|
العودة إلى بغداد
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:03
المحور:
الادب والفن
تركت بغداد مرغماً ، وكأن نعشي مرفوع فوق أكتافي ، وليس لدي غير أملي أن أُبعث ثانية وتكون لي الفرصة في العودة إليك يا بغداد .
أكنتُ آسفاً على ما آل إليه حالي ؟ أقول لا ، لأنّ بلدي أصبح كقصة ( جخيور ).
يقال أن جخيور كان عاطلاً ، يفتش عن عمل ولا يجده ، فاضطرته الظروف أن يقف في مدخل مقبرة يستجدي المارّين ومشيّعي الأموات ، ويسدّ رمقه بما يحصل عليه . طالت فترة إستجدائه ، وتعوّدَ المارّون والمشيّعون على إكرامه . وبعد بعض سنين أصبح يداعي أي مارّ أو مشيّع لا يدفع له ، وتعوّد الناس على هذه الحالة أيضاً . وبعد سنين صار لا يقبل بالقليل من العطاء إذا كان المقابل من وجوه أو أغنياء المدينة . وتعوّد الناس على هذا الحال أيضاً . وبمرور السنين أصبح دخل ( جخيور ) من مهنته هذه كبيرا وأصبح من الأغنياء مما جعله أن يفكر بتنسيب ممثل عنه للقيام بالمهمة وإدارة المشروع . وكان من متطلبات ضبط الإيرادات أن تكون هناك دائرة ، وحسابات ووصولات قبض الإيراد . فرتّب ( جخيور ) كل المتطلبات وسمّى الدائرة التي أسسها ب ( فلتانة دائرَسي ) وقام بتعيين وكيل عنه لتصريف أعمال المشروع . ومرّت أعوام وتعوّدَ الناس على هذا الحال . وفي يوم توفّيَ أخو الوالي ، ومشى وجوه المدينة في تشييع جثمانه حتى وصلوا إلى المقبرة ، فواجههم ( جخيور ) في مدخل المقبرة ، لابساً جبّة مذهّبة فضفاضة ، مؤشّراً أن أنزلوا النعش إلى الأرض . ففعلوا . ثم سأل ( من هو الفقيد ؟ ) فقالوا ( أخو مولانا الوالي . ) فقال لهم ( إنّ رسوم دفن الفقيد خمسمائة ليرة من الذهب . ) فتشاور المشيّعون فيما بينهم ، ولما كانوا لا يملكون الخمسائة ليرة ذهباً لديهم ، جاءوا إلى ( جخيور ) مقترحين أن يوافق على دفن الفقيد وبعد ذلك يتم دفع مبلغ الرسوم من قبل الوالي . لكن ( جخيور ) لم يوافق على مقترحهم إلاّ بشرط أن يهمس في أذن الميّت . فوافقوا على شرطه وتمّ دفن الميّت . وفي اليوم التالي طلب الوالي جلب جخيور إلى مقامه ، فأوتي به . فسأل الوالي جخيور عن قصة رسوم الدفن وما إليها ، فطلب جخيور من الوالي الأمان حتى يحكي القصة بكاملها . نال جخيور وعد الوالي بالأمان وقصّ عليه قصّته ، ولما أنتهى منها سأله الوالي عمّا قاله للميّت قبل دفنه ، فأجاب جخيور ( قلت له يا مولاي : لا تأسّف على مماتك ومغادرتك ولايةً يَخوي فيها جخيور الناس .)
هذا هو حالي يا بغداد ، فلم أكن ولست نادماً على المغادرة ، وأقولها لكل من يسألني عن نيّتي في العودة . يقولون أنّ جخيور قد مات . أقول أنّ الذين خلفوه لا يؤمنون بالبعث ، فكيف أعود وأنا قد متُّ عند مغادرتي بغداد . وعندما أفكّر أن أُبعث ، تبلّغني الملائكة من بغداد أن الموت متربّص بكل فرد وإني لو بُعثت فسوف أموت ثانية .
ييلماز جاويد 14/2/2005
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طبقية الديمقراطية
-
المصالحة الوطنية
-
الدين والدنيا
-
رسالة إلى القاضي رزكار
-
الإنسان أولاً
-
الطابور
-
إعادة كتابة القاموس
-
توبة إبن آوى
-
الصراع والحياة الأفضل
-
حيّيت شعب العراق
-
بيت الزجاج
-
تكتيك لكل خطوة
-
نمور من ورق
-
وجهان للديمقراطية
-
رصانة الجمعيات في المهجر
-
المبادئ الخّيرة .. لا الأفكار السلفية
-
درس من التجربة
-
المنصور
-
الوسيلة : الديمقراطية
-
بداية النهاية
المزيد.....
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|