عادل عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 5035 - 2016 / 1 / 5 - 10:54
المحور:
الادب والفن
(مرثية الشعر لنفسه )
عادل عبدالله
في حياتهم كلّها، لم يُسئ الشعراءُ الى أنفسهم
أو يهتكوا حرمة من حرمات الحياة
قدر أساءتهم لي و انتهاكهم لحرمتي
حين أرتضوا للغرباء و البرارة أن يتحدّثوا الى الناس نيابة عنّي
دون أن يقدِم أحدٌ منهم للدفاع عن سيرتي بحربةٍ أو كلمة .
انا فكرةُ الخلقِ نفسها
تلك التي أودعَ الله نسخةً منها في نفوس البشر
كيما يكونوا قادرين على الخلق
كلّما سنحتْ لهم فرصةٌ بذلك .
أنا كلمة السرّ، تلكَ التي نادى بها نوحٌ على الكائنات كلّها
قبيل إجتماعها في السفينة ،
و أنا الضمادُ الكبيرُ الذي لفّ خاصرة البحر
بعدَ أن أمعن الغرباءُ في طعنها .
أنا نخّاسة تنادي على بيع عشّاقها الشعراء
في مزادها العلني
بعد أن تمّ لي ضبطهم متلبّسين بخيانة عظمى
كانوا يعاشرون أنفسهم خلالها، حين كنتُ أبكي من الشبق .
أنا فوّهة بركان (أمبدوقليس) تلك التي ألقى بها نفسه
معتقدا انني كنتُ موجودة هناك .
أنا النظرةُ الأخيرة لـ (يوكيو مشيما)
تلك التي أعادته الى مشهد انتحاره المهيب
بعدَ أن همّ بالتراجع عن طعنِ روحه .
خصيمُ (أفروديت) في مناظرة عامة
عن علوّ مكانة الجسد أنا
و أنا المخلوقة الوحيدة التي لم يجد (نوح) زوجاً لها
لتبرير حملها في سفينة النجاة معه،
لذا ودّعتني الطيورُ و الضواري،
بكتني الفراشاتُ و الحيتان في نشيج واحد
حزينة على تركي وحيدة هناك .
أنا الشذرة الفقيدة من لوح (كلكامش)
تلك التي أضاعها عن عمدٍ
يوم كان ثملا في حانة (سيدوري)
و كنتُ أراقبه عن كثب من مكان قريب
و هو يهذي عن عشبة قال انها ستبعث الخلود في جسده،
يومها، لمْ استطع منع نفسي من الضحك عليه بصوتٍ مرتفع
رأى أن فيه إهانة عظمى لنفسه
و حين همّ بطعني مجرّدا سيفه
تجرّدتُ من ثيابي أمامه
فعاد الى نفسه منكسرا ذليل .
أنا المرأةُ التي رأى (سقراط) وجهها
يلوحُ في زجاجة السمّ في يده
حيثُ أبديتُ له من الجمال قدْراً
راى أن من الصعب عليه مواصلة الحياة دونه .
أنا منطقُ الهذيان، إيقاعُ فوضى العوالم،
متاهةٌ أحكمتْ غلق أبوابها
بعدَ أن هدتْ الانهار الضالّة الى مصباتها .
أنا المُلكُ الذي لم يُردْ (سليمان) لأحدٍ أن يرثه من بعده .
انا نظريةٌ شعريةٌ لتفسير لغز الوجود،
تيقّنَ العلماءُ من صحتها بعد جهدٍ عظيم .
معادلة لحلّ لغز الحياة
تمكّن الانسان من التعرّف على الساعة التي يموتُ فيها أنا
و أنا جزيرة صغيرة من العدم
يحرصُ الوجود على الدفاع عنها بضراوة مطلقة .
أنا انهيار الظلام المفاجئ
للكشف عن وجه إلهةٍ قديمة تحتمي به مخافة الضوء .
قبضة الجمال حين لا يسمحُ باهانته أحد
و أنا حفنةُ العطر في فم محتضر لنوع نادر من الفراشات
يتنفس العطور حسب .
و ها أنا وحيدة
مثل غصنٍ صغير يتشبّثُ بالسموات بحثا عن تربة جديدة ينبتُ فيها
بعد أن تيقّن من فساد الجذور كلّها .
#عادل_عبدالله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟