أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عادل عبدالله - دولُ الورق، بين الفكر و السياسة















المزيد.....

دولُ الورق، بين الفكر و السياسة


عادل عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5570 - 2017 / 7 / 3 - 12:10
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



باستثناء فرق مهم واحد يُحسب الآن لصالح انماط الدول الواقعية التي وجدت وتوجد بالفعل، يمكن القول ان ليس لهذه الدول الورقية التي ساتحدث عنها من التفاصيل الجزئية والصفات الخاصة بها ما يميزها عن سواها من نماذج الدول الأخرى.
فهي – أي دول الورق- تمتلك بالفعل مواطنيها ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتربوية والعسكرية وربما بامتياز يفوق في تنظيمه وتدبيره لشؤون الدولة الاشكالَ والمؤسسات النظيرة الموجودة في سواها من نماذج الدول الواقعية ،
أما عن ذلك الفرق الذي قدّمت به مقالي لأهميته، فهو ما يتمثل بالقول ان هذا النوع من الدول – الذي يستمد ويشتق تسميته من الورق- موجود في عالم الورق حسب، على خلاف نماذج هذه الدول التي توجد الآن واقعيا ويملأ وجودها الأرض تماماً كما ملأته من قبل دولٌ غيرها.
الأمر الذي يعني – وهذه نقطة مهمة جداً تتفرع عن النقطة الرئيسية ذاتها- أنّ مثل هذه الدول الواقعية معرضة للزوال بسبب من كونها موجودة فقط، حسب وجهة النظر الفلسفية القائلة بحتمية زوال الأشياء الموجودة، أما تلك الدول الورقية فليس ينتظرها أو يتربص بها مثل هذا المصير لأنها لم "توجد" بعد اصلاً ومن لا يملك الوجود لا يجوز عليه الزوال.
وهذه نقطة تحسب الآن لصالح دول الورق، لأن ما تتأمله في مستقبلها هو الوجود، أما الذي يتأمله النموذج الواقعي الآخر في مستقبله فهو الزوال حسب.
هنا ينبغي أخذ المسألة بشيء من التفصيل، قلت بأن المراد باضافة صيغة مفردة (الورق) لهذه الدول هو الاشارة الى أن هذه الدول لا وجود واقعياً لها انما هي موجودة على الورق فقط، ولتوضيح ذلك أقول ان تأريخ (الدول الورقية) عريق في وجوده وان البشرية قد تعرفت عليه بصيغ وأساليب وأنواع مختلفة، غير انها جميعاً كانت تلتقي على صفة واحدة هي (ورقيتها) أي وجودها في عالم الورق حسب.
فجمهورية افلاطون والمدينة الالهية للقديس أوغسطين ومدينة الفارابي الفاضلة هي دول من ورق موجودة في العالم الورقي فحسب، كذلك هو حال (دكتاتورية البروليتارية) أي جمهورية العمال التي حلم العبقريان ماركس وانجلز طويلاً بوجودها ثم حاول القائد المفكر (لينين) من بعدهما نقل هذه الدولة من صيغة وجودها الورقي الى صيغة أكثر واقعية لها فانتهى به الحال الى ازالة تمثاله الحجري من الواقع واعادته الى صيغة ورقية يسهل على التاريخ حفظها والتعامل معها.
ولا عزاء هنا لماركس وانجلز بهذه المناسبة المؤلمة، لأن ما يخفف عنهما هذا المصاب الأليم الذي آل اليه حلمهما، وما يقدم له العزاء والمواساة بمناسبته حقاً، هو ذلك الحال الشبيه الذي آل اليه من قبل حلمُ استاذهما العظيم هيغل، حين حلم بدولة تتمثل روح الحق والمطلق في واقعيتها متخذة من ألمانيا قواعد ومكاناً لها، فكان ان اقيمت وحلت فيما بعد هذه القواعد في ألمانيا بالفعل، لكنها لم تكن قواعد السماوات أو الروح المطلق، كما اعتقد هيغل، انما كانت على وجه الدقة قواعد القوات الامريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ولئن كانت نماذج هذه الدول الورقية آنفة الذكر قد استمدت وجودها من الميدان الفلسفي فان ما يمكن أن يؤشر ازاء تجربتها كلها، هو القول بأنها جميعا قد التقت على نقطتين مهمتين،، الأولى منهما هي الطبيعة الانسانية الفاضلة والفكر الخير الذي كان يسعى الى بناء مثل هذه الدولة حقاً، بدءاً من النوايا وانتهاء بالتحقق الفعلي المفترض،
اما النقطة الأخرى فهي الفشل الذريع الذي منيت به جميع تلك النماذج من الدول التي قدمها الفكر الفلسفي بمثاليتة وواقعيتة.
من جانب آخر كان السياسيون يراقبون عن كثب صيرورة الدول الورقية هذه وتحولاتها ونهاياتها المؤلمة في عالم الفكر، الأمر الذي دعاهم حقاً الى (التفكير) بخلق دولة ورقية مبتكرة تخص العالم السياسي وتنبثق عنه وحده، خصوصاً ان مفهوم الدولة ينتمي في مرجعيته الفكرية والاصطلاحية الى عالم السياسة اكثر من انتمائه للفكر، لكل ذلك اجتمع دهاقنة السياسة في مكان واحد ليقرأوا التاريخ مرة أخرى بعين تقدمية ثاقبة بحثاً عن اسباب فشل قيام وتحقق مثل تلك الدول التي اقترحها عالَم الفكر فكان ان انتهت قراءاتهم السياسية المشتركة للتاريخ والفكر، طرحَ خلاصةِ سياسية مهمة مفادها : أنّ الأسباب الحقيقية التي حالت دون تحقق مثل تلك الدول في الواقع يمكن ايجازها بنقطتين اثنتين نتجتا معاً عن خطأ وتصور استراتيجي ينبغي التنبه له بدقة،، فاذا أردنا نحن السياسيين - والقول لهم - انشاء دولة ورقية فاعلة قابلة للنمو والتحقق فان علينا ان نتجاوز الاخطاء القاتلة التي وقع النموذج الفكري للدولة فيها أولاً، وان نتبع، من بعد، استراتيجية اخرى فعالة لحركة الفكر في انتاجنا لهذه الدولة.
اما النقطتان اللتان حالتا دون تحقق الدولة في عالم الفكر وهو الأمر الذي ينبغي تلافيه بأخذ العبرة منه وعدم تكراره في خلق السياسة لنموذج دولتها فهي:

1.ان ذلك النموذج الفكري للدولة كان قد اعتمد على الفكر والحكمة والحقيقة والمحبة والسلام وتم له اتخاذ هذه المفاهيم بالفعل وسيلة نظرية لانشاء تلك الدولة وقد أثبتت هذه الوسائل فشلها الواقعي الذريع، لذا فان النموذج السياسي لمشروع هذه الدولة القادمة ينبغي ان يكون عاطلاً متخلياً بالفعل عن كل هذه الوسائل العاجزة، تلك التي ربما ستؤول فضائلها الى خلق دول مارقة او راعية للارهاب مستقبلاً.
2.لقد كان الخير والعدل والحق والمساواة الاجتماعية والعقلانية والقيم الانسانية الفاضلة هي ما يمثل الاهداف العليا او العلة الغائية كما يحلو للمفكرين تسميتها، تلك التي حرّكت وحرّضت وقادت المفكرين الى انشاء مثل ذلك النموذج الفاشل في عالم الفكر، ولذا ينبغي على عالمنا السياسي أن يأخذ الحذر من خطورة هذه المفاهيم التي أثقلت مشروع الدولة الفكرية، بل ينبغي عليه التخلي عنها والعمل على عدم نسبة أي دور حقيقي لها باستثناء امكان اتخاذها كشعارات فقط خلال سعيه لبناء النموذج السياسي المحض لمثل هذه الدولة.
أما الخطأ الستراتيجي الذي ارتكبه المفكرون بانتاج دولهم والذي ينبغي السير باتجاه معاكس تماماً لحركته قدر تعلق الأمر بالنموذج السياسي فهو:
انطلاق المفكرين من الأفكار والمفاهيم والورق لانتاج تلك الدول في الواقع،
الأمر الذي ينبغي تصحيحه لدى السياسيين، متمثلاً ذلك باتخاذ حركة معاكسة لهذا الاتجاه، اي ينبغي الانطلاق هذه المرة من الواقع الى الورق او بعبارة صريحة ينبغي تحويل الكيانات الواقعية للدول الى كيانات موجودة على الورق.
هكذا أودع السياسيون في الليل أرحامَ أزواجهم مثلَ هذه الأفكار لينبلج صبحُ العالم عن طفلة صغيرة تحفظُ الشر كله عن ظهر قلب، اسمها :العولمة، طفلة لها القدرة العجيبة على مصادرة الفكر و الاقتصاد و الدين و العلم والثقافة لصالح الدكتاتورية السياسية التي لا رحمة لها في خصومها.



#عادل_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (العودُ الأبدي - إرادةُ القوّة ) قراءة في البُعد الأخلاقي لف ...
- الجابري - طرابيشي بحثٌ في حوار المروّض و الأسد
- فضائح العقل الملحد - خيمةُ الزواج و خيمة داوكنز
- بائع الإلحاد المتجوّل - سبعة مداخل نقدية لكتاب - وهم الإله - ...
- بائع الإلحاد المتجوّل - سبعة مداخل نقدية لكتاب - وهم الإله -
- هل الإلحاد موقف معرفي أم أخلاقي ؟
- فضائح العقل الملحد - دراسة في تهافت الحجج العلمية و الفلسسفي ...
- مرثية الشعر لنفسه
- أسوة بالرياضيين عندما تنضب مواهبهم، لماذا لا يعلن المبدعون ا ...
- الشعر و التصوّف ، تكامل أم ممانعة ؟
- الصوفية و السريالية، مساواة أدونيس الجائرة
- إنتحار واقعي في عالمٍ افتراضي
- صراخ على جبل ( إتنا)
- في النصوص الميتا - شعرية، نهج البلاغة نموذجا
- المثقفون و المجتمع في دكتاتوريات العالم الثالث
- الذين يقرأون و هم يركضون - بحث في تشويه الدرس العربي لشخصية ...
- فضائح الفكر العربي المعاصر- قراءة جديدة لكتاب الاسلام و أصول ...
- إعتراف
- الموت والوجود - تأملات في مفهوم الكائن الحي و النقيض له
- منطق الواقع يطيح بمنطق أرسطو


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عادل عبدالله - دولُ الورق، بين الفكر و السياسة