البغل ؟
- نعم رايته ...ياسبحان الله ..رأيته.
- هل رايت ذيله ..
- ذيله من نار و نور ..هاهو يطير الى الاعالي باجنحة من اشعتها تغمر المكان .. هاهو نوره يطارد العملاق ..وسرعان ما دبت الحرارة والدفء في اجساد الناس العليلة..ثم بغثة فارقهم وباء البرد القاتل ..
قالت...( احدى النساء الضريرات ..يالله اني ارى النور في السماء ..يعبرها جسد ضخم يحلق كانه البراق ..)..
وزاد تجمهر الناس ..وتزاحمت الحشود ..التي كانت ترتقي التلال المطلة على دار عمر مول البغل ..الذي اصبح يسمى ..مول العقارات والحافلات والخ ..والخ ..وكان ضمن الناس يلتف بيد زوجته زنوبا ...وشارك في الحشد اعيان البلدة ..وعلى راسهم القايد المصروع ..ولا غرابة ان نكرر ان المعلم المهدي كان ضمن الحشود ..كانه يريد ان يتبين جلية الامر ..فكر فيمن ساعد البهلول على العثور على مكان الدفن ...دفن البغل ..ايام عديدة خلت .واخدت يقينياته تتزعزع ...وطن ان البهلول سيكتفى باخراج ما تبقى من الكنز المدفون الذي تركه السي عمر هناك عندما فر هاربا من القرية ذات صباح ..فكر في اشياء كثيرة ..كانه لم يعتقد يوما ..او انه من باب سابع المستحيلات ان يشترك كل هذا العدد من الناس في نفس الهلوسة والجنون..في الوقت عينه ..ولم يكن يصدق عيونه الصغيرة الضيقة فيما ترى ..كيف تنخدع اعينه و اعين الناس بهذه السهولة ..
تطلع احدهم فوق كتف الاخر مدهوشا ..
-هل رايته ؟
- بلى رايته ..ولا زلت اراه ...هذا صحيح هناك معركة في الافق ؟
-اني لا ارى شيئا على الاطلاق ...
- حاول مرة اخرى ستراه....؟
لكن سرعان ما اجمع شباب القرية ..على ان هذا الامر هو مجرد خرافات و هي فال شؤم على اهالي القرية ..لقد اتبعوا البهلول في خرافاته ..وهاهو يحضر للانتقام من الجميع ..وما على اهالي القرية سوى اعداد العدة لما هو اسوء ......
كان الريح العملاق وروح البغل يتقاتلان يسيران وتتبعهما الناس دون اتجاه ..ليس لهما اتجاه محدد ثارة الى الشرق واخرى الى الغرب ..وعند الجبال يصعدان عنان السماء ...كان الناس تتبعون العراك لرؤية تفاصيله و وتحديد هوية المنتصر ...منهم من لم يرى شيئا مما يتقولون به ..لكن اغلبهم رائ العملاق يسقط في شكل جثم عديمة المعالم في بين حوافر البغل الاابيض الكبير ذي الذيل الطويل و تشع موجات من النور تحيط بجناحيه العملاقين لا يتوقفان عن التحريك الى الاعلى والى الاسفل ..وبعد ايام عديدة ضرب الوباء مرة ثانية القرية هذه المرة كانت اعراضه غريبة .. الناس تسير وترفع رؤسها الى السماء ولا تنظر الى الارض ..في المنازل و الطرقات و الاسواق والحقول وغيرها كانت اعناقهم كانها بحبال مشدودة الى الاعلى ..وتناسلت الحوادث والكوارث فيما بين الناس ..اجسادهم نحيفة من جراء انقطاعهم عن الاكل واهمالهم الاهتمام بملبسهم والعناية بصحتهم ..كان كلما انتابهم الضجر والعياء من وضعيتهم هذه كانوا يستلقون على الارض ..على ظهورهم ..كانهم يرقدون في قبورمفتوحة على الفضاء ينامون وعيونهم مفتوحة على السماء ..كل منهم كان يرى شيئا يسره ..كانه حلمهم الابدي ..منهم من كان يبكي ..ويضحك في الان نفسه .ومن يقهقه خفية كان احدا ينكث كعه .. ومنهم من كان يدندن بانغام موسيقية لا علاقة لها بثرات القرية ولم يكن احد يسمع بها ...ومنهم منهم من كان يحدث نفسه بصوت عال ...النساء لم يعدن يتعرفن على ازواجهمن ...والرجال ضلوا عن منازلهم ...والاطفال كانوا يرقصون بسلم وهدوء في حلقات عريضة .. والشيوخ يقرفصون الارض ينظرون الى الاعلى ولا يفهمون ما يحدث في القرية ..اصطبغت ملامح الاهالي ببياض ساحر كانه قناع الابادة الذي حط الرحال بارض القرية .......ولا يزال الى هذه اللحظة التي يتحدث فيها الراوي ..ويدون هذه الاحداث لا يزال الناس ينظرون الى السماء لساعات طويلة ...طويلة ..يبدون كانهم يسمعون الى بعض الاصوات الوهمية تصيب الانسان بحالة من الرعب المطلق ..والخوف البارد ..كانت تسير ولاتهتم لحالها ..لبعضها ..احيانا كانت تبدوا كالاشباح التائهة في الطرقات ..احيانا تصطدم مع بعضها .. في صمت مطبق..

عبد الغني سهاد
2013



#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على الطروطوار....
- خلف النوافذ...9
- ليلة الصعود الى القمر...ظ
- متاهة الكيف
- الرقص مع فاطمة...!
- تردد.(....)
- وعد...!
- لا تحترسوا....!!
- اداعب عواطف البحر
- زارا ...والحمار
- اغنام ..باب الرب
- أحيانا.....
- احيانا....(2)
- ناتاشا...بنت الحزان...
- طواحين...
- الشاعر...(من خلف النوافد ..)
- خلف النوافذ...11
- البرشمان ..والزعيم الغشيم ..
- في مكان ما على الارض...
- ال(م)فلسطيني ....


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - اوجاع قريتي ...ف 22