أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مروة التجاني - آخر يوم في السجن














المزيد.....

آخر يوم في السجن


مروة التجاني

الحوار المتمدن-العدد: 5491 - 2017 / 4 / 14 - 00:24
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


أمرت إدارة السجن بنقل السجين (سعد) إلى زانزانة برفقة مجرم آخر لقضاء يومهم الأخير معاً تمهيداً لخروجهم غداً إلى فضاء الحرية.

دخل (سعد) إلى الحجرة الصغيرة ووجد رجلاً متوسط الحجم في العقد الثالث من العمر كانت يده اليمنى ترتعش بشكل واضح. بعد أن تعرف على إسمه (ماجد) باغته بالسؤال : ماهي تهمتك وكيف انتهى بك الحال هنا؟

ماجد: سرقت. نعم أنا سارق. جربت في حياتي مهن كثيرة لكن المستوى المادي لم يكن يتسحن أبداً. أنا رجل متطلع لدي طموح كبير أن اصبح يوماً ما غنياً. ولدي أحلام صغيرة، أحلم بمنزل وزوجة جميلة تعد لى الإفطار كل يوم بإبتسامة، تفخر بي، أحلم بأبناء اذكياء . مضى من العمر الكثير وكل ما كنت اجنيه في نهاية اليوم روائح عرق وتراب وبعضاً من المال. اردت تسلق السلم نحو أحلامي بسرعة فكان أن حكم علىّ بالسجن لمدة عامان. وانت ماذا سرقت؟

سعد: يا رجل انا لست بسارق، الا ترى هذه النظارات وهذا المظهر البهي. السجن كان أحد احلامي الكبيرة لأنه تأكيد لي بأني سائر في طريق صحيح. ناضلت كثيراً وتقدمت المسيرات والإحتجاجات ضد الحكومة، وها انا اتوج مسيرتي بالسجن. سأخرج غداً بطلاً تحكي عن بطولاتي الصحف ويتناول الناس سيرتي بشرف وغالباً سأخلد في ذاكرتهم كنموذج سيسعي الكثيرين للإقتداء بي، من يدري ربما سأحكم البلاد يوماً وحينها سأحكم على أي سارق بـ5 سنوات بدلاً من عامان . سأفرض الأمن وسأحكي طويلاً عن تجربتي هنا .

ماجد : لابد ان تكون سرقت شيئاً، كلنا نسرق بشكل أو بآخر، حسناً ألم تتعرض للسرقة على الأقل؟

سعد: يا رفيق اليوم الأخير سأحدثك عن أشياء أنوي سرقتها، اريد سرقة حبيبة من منزلها، حبيبة مثقفة تلون الليالي بلون أحمر داكن، تيقظني وهي تقول استيقظ يا بطلي، نقراء الشعر معاً في الطرقات ونحن نأكل الخبز. اريد أن اسرق قصة حب عنيفة لا تنتهي واعيشها بكل تفاصيلها مثل سارتر وسيمون دى بوفوار، سنكتب ونناضل معاً، سنحرق الشوارع بدمائنا ونلهب العقول باللغة.سرق السجن مني 6 أشهر سأعوضها غداً عندما اسير كبطل متباهياً مثل النسيم بخفة وثقل يقشعر له الجلد.

ماجد: لابد أن امثالك يعرفون كيف يحققون امانيهم. عندما تفعل، هل يمكن أن تشتري هذا السجن.

سعد : في هذه البلاد مادمت تمتلك المال يمكنك أن تشتري كل شئ، مدرسة، مستشفى، مصنع، شركة اتصالات، طائرات، الأنسان في وقت سابق من التاريخ، ما عدا السجن، في جميع دول العالم هي المؤسسة الوحيدة التي تملكها الدولة ولا يمكن تخصيصها، لأن السجن رمز لبقاء الدولة، ألم ترى كيف أن الثوار أبان الثورة الفرنسية حطموا سجن الباستيل قبل قتلهم للملك والملكة وهم بذلك إنما حطموا نموذج دولة قائم واقاموا آخر. لن أعدك. لا استطيع شراء سجن لأن السجون هي الدول، السلطة، رموز لا نستطيع وضع أيدينا عليها.

ماجد: عندما أخرج غداً اعرف أن شيئاً تغير، كيف سأواجه المجتمع وانا سارق ومسجون سابق، غالباً لن أجد وظيفة سيخاف مني الجميع، لن اخبرهم. لكن للسجن هاجس وصدى يدوي في اذنك ويكسر عينك كلما واجهت أحداً، بعد مضي عدة سنوات سينسى الجيران والأصدقاء قصتي سأتحول لرقم يسير بين الجموع كما كنت هنا، هكذا يلغي السجن ذاتك ويحولك لرقم، ينسى السجن التهمة (السرقة) ويعاملك كعنصر بلا اسم أو هوية. سأتزوج من سيدة تغسل هذا الماضي وتذكرني به كلما غضبت. سأنجب أبناء يعرفون صورة الأب من الكتاب المدرسي وربما سيدخلون هم أيضاً إلى السجن يوماً ما. سأناضل مثلك واعمل بجهد واكسب الكثير من المال.

بعد مرور عدة أعوام. التقى الصديقان، كان (ماجد) يجلس في كرسي صغير في الشارع وأكوام من الموز منثورة امامه، بعد السلام، سأله سعد: كيف تستحمل حرارة الشمس مع كل هذا اللون الأصفر؟.

ماجد: تحولت حياتي لأصفر. قابلت عدداً من السجانين، يمرون في بعض الأحيان لشراء الموز، يضحكون معي، نتبادل الحديث العابر، لكن لا أحد يسألني عن حياتي بعد السجن كيف اصبحت. الحقيقة أنها خاوية إلا من اللون الأصفر. لم اعد احلم. وانت يا صديقي، تبدو متعباً، هل غدوت قائداً سياسياً عظيماً كما هو مقدر لك؟.

سعد: لا . ابيع الكتب في الجانب الآخر من الشارع.



#مروة_التجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلاعب الإعلام
- السجن .. الاختبار العظيم
- ما بعد موت الإله


المزيد.....




- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...
- مسؤول أممي لبي بي سي: -المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب- ...
- الأونروا تدعو لرفع القيود عن وصول المساعدات إلى شمال غزة
- الأمم المتحدة: هناك مؤشرات وأدلة واضحة تثبت استخدام إسرائيل ...
- نادي الأسير: الاحتلال يستخدم أدوات تنكيلية بحق المعتقلين
- رفح.. RT ترصد أوضاع النازحين عقب الغارات
- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...
- بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مروة التجاني - آخر يوم في السجن