سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 5415 - 2017 / 1 / 28 - 19:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- لماذا نحن متخلفون (44) .
التخلف ثقافة أى أيدلوجية ومنهج تفكير وسلوك عندما تتواجد فى عقل وعصب وأطراف مجتمع فستنتج بالضرورة حالة تدهور وإنحطاط وإنهيار إنسانى , لذا إذا أراد مجتمع أن يَرتقى فلا يكون سبيله إستعارة تكنولوجيا وتقنية حديثة ولا تلك المحاولات البائسة بإستعارة نظم وأيدلوجية ومناهج حكم حديثة كالديمقراطية مثلا , فكل هذه الأمور لن تُجدى فى ظل ثقافة متخلفة , لذا يكون السبيل والنهج هو تطوير ثقافته أولا وإقصاء كل ما يحط وينال من الإنسان .
- ثقافة العجز والعجرفة والسب .
إستفزنى هذا الخبر من جريدة اليوم السابع المصرية وعنوانه : "إسرائيل تواصل التطاول.. وتؤكد: تعدادنا أقل من شبرا لكن حبانا الله بالعقول" .
نشرت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، صورة تضمنت تصنيفًا للدول الأكثر إبتكاراً فى العالم . وعلقت الصفحة التابعة للخارجية الإسرائيلية باللغة العربية على الصورة : "إسرائيل دولة صغيرة تعدادها أقل من سكان حى شبرا في القاهرة ، لكن حباها الله بالعقول والطموح ". ونشرت الصفحة جدولاً لأكثر دول العالم إبتكاراً فجاءت سويسرا في المركز الأول ، وإسرائيل في المركز الثانى، وفنلندا الثالثة ، والولايات المتحدة فى المركز الرابع ، وألمانيا احتلت الخامس ، بينما استحوذت السويد على السادس ، وهولندا على السابع ، واليابان في المركز الثامن ، وسنغافورة على التاسع والدنمارك احتلت المركز العاشر والأخير في القائمة .
مشهد يصيب المرء بالخجل ويستدعى جلد الذات على ما وصل له حالنا مقارنة بإسرائيل , فلا توجد فى القائمة أى دولة عربية مبتكرة , ومن أين يأتى الإبتكار فى ظل دول تعيش عالة على إنجازات وإبتكارات الآخرين , ولكن ما إستفزنى وتوقفت عنده هى تعليقات القراء على هذا الخبر .
قال أحدهم : لا تنسوا أنكم أحفاد من مسخهم الله تعالي قردة وخنازير .!!
ثم يعلق قارئ آخر : لعنكم الله فى الدنيا والاخرة يابنى صهيون ومأواكم النار خالدين فيها باذن اللة تعالى .
وقارئ ثالث : انتم فعلا مبتكرين لكن في زرع الفتن بين الشعوب وتدبير المكايد وصنع الجرثومات لعنة الله عليكم والناس .
ليخفف وطاة هذه التعليقات الحمقاء مداخلة لمعلق قال فيها : على الرغم من أن كلامهم مؤلم لكنه للأسف صحيح لأن التقدم لا يعتمد على الكم .. إيه الفائدة أن الناس تنجب كثيرا وتجد أبناءهم فالشارع بينما يكفيك ان تنجب فرد أو إثنين لتقوم بتربيتهم ترتبية صحيحة وعلى أسس سليمة .هل سألنا نفسنا لماذا يتحكم 6 مليون يهودي في 300 مليون عربي لأنهم هناك اهتموا بتنشئة الفرد بينما نحن أهملناه وقمنا باستغلاله . إنتهى الخبر .
لا تعليق ولكن هكذا ثقافتنا المتعجرفة العرجاء المتخلفة لا تعترف بهوانها لتطلب التقدم وعندما ينتابها الغيرة والغيظ تلجأ لسب وتحقير المتفوقين ولا تعليق .
- التخلف والتبجح .
إستكمالاً للمشهد السابق ومن زاوية أخرى يستحضرنى مشهد لشيخنا الذى يستقيظ من فوق سريره الإيطالى , لينتعل حذاءه المصنوع فى الصين , ثم يلبس ثوبه وشماغه المصنوعان في إنجلترا , ويدلف إلى سيارته الأمريكية , وبخطى ثابته يملأها الخشوع يتحرك فوق سجاد المسجد المصنوع في الهند , وبعد الصلاة يعتلي المنبر ويلتقم ميكروفون مصنوع في اليابان , وبعد الحمد والثناء على الرسول الأمى يستلهم خطبته بدعاء " آللهم دمر النصارى و اليهود و المشركين وأحرقهم وأبدهم ولا تُبقي منهم أحداً .. أنت القادر على ذلك يا عزيز يا جبار " .
ألا ترى هذا المشهد حاضراً دوماً وإن كانت معظم منتجاتنا الآن صينية , ولكن ليسأل المرء ماذا لو إستجاب هذا الإله الإفتراضى لفضيلته ودمر الغرب الكافر والكفار والمشركين فماذا سيكون حال شيخنا .؟!
- إيش ياخد الريح من البلاط وثقافة المؤامرة والتحفز .
تأمل آخر يأتى فى سياق الخربشة السابقة وهى إننا شعوب تعيش وهم أن الجميع يتآمرون ويتكالبون عليها للنيل من عزتها ومجدها ليقول المرء : أين المجد والعزة وإيش ياخد الريح من البلاط .
فكرة المؤامرة أصيلة ومن لبنات ثقافتنا البائسة بدأت منذ 14 قرن بالقول ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) لتنتهى بالدعاية القائلة المؤامرة الصليبية الصهيونية الماسونية الإلحادية البذنجانية .
هكذا الأيدلوجية والنهج القديم الذى إعتنى بفكرة التحفييز والتجييش بإيهام المريدين بأن ثمة مؤامرة من اليهود والنصارى ليتبعوا ملتهم .. فالمشكلة ليست فى الحدث التاريخى وواقعه وملابساته , ولكن المصيبة أن هذا المشهد تحول لثقافة تتوهم أن هناك عداء دائم بين المسلمين واليهود والنصارى .. لقد أنتج هذا الوهم حالة من التحفز والمواجهة بديلاً عن حالة التعايش السلمى بين البشر , أضف لذلك حالة من النرجسية والغطرسة الفارغة التى تتوهم أنها ذات قيمة لتكون موضع التآمر ولنقول : إيش ياخد الريح من البلاط .
- ثقافة الغش والفساد تسرى فى كل الأوصال .
خبر آخر من جريدة اليوم السابع المصرية جاء نصه :" شهدت مدرسة لطفى السيد الإعدادية بميت الحوفيين ببنها واقعة مؤسفة، عندما حاول أولياء أمور طلاب الإعدادية اقتحام المدرسة مستخدمين أسلحة بيضاء وشوم وكلاب حراسة لإرهاب الملاحظين، وأعضاء لجنة الامتحانات، بهدف تسهيل الغش الجماعى لأبنائهم خلال أداء امتحان مادة الهندسة " .إنتهى .
لم تعد القضية إقتصار الفساد والغش على النخب وأنظمة الحكم بل تسرى فى أوصال المجتمع من القاعدة للقمة , وأتصور منشأها حالة زيف ونفاق تسرى فى العروق , فلا يهم الصدق عندما يصلون ويصومون ويحجون بل إنجاز هذه الطقوس وتحقيق هذه الفرائض ونيل رضا المجتمع وثناءه , ومن هنا لا يَهم تعلم وإجتهاد أبناءنا فى المدارس بل المهم نجاحهم ونيل الشهادات حتى ولو بالغش .
- ثقافة هشة .
هذه الثقافة تنتفض وترتعش أمام أى نقد لها فهى لا تدرك ماذا يعنى النقد والجدل الفكرى لتعتبره تهجم وسب , وأن هناك رغبات للنيل من ثوابتها وإيمانها .. بينما المُفترض أن أى فكرة مطروحة للجدل والنقاش ترغب فى الترويج لها تطرح نفسها للجدل , لتفتح ذراعيها لكل نقد فكرى فلا تقبحه أو تلعنه أو تشوه أهدافه بأن تدعى عليه بأن يحمل فكر تآمرى يريد النيل من الإسلام والمسلمين .. وحتى لو وضعنا هذا الإدعاء موضع الجدية فليكن هناك من يناهض الإسلام كما هناك من يناهض المسيحية واليهودية والإلحاد والماركسية , فرغبته فى المناهضة هو حقه الكامل , ولكن الأفكار القوية يجليها النقاش والنقد وليس الرعب وفوبيا المؤامرة .
حملة مسعورة نالت الزميلة فاطمة ناعوت لمجرد أنها غير مقتنعة بالأضحية , ولتسأل ماذا ينال الدين من أن أحد أتباعه لم يقتنع بجزئية فيه لتجد ذلك السعار لنهشه والنيل منه .. هى ثقافة هشة تخشى خروج أحد من حظيرتها وتقليب ما فى داخل الحظيرة لتعتبره يهز أركانها كحال المرتد .
هى ثقافة هشة منحطة لا تستطيع أن تواجه نفسها فى المرآة ولا تخجل من قبحها وهوانها لتتماهى فى السب والإزدراء لمن يخالفها ويتفوق عليها .. لا أمل فى تطور مجتمعاتنا بدون مواجهة صادقة مع النفس والإنتباه لحالة البؤس والجدب والزيف الذى نتمرغ فيه .
- دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟