أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - زراعة البلادة














المزيد.....

زراعة البلادة


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 09:48
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


هل نجحت أكبر وأخطر عملية جراحية في تاريخ البشرية، يقوم بها أطباءُ الألفية الثالثة، على البشر ِكلِّهم، زراعة جينات البلادة، في جينات الشعوب؟
إنها عملية جراحية بلا أدواتٍ طبية تقليدية، تُجرَى بقفازات رقمية، ومقصات، من إنتاج مصانع السوفت وير، وحُقنٍ، من صناعة صاغة شبكات التواصل الاجتماعية، يؤديها أطباءٌ مأجورون في مستشفيات أباطرةُ رؤوس الأموال، هذه العملية الخطيرة تبدأ بجراحة استئصال العواطف، والأحاسيس الشفيفة الرهيفة من البشر، ثم، تليها عملية إزالة بقايا الفضائل الأخلاقية! إن الاستعدادات الهائلة لإتمام هذه الجراحة على البشر قائمةٌ على قدمٍ وساق.
مهَّد جراحو الألفية غرفة العمليات منذ زمن، وجهزوا البشرية للعملية، بعد أنَّ قاموا بحقن البشرية بخلايا جينات (البلادة)، وأجروا غسيلا شاملا لبقايا التراث العاطفي القديم، محوا الفنونَ الجميلة، واستبدلوها بالسخافات، أقصوا الآداب الجميلة الخالدة عن موائد الأجيال، غيروا التربية والتعليم، من تربية خلقية، وتثقيف، وتوعية، إلى غاية جديدة وهي نَيْل شهاداتٍ لغرض الحصول على وظيفة، وطاردوا بقايا المبدعين، وفرضوا عليهم (الحَجْرَ العقلي)، وأقصوا مؤلفات الثقافة، وجعلوها سلعة غالية الثمن، واستبعدوا المفكرين الواعين عن كل قطاعات المجتمع.
لم يكتفِ جراحو الألفية بذلك، بل شوَّهوا الحياة، وأسدلوا الستائر على بقايا القيم والأخلاق، واغتالوا من النفوس أجمل الصفات؛ فجعلوا الرذائل فضائل، فالمتسلقون المتملقون مُقدمون على ذوي الخلق، والعتاة الجبابرة مُفضَّلون على أهل العواطف النبيلة.
ها هي عائلاتٌ كاملة، كبارُها، وصغارُها يتحلَّقونَ حول شاشات العرض الرقمية، (يستمتعون)!! بصور القتل، والحرق، والشنق، وصور الجثث المملوءة بالدماء، مقطوعة الرؤوس، وفيديوهات المراكب الشرعية التي تحمل المهجَّرين وهي تغرق، وتنتشر جُثثُهم في البحر، كذلك أفلام المقابر الجماعية التي اكتشفت لمئات المقتولين من الأطفال، كلَّ هذه المناظر ، لم تعد تُحركُ في (ضحايا الألفية)! أية عاطفة، فهم يقضمون المسليات، ويرشفون العصائر، ويلحسون المرطبات من إنتاج منظمة التجارة العالمية، ولا يظهر عليهم الانزعاج والقلق، فمنتجات الألفية من الدعايات، وأدوات السهرات أزالتْ آخر سلالات العواطف والانفعالات.
نجحت فضائيات الألفية في تدريب المشاهدين على هذا الكوكتيل الغريب، فصار مستساغا أن تعرضَ على شاشاتها مناظرَ الرعب، والقتل، والدم ، والغرق، وفي الوقت نفسه، تعرض دعاياتٍ للمسليات والمغريات، وتبثُّ برامج تفسير الأحلام، وإشاعة الفتاوى الغريبة، ولا تنسى هذه الفضائيات أن تبثَّ صوت الآذان في أوقات الصلاة، كنوعٍ من التقيَّة!!
هل كان الشاعرُ المتنبي يتنبأ بعصرنا حين وصفَ الناسَ في عصره؟:
أرانبُ، غير أنهمُ ملوكٌ.... مُفتَّحةٌ عيونُهم نيامُ
بأجسامٍ يُحرُّ القتلُ فيها..... وما أقرانُها إلا الطعامُ
لا جدال في أن الحياة تحتاج إلى النقائض حتى تستمرَّ ، غير أنَّ ما يجري اليوم يختلف عن سنن الحياة المتعددة، فما يجري لا يهدف لإغناء الحياة بشقيها، التراجيدي، والكوميدي، وإنما يهدف لاستئصال العواطف البشرية النبيلة، واستبدالها بمنتجات آلية جديدة، ليتحول البشر في آخر المطاف، إلى كائناتٍ آلية وظيفية!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (الشريف) المتوحش!
- إسهام المسيحيين في النضال
- مظاهرات العنصريين البيض
- أديب إسرائيلي، ذو الوجهين
- المدينة الأكثر عنصرية في العالم!
- الزوائد الجامعية الدودية
- غوليم الإرهاب
- تدوير الزعماء في إسرائيل
- مشى على رأسه
- مستحضر القهرولوجيا
- ادفعوا الجزية لحمايتكم
- يوم في مدرسة يابانية
- خطة التطبيع العربي الإسرائيلي
- أخبار إسرائيلية في يوم
- يساريون مصابون بالقحط الفكري
- تفكيك اليونروا
- مستقبل العرب في أخبار
- رثاء لغزة
- ملكة للأشجار، وملكة لأمريكا
- العبقرية هي صناعة المتفجرات الفكرية


المزيد.....




- أوباما: الولايات المتحدة -قريبة بشكل خطير- من الاستبداد
- نتنياهو: لدينا القدرة على ضرب كل المنشآت النووية الإيرانية و ...
- ترامب يُحدد المدة الزمنية قبل اتخاذ قراره بشأن التدخل العسكر ...
- من الصين وروسيا إلى باكستان.. هل تصمد تحالفات طهران أمام الح ...
- صاروخ سجيل.. ما مميزات السلاح الذي أطلقته إيران لأول مرة على ...
- ترامب لبوتين: -توسط في شؤونك الخاصة-.. ردا على عرضه التوسط ب ...
- إسرائيل وإيران: هل تتّسع دائرة التصعيد بعد الضربات الأخيرة؟ ...
- تحرك طائرة -يوم القيامة- الأمريكية
- وفق القانون الدولي - تنسيق أوروبي أكبر لمكافحة -أسطول الظل- ...
- صحة غزة: 84 شهيدا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - زراعة البلادة