أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - الخطيئة














المزيد.....

الخطيئة


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 5271 - 2016 / 8 / 31 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


الخطيئة
دينا سليم - أستراليا

عيون صغيرة تبرق من بعيد، سماء قريبة، وجه بيضاوي، شمس غارقة بالنحيب، ريح شديدة، ووجه أبيض يعتلي سور حديقتي، إنه ذاك الشاب صاحب الحصان الأبيض.
ماذا أكون ومن أكون، وماذا به هذا الصفر الملتحي ينزوي في زاوية الحارة منذ مئات السنين، من يكون؟ ما هو ذنب المشتري ينتفض خائفا البدر عند بلوغ الليل، وما هي آليات الوجع الدائم التي تفجّر خاصرة العالم؟ حروب كثيرة لا تنتهي. ومن تكون تلك صاحبة البسمة المُشوهة في عمر الورود، ومن وضع الفراشة المتعبة على وسادتي في مخدعي الخاص ذات صباح؟ لست أنا، فأنا أراقب الفراشات من بعيد فقط، لا ألتقطها ولا أضعها على وساداتي، وساداتي حارة مثل أفكاري المشتتة وعيناي دامعتان، لامعتان تشبه هطول الأمطار أثناء عواصف الصيف في مناخ استوائي.
من يأتيني في يوم غارق حتى الرُّكب بلوحة تمثلني ويضعها على حائط مبكاي، لن أبكي علي أيامي الماضية، تخلّصت منها تلك الذكريات التي بدأت تنهمر بلا وعاء يلتقط دمعي. أنا هي التي مسحت أبخرة المدافن وزينت حدائق القصور، أنا التي جمعت زقزقة البلابل ووضعتها في حناجر الببغاوات، أنا التي دفّأت ثلج القلوب وأوقدت مصابيح الحياة للعذارى والمشتهين!
من تكون تلك العجوز الرابضة في زاوية الطريق الترابي، لم أعد أذكر حارات فلسطين المتربة، لم أعد أذكر سوى خطواتي التي واكبت خطوات جدتي قبل رحيلها بقليل، لم أعد تلك الفتاة صاحبة الحنجرة الذهبية، أين تقهقرت أغاني الطفولة ومواويل العاشقات ودلعونيات العجائز السعيدات؟ فالغناء لم يجلب لنا سوى المتاعب والحسرات، اقتصرت الزغاريد على مواويل شاخت وماتت داخلها السعادة فصمتُ، أين هو صوتي ومن سرقه مني، لم أعد أتقن الغناء، هل تسوله طائر الحب في (أستراليا) مني؟
قالوا لي يوما، لا تركضي، خطواتك تأتي بالمستحيل ونحن لا نستطيع اللحاق بك، لا تركبي حصان الجيران فهو لا يعود لكِ، وأنا أحببته، بل هو حبّي الأول الحصان وصاحبه، أمروني: لا تلعبي مع الصبية فيتسخ بياضك، قالوا لي لا تلعقي العسل لعقا، تذوقيه فحسب، صرخوا في وجهي: لا تصعدي التينة، لم أتذوق الحبّات من لبّ الشجرة العملاقة التي هي في بالي حتى الآن، وقالوا ثم قالوا دائما: لا تختبري الله فهو موجود دائما.
ألم يتصدر الألم مفرقي ذلك الجار العجوز بعد، أطلق لحيته وصبر على مرّ الزمان عندما فقد أبناءه في الحروب، ما يزال يطلق النكات! لا أحد يضحك. لم يكتمل رمش الطفلة التي لدغتها الحية وهي في حضن الحقل تتأوه فواصلوا حصاد جهدهم في كل أوان! هل ارتكبت (سامية) خطيئة ما عندما فقدت عذريتها وهي طفلة تلعب مع الأطفال، أليست الخشبة التي غرزت داخلها السبب، لماذا وبعد أربعين سنة ما زالت تحمل معها مصيبتها من بلد إلى بلد ومن قارة إلى قارة هاربة من ذنبها! وتلك الفتاة التي عضها الفأر وهي نائمة حيث التهم نصف أذنها، ماذا حلّ بها؟ هل ألصقوا لها أذنا أخرى لكي تمتطي حصان الجيران الأبيض؟ و(فاطمة)، لماذا لم تتخلص من عيبها عندما أخرجت حنشا خرج من بين ساقيها أمام مرأى الأطفال الذين خافوا الاقتراب منها وهم يصرخون (حيّة، ثعبان، فاطمة ولدت ثعبانا)، وبقيت المسكينة مسلوبة الإرادة، وقفت مكانها تبكي وتولول خائفة، لا تحرك ساكنا ولا تستطيع إخفاء عيبها عن أعينهم الخائفة ونظراتهم القاتلة، هل جفف أحد ما دمعها؟
خسارة أني لم أستطع رتق العالم المجنون من آفاته قبل أن أهرب، خسارة أني بلغت سنّ الطفولة في حارة لم تلتزم حكم الجيرة على الجيرة فأصبحت وكرا لسارقي القمح، ثم وكرا لفاقدي الحياة فحولوه إلى ملجأ لتجارة الحشيش والمخدرات. هناك تركت بعضا مني، خطواتي التي أحببتها، مسحها البوم بنعيقه!ّ وصورتي التي كانت حيّة داخل عيون البشر، جميعهم أصيبوا بالعماء ومنهم من فقد الحياة! ومنهم من فاته قطار النوم الأبدي فأصبحوا قيد الانتظار، منهم من تناسى ومنهم من نسي بالفعل ومنهم من ظلّ هناك يبكي على الأطلال، الأرواح تتناسخ هناك، فالرجل الذي أنجب ولدا عاقا يتخرج من سلالته عشرة يشبهونه والمرأة العاقة التي تتكافل مع الشيطان، يركبها ذلك الشيطان فتنجب بناتا شيطانات مثلها، ومن تعوّد على الإقامة في أوحال الرذيلة لا يستطيع أن يخرج من مستنقعات الفساد، وبيقى السؤال نافذا:
- هل اعترف حصان الجيران الأبيض بخطيئته الذي كان حلم كل فتاة لم تمتطه؟



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاطرة الزقاق
- لا يمكن أن تكونَ خائنا
- ضمائر
- رقم البيت ...صفر
- إمرأة... والتنانير فضفاضة
- سباعية المستحيل
- عروس بدون زواج
- يا بو الشويرة الحمرا – تي رشرش
- نقوش على الرمال
- نظرات الانتظار
- شبشب أمي
- اشترينا تلفزيون جديد
- تحت العشرين
- ريشة الفرح
- من مكيدة الشيخوخة إلى جحر الرومانسية
- عالم الغرباء
- عن رواية -الحلم المزدوج- لدينا سليم: سيرة عن هجر الوطن وأوجا ...
- دبابيس
- هلوسات يوم حار
- الفأر الأكثر حظا


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - الخطيئة