أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الحقيقة - تأملات وخواطر إلحادية















المزيد.....


وهم الحقيقة - تأملات وخواطر إلحادية


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5354 - 2016 / 11 / 27 - 14:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (57) .
- تأملات وخواطر إلحادية – جزء سادس عشر .

- ماهى الحقيقة وماهى الأشياء التى توصف وتصنف بأنها حقيقة ؟ هل مانراه من مشاهد حياتية ووجودية يعترى بعضها الحقيقة ؟ هل مانلمسه ونحسه وما نؤمن به هو حقيقة ؟ كيف عرفنا بوجود حقيقة فى عالمنا النسبى ؟ هل كان إدراكنا بالعقل أم بالتسليم الإيمانى أم بهما معاً ؟ هل هناك حقيقة لكي نبحث عنها ؟ هل هناك آلية أو منهج معروف نستطيع من خلاله أن نصل إلى الحقيقة إذا كانت موجودة ؟ كيف نعرف أننا عرفنا أو وصلنا إلى أعتاب حقيقة وليس إلى وهم ؟ بمعنى آخر كيف نُميز الحقيقة عن الوهم ؟ وماهو معنى قولنا إننا نبحث عن الحقيقة ؟.
- لن تجد إجابات على هذه التساؤلات لعدم وجود شئ اسمه حقيقة , فالحقيقة هى تقديراتنا للأمور ورؤية نسبية للأشياء محكومة بالزمن ونوعية وطبيعة وحجم معارفنا وزاوية رؤيتنا الخاصة , بذا فالأمور نسبية تقديرية تغلفها حالة نفسية مزاجية بالرغبة فى تعظيم معرفة ومنظومات سلوكية وسلطوية محددة ليراد لها أن تخترق الزمن وتصير ثوابت بينما الأمور نسبية بشرية غارقة فى تقديراتها وزمانها وظنونها .
- أتصور أن الفكر الإنسانى الذى أنتج مقولة الحقيقة كان محكوماً بجهله فى فهم الطبيعة والحياة والوجود متمثلا فى عدم وعيه بالحركة ليتصور أن الحركة مُستجدة حادثة على المشهد الوجودى بينما الطبيعة والحياة والوجود حركة دائمة فى كينونة المادة ذاتها لا تنفصم عنها , ومن هنا جاءت فكرة الثوابت التى من خلالها يستطيع الإنسان تقييم الحياة أو النظر لها من خارجها لينتج عن هذا ما نسميه حقائق .
- الواقع والمنطق والحياة والعلم ينسف قولنا الدائم بأن الحقيقة ثابتة , فلا ثوابت فى الحياة كونها ديناميكية متطورة وليست ذات صور متطابقة فالماء لا يجرى فى ذات النهر مرتين , لذا الحقيقة نسبية .
- القول بالبحث عن الحقيقة يوحي لنا بأن هناك شئ مختبأ في مكان ما ونحن فى سبيلنا للبحث عنه , فلماذا لا تكون واضحة للعيان ويشاهدها ويتلمسها ويتحقق منها الجميع طالما هى حقيقة ؟! ..إن قولنا العفوى "أننا نبحث عن الحقيقة" يعنى أن الحقيقة ليست ماثلة أو مُعلنة عن نفسها بوضوح , كما أنها ليست شئ مستقل ذو وجود وكينونة تعلن عن نفسها , ليضعنا هذا أمام التعريف الصحيح للحقيقة كتقديرات إنسانية للأشياء والمعارف وفق منظورنا ورؤيتنا بل أهوائنا ليخيم عليها النسبية فى كل مفرداتها ومشاهدها وآفاقها .

* الرؤية البصرية .
- يمكن القول أن الحقيقة تتحقق فى المعرفة المادية للأشياء بواسطة الحواس , ولكن مهلاً فحتى هذا التعريف غير صحيح ولا دقيق , فالمعرفة المادية المحسوسة الملموسة المُعاينة لا تعنى بالضرورة حقيقة الأشياء , فالإنسان القديم مثلا نظر إلى الأرض وتصورها مسطحة .. نظر إلى الأفق ورأى الشمس كقرص تغطس فيه .. نظر إلى السراب وتصوره كبركة ماء وله العذر فى كل تصوراته هذه فنحن نرى الأشياء بحواسنا ولكن لا يعنى هذا أنها حقيقية .
- من هنا هل لى أن اثق فى رؤيتى كوسيلة للوصول لحقيقة الاشياء فعند رؤيتى لنجم يلمع فهذا ليس واقع حال وجوده بل الصورة التى وصلتنى عبر ملايين السنين فهذا لا يمثل حالته الآن .. كذا أرى سراب يوحى لى بوجود بركة ماء .. أرى ملعقة تنكسر فى كوب من الماء , فهل الملعقة منكسرة بالفعل .. أرى خدع لبعض السحرة فهل هى حقيقة بالرغم من الرؤية البصرية .. كل هذا يعنى أن الرؤية ليست ضامنة لإدراك حقيقة الأشياء وطالما هى خادعة فى بعض الأحيان فلا يمكن إعتمادها كوسيلة للتحقق من الأشياء .
- لا يوجد شئ إسمه حقيقة الشئ بذاته بالرغم أنه ماثل أمامنا فما نقوله هو تعريفنا وإنطباعاتنا ورؤيتنا الذاتية بينما الشئ لا يوجد به حقيقة بذاتها , فنحن نضع توصيفات وأسماء للألوان ولكن لا وجود للون الاخضر والأبيض والأسود فى ذاته كلون مثلا .

* هل العقل يدرك حقيقة الأشياء ؟
- العقل هو المنوط الوحيد عند التعاطى مع المشاهد الحياتية ولكنه ليس الأداة المثالية الكاملة فهو يخضع لعوامل كثيرة فى التعاطى مع الصورة مما يفقده حقيقة الأشياء , فكثير من الأمور التى كنا نراها بديهية مثل الارض مسطحة وغيرها هى إستنتاجات خاطئة تخضع لوسيلة وحدود وآفاق المعرفة والتعاطى معها .
- العقل صفحة بيضاء والتجربة هي التي تخط المعارف والأفكار , فالعقل وحده غير قادر على إنتاج المعرفة , فكل ما يحتويه العقل من معارف وأفكار تأتيه من التجربة الخارجية ، وطالما تجارب الناس مختلفة ومشوهة , فإن الحقيقة تبعا لذلك متعددة ومتباينة .
- نحن نكون معارفنا من خلال معطيات تقدمها الحواس الخمس لتدخل فى الدماغ كصور لتتم بعض المعالجات الذهنية التى تسمح بكل آفاق التعامل معها وفق رؤية ومنهج نفعي صارم يتحرك فى دوائر الألم واللذة حصراً لتتحدد إنطباعات وأحاسيس بناء على ما يجلبه المشهد , ومن هنا تتكون رؤيتنا للجمال والحق والخير والشر كرؤى نسبية لذا من العبث القول انها حقيقة ذات استقلالية.
- هناك نوعان من الأفكار والمعرفة ، أفكار بسيطة تنفذ إلى الذهن عبر الحواس كشكل الشيء أو طعمه أو رائحته , وأفكار مركبة يؤلفها العقل إنطلاقا من الأفكار البسيطة , وهكذا فمصدر كل أفكارنا سواء كانت بسيطة أو مركبة هي التجربة أو الخبرة الحسية التي تعتبر المعيار الوحيد لتكوين الأفكار وهى نسبية تقديرية بالطبع لذا لا مجال لصحة الحقيقة .
- العقل لا يدرك حقيقة وماهية الأشياء وذلك لأسباب عديدة أولها أن العقل مجموعة من التفاعلات الكيمائية والكهربية فى الدماغ وكون هذا الأمر نسبى أى هناك من يمتلكون نشاطاً جيداً لهذه التفاعلات وأخرون تقل لديهم هذه الخاصية (درجات الذكاء) وتنعدم عند آخرين (المعتوهين) فهذا يعنى أن العقل ليس فاعل جازم فى إدراك الاشياء .
- العقل يتأثر بعشرات العوامل من الطبيعة لتنتج تفكيره وتصوراته وأقرب مثال هو تعاطى المواد المخدرة والأدوية فهى تخلق حالة فكرية مختلفة عن الحالة الفكرية المعتادة , وإسمحوا لى القول أننى أتصور أن منتجى الخرافة الأوائل إما تحلوا بفكر وتصورات فنان أو كانوا تحت تأثير تعاطى مادة مخدرة كالقنب الهندى مثلا .. خلاصة القول أن العقل لا يستطيع الوصول لحقيقة الأشياء كون الأمور نسبية تتوقف على حالة الدماغ الكيميائية والكهربية .
- الخيالات والأحلام والأوهام منتج عقلى كتصور عروس البحر أو الحصان المجنح أو تصور الطيران فى الهواء كالعصفور ألخ , فهل معنى إنتاج العقل لها أنها تعبر عن حقيقة وجود الأشياء أم هى تركيبات فى الدماغ نتيجة حالة التفاعلات الكيميائية والكهربية دفعتها حالة نفسية مزاجية .
- شاهدت منذ قليل برنامج للرائع دى ام سى وحيله فى ألعاب الورق كلعبة الثلاثة اوراق الشهيرة مثلا , فالعقل يحدد الورقة الخاطئة .. هذا المثال يعنى أن العقل يمكن خداعه سواء بحيل ذهنية أو من الطبيعة .

* الإيحاء .
من هنا نولج لفكرة التأثير والإيحاء الذى يواجه العقل وهذا شائع بل هذا نهج من مناهج فكر العقل ويأتى من تأثير ثقافة وقدوة وكاريزما على العقل ليمكن تفسير التأثير والإيحاء كتفسير مادى عن طريق إرسال وإستقبال موجات مغناطيسية , عالعموم هناك عقل يتأثر بما يستقبله , فهل يصح القول بحقيقة شئ .

* التلقين
إذا كنت أتناول تعاطى العقل والبصر لإدراك الأشياء فأنا أعنى التناول الحر , فمعظم معارفنا وما ندعيه حقيقة جاء من التلقين سواء جاء هذا التلقين بصورة فجة كما فى تعليم الأباء ورجال الدين أو بطريقة ذكية كتأثير وسائل الإعلام , فمن هنا لا يمكن إعتبار التلقين وسيلة لإدراك الحقيقة كونه لم يتم إختباره والتحقق منه .

* هل المنطق والمعرفة يفسر حقيقة الأشياء .
- نحن نخلق الأفكار والمنطق للتعاطى مع الوجود والحياة بغض النظر أن يكون منطقنا صحيحا أو خاطئا فهو ليس منطق الوجود , فالحياة والوجود بلا منطق ولا فكرة ولا غاية ولا معنى , المنطق ليس موجوداً بذاته وليس منفصلاً عنّا ولا متحققاً في الشيء نفسه إنما هو علاقة تصورية فكرية تقوم بين الإنسان وذاته وبينه وبين ظروفه الخارجية لذا من الهراء الإدعاء بوجود حقيقة حتى ولو كانت تعتمد على منطق , فالمنطق هو تعاطينا الذاتى مع الحياة .
- المنطق هو أداءنا العقلى والفكرى للتعاطى مع الأشياء لذا فهو نسبى ومقيد بحجم معارفنا التى هى نسبية أيضا , فكان الإنسان القديم يرى تسطح الأرض ودوران الشمس حول الأرض فكر منطقى بينما تبدل هذا المنطق بعد أن أدركنا أن الأرض كروية تدور حول نفسها وحول الشمس .
- المنطق ترتيبات ذهنية تعتمد على معارفنا وقرائتنا للمشهد الحياتى وتجاربنا الذاتية التى هى مقيدة بحجم معارفنا وزاوية رؤيتنا الذاتية , فالمنطق الذى يعتمد على السببية مثلاً ينهار عند القول بعدم وجود سببية للإله كما فى المنطق الدينى كذا ينهار عند التعاطى مع فيزياء الكم وبذا يصبح المنطق غيرصالح للبحث عن حقيقة الأشياء .

* هل العلم يفسر حقيقة الأشياء
- العلم لا يستطيع إعطائنا إجابة قاطعة حازمة لحقيقة الأشياء كون هناك قضايا وألغاز لم يتطرق لها العلم مازالت فى سراديب الجهل علاوة أن العلم دائم التغيير .
- بالفعل العلم يفسر طبيعة الأشياء ولكن لن يصل لحقيقتها , فمثلا العلم تناول الذرة كنواة وإلكترون فقط وساد هذا المفهوم العلمى ردحاً من الزمن ثم اكتشفنا النيوترونات والبوزيترونات والكواركات , كذلك تصورنا أن التفسير الفيزيائى لنيوتن هو التفسير الشامل للكون والوجود لنجد ان قوانين نيوتن خاصة بالطبيعة الفيزيائية للأجسام بينما هناك فيزياء اخرى "فيزياء الكم" تتعامل مع المستوى الذرى .
- كما أن العلم دائم التغيير بحكم أنه يبنى ذاته على الشك والمراجعة والتجريب وهذا يعنى أن حقيقة الاشياء لا تتم بواسطة العلم بل قل إننا نملك الحقيقة النسبية وفقا لما توفر لنا من ملاحظة ومراقبة للطبيعة فى الزمكان .

* المادة والوعى .
- دوما ألح على تناول قضية المادة والوعى وأيهما أسبق فبحسم أسبقية المادة على الوعى وأن المادة مُشكلة لمحتويات ومفردات وآفاق الوعى فهذا سينسف فكرة الإله وكل الخيالات والأطروحات الميتافزيقية .
- الأفكار المنطقية أو الخيالية على السواء منتجات من تأثير الواقع المادى فلن تجد أى فكرة إلا وتكون مفرداتها وكل محتواها من صور مادية سقطت على الدماغ , فحتى الأفكار الخيالية الفنتازية أو الميتافزيقية ستجد مكوناتها صور مادية تم لصقها بشكل تخيلى , ومن هنا إستطعنا أن نرسم صور وأفكار خيالية مُتوهمة لن تخرج من مكونات مادية موجودة فى الطبيعة حصراً , ولن تجد إستثناء لأى صورة منظمة أو خيالية لا تحتوى مكوناتها على الصور المادية , فهكذا الوجود وهكذا الدماغ صاحب التكوين المادى المتعامل حصراً مع المادة , لذا لا وجود لحقيقة وسط تاثير الواقع المادى على الدماغ فكل المنتجات نتاج فعل تفاعلنا مع الوجود المادى الذى يفرض ويشكل محددات الفكر .
- أسبقية المادة على الوعى تبدد مفهومنا عن الحقيقة , فالمادة موجودة لتسقط على مرآة الوعى لتشكل مفردات وعينا ليقول قائل هذا يعنى أن هناك حقيقة بإعتبار أن المادة ثابتة ولكن هذا خطأ من منظور أن المادة ليست ثابتة فهى دائمة الحركة والتغيير حتى لو لم ندرك حركتها كذلك من الأهمية بمكان تسليط الضوء على جهة الإستقبال وهو الوعى المحكوم بتجاربنا وخبراتنا معارفنا وحالتنا النفسية وكفاءة تفاعلات الكيمياء والكهرباء فى أدمغتنا .

* وعينا وأبعاد المادة .
- نظرية الأوتار الفيزيائية والرياضيات يقولان أن بالوجود المادى إحدى عشر بُعد وفى قول آخر 16 بُعد ولكننا نتعامل مع أربعة أبعاد فقط , أى رؤيتنا لحقيقة المادة ناقص وغير صحيح فمعرفتنا محصورة بالأبعاد الأربعة .!
كمثال لو تصورنا كائن ذو بعدين فقط الطول والعرض كنقطة مثلا ولا يوجد ارتفاع , فعالم هذا الكائن ووعيه من خلال هاذين البعدين فقط كحركة نقطة فى مربع فلا يدرك الإرتفاع كبعد ثالث فلا يعى ولا يتخيل المكعب مثلا , وهذا حالنا فنحن لا ندرك حقيقة الاشياء لعجزنا عن إدراك الأبعاد السبعة الاخرى , أليس كذلك .

* نظرية الفوضى .
- لا يكون طرحى للفوضى والعشوائية فى الحياة والوجود مجرد تأملات ورصد للحالة الوجودية بل صارت نظرية علمية يعتد بها وأشهر أمثلتها نظرية الفراشة التى ترفرف فى الأمازون لتساهم فى إعصار بنيويورك وهذا ما سأعتنى بنظرية الفوضى فى مقال قادم لنقول أن هناك قيم مادية شديدة الصغر لا ندركها ولا نستطيع رصدها تؤثر على الواقع المادى وهذا يعنى أننا لا نسنطيع إدراك حقيقة الأشياء لعدم معرفتنا وقدرتنا على رصد القيم الشديدة الضآلة .

* وهم الحقيقة المطلقة وهراء اليقين .
- نأتى إلى تناول الحقيقة المطلقة ككل الوهم والزيف والإحتيال الفكرى الإنسانى , فإذا كانت الحقيقة النسبية مشكوك فى وجودها فكيف نجرؤ على القول بالحقيقة المطلقة ؟!.. إذا كنا نتعاطى مع وجود مادى ولا ندرك حقيقته , فهل يحق لنا الزعم التعاطى مع وجود غير مادى غير متحقق يستحيل الوصول لأعتابه بحكم عدم وجوده وعدم قدرة الدماغ على التعاطى مع غير المادة فهكذا طبيعة وشفرة العقل لذا ما يقال عنه حقيقة مطلقة هو وهم غير متحقق يستحيل أن يتحقق . ولو إفترضنا جدلاً أن بالإمكان إدراك المطلق فمن الذى يدرك هنا ؟ أليس النسبى المحكوم بزوايا رؤية وتشوهات وأخطاء إستنتاجية ذهنية يصل به الحال إلى فهم خاطئ لما هو موجود ومحسوس .!
- لم ولن تتواجد حقيقة مطلقة فى عالم نسبى متغير .. لن توجد حقيقة مطلقة والنسبى هو من يُبدعها ويُقيمها .. إنه الوهم الإنسانى وغروره و محاولته خلق وجود غامض لتحقيق حالة معتنية فى وجود غير معتنى رغبةً فى أن نكون مركز الوجود وأسياد الحياة .
- إذن ليس هناك مطلق بل كل الأشياء نسبية في الأساس , وحتى لو كان هذا غير صحيحاً فإننا لا يمكننا أثبات عكس ذلك أي وجود المطلق وتعيينه والأصعب الإتفاق عليه فكيف يفسرون الحقيقة المطلقة .. يمكن إثبات أن كل ما نفكر فيه هو نسبي وذلك لأن الإنسان يستعمل عقله في استنتاج صيغ لمعرفة الطبيعة ووسيلته لإدخال المعلومات حواسه الخمس بالإضافة إلى بعض المعالجات الذهنية التي ينتجها العقل عن الطبيعة ليحولها إلى معلومات جديدة بالنسبة له .
- لا يمكن إثبات والتحقق من المعلومات القادمة من الحواس كونها دقيقة وصحيحة فهى تمتزج بزاوية رؤية شخصية وحدود معرفية وتفسيرية بل بحاجات نفسية كما ذكرنا مما ينفى عنها صوابها ودقتها ,فالحقيقة كانت يوماً أن الشمس تدور حول الأرض فى قبة السماء وغيرها من الظواهر التى كنا نراها حقائق , كما أن الألعاب السحرية والخدع البصرية تؤكد أن الحواس يمكن خداعها . ومن هذا المنظور لا يمكن اثبات أن هناك حقيقة مطلقة كون الحقيقة المطلقة تتشكل من حقائق وكما نرى أنها مشكوك فى صحتها .
- حتى تقترب مقولة الحقيقة المطلقة من التحقق يلزم أن نبحث في كل مكان وزمان في الكون وخارج الكون لكي نثبت أن هناك حقيقة مطلقة التى نتبناها وتنطبق على كافة هذه المناطق بدون إستثناء فأنت تتعامل مع مُطلق مُتحقق فى كل الأماكن والأزمنة , فلا يجوز أن يتواجد فى مكان تاركاً مكان آخر , وحين إمتلاك الإنسان المعرفة الكاملة المطلقة التى تتيح الإلمام بكل أماكن وأزمنة الكون وهذا محال , فلا داعى للبحث هنا فقد أصبحنا أصحاب حقائق مطلقة .!
- الذين يرددون وجود حقيقة مطلقة لا يرددونها نتيجة تلمسهم بتحققها فلن يجرؤ أحد الإدعاء بهذا بالرغم أنه يردد مقولة الحقيقة المطلقة أى المتحققة الذاعقة بوجودها ولكن هو يرددها من باب إيجاد معنى وغاية وقيمة للحياة فبدون الحقيقة المطلقة تصير الحياة عدمية لا تطاق بالنسبة لطفولية الفكر البشرى .
- المؤمنون يغفلون أو يتغافلون عند تعاملهم مع فكرة الله أن الدماغ يتعامل مع المادة والوجود المادى حصراً أى يستحيل أن تتكون أفكار خارج سياق الوجود المادى , فشفرة الدماغ يستحيل لها أن تتعاطى مع مفردات ليست مادية ومن هنا تكون فكرة الإله فكرة جاءت من مدلولات مادية لنجد هذا حاضراً فى كل المعتقدات والأساطير فهو يمشى ويتكلم ويغضب ويخطط , لتأتى سفسطة اللاهوتيون ويسقطون علينا كلمات بلا معنى بأن الإله غير مادى . فهكذا هى الفكرة وهكذا بشريتها وهكذا لا تستطيع أن تخرج عن هذا الإطار وإلا قوضت نفسها .
- يكون من العبث والهراء بل من الدجل والزيف الإدعاء باليقين , فاليقين هو التحقق التام من المعرفة بشكل مؤكد يصل للمعاينة والمعايشة فكيف يكون هذا إذا كانت المعرفة المتداولة نسبية وغير مُحققة ولا مؤكدة لتبقى فكرة اليقين فى إطار الغرور والصلف والتعصب الأحمق للأفكار .

* حسنا لماذا نقول ان هناك حقيقة ؟
- نحن كبشر لا نستطيع العيش فى عالم غير ملموس وغير محدد بحكم طبيعتنا ودماغنا الذى يتلمس الأبعاد الاربعة لذا نضع محددات وتوصيفات للأشياء ومنها نضع تعريفات وماهيات لها لنؤطرها بكلمة الحقيقة بينما الأمور نسبية ومحكومة بأشياء نسبية بل قد تكون خاطئة فى تقديراتها مثل الرؤية والعقل والعلم وعليه ما نتصوره حقيقة لا يعبر عن حقيقة الأشياء بل وفق زاوية رؤيتنا وتجاربنا ومعارفنا وتقديراتنا ومنطقنا كنتاج تفاعل الوعى مع الطبيعة .
- فكرة الحقيقة جاءت من الرغبة فى توحيد الفكر الإنسانى ولم تخلو من الغاية والمصلحة ورغبات الاقوياء بغية ترسيخ مفاهيم واحدة تصب فى خدمة النخب , لذا فالحقيقة وهم تم ترويجه وأدلجته لتزداد فجاجة المشهد فى ترويج فكرة الحقيقة المطلقة التى هى بمثابة أدلجة وترويض البشر للإذعان لمؤسسات سلطوية فى الأساس .
- الزعم بالحقيقة لا توجد بمعزل عن السلطة وهذا يعني أن لها طابعاً إجتماعياً , فالهيئات والمؤسسات المجتمعية يوكل إليها مهمة نشر وترسيخ منظومات فكرية محددة ليكون مناهضة تلك المنظومات شئ خاطئ مناهض لمصالحها لتعتبره مخالفاً للحقيقة , أى أن الحقيقة المُفترضة فى هذه الرؤية ترتبط بالمؤسسات والأهداف الإجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع التى تحميه نخبة وطبقة محددة , فهناك ارتباط بين الحقيقة والسلطة التي تتجسد في مختلف أجهزة ومؤسسات المجتمع وهذا يدل على نسبية الحقيقة وإرتباطها بالمنفعة والمصلحة التي ينشدها هذا الطرف أو ذاك , وهذا له دلالته بأن الإنسان لا يبتغي الحقيقة من أجل ذاتها بل يطمح في العواقب الحميدة التي تنتج من ترويجها .
- تكمن قيمة الحقيقة حسب الموقف البرجماتي في كل ما هو نفعي وعملي ومفيد في تغيير الواقع والفكر معا , لذا فالحقيقة ليست غاية معرفية تقييمية في حد ذاتها بل مجرد وسيلة لإشباع حاجات حيوية أخرى , لذا نعتبر الأفكار الصحيحة هي التي نستطيع أن نستعملها والتحقق منها واقعياً بالتزامنا بها , أما الأفكار التي لا نستطيع أن نستعملها والتأكد من صلاحيتها فهي خاطئة. وعموما فالأفكار التى نمنحها صفة الصدق هي التي تزيد من سلطاننا على الأشياء , فنحن نخترع الحقائق لنستفيد من وجودها كما نخترع الأجهزة الصناعية للاستفادة من قوة الطبيعة .
- في الزعم بالحقائق الاجتماعية والتاريخية تزداد الأمور هراء لتغرق فكرة الحقيقة في مستنفع الزيف والخداع فيصير الحكم على الأمور بظاهرها أو قل وفق ترويج البعض لتصورات محددة , كذلك ما يطلق عليه حقائق تاريخية ماهى الا كتابات الأقوياء والمنتصرون والمهيمنون وأصحاب السلطة فى تسطير التاريخ ورسمه وفق إراداتهم ورغباتهم لنتوهم أن هذا التاريخ هو حقيقة .. إن عقولنا وعواطفنا تزيف وتزين لنا المشهد الحياتى لنصيغه وفق أهوائنا ورغباتنا فهل يستطيع أحد أن يقول لقد أدركت الحقيقة .!
- آفة العقل البشرى الذى يعرقل كثيرا من مسيرة تطوره الفكرى هى ظهور فكرة الحقيقة واليقين والتشبث والتعنت مع من يخالفها . فلا يوجد فى عالم نسبى محكوم بالزمكان هراء الحقيقة المطلقة واليقين , الحقيقة هى تقييماتنا وانطباعاتنا على مشاهد وجودية تُرجمت فى أفكار وإستنتاجات وظنون لنصل لحالة من الغرور فنتصور أن زاوية رؤيتنا هى الحقيقة وترتفع أسقف التعنت عندما ننكر على الآخرين زاوية رؤيتهم بالرغم أنها كلها زوايا رأت المشهد من جانب معين وبنت عليها إستنتاجاتها أو قل بالأحرى إنطباعاتها .
- نحن بعيدون كل البعد عن قصة الحقيقة بل يمكن القول أن الحقيقة الوحيدة إذا كان هناك وجود لها إننا نجهل كل الجهل ما يجري تحت أسماعنا و أبصارنا وبرغم عدم إدراكنا يتعصب كل فريق لرأي متصوراً أنه إمتلك الحق والحقيقة , فيُكفر ويَنصب المشانق والمحارق للآخرين فتمهلوا على أنفسكم !.. لو أدركنا جهلنا وإعترفنا به لإنطلقت طاقات الحب والترفق في قلوبنا ولأصبحت الحياة جديرة بأن نحياها عندما نعلم أننا لا نحوز على كل المعرفة والعلم , فلا معنى لهذه الغطرسة بإمتلاك الحقيقة.

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم وتعبيرات خاطئة-تأملات وخواطر إلحادية
- الإسلام الذى لا نعرفه-الأديان بشرية الفكر
- رباعياتى
- مفاهيم خاطئة شائعة-نحو فهم الحياة والإنسان والوجود
- مزاج إله سادى-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- كيف تفسر هذه المشاهد-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- أسئلة مُحيرة-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- حقيقة الأشياء-نحو فهم الحياة والإنسان والوجود
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون-الإنحياز الجمعى
- مائة حجة تُفند وجود إله-من 57إلى 61
- تأملات فى الإيمان والدين والإنسان
- تناقضات قرآنية – جزء ثالث
- تناقضات قرآنية - جزء ثانى
- تناقضات قرآنية بالجملة -جزء أول .
- مائة حجة تُفند وجود إله-حجة ستة وخمسون
- وهم المصمم العاقل..كون بلا عقل
- وهم المصمم العاقل..التصميم فاعل طبيعى
- لغز داعش ؟ ابحث عن المستفيد .
- تأملات شيوعية .
- تحريف القرآن من المنطق ومن شهادة الصحابة


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم الحقيقة - تأملات وخواطر إلحادية