أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - مسمار صدىء في يوم الاستقلال














المزيد.....

مسمار صدىء في يوم الاستقلال


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5509 - 2017 / 5 / 2 - 00:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مسمار صدىء في يوم الاستقلال

" هذا المسمار – الخاطرة – كتبتها منذ سنوات طويلة ، وفجأة خرجت من بين أكوم الورق ، في ذكرى الاستقلال ، في ذكرى النكبة ، لاشي تغير ، فما زال المسمار الصدىء يدق في عظامنا " .
صوت فيروز ما زال يشد الخريف الباهي ، يزحف الى مساماتي منتصراً على حناجر ( الأمراض الغنائية ) التي تشحذ بأظافرها فوق جلد الغناء العربي تاركاً خطوطاً عبثية تثير الذعر في مساحات الفن ، أغنية فيروز تتوهم أن فضاء الغرفة سيبدد الحروف المتفائلة التي تعيد الزمن الى الوراء .
" سنرجع يوماً الى حينا ... ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان ... وتنأى المسافات ما بيننا "
قال لي مشفقاً ، اتركي فيروز لجمعيات دفن الموتى ، ومستشفيات المجانين ، اتركيها لملاجىء الشعارات والمنصات ، ولم يستفزني تصرفه عندما أغلق المسجل .. فجثته التي تتحرك قد مزقت ذاكرة الوهم ومسحت قوافل الانتظار .
حين يتنهد الفجر ، أنظر الى وجهه الشاحب ، إيقاع يومه الجديد يزيد من سنوات عمره .. أشار الى رجله المقطوعة .. استعر الجنون في عينيه ، ورم نبت في بطة رجله اليسرى ، عدة أشهر وهذا الورم يصادق اللحم والعظم حتى تحول الى وجع لم يعد يتحمله ... الطبيب أكد أن هذا الورم خطير ، لكن الخطورة التي لم يتوقعها البتر.
في المستشفى الإنجليزي في مدينة الناصرة كان البتر الذي حوله الى رجل يسعى طوال عمره بقدم واحدة ، وهيهات لقدم واحدة ان تعمل في زمن كان الركض هو الحالة الوحيدة للبقاء حياً .
منذ عمر النكبة وهو يسير على قدم واحدة .. لم يقل لأحد الأرض لم تعد صلبة تحت قدمه .. تهتز .. ترتجف .. لم يقل لأحد أن تركه لقريته أصعب من بتر قدمه ، لم يقل لأحد أنه يكره نظرات الشفقة ، حتى وهو لاجئ في الحارة الشرقية في الناصرة .
كان ينتظر خطابات القادة والزعماء العرب ، الأكاذيب السياسية أسقته السم بلا رحمة ، غرس رمحه الأخير في بطن ثور الاستسلام ، وصرخ بملء الشرايين المتفجرة ، لا أريد العيش .. وكان يتمنى الموت حتى يتخلص من عجزه الذي تحول الى هروب
من زوجته وأولاده ومحيطه الذي كانوا يلقبونه بالأعرج .
قبل نكسة 67 بتروا قدمه الثانية بسبب ورم آخر استوطن بها ، باركه الفتور واخترع قلبه حقولاً من الثلج ، وأقنعته الحياة ان خصوبة الضحك تنقر بيضة العمر حتى تتكسر ويخرج صوص الغربة .. حين يذوق طعم السخرية يردد للشاعر نزار قباني :
ما دخل اليهود من حدودنا
تسربوا كالنمل من عيوبنا
يكره نزار قباني لأنه لف المرأة داخل سيجارته ، وأخذ يدخن تفاصيلها على مهل ، لكن يعترف أن قصائده التي قادته الى الصرخة السياسية استطاعت ان تفش غله .
لوح بقبضته خلال زيارة السادات الى إسرائيل .. لم يصدق الاخبار التي تحدثت عن الزيارة .. ظل بين المصدق وغير المصدق ، بقي مثل شجرة أصابتها صاعقة برق فاشتعلت وبقيت تأكل ذاتها حتى تحولت الى حطب .. وخلال حصار بيروت أصابه مرض " السمكة الضائعة " لم يعرف كيف يفسر الصمت العربي وعاش منزلة بين المنزلتين " الكبرياء والموت " يجلس أمام شاشة التلفزيون يتابع نشرات الأخبار والتحليلات .. يتكىء عمره على زمن الفقد .
سنوات عمره في سباق مراثوني مع الانهيار العربي ، طعم الاندهاش ، كم هو مفجع أن يبلغ الانسان مرحلة يفقد فيها قدرته على تصديق أي شيء .
قامته تتلاشى .. يتنقل بالكرسي المتحرك.. استظل بالهروب وذاكرته التي أصبحت تذوب ويخرج منها رائحة عفن الصور القديمة .
سألني : ليش الأولاد رجعوا مبكرين من المدرسة ؟؟
قلت له بسرعة :
بكرة عيد الاستقلال !!
نظر الى برماد تكوم في عمق فراغ محير .. ابتسم .. تلصص بنظراته نحو المسجل .. قهقهة ساخراً :
شو اسمها هاي المطربة اللي بتغني على البسكليت ومؤخرتها تهتز ..!
ضحكت وقلت له " روبي " .
قال : آه فتشيلي في المحطات بلكي بتطلع وهي تغني .. منظرها يذكرني أن العالم كلو عبارة عن بسكليت والشاطر اللي بقدر يحرك رجليه .. ومؤخرته .
فتشت بين الفضائيات .. لم أجد المطربة روبي ، وجدت وجوهاً وسيقاناً ولحوماً معلقة، أجساداً بيضاء ناصعة في الواجهات تشد الحناجر ، وجوهاً مطبوعة على ورق ملون ، ملقاة في أسواق ممزوجة بوجوه السياسيين ، الذين يطلون بأقنعتهم المملة .
كمسمار صدىء أطرقه كل سنة في عيد الاستقلال ، ومع كل طرقة يزداد اقتراباً من البتر ، أبي الذي ما زال ينتظر عودته الى قريته المجيدل ، ما زال يحلم بالعودة أو يدفن في مقبرتها الى جانب قدمه ، لأن قدمه التي بترت قبل النكبة يُقال قد أخذها جدي من المستشفى الإنجليزي ودفنها في المقبرة ، أما قدمه التي بترت قبل نكسة 67 لا يعرف في أية مزبلة القيت ، أو في أي أرض دفنت .
طلب مني اغلاق المسجل ..حدق بالمجهول .. وقال :
تعرفي صوت فيروز يذكرني أن هناك مسافة طويلة بين الكلمة والفعل ..!!
قال .. سنرجع يوماً ..!! ورأيت دموعاً تسيل من عينيه .



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلفور يغتصب الفتاة اللبنانية
- الحب والمرأة الكاتبة في الزمن اليمني
- الأرض في جيب شلومو
- الفندق المعزول المحاط بالأسوار
- المرأة الفلسطينية لا تعرف الثامن من آذار
- المرأة التي تتكلم بالاشارة والمرأة التي تكتب بحبر بولها
- من مجنون فلسطين الى ترامب اللعين
- الطبخة ما زالت في الدست الاسرائيلي
- القرد في ليبيا وشقيقه هنا .. شكراً لإسرائيل
- ايها الرئيس رأسك تحت رحمتي
- الاقي زيك فين يا علي
- رسائل الحب في زمن الجفاف
- الثقافة لا تعرف ميري ريغيف
- الطفل خالد الشبطي يركب الطائرة مع ليلى خالد
- ما زالت ذاكرتي في حقيبتي
- الفن يزدهر في تربة السياسة
- صورة سيلفي مع ثور وكوز صبر
- نساء -داعش - بين فتنة السلاح والنكاح
- الموت غرقاً ورائحة الخبز أبعدت زكية شموط
- غزة انتصرت لكن ما زال دلو الركام في عملية خنق الرقاب


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - مسمار صدىء في يوم الاستقلال