أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - تحت العشرين















المزيد.....

تحت العشرين


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 5101 - 2016 / 3 / 12 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


عن أحداث حقيقية
تحت العشرين
دينا سليم
بالكاد أستطيع مسك القلم، لكني سأكتب، هل أتجرأ لخوض التجربة، لكني سوف أكتب، وبدأت أكتب.
تحت العشرين كنت، عندما فقدت وليدي الأول، وها أنا في المشفى بعد أن عانيت من آلام نوبة الحصو المكدس في المرارة، وعندما أخبروني أنني سوف أمكث هنا عدة أيام، فرحت جدا، جئت ومعي حقيبتي التي ملأتها بأدوات الكتابة، وكأنني ذاهبة إلى نزهة أو فندق ما، أخبروني أن عمليتي بسيطة، فاستئصال المرارة أصبح من أسهل العمليات التي تتم دون فتح جسد المريض، لكني أخبرتهم بأنني أعاني من الصداع، وآلام شديدة في البطن وربما من ارتفاع الحرارة أيضا، صدقوني وارتفعت الحرارة فعلا، لهذا السبب مكثت في المشفى عدة أيام، وبدأت أكتب بحرية، يا لفرحتي، أعلن أنني سأنتفض ضد الظلم والوحشية التي يعاملني بها زوجي ووالدته.

أحببته وارتبطنا، فهو الرجل الأول في حياتي، أقمنا في ضيعته النائية، الضيعة وجه آخر للحياة وضياع كل شيء جميل تحمله الفتاة التي تولد وتتثقف في المدينة، أو لنقل، التنازل عن أشياء كثيرة بما أن الثقافة وأسلوب الحياة والتعاطي مختلف.
استلمتني والدته من البداية، وطلبت مني أن أخلع ثوبي الأنيق وألبستني ثوبها الفضفاض، ثم جمعت شعري المسدل الناعم على ظهري وأخفته بمنديل (الأويا)(1) وقالت (هيك بتصيري عن حق وحقيقة فلاحة يا بنة المدن)، خنقتني رائحة الدخان عندما أحضرت لها أرغفة العجين لتخبزها في موقد الحطب، ولولا اصراري على الرفض لأجلستني مكانها في وجه النيران لكي أخبز مئة رغيفا كل يومين، وعندما قلت لها، (أنا لا أقوى على هذا العمل الشاق) صاحت وبضحكتها الهستيرية قالت (ومين قال لك تاخذي إبنا منا، بنات عمو كثار وبعرفوا يقعدوا على المؤأدة (الموقد)، ليش خليتيه يحبك)؟

وعندما اشتهيت اللبنة التي صنعتها بيديها، غمّست لقمة من الخبز الطازج، ضربتني على كف يدي قائلة (اغمسِ البيض المقلي لأنه لا ينتظر واتركِ صحن اللّبنة للغد)، الخير وفير، لكنها نزعة السيطرة التي تمتعت بها والجبروت القاتل في طبعها، وعندما مكثنا في بيتها لأول مرة بعد الزواج، منحتنا سريرها قائلة (هذا السرير بجيب أولاد ذكور، أنجبِ لنا الذكور فقط، هذا السرير لكما هذه الليلة فقط فلا تعتادوا عليه).
مرّ الشهر الأول بدون حمل، سألتني فخجلت البوح لأن هذا الأمر يخصني وحدي، وأردت منعها من التدخل في خصوصياتي، لكن زوجي قال معترضا (شو يعني، ما في حمل من أول شهر، شو مفكرتيني مش زلمة، الشهر الجاي إن لم يحصل حمل سأعيدك إلى عائلتك) مما شجعها التدخل في شؤوننا الخاصة.
عاقبتني وطردتني من سريرها إلى غرفة أخرى صغيرة تحتوي سرير واحد مفرد، نام زوجي عليه ونمت أنا تحت قدمية، لم يسعنا السرير، فاضطررت الانتقال إلى كرسي الراحة لأنام داخله، ومضيت فيه حتى استدار بطني، اعتاد من في البيت على عدم شكوتي، ولم يفكروا بمنحي أي سرير يمنحني الراحة بما أنني حامل، وأنني قبل أن أكون كنتهم أنا ضيفة جاءت من مكان بعيد لكي تنشئ أسرة وعائلة مع الذي أحبته، بل وبدأت الطلبات تنهال علي من كل صوب، ألغيت وجودي ككيان لكي أسلم منهم، علقت فساتيني الجميلة في الخزانة وارتديت عباءات العمل، وإن حصل وصففت شعري عبثت به ووبختني قائلة (شو مفكري حالك صباح، فكي وحطّي المنديل اليوم عنا شغل كثير، بدك تهزي معي البرغلات)، هززت البرغلات(2) وحركت القمح المسلوق على التنور، وفرشت الحنطة على السطح، حمّصت القهوة (وبئلت)(3) جمعت البقول، فرشت الفرش وعرّبت الزيتون، شطفت تحت العِنبة وفركت الجدران، نكشت الأحواض وتسلقت سدّة المطبخ ورتبت المحصول في العليّة، قالت لي (هياك قوية يا بنت المدن، خلص انزلي أحسن ينزل الطفل ويتهموني فيك) أجبتها بكل مرارة: (شكرا لأنك منحتني وقتا للقراءة، فبالكاد أجد وقتا لأفعل)، هبط جوابها على رأسي مثل الصاعقة (بدك تتثقفي وتتكبري علينا، اسمعي، اعتادي إن دخلت المطبخ ووجدت أي شيء في الجرن، حتى لو ملعقة شاي وحيدة، أن تشطفيها)، لكننا عشرة في البيت، قلت شاكية، أجابت بصرامة (حتى لو كنا عشرين، ما في حدا بقنى(4) حدا اليوم ببلاش، وابني مش مقصر معك)، قلت باكية (لم يمنحني ابنك ما وعدني به من حياة مرفهة، لقد كذب علي) أجابت بجواب يدل على انحلالها الأخلاقي (بس أكيد عم يبسطك)؟!
حزمت حقيبتي وخرجت من البيت بهدوء دون أن أخبر أحدا، توجهت إلى ساحة القرية لكي أستقل المركبة المتجهة إلى المدينة القريبة، ثم أردت استقلال القطار السريع إلى مدينة أخرى ومن هناك ركوب حافلة أخرى وثم مركبة أخيرة حتى أصل بيت عائلتي، لحق بي زوجي، وفي الشارع، طبطب على كتفي، التفتُ وإذ بي أرى الشرار يقطر من عينيه، قال زاجرا ( إن صعدت في المركبة سيكون آخر يوم فيما بيننا، ولن أتعرف على الطفل الذي في بطنك، وسأطعن بشرفكِ، وسأدعك تركضين خلفي مثل السعدانه لكي أمنحك قسيمة الطلاق، فكري جيدا قبل أن تذهبي... عودي معي بهدوء الآن).
عدت منكسة الرأس عاقدة معه اتفاقية وهي أن أعامل معاملة إنسانية وليس معاملة الخادمات، مرت الأيام وولد طفلي، حمله عاريا وطاف به في الدار متفاخرا، قائلا (أنا الوحيد من اخوتي الستة الذي رزق ببكر ذكر، جميعهم بكّروا في بنات)، ومرت الأيام عاصية مشاكسة خشنة، مرض الطفل ثم مات وبقيت عالقة بين أنيابهم وهم يوجهون لي اللوم، وسمعتها أكثر من مرة وهي تقول (وجهها شؤم، من يوم ما دخلت بيتنا والمصائب عم تتكرفت (5) علينا كرفتة)!
حان الوقت الآن لكي أنتفض ولفة الورق هذه التي بين يدي ستكون شاهدة على أول انتفاضتي، ولن أخرج من هنا إلا وقد انتهيت من تدوين قصتي، ولن أتوقف حتى أكتب المزيد دون أن يدري بي لا هو ولا والدته، ليعلموا أنه توجد حرمة لبنات الناس، خاصة إن كانت الزوجة غريبة.
.......
(1) الأويا: غطاء الرأس تطرّز حوافه بالمكوك أو السنارة
(2) البرغل: حبوب من القمح تُسلق ثم تُجرش تُستعمل في الطّبخ ، تُؤكل أو تُقدَّم مع أطعمة أخرى.
(3) (وبئلت) جمع البقول في الحقول التي تنتجها الأرض في فلسطين دون رعاية وذلك بعد هطول الأمطار.
(4) قنى: لزم
(5) تتكرفت: تتهافت



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريشة الفرح
- من مكيدة الشيخوخة إلى جحر الرومانسية
- عالم الغرباء
- عن رواية -الحلم المزدوج- لدينا سليم: سيرة عن هجر الوطن وأوجا ...
- دبابيس
- هلوسات يوم حار
- الفأر الأكثر حظا
- لا أترك البحر وحيدا
- المحبة والكراهية – مرضان سيئان
- شذرات - ابواب
- قلب العقرب
- رأس الذئب
- ثلاث مشاهدات وربع
- المدينة هيكل من ملح
- جارة حاقدة أيام الطفولة
- دينا سليم في رواية (جدار الصمت)
- الحرية نبيّ قادم
- عندما يصبح عالمنا بلا خرائط
- قصص قصيرة
- تغطية احتفال توقيع


المزيد.....




- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - تحت العشرين