وجودي احتمال ضئيل!

محمد مسافير

الحوار المتمدن-العدد: 5656 - 2017 / 10 / 1 - 01:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

وجودي مجرد احتمال ضئيل يقترب من العدم..
فحين أكون الناجي الوحيد من بين ما يقارب 250 مليون حيوان منوي، 250 مليون من الإخوة التوائم، يكون فعلا وجودي مجرد احتمال ضئيل...
كان بإمكان أبي أن يؤجل الجماع يوما واحدا، وربما ساعة واحدة، بسبب العمل أو التعب أو زائر طائش أو خصومة مفاجئة... حتى تنقلب الآيات، ولا أخرج إلى الوجود...
كان بإمكانه أن يقذف خارجا، وأكون ناجيا من الحياة، شأن إخوتي...
وربما يمكن لأمي أن تحمل قبل تلك القذفة المنوية بأيام وشهور، فتكون البويضة الملقحة من نصيب حيوان منوي آخر...
كان بإمكاني أن أسقط مجهضا بفعل نباح كلب، أو غضبة أب، أو هلع مريب...
إذن، فاحتمال وجودي يكاد يكون مستحيلا يا صديقي، واحتمال وجود أبي كذلك مستحيل أخذا بنفس الاعتبار، ولا أدري إن كنت محظوظا بهذه الحياة، أو أن الذين لم يخرجوا إلى الوجود هم المحظوظون...
لكني أصبحت هكذا، أصبحت موجودا بالفعل، وأنا راض بقدري، لذا سأحاول أن أمتص هذه الحياة من نخاعها، وأستمتع بها قدر ما استطعت !
أنت المذنب يا سيد فهمان... ألم يكن الأجدى بك أن تعلمني كيف أتعايش مع مجتمع يتنفس النفاق بدلا من أن تلقنني دروسا في التحلي بالصدق وتجنب الكذب... وسذاجتي اليوم، هي ثمرة دروسك!
ألم يكن الأولى أن تعلمني كيف أواجه الظلم، بدلا من أن تنصحني بأن أتصرف بعدالة، أن تريني كيف أواجه الجشع، وليس كيف أعيش بقناعة، أن تحدثني عن ناهبي الوطن، بدلا من تلقنني أناشيد عن حب الوطن!
إن كان هناك شخص يستحق اللوم على ما أعيشه اليوم من بؤس فهو أنت، وحدك أنت يا سيد فهمان...
إن العالم الذي وجعت به دماغي في الصغر، لا وجود له إلا في خيالك...
ليس للعالم أي دخل في بؤسي، فقد كان هكذا قبل أن أولد بآلاف السنين، بل العيب في الطريقة التي رسمته بها في عيوني... كنت مخادعا فيما يبدوا... لم ترسم لي العالم الحقيقي، بل رسمت عالما على هواك، رسمت العالم كيف أحببته أن يكون، وليس كما هو... لذلك فشلتم أنت وأمثالك في أن تجعلونا أخلاقيين كما كانت الخطة، لكن جعلتمونا ضعفاء بائسين... نتلقى الهزيمة تلو الأخرى...
لست قادرا على تغيير نفسي يا سيد فهمان... لا أستطيع أن أكون سيئا، فلست أملك غير العيون التي وهبتني... لقد انفلت الزمن من يدي دون أن أقدر على التعايش، ولا على تحقيق المثل التي لقنتني، فبقيت ضائعا بين حافتين.... ولابد أني سأموت وأنا أبحث عن عالم ليس له وجود...

#محمد_مسافير (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل