شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1449 - 2006 / 2 / 2 - 10:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
-1-
فُزعت السلطات الأردنية لقول عزام الهنيدي النائب في البرلمان الأردني والعضو في حركة الإخوان المسلمين، بأن تجربة حماس ربما ستكرر في الأردن لو أتيح للناخب الأردني النـزاهة والشفافية التي اتيحت للناخب الفلسطيني في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة. وقد اضطرت السلطة إلى تكليف رئيس تحرير جريدة "الرأي" الأردنية وهي جريدة الدولة الرسمية، وبمثابة جريدة "الأهرام" في مصر إلى الرد على النائب الهنيدي بمقال حماسي، يذكرنا بخطاب الخمسينات والستينات الذي أصبح من دلالات كل الهزائم والانهيارات العربية المتلاحقة، حيث قال:
"يبقى أن يتذكر السيد الهنيدي أن لعبة استنساخ التجارب وركوب الموجة لن تنطلي على الأردنيين الذين يعرفون عن تجربة ودراية أن الشعارات البراقة لن تنطلي عليهم وأن ما أنجزوه طوال العقود الطويلة وما تمرسوا في ابتكاره من أساليب الصمود والبناء وتجويد الإنتاج وتعميق التجربة الديمقراطية وتكريس دولة المؤسسات والقانون واحترام حقوق الإنسان وقراءة الواقع الإقليمي والدولي في تؤدة وعمق بعيدا عن النـزق والمزايدات وكولسات الغرف المغلقة والقنوات السرية هي الكفيلة بدحر محاولات اختراقهم والاستمرار في بناء بلدهم على أسس من الديمقراطية والعدالة والديمقراطية الحقيقية".
فلماذا كل الفزع من قبل السلطة الأردنية لتصريح النائب الهنيدي الذي نعتبره عين الحقيقة والحق، فيما لو مارست أمريكا والاتحاد الأوروبي ضغوطهما على الأردن لاجراء انتخابات نزيهة وشفافة، بعد تعديل قانون الانتخاب الحالي لكي يتيح للناخب الأردني حرية اكبر في اختيار مرشحيه.
فالبرلمان الأردني برلمان لأبناء القبائل والعشائر في مجمله الذين نجحوا في الانتخابات بدون أية برامج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية واقعية. وهو برلمان أشبه بـ "المضافات" أو "الديوانيات" منذ عام 1989 وبعد انقطاع دام 33 عاماً عن الحياة النيابية امتد من عام 1956 إلى العام 1989 ، حيث تعطلت الحياة البرلمانية الأردنية وتقلّص هامش الحريات إلى أبعد حد ، وطُوردت الأحزاب، وأصبح هامش الحريات يكاد لا يُرى بالعين المجردة. ولم يبقَ على الساحة غير الإخوان المسلمين الذين كانوا وما زالوا من عظام رقبة النظام العلماني السياسي الأردني. وتلك مفارقات السياسة العربية عامة، والسياسة الأردنية خاصة.
-2-
فلو اتيحت الحرية للناخب الأردني كما اتيحت للناخب الفلسطيني ومن قبله العراقي لاختيار نوابه لوصل النواب الإسلاميون كغالبية إلى البرلمان، ولحصل في الأردن ما حصل في فلسطين بالأمس، وذلك نتيجة للاسباب التالية:
1- لو اتيحت الحرية التامة للناخب الأردني وأعطي من الحرية ما تمتع به الناخب الفلسطيني ومن قبله العراقي فسوف يجتاح الإخوان المسلمون البرلمان الأردني باغلبية كبيرة نتيجة لأن الإخوان المسلمين هم اللاعبون الوحيدون بنشاط سياسي كبير ومنظم ومنضبط ونظيف اليد منذ عام 1956 إلى الآن. وهذه الحقيقة يجب أن نعيها كليبراليين تمام الوعي ، ونعترف بالحقيقة، حتى وإن كانت مُرّة في فمنا، وقاسية علينا. في حين أن الإعلام الأردني الرسمي متمثلاً بجريدة "الرأي" ورئيس تحريرها، ينكر هذه الحقيقة، كما انكرها من قبله من ندموا على انكارها الآن، واسودَّت وجوههم.
2- ولو اتيحت الحرية التامة للناخب الأردني وأعطي من الحرية ما تمتع به الناخب الفلسطيني ومن قبله العراقي فسوف يجتاح الإخوان المسلمون البرلمان الأردني بأغلبية كبيرة نتيجة لأن الناخب الأردني قد فقد الأمل بالاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من قبل السلطة القائمة. ولعل استطلاعات الرأي العام التي يجريها "مركز الدراسات الاستراتيجية" الأردنية تشير بوضوح إلى فقدان الثقة بالحكومات المتعاقبة، التي لا يعلم المواطن الأردني لماذا جاءت ولماذا ذهبت. وأن الناخب الأردني تواق إلى التغيير كأي شعب عربي آخر.
3- يعلم الناخب الأردني بأن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، قدمت له على مدار نصف قرن من الزمان ما لم تقدمه الدولة الأردنية ذاتها. فهي التي استخدمت الأموال الطائلة التي تصلها من الداخل والخارج خير استخدام. فلا تبني بها القصور، ولا تفتح بها حسابات سمينة في البنوك الخارجية، ولا تقيم بها الولائم الفخمة ولا تركب فيها السيارات الفارهة، ولا ترشو بها أصحاب القرار. ففتحت بهذه الأموال العيادات المجانية، ومراكز الحضانة، ومراكز تشغيل الفتيات والفتيان العاطلين عن العمل، وابتعثت بها الطلبة، إلى آخر هذه الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية. وهي نفس السياسية التي اتبعها الإخوان المسلمون في مصر وفي فلسطين، حيث يتبع الجميع استراتيجية عمل واحدة لكسب الشارع العربي والناخبين. وقد نجحوا في ذلك وتحقق للمواطن العادي المنافع الجمّة. ولذا، فإن الفقراء والجوعى والحفاة والعاطلين عن العمل - وهم الغالبية الساحقة في العالم العربي - هم الذين سوف ينتخبون الإخوان المسلمين ويوصلوهم إلى كراسي الحكم آجلاً أو عاجلاً، كما فعلوا في مصر وفلسطين.
4- أن الفساد في الإدارة الاردنية لا يقل عن الفساد في تنظيم "فتح" المهزوم. ورغم أن هناك لجنة منبثقة عن دائرة المخابرات العامة لمحاربة الفساد إلا أن هذه اللجنة لا تحقق ولا تقبض إلا على سارقي الدينار أو الدينارين فقط، أو المرتشين بأكلة "منسف"، أو "كروز" سجاير ، أو صينية كنافة، أو شماغ أحمر. أما الذين يسرقون بالملايين من الرسميين ومن علية القوم، فهؤلاء لا يطالهم حساب أو عقاب. فهل سمعتم يوماً أن وزيراً أو رئيس وزراء أردني حوكم بتهمة الفساد والسرقة؟ وتولي الإخوان المسلمين الحكم بما عرفوا عن نظافة اليد سوف يقضي على النسبة الكبرى من الفساد. وهذا ما حصل في البلديات التي تولوا رئاستها في السنوات الأخيرة.
-3-
لن يفيد السلطة الأردنية أن تكلف رئيس تحرير "الاهرام" الأردنية بالرد على النائب عزام الهنيدي لكي تطوى الحقيقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأردنية. فالحقيقة الكبرى لن تطوى على هذا النحو. والسبيل الوحيد أمام الدولة الأردنية لكي تحول دون وصول الإخوان إلى السلطة، هو أن تقوم بما يقوم به الإخوان الآن من رعاية للمواطنين. أن تقضي على الفساد. أن تمارس الشفافية على أعلى المستويات. أن تكون نظيفة اليد والفرج. أن توسع هامش الحرية والديمقراطية. أن ترعى الثقافة والمثقفين وتغلق دائرة المطبوعات التي هي بمثابة مسلخ ثقافي مُعيب في حق المواطن القارئ الحر والمواطن الكاتب الحر. أن تعيد وزارة الثقافة الملغية، وتهتم بها كما تهتم بوزارة الدفاع. أن تعتبر المثقفين قُرة عين الدولة كما تعتبر الجيش. فالمثقفون هم جيش السلطة الحقيقيون بعد أن انتفت الحروب العسكرية من الشرق الأوسط بتفوق اسرائيل العسكري على كافة الدولة العربية مجتمعة. أن تكف الدولة عن لعبة الأصول والمنابت والتفرقة بين الأردني من أصل أردني والأردني من أصل فلسطيني.
-4-
ليس هناك من عاقل عربي يرضى أن يعيش في القرن الحادي والعشرين في ظل دولة دينية متعصبة ومحجّبة، تعيده إلى حكم القرون الوسطى. والإخوان المسلمون إن حكموا فلن يستطيعوا أن يحكموا بمنطق الدولة الدينية الطالبانية لأن العالم كله سيكون ضدهم، والتاريخ ضدهم، وشرائع العالم وقوانينه ستكون ضدهم، وهم يعلمون ذلك. وما شعاراتهم الخرافية الغامضة (الإسلام هو الحل) و (الفقهاء هم الخل) إلا وسيلة للوصول إلى الحكم، وتلك من مكائد السياسة. فلا توجد دولة دينية على الأرض الآن. وقد انتهت اسطورة الدولة الدينية الإسلامية بسقوط الخلافة العثمانية 1924، هذا إذا لم تكن قد سقطت بانتهاء العهد الراشدي عام 661م.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟