أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - الوالدة العزيزة/ قصة














المزيد.....

الوالدة العزيزة/ قصة


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 5639 - 2017 / 9 / 14 - 15:29
المحور: الادب والفن
    


الوالدة العزيزة زارتني هذا المساء. أقبّل يدها كما هي الحال في كل الأوقات، وتقبّل جبيني كما تفعل كلما التقيتها بعد غياب، نسير في الساحة المضاءة التي يتوسطها تمثال الراهب المهيب، ولا نتعجل الخطى لأن الوالدة تشكو من ألم دائم في الركبتين، تقول وهي تحدق في النساء اللواتي يرتدين أقصر الثياب: يا ويلهن عند الله. ثم تحدثني عن اليهوديات اللواتي تراهن في شوارع القدس وهي ذاهبة للصلاة في المسجد الأقصى، وتقول إنهن فاجرات يتعمدن تقبيل الجنود أمام خلق الله.
نمضي أنا والوالدة نحو الطرف القصي من الساحة وأقول لها: سنذهب إلى المطعم الروسي لتناول العشاء. ترفض بإصرار، وتقول إنها لا تحب أكل المطاعم، ثم تجلس فوق مقعد خشبي على الرصيف، تخرج من صرتها رغيفاً من خبز الطابون، تقول إنها أحضرته لي خصيصاً، نأكل الرغيف أنا والوالدة، ثم تتذكر أنها أحضرت بضع حبات من الزيتون، وتقول: أبوك ما زال يزرع القمح في حقلنا الخصيب، وتقول: هل تذكر الزيتونة التي أكلت أغصانها عنزتنا قبل سنوات؟ تقول: هي الآن شجرة سامقة وبقربها عشر شجرات.
نصمت لحظات، أسترق النظر إلى عيني الوالدة الغائرتين قليلاً تحت حاجبيها، إنها شاردة وفي العينين أسى عميق، ترى هل تتذكر الآن البنت التي ماتت قبل عشرين سنة؟ أم إنها تخشى – كعادتها – أن ينسى الوالد عين الغاز مفتوحة فيحترق البيت بما فيه! أم لعلها تخشى – كعادتها – أن ترعى ماعز الجيران شجراتنا! تبتلع اللقمة في صعوبة ثم تقول وهي تبدي حرصها الشديد عليّ: يا ولدي. اسمع نصيحتي، وخذ حذرك من بنات "الحلال".
أهدىء من قلق الوالدة وأسألها عن الأهل واحداً واحداً. فتقول: لن تصفو لنا الحياة ما دام هؤلاء الجنود بيننا. تقول: جاءوا ذات ليلة وانهالوا بالضرب المبرح على رؤوسنا، تقول: كسروا زجاج بيتنا، ثم ألقوا قطاً ميتاً في بئر الماء، تقول: داسوا بنعالهم فوق شتلات البندورة التي كنت أسقيها الماء كل مساء، وبالوا على حوض النعناع الذي زرعته بيديّ هاتين قرب الدار.
الوالدة تروي حكايات لا تنتهي والحزن يتكاثف في عينيها وتقول: ألن تعود معي إلى البلاد؟ ثم تفطن إلى أنها تسرعت في طرح السؤال. تقول: اللعنة عليهم هؤلاء الذين اقتلعوك من بيننا، ثم نمشي بعض الوقت في الشارع المضاء، تقول الوالدة في إحساس بالذنب: قد نسيت صلاة العشاء. أتلفت حولي وأنا أمشي في شارع باريس، فلا أرى الوالدة، وأدرك أنها غادرتني لأداء الصلاة في البلد البعيد. يا إلهي كم أنا وحيد وحيد!



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاصرة العروس/ قصة
- تحت ضوء الثريّات/ قصة
- ثدي الأم/ قصة
- مطر متأخر/ قصة
- قماش ملون/ قصة
- قحط/ قصة
- قطٌّ شريد/ قصة
- ضياء شاحب/ قصة
- لا مكان للقطة/ قصة
- مارتا التي تشبه العصفورة/ قصة
- خوف متبادل/ قصة
- في الغابة ومعنا الطفل/ قصة
- عادات أسرية/ قصة
- رحيل متكرر/ قصة
- امرأة من بلادي/ قصة
- تحت الشمس/ قصة
- قلب الأم/ قصة قصيرة جدًّا
- استقبال/ قصة قصيرة جدًّا
- كنبة قديمة/ قصة قصيرة جدًّا
- سوق اللحامين/ قصة قصيرة جدًّا


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - الوالدة العزيزة/ قصة