أثرياء في الجحيم ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

الحوار المتمدن-العدد: 5514 - 2017 / 5 / 8 - 21:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أثرياء في الجحيم ..
اغتظتُ جدا، وأنا أُترجمُ من العبرية الى اللغة العربية ، مقاطع من يوميات لبعض الأشخاص اليهود عن معايشاتهم والتجارب التي مرّوا بها أثناء مكوثهم في غيتو وارسو، الذي أنشأه النازيون لليهود هناك ، والبالغ عددهم ما يُقارب النصف مليون إنسان .
ومن ضمن المزايا التي يحظى بها المُترجم أثناء عمله، هي الإطلّاع على مواضيع جديدة ، لم يكن ليقرأها لولا العمل في الترجمة.
وهأنذا، قرأتُ ما لم أكُن اتوقعه... رغم قراءاتي الكثيرة عن مراكز الإعتقال والإبادة النازية وعن التعذيب الذي تعرض له المُعتقلون بأيدي جلاوزة وقتلة ، لا تربطهم بالإنسانية أية روابط . وكنتُ قد ذكرتُ سابقاً، بأنني أعتبر الطبيب النفسي الشهير ، الذي "دشّن" مدرسة في العلاج النفسي ، الناجي من معتقلات الموت النازية ، فكتور فرنكل ، استاذي الروحي ، وكتابه الصغير جدا الموسوم أو المُعنون ب" الإنسان يبحث عن معنى" ،دليلي العملي .
وإليكم قطعة من بين قطع كثيرة ترجمتها من العبرية للعربية ، لصالح معهد أكاديمي ، ينوي تدريسها في دروس التاريخ عن الكارثة اليهودية . وكاتب القطعة هو ، عمنوئيل رينغلبلوم كان مؤرخا وأنشأ أرشيفا للثوار في غيتو وارسو. وبفضل الأجزاء من هذا الأرشيف والتي وُجدت بعد الحرب ، وصلت لأيدينا معلومات عن مجريات الأحداث في الغيتو. رينغلبلوم كان كاتبا ايضا ، وبعض من كتاباته ويومياته تم ايجادها بين المواد الأرشيفية . لم يتمكن من النجاة اثناء الحرب .
تاريخ كتابة القطعة : كانون ثاني 1942
" كل افعال الجالية ( اليودنراط) هي ظلم كبير بحق المعدمين ، الذين يستنجدون بالسماء (....) كل سياستها المالية هي فضيحة كبيرة جدا: " الكل متساوون" ، هذا هو الشعار البائس لوزير المالية ( صاحب منصب في اليودنراط) . يجبون الضرائب والتي تُثقل كاهل الفقير . وعندما قامت مجموعة من الناس وطالبت الأغنياء بدفع الأموال، واتخذت الإجراءات ضد الذين رفضوا الدفع، قامت القيامة لكي يتم الغاء وابطال هذه الخطوة . حتى المساعدات التي يتم تقديمها للمعدمين تُجبى من الفقراء (....) يدفع الأغنياء القروش المعدودة فقط ، بينما ابناء الطبقة الوسطى التي افلست وفقراء الشعب ، يُجبرون على دفع مبالغ كبيرة نسبيا. هناك ضريبة مفروضة على الأدوية بقيمة 40% لصالح الجالية . والامر يُلحق الضرر ويُعاني منه الفقراء في الأساس والذين يعانون من الأمراض ويضطرون لبيع كل ما يملكون من أجل شراء العلاج (....) والأمثلة على ذلك كثيرة ويُمكنني ايراد عشرات الامثلة . إن الذي يُمول ميزانية الجالية هم الفقراء اليهود . في حين يعقدُ الأغنياء الصفقات الضخمة ويتم إعفاؤهم من الضرائب بشكل كامل. هذه هي الجالية الوحيدة التي تُدير سياسة مُجرمة كهذه ."
طبعاً القطعة التي وصلتني ليست تامة ولا كاملة وإنما تم اختيار بعض الجُمل من كتابات المؤرخ ، لتُعطي صورة عن الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء في غيتو وارسو. والثراء في سياق الغيتو هو ثراء نسبي، وليس تعبيرا مطلقا . فأثرياء اليهود في الغيتو ، ربما عادَلَ ثراؤهم ثراء ابناء الطبقة الوسطى في المجتمع البولندي ... لكن الحديث يدور عن الغيتو ، وليس عن المجتمع البولندي بشكل عام .
غضبتُ كثيرا على هؤلاء الأثرياء الذين لا يعنيهم سوى ثرائهم ولو كانوا في الجحيم ، وتعاطفتُ مع الفقراء الذين تسولوا لقيمات في ارجاء الغيتو ..
لكن ، خطر ببالي سؤال ، وخاطبتُ نفسي مؤنبا وموبخا، ألا يتعامل أثرياء العرب بهذا الأسلوب ، حتى لو كانوا في الجحيم ؟ هل يختلف أثرياء سوريا وحكوماتها ، اثرياء اليمن وحكوماتها ، حكومات الصومال، ليبيا، العراق .... عن أثرياء وحكومة الغيتو (اليودنراط)؟ ألا تعيش غالبية الشعوب العربية في الجحيم ، جحيم القتل ، الغلاء والتفجيرات ؟!
من الذي يدفع ثمن "الإصلاح الإقتصادي " (ههههه) في مصر ؟ اليسوا هم الفقراء الذين يستنجدون بالسماء من أجل لقيمات ..
لا فرق ، في الجحيم أم في النعيم ، الرابحون أبدا هم الأثرياء والمقربون من السلطة ..!!

#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل