أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروة التجاني - خطاب الورود















المزيد.....

خطاب الورود


مروة التجاني

الحوار المتمدن-العدد: 5542 - 2017 / 6 / 5 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


تاج الضاحك هذا ، هذا الطوق من الورود : أضعه بنفسي على رأسي ، لقد أعلنت بنفسي أن ضحكي قدسي ، وما وجدت اليوم أحداً غيري قادراً على ما فعلت .


ولكن ، كم هو جيد أنكم جئتم إلى كهفي كي تتمكنوا من مشاهدة مثل هذا الشئ ! كم أنا شاكر لإنشغالكم ولرغبتكم هذه التي دفعتكم لعبور هذه الجبال والتوجه إلى المكان المناسب لتسألوا : أمازال زرادشت حياً ؟ أن السؤال الجيد في حد ذاته نصف الإجابة . وفي الحقيقة ، أن أفضل رد هو ما تتمكنون من رؤيته هنا بأعينكم : زرادشت مازال حياً ، وكما لم يكن من قبل :


زرادشت الراقص ، الخفيف الذي يرف بجناحيه ، المستعد للإنطلاق ، المتواطئ مع كل الأطيار ، الجاهر والمعافى ، المتهئ كإله خالي البال - بنفسي أوشح جبيني بهذا التاج ! .


زرادشت ، نبي ما يعلن عن حقيقة ، زرادشت ، النبي الأبكم للصمت الأصيل ، لا هو بالمتلهف ولا هو بالعنيد ، مثل شخص يحب الوثبات والمغامرات - بنفسي أضع هذا التاج على جبيني ! .


بإمكانكم إرباكي بكل دموع الأرض وكل الشكاوي الإنسانية : عليكم دوما ً سأنتصر ، كما الزيت على الماء . وحتى إن صادفت وحقدت على الأرض : فستقتلع نجوم السماء خبثي لترمي به إلى الأرض - هذا هو كل انتقام زرادشت .


وإذا كان في الأرض ركود وبلبلة ، إذا كان في الأرض بحر من الرعاع العكرين ، فبإمكان من يملك رجلين خفيفتين أن يسير فوق الوحل - بالسرعة التي يمشي بها على الجليد الناعم . وإذا احتجت إلى أعداء ، وإذا كنت مراراً لذاتي أسوأ الأعداء : فليس بإمكان الأعداء التعاطي معي إلا نادراً ، لأني أستعيد ضحكي سريعاً بعد كل زوبعة .


وبرغم إني عرفت العديد من الصحاري والعديد من الأصقاع الموحشة والخاوية ، فأبداً ما كنت المتزهد في المكان المقفر ، وليس ذلك أنني أبله ومخبول كمثل سارية : فإني على عكس ذلك - أمشي . وأن المسيرة تكشف إن كان المرء قد أدرك دربه الخاص .

انظروا إلي أمشي إذن ، وعلى من كان قريب الهدف ، عليه - أن يرقص ! .

ملتوية هي الدروب التي تقطعها الأشياء الجيدة حين من أهدافها تقترب ، مثل قطط تتكور ، تتحفز وتهر في داخلها لشعورها بقرب سعادتها : كل الأشياء الجيدة تضحك ! .

ما هي أكبر الأخطاء التي ارتكبت على الأرض ؟ تلك كانت كلمة الذي قال : الويل للذين في الأسفل يضحكون . ألم يجد هو ذاته سبباً للضحك ؟ ذاك لأنه لم يجهد ذاته في البحث : إن طفلاً لواجد في هذا ما يضحكه . آه ليته على الأقل عرف كيف - يجد ذاته .


إنه - لايحب بالقدر الكافي ، فقد كان بإمكانه أن يحبنا أيضاً ، نحن الضاحكون . لكنه ما كان يشعر نحونا إلا بالبغضاء والسخرية ، دموع وصرير أسنان ، هذا ما يتوعدنا به نحن الضاحكون ! وعندما نحبه ، هذا العنيد ، فإنه فوراً يريد أن يسلق ويحرق . إنه ذاته لايحب بالقدر الكافي : لهذا كان قليل الرغبة في أن يكون محبوباً .



ابتعدوا عن هؤلاء العنيدين ، إنهم جنس تافه ومريض ، جنس سوقي . إنهم لا ينظرون إلى الحياة بعين الرضى ، سيقانهم ثقيلة وكذلك قلوبهم . تساموا بقلوبكم يا إخوتي ، أعلى فأعلى ! ولكن لا تنسوا أرجلكم ، حركوا أرجلكم أيضاً ، أيها الراقصون المبدعون ، والأفضل أيضاً : أن تقفوا على رؤوسكم ! .


في السعادة يوجد حتى الأجلاف والثقلاء بالفطرة . إنهم ينهكون ذواتهم في جهود عجيبة هؤلاء السعداء ، كمثل فيل يحاول الوقوف على رأسه . لكنه من الأفضل للمرء دوماً أن يجن من السعادة ، على أن يجن من الشقاء ، أن نرقص بإرتباك أفضل من أن نعرج . هيا إذن لتعلم حكمتي : كل شئ سئ له جانبان إيجابيان .


انسوا إذن قرب البؤس هذه ، وكل حزن الحارس الليلي هذا ، كم يبدون لي اليوم حزانى هؤلاء المهرجون أنفسهم ! هذا اليوم هو يوم الرعاع : انسوا إذن هذا - اليوم .



اقتدوا إذن بالريح التي تنطلق هنا من كهوفها الجبلية . إنها ترغب في الرقص على أنغام نايها الخاص ، إن البحار ترتعش وتثب على وقع أقدامها . هي التي تهب الحمير أجنحة وتحلب اللبوات : فلتكرموا إذن هذه الريح الجامحة التي تقبل زوبعة تزعزع كل حاضر وكل رعاع - عدوة - هي الرؤوس الشوكية والمغالية في الدقة ، عدوة كل تلك البذور السيئة والمتذمرة والحقيرة أيضاً ، هذه الريح الطيبة الحرة والمتوحشة ، التي تنفث عاصفة غبارها في أعين كل المتشائمين وكل عشاق الدمامل :


إنها التي تمقت الكلاب الميتة للرعاع وكل سلالة الشؤم غير المتأصلة : فلتكرموا إذن هذه الروح للعقول الحرة ، هذا الإعصار الضاحك ، الراقص فوق المستنقعات وفوق الأحزان كما يرقص فوق المروج .
بعيداً ، بعيداً أيها الإعصار الجامح ! عمن تواصل الحديث ؟ بعيداً فلتحلقي أيتها الريح المندفعة ، كصيحة ، كفرحة ، فوق البحار حلقي ، بعيداً إلى أن تجدي جزيرة السعداء . قبلي أطفالي في جزائرهم ، وبلغيهم تحية جار للشمس ، جار للثلج ، جار للنسر ، هبيهم محبة أبيهم كتحية .
يا أطفالي ، يا سلالتي الأصيلة ، يا نوعي الجديد والجميل : ما الذي يشد أطفالي إلى جزائرهم ؟ .



أما حان الأوان ، أما حان بالفعل الأوان - هذا ما يجب أن تهمسي به في آذانهم ، يا روح العاصفة الطيبة - أن يعودوا أخيراً إلى أبيهم ؟ ألست أنتظر أطفالي كمن شاب شعره ثم ابيض تماماً ؟ .
بعيداً ، بعيداً ، يا روح الزوبعة الجامحة .
اخرجي من كهوفك الجبلية وذوبي في البحار ، ولتسرعي قبل أن يحل المساء ، ولتباركي أطفالي - هبيهم بركة سعادتي ، بركة هذا التاج من الورود الذي يعني الفرح .


القي بهذه الورود على جزائرهم ، كإشارة استفهام تسأل : من أين جاء مثل هذا الفرح ؟ - حتى يتعلموا إلقاء هذا السؤال : أمازال والدنا حياً ؟ ماذا ، والدنا زرادشت مازال حياً ؟ أمازال والدنا زرادشت يحب أطفاله ؟ .
احملي إلي أطفالي بعون فرحي الأعمق ، أغريهم حتى تأخذ منهم رغبتي الأبوية ، الوفية والذهبية ، واسكبي على قلوبهم عسل حب أبوي عميق ، عميق ! .



الريح تعصف ، الريح تعصف ، يطلع القمر - آه ، أيها البعيدون عني ، يا أطفالي ، ليتكم الآن إلى جانب والدكم ؟ الريح تعصف ، السماء خالية من السحب ، العالم يرتاح - آه يا للفرح .. آه يا للسعادة .


ولكن ما إن نطق زرادشت ببعض الكلمات حتى ارتعش من أعماق روحه : فقد لاحظ ،وهو ينظر إلى رجليه ، إنه كان تماماً وحيداً . كان قد نسى ضيوفه - فهل نسيه ضيوفه أيضاً ؟ أين أنتم ؟ أين أنتم ؟ صاح في الليل زرادشت : لكن الليل كان قد صمت . أين أنت ؟ أين أنت يا حيواناتي ؟ صاح زرادشت في الليل من جديد . لكن حيواناته أيضاً ظلت صامتة .


- ديوان نيتشة / أناشيده - أناشيد أصحاب العقول الحرة .



#مروة_التجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنسان - الجمهور
- إلى السجن مرة أخرى
- القراءة والكتابة
- في الواحدة صباحاً
- لتعد إلى الحياة يا باستر كيتون
- قبر
- الخروج من السجن
- الميت المبتهج
- كفاح المثلية الجنسية. شكراً .. الآن تورنغ
- تأويل النكتة
- هذا السجان سيقتلني
- سؤال الزواج .. والحب
- آخر يوم في السجن
- تلاعب الإعلام
- السجن .. الاختبار العظيم
- ما بعد موت الإله


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروة التجاني - خطاب الورود