أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد علي زيني - حمد وأم شامات














المزيد.....

حمد وأم شامات


محمد علي زيني

الحوار المتمدن-العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 22:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سمعت أن السفر بين بغداد والبصرة أصبح الآن بواسطة قطار صيني، ولم يتسن لي ركوب هذا القطار. ولكني ركبت قطاراً من البصرة الى بغداد في سنة 2013 بعد إلقاء محاضرة بجامعة البصرة العتيدة. وكان الغرض من العودة بهذه الطريقة لمجرد التسلية بمشاق السفر بهذا القطار الذي بلغ من العمر أربعين عاماً كما أخبرني الضابط "العميد" الذي كان جالساً أمامي. لم يستهوني الجلوس طويلاً بمقصورتنا التي سميتها "الخلية" وقد أصبحت مكتضة بأربعة رجال وبالحقائب التي لم يكن لها مكان مخصص، ففضلت استكشاف القطار بعض الشيئ. كانت عربتنا الثانية من الأمام فتوجهت نحو الخلف. سِرتُ ببطئ في الممر الضيق وواجهت صعوبة بالغة في الحفاظ على توازني من شدة اهتزاز القطار بالأتجاهات الأربعة وكأنه سفينة في بحرٍ متلاطم، ما جعلني أرتطم بجدران الممر يميناً وشمالاً، فقررت السير ببطئ وكأني طفل يتعلم المشي لأول مرة. مررت بعدة خلايا بعض سكانها يمرحون ويتلهّون بتناول أطعمة ومشروبات غازية، وأخرى سكانها واجمون، فيما أمسكت بعض النسوة بأطفالهن خشية التصادم بينهم أو الأرتطام بالجدران وهم في طريقهم الى المرافق.

أثارت المرافق الصحية فضولي فانتظرت قليلاً حتى يأتي دوري، ثم دخلت ونظرت حولي وأنا أهتز مع القطار. وجدت مغسلة صغيرة كانت نظيفة سرعان ما بدأت تتسخ، ووجدت مرآة مكسورة مثبتة على الحائط. وبينما كنت أنظر الى المرحاض، وهي شرقية ونظيفة، ارتفع الجانب الأيمن من العربة فجأة "فتسرسحت" بسرعة الى اليسار وكدت أفقد توازني لولا أني أمسكت بمقبض متدلي من السقف، ربما وُضع هناك لأنقاذ المساكين مثلي في مثل هذه الحالات. تسائلت مع نفسي كيف لمسافرٍ أن يستعمل مرحاضاً شرقيةً إذا كان داخل عربة قطار "مسودنة" تتأرجح يمنة ويسرة، بشدة وبدون ضمير؟ إذ لا يمكن لشخصٍ أن يغامر بمثل تلك العملية إلا إذا كان شجاعاً ولا يبالي "إن هو وقع على الماء أم وقع الماء عليه".

دخلت عربة الطعام فوجدتها مكتظة برجال من مختلف الأعمار والأشكال، إلا أن عنصر الشباب كان هو الغالب. كان أكثر الحاضرين يدخنون بنهم، ما جعل جو العربة مملوءاً بضباب رمادي اللون. شاهدت البعض من الشباب يترنحون وقد استرخى الواحد منهم على كرسي فيما مدّ رجليه على كرسي مقابل، سانداً رأسه إلى الجدار الخلفي، مطيلاً النظر الى سقف الغرفة بعيون زائغة، يدل منظره وكأنه قد استهلك مادةً مُسكِرة أو مُخدّرة. بدأت أفكر بنكبة العراق، وشباب العراق الضائع. لا مدرسة ولا عمل ولا حتى آمال، يا خسارة! وبينما كنت شارد الفكر، أسيراً لشعورٍ من الألم والأحباط، تولتني سورةٌ من الغضب حين تذكرت ساسة العراق. تُرى بماذا تفكر الغالبية من هؤلاء وهُم يسكنون القصور داخل المنطقة الخضراء – ومنهم خارجها أيضاً - يحرسهم غلب الرجال المدججين بالسلاح؟ هل هم يفكرون بشباب العراق؟ هل يفكرون بشعب العراق؟ بل هل يفكرون بالعراق؟ أم أنهم لا يفكرون إلا بأنفسهم، لاهون بالنزاعات الأزلية بين كتلهم المتناحرة وبين بعضهم البعض، وبسرقة المال العام لاستثماره بالخارج، ولربما استبقاء جزءٍ منه لتمويل انتخاباتهم حتى يؤمّنوا البقاء على كراسي السلطة، وليذهب العراق وأهلُه الى الجحيم!

رجعت الى الخلية لأستريح وربما أخلد الى النوم، ولكن جذب انتباهي من خلال النافذة ضياء تراءَى لي من بعيد. وضعت ساعدي على حافة النافذة السفلى واتكأت وأنا أنظر في دامس الليل الى ذلك الضياء وقد أثار بنفسي الشجون. تذكرت قصيدة مظفر النواب الخالدة، للرَيل وحمد، والتي أمسَت منذ ستينات القرن الماضي أغنيةً فولكلورية جميلة تمرّ على ألسن الناس: "مرّينة بيكم حمد واحنه ابغطار الليل، واسمعنه دك اكهَوه وشَمّينة ريحة هيل. يا رَيل صيح بقهر صيحة حِزن يا رَيل....". سحبت هواءً عميقاً وخرجت آهة من صدري واغرورقت عيناي، وتسائلت تُرى ماذا حلَّ بحمد وبحبيبته "أم شامات" بعد مرور أكثر من خمسين سنة شاهد خلالها الشعب العراقي مصائباً لم يمر بها شعب في زماننا هذا؟ هل أُجبر حمد على التطوع في قادسية صدام؟ أم داهمت بيتهم في الثالثة بعد منتصف الليل قوة من جلاوزة النظام وسحبته حافياً و"بطَرِك الدشداشة" لتشبعه في الطريق ضرباً وركلاً وشتائم وإهانات، ثم لتودعه في زنزانة رطبة ومعتمة، يتعرض هناك للتعذيب بين آونة وأخرى؟ فإن كان ذلك ما حدث له ولم تكن نهايته في إحدى المقابر الجماعية، فلا شك أنه قد خرج من سجون النظام السابق، ليتنعم بأجواء الحرية التي عمّت العراق بعد سقوط النظام ولكنه، من جهة أخرى، بدأ يعيش ضيم النظام الجديد الذي تقوده حكومة تتمسك بالسلطة دون تحمل مسؤولية إعادة بناء دولة متكاملة بشعبها وسلطاتها ومؤسساتها. إن جُلّ ما تعرفه الحكومة الجديدة هو تسلّم ريع النفط - الغير متعوب به أصلاً – لمجرد تمويل الميزانية السنوية وهي تحوي الرواتب والمخصصات الفلكية للطبقات العليا من موظفي الدولة، وتعرف أيضاً كيفية التستّر على لصوصية وفساد العديد من كبراء المسؤولين.

فكيف لحمد أن يعيش سعيداً في أجواء هكذا دولة وهو الفلاح القروي البسيط، إبن الطبقة المسحوقة من الشعب، صاحبة الحقوق المهضومة؟ إن حمد – وهو يمثل أي فرد من أفراد هذا الشعب المسحوق – معرض لتحمل النوازل والآلام، من سيول قد تجرف زَرعَه، الى عبوة ناسفة قد تبتر أحد أطرافه، الى سيارة مفخخة قد تقضي على حياته وتحول جسده الى مجرد فحم. أما زوجته الحبيبة "أم شامات" التي مازالت قسمات وجهها تشي بمسحةٌ من جمال، فهي – كأي أُم من أمهات هذا الجيل المنكود - تتعرض هي الأخرى الى النوازل والآلام. وكأني بها الآن تخوض مياه المطر الآسنة، رافعة ثوبها قليلاً اتقاءً من البلل، كاشفة عن ساقين بدأ يزحف لهما بعض من الذبول، تنهر "الحكومة" على تقاعسها الأزلي في تقديم الخدمات، وهي تصيح بحرقة - صيحة حزن - إصالة عن نفسها ونيابة عن صاحباتها "وِلكم وَين وَدّيَتو فلوس الشعب وَين؟ صار الكُم أكثر من عشر سنين بس تلغفون وكُلشي ما سَوّيتو. من نوازل على عيونكم وأريد العباس أبو راس الحار انشا لله يصطركم ويطيّح حظوظكم".



#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة والمواطنة
- لا إكراه في الدين والحرية للجميع
- القبيلة والغنيمة ومجلس النواب العراقي
- أناديك يا مجلس النواب العراقي إن كنت شريفاً!!!
- التراجيديا العراقية
- الطامّة الكبرى
- لنسحق رأس الأفعى!
- معذرة يا ولدي...
- بغياب المقاييس سرقة النفط العراقي مستمرة على قدم وساق
- وزحف الظلام
- المرأة فريدة الأهمية في تطور النشئ الجديد*
- نهضة العرب من جديد ليست بمستحيلة
- السلطات العراقية طاردة لذوي الكفاءات*
- اضواء على الاقتصاد العراقي
- إن فسد الملح فبماذا يُمَلّح؟
- متى يحكم العراق رجل مثل مهاتير محمد؟
- الشهيد عبد المنعم السامرائي
- خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي (الجزئ الثاني)
- خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي
- في ظل الحاكم المدني بول بريمر: فساد وإفساد


المزيد.....




- شاهد أوّل ما فعلته هذه الدببة بعد استيقاظها من سباتها الشتوي ...
- تحليل: بوتين يحقق فوزاً مدوياً.. لكن ما هي الخطوة التالية با ...
- نتنياهو يقول إنه يبذل قصارى جهده لإدخال المزيد من المساعدات ...
- روسيا.. رحلة جوية قياسية لمروحيتين حديثتين في أجواء سيبيريا ...
- البحرية الأمريكية تحذر السفن من رفع العلم الأمريكي جنوب البح ...
- صاروخ -إس – 400- الروسي يدمر راجمة صواريخ تشيكية
- إجلاء سياح نجوا في انهيار ثلجي شرقي روسيا (فيديو)
- الطوارئ الروسية ترسل فرقا إضافية لإنقاذ 13 شخصا محاصرين في م ...
- نيوزيلندا.. طرد امرأتين ??من الطائرة بسبب حجمهن الكبير جدا
- بالفيديو.. فيضان سد في الأردن بسبب غزارة الأمطار


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد علي زيني - حمد وأم شامات