أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - أنا ونوح وهواك















المزيد.....

أنا ونوح وهواك


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 5615 - 2017 / 8 / 20 - 07:51
المحور: الادب والفن
    



رقصت رقصة (دون كيشوتية)، وذلك عندما وصلت ذات البقعة التي استدرجني فضولي إليها، مجتازة مسافات طويلة، والتي تقع شمال ولاية كوينزلاند، رفقة هذا الجهاز الالكتروني الذي أدعوه (العبقري) وصحبة خريطة مخصصة للساحل الأسترالي الممتد على مساحة تبلغ 2500 كم.
في منتصف الطريق وبعد غروب الشمس بقليل، تخلّى الجهاز الالكتروني عن عبقريته فضاعت مني الطريق، تهت وتاه هو أيضا، وجدت نفسي على قمة جبل متعرج يفضي إلى هضاب خضراء واسعة المدى، لقد عاندني (العبقري) وتوقف عن الكلام وجمدت معه الإشارات، لكن وبحسي الهندسي استطعت إيجاد مساري الصحيح فعدت لأحاذي طريق الساحل متمسكة برأيي، بأن يكون البحر مرشدي الأهم خلال رحلاتي الطويلة، دائما وأبدا وفقط البحر، حينها لا يمكن لبوصلتي الضياع، لكن هذه المرة أظن أني أضعتها وأضاعتني، كما ضاعت مني شجاعتي وذلك عندما تركت حبا وقتاويا أو لحظاويا يذهب مع الريح، احساس غريب تملّكني ثم بدأ يتلاشى برفق وذلك عندما انسحب الرجل من أمامي ودخل كوخه المتواضع، كوخ خرج من مجلدات الأساطير كالسهم المذيّل بالنيران، كوخ مشيّد ومكلل بالزينة ينتظر أن يبتلعة الحوت الأزرق، كما ابتلعني هو بوسامته...يا أيها الرجل الأسترالي، دعك مني فأنا لا أنطق سوى الحروف الحلقية والصلبة والجافة!
لن أتراخى ولن أتنازل عن مبادئي، ألست امرأة شرقية؟ امرأة تحيك للأحلام مسـلّات وللطيور ألْـسِنـَة؟!
عندما وصلت إلى بقعة بلا ضوء، حثني فضولي المكوث فيها لكي أتابع الحوت عن قرب، الليل حاضر بكل قوته والعتمة تفترسها عتمة، يرتفع الموج فيلطم حازما الجزيرة الصغيرة الواقعة داخل البحر، تلك القريبة من الشاطيء الضيق الذي وصلت إليه للتو، أراهن أنها ستختفي بعد لحظات، واختفت! راقبت الأمواج المتمردة والتي تفوقت على الطبيعة، نافضة عزيمتها مثل المارد العاصي، لقد تحولت إلى جبال شاهقة تأكل بعضها... قمة تغرق قمة وجبل يغرق جبل.
في البعيد، شاهدت يدان قويتان تحاولان الخلاص من الغرق، استنجدت بي، أنرت مصابيح المركبة للتحقق، تلك اليدان تحاولان الهرب من الحوت الذي أراد أن يبتلعهما، فابتلعها، ناهيك عن الإضاءة التي أغضبت الحوت الذي فتح فاه على وسعه واقترب من الشاطيء حتى يبتلع النور من عيني، ابتسمت، ابتسمت له وبقيت مكاني بكل اطمئنان، حتى قاربتنا فكرة واحدة، وبدأنا معا نخطط لتلك الخطة العظيمة، أنا والحوت، أنا أبتلع ثعالب الماضي وأهيّء لنفسي حياة جديدة، وهو يبتلع كل قادم غريب يقاسمه مكانه، لكنه انقلب علي وأصبحتُ غريمته وباءت خطتنا بالفشل! مكث هو تحت الماء محتالا وأنا انتظرت على طرف الشاطيء بصلابة، يداي تصرخان ويدا الغريق تغرقان، الحوت يظهر ويرمي بذيله العملاق نحوي، ويكررها عدة مرات.. اختفى داخل الماء للحظات، ثم عاد مجددا فاغرا فاه، ابتعلني بكل أريحية مثلما ابتلع نوحا من قبل، أدخلني في جوفه وغصنا معا داخل أمواج غاضبة، ثم غاص قمر السماء من بعدي، صرخت وصرخت، لقد باء صراخي بالفشل، لقد ابتلعني الحوت وأصبحنا أنا ونوح إخوة في تجربة البلع والقذف، حتى انتشت أساريره...أقصد الحوت وليس نوحا!
وبقيت يداي عالقتان في الهواء!
ظلت فيروز ترتل من داخل المركبة، "يا قمر على دارتنا، يا حكاية سهرتنا، يللي فتلتنا حلوة يا جارتنا، يا قمر على تلالك ليلتنا، رقصة حملتنا وصوبو أخذتنا...شفناك ميلنا بهالليل وسألنا، تاريك حاببنا وما بتقول، شو زعلنا...".
يد مبللة تلمس خدي برفق، باردة تحاول إيقاظي من غيبوبتي، الرجل الأسترالي يسألني عن اسمي، نسيت اسمي ونسيت من أكون، وتساءلتُ في أعماقي:
- هل يمكن للحوت التحدث وهل يملك يد آدمية أيضا؟
الضوء خافت بالكاد ألاحظ تموجات أمعائه وتعرجات معدته المؤثثة بالشحم... أزيز الصراصير الليلية لا يتوقف وهدير الأمواج أصبح أقوى، خاطبني مجددا:
- تعالي لأخرجك أولا من بين أنياب العتمة ثم لنغسل وجهكِ؟
وجه آدمي هو إذن، إنسان يشبهني وأشبهه، أنا لا أحلم، هذا هو واقع جميل حلمت به ساندريلا دائما، إنه طرزان خرج من الأدغال خصيصا ليبحث عن حبيبته جاين، إنه المخلّص المغوار وحلم كل فتاة، إنه فتى أحلامي، لقد ضحك سنّي، سألته:
- أين أنا؟
- إنك في منطقة تدعى (كاردويل)، لا بدّ أنك ضللت الطريق، كثيرون يلجأوون إلى هذا المكان للإستراحة وأنا أحدهم، ليلة واحدة تكفي بما أن المكان كما ترينه منعزل جدا، إلا من تلك الأكواخ التي شيّدت خصيصا لمن يريد أن يجرب الحياة البدائية، لقد بدأ البرد يتسلل، يمكنني استضافتك في كوخي المتواضع حتى الصباح إن أردت، فهو يتسع لإثنين، سوف نستمع إلى موسيقى تساعدك على الاسترخاء، ولن أطالبك إلا بشيء واحد فقط، وهو ألا تديري هذا القرص مجددا لأني لا أفهم منه شيئا.
- هذه فيروز، ألا تعرف فيروز؟ إنه لا يعرفها، لطمت وجهي وضربت كفا بكف.
- هل توافقين على اقتراحي أم تريدين البقاء داخل سيارتكِ حتى يحين الشروق، الحقيقة تقال أن الطريق خطير جدا، إن كانت وجهتك إلى (بورت دوغلاس)، أنصحك بعدم استكمال الرحلة ليلا إلى هناك!
لقد خططت لهذه الرحلة لكي أشاهد الحيتان عن قرب، فالآن موسم ظهورهم، سافرت يوما كاملا لكي ألتقي بالحوت الأزرق ولم يظهر بعد، ولماذا أكون مختلفة عن جميع هؤلاء النائمين داخل مركباتهم، ثم، أنا عاشقة الرحلات فمما أخشى؟
صوته الهاديء يخرجني من هيام أفكاري، وناقوس قلبي يجعجع داخل صدري مثل رحى الدقيق في ضيعتنا.
- أريد الإطمئنان عليكِ فقط وما أزال أنتظر الجواب؟ قال
- طبعا كلا، لا أوافق، ثم أرى أن مركبتي أكثر لياقة من كوخك المعتم الرابض بين أشجار الغابة، إن هربت من الحوت ستنقض علي السناجب بعشراتها والكنغر..و... لا أريد! أجبته بتردد
- أحترم رأيك، لكن أتمنى في حلمك القادم أن تلتزمي الصمت أيضا، ثم، لم يقنعني جوابك!
- يا سيدي المحترم، أشكرك جدا على كرمك، لكني لا أستطيع ترك السيدة فيروز وحدها في السيارة، دعني أحلم واتركني أترقب الشروق وحدي!
- إذن لا تصرخي مجددا ولا تستغيثي... وفكري بالأمر لأنه خطر عليك البقاء وحدكِ هنا!
- قلت لك...سأبقى في المركبة حتى الصباح! أجبته بعصبية امرأة شرقية تعاني من الازدواجية
- إذن، كما تريدين وأتمنى لك ليلة هادئة متوّجة بأحلام صامتة ومحاطة بأفكار وادعة بعيدا عن الحوت الأزرق!



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أحد يطرق الباب
- عود قصب
- الشيطان بيننا
- للصمت جدار من الذكريات
- نص عن قصة حقيقية
- ادمان وجريمة
- فوضى
- كسرتي خبز وقطعتي سبانخ
- لا أحد يقرع الباب
- وصمة على عنق
- ورق سوليفان
- ذكريات - أول قصيدة
- مقعد أنيق
- الخطيئة
- قاطرة الزقاق
- لا يمكن أن تكونَ خائنا
- ضمائر
- رقم البيت ...صفر
- إمرأة... والتنانير فضفاضة
- سباعية المستحيل


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - أنا ونوح وهواك