أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - توفيق أبو شومر - يساريون مصابون بالقحط الفكري














المزيد.....

يساريون مصابون بالقحط الفكري


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 5516 - 2017 / 5 / 10 - 09:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أسرَّ لي أحدُ المتنورين الفلسطينيين، ممن عاشوا في عصر التنوير الفلسطيني (البائد)، عصر التنوير في سبعينيات، وثمانينيات القرن الماضي، ممن كانوا ينتمون إلى أحزاب اليسار، التي كانت تقلد اليسار العالمي برتوكوليا، لا عقديا، قال بصوتٍ خفيض، منتقدا إحدى الشخصيات:
"كان يعمل بائعا، يبيع الليمون،ـ والفجل، أما والدته، فهي داية لتوليد الأطفال، أما أبوه، فهو بنَّاء يعود إلى البيت وهو يحمل في ثيابه كل غبار الإسمنت! أعرفه، فهو جاري، كان يأكل قمامة الأسواق، ولا يذوقُ اللحم إلا في الأعياد، يعيش في بيت كزريبة الحيوانات، فهو جارٌ لنا، كنَّا نتصدَّق على أطفاله بوجبات طعام.
نقلَ أسرَتَه اليوم لتعيش في فيلا فاخرة ، أما ابنُهُ، فقد اشترى بستانا زراعيا يستعمله منتجعا صيفيا له ولعائلته وزائريه!!)) انتهت التهمة
استوقفته عن مواصلة الحديث وقلتُ:
ما العيبُ في ذلك؟ ألم يصعد بجهده وعمله؟ ثم، ما العيبُ في عمله، وعمل والده، ووالدته؟
أليس ذلك فخرا له لأنه انتقل من الكدح إلى الثراء، ومِن العناءِ إلى السراء، وتلك ميزةُ العاملين المخلصين، ممن أثمرتْ جهودهم، فنقلوا أنفسهم من خانة الفقر إلى الغِنَى؟
أليس وصفَك له بهذه الطريقة عيبا فيكِ أنتَ؟!! ألم تكن من ذوي الياقات الزرقاء، رمزا للعاملين الكادحين، وكنتَ تدعو لتقديس المهن العملية الصغيرة، وتطالبُ بالمساواة وإنصاف العاملين ، وتعتبر المهنَ الصغيرة عملا مُقدَّسا؟
ألستَ من محبي الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، الذي تتغنى به في كل جلسةٍ من جلساتك، ألم يكن والده ساعيَ بريدٍ، عاملا بسيطا؟ كذا الحالُ بالنسبة للرئيس الذي لا تُحبه، أنور السادات، فقد كان والده ممرضا بسيطا.
أما عن عمل الأم ، فأستاذ الفلاسفة، سقراط في القرن الخامس قبل الميلاد، كانتْ أُمُهُ (دايةً) فاعتزَّ بعملها، وقال: "أنا أولِّدُ الأفكارَ، كما تولِّد والدتي المواليد الجُدد" أليستْ مهنتُها شريفةً؟
هذا اليساريُ ليس ظاهرةً فردية في فلسطين، ولكنه جزءٌ من ظاهرة كبيرة، تُشيرُ إلى تخلي كثيرٍ من اليساريين الفلسطينيين عن دورهم التنويري، لا لخوفهم من محيطهم فقط، بل لنقصٍ حادٍّ في ثقافتهم التنويرية، وسعيهم إلى تعويض ما فاتَهم من غنائم، فهم قد ارتدوا زيَّ الثقافة التنويرية قشريا، بدون أن يؤمنوا بها ويُعزِّزوها كمبادئ رئيسة في العقيدة والممارسة.
أما عن اليساري الثاني، صاحبُ النظريات النهضوية، المسؤول الكبير في حزبٍ يساري مشهور، فحينَ عاد إلى الوطن، خلع رداء التنوير، وكفَّ عن الاستشهادِ بآراء الفلاسفة والمفكرين، فاستبدل أقوالهم، بقصص الكتب الصفراء المنسوبة للدين، وأصبح خطيبَا، وواعظا، يستشهد بأساطير الأولين، و(خراريف) المجالس، وآمنَ بالأشباح، والأرواح، وأعلن براءته من ثقافة التنوير، لا لقناعته بما يقول، بل لأنه أراد أن يُحقِّق ما عجزَ عن تحقيقه بالفكر والتنوير، أراد الحصول على الثروة فلبس رداء المختار، وشيخ القبيلة، وجيَّشَ قبيلته لتخدمَ منافعَه، وأصبح شيخا، ومختارا، ورئيسا لعائلته، يفاخر في جلساته بعدد أفراد مجلسه اليومي من العشيرة، ولم يعد يشعرُ بالخجل وهو يسردُ أمام جلسائه، ممن كانوا يسمعون نظرياته التنويرية في الزمن الغابر، يقُصُّ اليومَ بفخرٍ واعتزازٍ بطولاته القبلية، وغزواته العائلية؛ وكيف أنه يأخذ حقوقَه بسطوة العائلة، ويحتقر الآخرين ممن لا يملكون هذه الحُظوة!!
أخيرا، إن الأمم المُصابة بالقحط الفكري والتنويري، تَعشْ دائما بين الحُفر، مع الاعتذار لأبي القاسم الشابي الذي قال: ومن لا يحبُّ صعودَ الجبالِ.... يعشْ أبدَ الدَّهرِ بين الحفر
وقال في بيتٍ آخر: فلا الأفقُ يحضنُ ميْتَ الطيورِ.... ولا النحلُ يلثُمُ مَيْتَ الزَّهَر !



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك اليونروا
- مستقبل العرب في أخبار
- رثاء لغزة
- ملكة للأشجار، وملكة لأمريكا
- العبقرية هي صناعة المتفجرات الفكرية
- إمارة أندورا الفلسطينية
- أعداء النساء في عيد المرأة العالمي
- أين اختفى هؤلاء؟
- الاستيطان فريضة دينية يهودية
- خرافات ألفية الجهالات
- فسيفساء فلسطينية منسية
- لا تأكلوا... كنافة بالدّبس
- اللغة العربية في غرفة الإنعاش
- بارانويا كاليغولا تصيب نتنياهو
- مرحلة ما بعد اليسار في إسرائيل
- لقطتان، لا تتشابهان!
- مطاعم الفنان كولوش
- ثلاث لقطات للضد
- صور من براءة الطفولة
- وصية، احرقوا تراثنا بعد موتنا!


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - توفيق أبو شومر - يساريون مصابون بالقحط الفكري