أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم المصمم العاقل..التصميم فاعل طبيعى















المزيد.....


وهم المصمم العاقل..التصميم فاعل طبيعى


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 18:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- التصميم والنظام والعشوائية - جزء أول .
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان (52) .
- تأملات وخواطر إلحادية – جزء حادى عشر .

يعتبر دليل التصميم والنظام من أقوى الأدلة لدي المؤمنين للبرهنة على وجود إله من خلال فهم يرى الكون والحياة تحتاج لمصمم شخصانى قام بتصميمها عن إرادة وغاية , لتقول هذه الرؤية إذا رأيت بيت فهناك من صممه ليبدو هكذا , فهو لم يوجد بدون تصميم وغاية , لذا فالكون المنظم هناك من أوجده ولم يأتي صدفة , لذا سنتناول هذا الموضوع فى عدة أجزاء نبدأ بهذا الجزء الذى يعتنى بتفنيد فكرة المصمم العاقل منطقياً وعقلياً , ثم نتناول ماهية الوجود والنظام والعشوائية , وكيف أن الوجود عشوائى بلا نظام أو تخطيط أو غاية ليأتى من أحشاءه نظام , وللدقة الوجود بلاغائية ليكون النظام والغاية بحث إنسانى لإيجاد توافق مع بعض مشاهد الوجود من خلال صيغ إبتدعها الإنسان من مراقباته ليصيغها فى علاقات سببية , فلا يكون النظام شئ خارج عن الوعى والصياغة الإنسانية , كما أن الطبيعة ذات أداء مادى فى كينونتها لا تحتاج لفاعل خارجى ليعطيها صيغة تصميمية نظامية كالأرض التى تدور حول نفسها فلا يوجد من يدفعها لتلف وتدور .
كما سنعتنى فى النهاية بإيجاد وعى للصور التى نراها منظمة وكيف أنها أداء مادى فى كينونتها لا تحتاج لفاعل خارجى لتعطيها صيغة تصميمية نظامية لنعضد هذا البحث بعدد من المقالات العلمية التى تفسر الحياة والطبيعة لنبدد وهم وجود كيان عاقل يقوم بالتصميم والنظام , فالحقيقة تكمن فى مادية الوجود الذى يُنتج مشاهده بدون إكتراث , أى أن التصميم والمصمم فاعل طبيعى وليس نتاج فاعل عاقل .

* مغالطة لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل .
- الزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب شخصاني لأن بعض النظام قد إحتاج لمثل هذا المُسبب هو زعم فاسد , لأن معاينة مُسببات الكل هنا ممتنعة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ , الغريب أن المؤمنين ينصرفون عن تطبيق هذه المسلمة على الطريقة التى أوجدوا بها الإله الخالق , فهو النظام أو الشىء الوحيد الذى لم يخلقه نظام حيث يصفون الخالق بالأزلية أي إنه لم يكن حادثاً ككل الموجودات الطبيعية , ولم يأتِ من العدم كما أتت المادة كما يؤمنون .. دون أن يوضحوا لنا لماذا , ومن أين أتوا بهذه الفرضية , وما معنى اللابداية التى وجد عليها هذا الخالق التى تعنى أن أفعاله أيضا لا بداية لها .
بالطبع يمكن دائما السؤال ماذا كان قبل هذا الشيء أو ذاك , وهذا الشيء بدوْره ما الشيء الذي كان يسبقه من ظواهر الكون وهكذا .. أما أن نقف عند شيء معين وهو "الخالق" ونقول أنه وحده الذى لم يسبقه شيء , وهو وحده الذى لم يخلقه أحد , فهذا ما يجافى العقل والمنطق الذى جاء ليثبت فكرة وجود إله .!
يمكن القول أن الوجود كله أزلى لأنه لا يمكن أن يوجد من عدم , وهذا الوجود المادى الطبيعى يتجلى فى أشياء وظواهر متتابعة منذ الأزل فى تسلسل لانهائى , فظواهر الطبيعة تعرف التحول من شىء إلى آخر ولا تعرف الثبات والسكون وعدم التغير .

- الزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمسبب شخصاني مغالطة منطقية تأتى إما بتعمد خلط الأوراق أو فى الغالب نتاج غفلة وإسقاط مفاهيم ذاتية تستقى وعيها من الأنا , حيث تقول هذه الحجة بما أن الكائن الشخصاني "الإنسان" يخلق نظاماً متمثلاً فى آلة , بناء , سيارة الخ..فهذا يعنى أن أى نظام كالكون مثلا لابد أن ينتجه كائن شخصاني مُصمم وهو ما يدعى بالإله .
وجه المغالطة في هذا القياس الفاسد أن حكم البعض لا يسري على الكل بالضرورة , فقولك مثلا أن حك عود الثقاب يشعل ناراً لا يعنى ولا يسمح لك بالقول على الإطلاق بأن كل نار قد صدرت من حك عود ثقاب.. كذلك المغالطة المنطقية الشهيرة التى تقول طالما أن أرسطو فيلسوف يونانى إذن فكل الفلاسفة يونانيين .
حك عود الثقاب هو أحد مصادر النار وليس كل مصادر النار فتعميم كل مصادر النار غير جائزة , وكذلك أرسطو فيلسوف يونانى فليس معنى هذا أن كل الفلاسفة يونانيين . لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل إلا إذا درسنا صفات هذا الكل دراسة تجريبية حصرية ينتج عنها ما يفيد بأن كل أجزاء هذا الكل لها نفس الصفات , وعليه فالزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب شخصاني لأن هناك نظام إحتاج لمثل هذا المُسبب هو زعم فاسد لأن معاينة مُسببات الكل هنا ممتنعة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ .

- هناك إشكالية منطقية أخرى فى فكرة المصمم العاقل فهى تنقلنا من شيء واحد لا دليل عليه إلى شيئين لا دليل عليهما , الشيء الاول أن الكون بحاجة الى خالق , فلا دليل على هذا الكلام بل لا يوجد خلق من عدم أصلاً كما يؤكد العلم , كذا فرضية أن الاشياء المعقدة يجب أن يكون لها خالق , لتتولد فرضية ثالثة لا دليل عليها أيضا بأن صانع الكون ليس بحاجة الى خالق , لنجد أنفسنا أمام تناسل الفرضيات بدون أى دليل أو إثبات فلا يوجد أى دليل أن الكون مَصنوع وأن صانعه عاقل ليس مصنوع .

- نقول أن الكون ذو نظام وتصميم ولكن لا يوجد أى شئ فى الوجود يحمل فى ذاته وكينونته جزيئات إسمها نظام وتصميم , لذا نحن أمام تقييم الوعى البشرى للشئ ليسقط عليه صفات ومعانى إنسانية عن التصميم والروعة والنظام والعبث , أى أن تلك التوصيفات للكون والحياة توصيفاتنا وتقييماتنا الخاصة وطالما هى كذلك فهى نسبية تخضع لعوامل وظروف موضوعية شتى , فمثلا ما كان يراه الإنسان القديم رائعاً ومدهشاً نراه عادياً .

- عندما نقول أن الكون مُصمم ومنظم فهو تعبير ينم عن خلل كبير وتعسف فى الحكم لا يوجد ما يُبرره , فالقول بأن الكون منظم ومصمم لا يخرج عن إطار فكر تقييمى نسبى كما ذكرنا , ويفضح هذا التوصيف أننا لم نرى أكوان أخرى حتى نحكم على كوننا بتميز التصميم , فإدراكنا للتوصيف والتقييم لا يأتى إلا بوجود الضد حتى تتولد المقارنه ويتحقق التوصيف , فأنت لا تستطيع أن تقول عن إنسان أنه كريم إلا بوجود إنسان آخر بخيل حتى تتحدد هوية الكرم لذا لا نستطيع أن نقول كون منظم إلا إذا كانت هناك أكوان عشوائية حاضرة .. وحتى لو تواجدت أكوان أخرى عشوائية فيجب أن نقارن كوننا بها لتبيان الفروق فإذا كان الوجود له مُصمم واحد هو الإله كما يدعون , فهنا ستسقط عنه الحكمة ودقة الصنعة فهو صمم كون بنظام والباقى بلا نظام .

- بتعبير آخر عندما نقول أن هناك نظام في العالم فهذا يعني أننا قمنا بتمييز العالم بهذه الصفة عن حالة سابقة له لم يكن فيها منظماً , أو ميزنا عالمنا عن عوالم أخرى لا تتسم بالنظام , أو ميزنا جزء من العالم يتصف بالنظام عن جزء فيه لا يتصف بالنظام .. بمعنى إذا لم يكن اللانظام موجوداً يصبح قولنا عن عالمنا أنه مُنظم غير صحيح ومُتعسف وليس بذات معنى , لأن معنى النظام الذى إخترناه لعالمنا هو تمييز شيء بصفة لا توجد في شيء آخر أى أننا عندما نصف شئ بنظام فلابد أن توجد أشياء تفتقد للنظام حتى يكون توصيفنا وتعريفنا صحيحا , فالصفة لا تتحقق إلا إذا كان نقيضها حاضراً .

- هناك نقطة أخرى جديرة بالإنتباه , فالأشياء لا تُنبأ ولا تبوح بنظام أو فوضى أو تصميم أى أن الأشياء لا تحتوى على جزيئات نظام أو فوضى فى مكوناتها الداخلية ليكون التوصيف هنا هو قراءة وتقدير وتقييم إنسانى يسقطه على الأشياء وينسبه إليها لندخل فى دائرة النسبية .

- ذكاء الإنسان أن يخلق النظرية أى تحويل الواقع إلى صور فكرية , وغباءه عندما يحول النظرية إلى صورة مادية وجودية , فالنظرية هي تحويل الواقع إلى صورة فكرية , لذا فمن الخطأ والسخف تحويل النظرية إلى صورة وجودية .

- يقولون لا يمكن أن يكون الكون بهذا التعقيد بدون عقل مفكر صنعه , وأقول أن هذا العقل المُفكر الجبار الذى صنع الكون لابد أن يكون مُعقد أكثر مما خلقه , فلماذا ننسب للأقل تعقيداً ضرورة وجود مُصمم وصانع ونلغي للأكثر تعقيداً وجود صانع له ؟! . بمعنى أن الإله الأكثر تعقيداً وتركيباً من المخلوفات التى خلقها فليس من المعقول حسب الإيمان والمنطق أن يكون الإله أقل من مخلوقاته , وطالما البسيط يحتاج للمُعقد ليركبه فحرى بنا أن نقول من صَمم ورَكب إلإله , وطالما هذه الحجة تزعجهم بإعتبار أن الإله بلا سبب فعليهم قبول وجود الكون بدون مُصمم وصانع , فالكون أقل تعقيداً , فأنت تسأل مثلا عن سببية الكمبيوتر ولا تسأل عن سببية حجر .

- القول بأن وجود كائنات لها تكوين مُعقد مُنظم يعنى وجود خالق ذكي وإرادة واعية أوجدت هذه الكائنات قول فاسد , لأنه يفسر الوجود بتسلسل من المُعقد بالتكوين إلى الأعلى بالتعقيد , وبهذه الطريقة لن تصل لنهاية , فخالق له خالق له خالق إلى مالا نهاية , بينما التفسير العلمى المنطقى يقول كائنات لها تكوين مُعقد منظم يعنى أنها نشأت من عناصر بدائية غير ذكية غير واعية , وهذا ما نعهده ونعلمه بل لا يوجد مشهد واحد من تريليونات المشاهد الوجودية إلا ويثبت أن المُعقد والمٌركب جاء من البسيط , بينما الفكرة معكوسة فى الفكر الإيمانى لتقلب معادلة الوجود حيث ترى البسيط جاء من المركب المعقد , كما أن هذا يخالف التفسير العلمى الذى يبدأ بالتسلسل من البسيط إلى المعقد , ومن هنا لو نرجع بالتسلسل سنصل لمكونات لن تناقض ذاتها لأنها أساساً بدأت من عناصر بدائية .

- هناك قول شائع لأصحاب المفاهيم الميتافزيقية بأن الكون فى منتهى الروعة والتناسق والنظام , فلنا أن نسأل هؤلاء السادة هل مدوا أياديهم لتحسس هذا الكون الهائل وتجولوا فى أرجاءه ليتلمسوا روعته ونظامه , ثم لنا أن نفضح مقولة الكون الرائع الذى يتغنون بروعته وتناسقه ونظامه بضرورة رؤية ومعاينة أكوان أخرى للمقارنة بين كوننا وتلك الأكوان فكيف نحكم على شئ أنه الأجمل ونحن لم نرى إلا هذا الشئ , ومن هنا نفهم ان مقول النظام والروعة والجمال هى مفاهيم نسبية إنسانية محضة فلا يوجد شئ يعلن عن جماله وروعته ونظامه , فالانسان هو من يمنح الاشياء تلك الصفات , وفى الغالب تكون تقييمات مُتعسفة لأنه يمنح التقدير لشيئ لا يوجد أمامه قرائن مختلفة ليحق لهذا الشئ الإستئثار بهذه الصفة أو تلك .

- إذن جمال وتناسق بعض الأشياء من حولنا لا يعني وجود خالق مُطلق لها, فالجمال والنظام صفات نسبية تختلف من منظور لآخر , كما أن فرضية الخلق المُطلق تعنى مُطلق الجمال والتناسق, لذا أي نسبية فيه معناها فشل المُطلق وبالتالي فشل الخالق.

- من الأهمية بمكان عدم الخلط بين الأسباب والغايات فهناك دوماً أسباب سواء أدركناها أم لم ندركها ، فالحجر يقع من فوق الجبل بسبب الريح ، ولكن هل هناك غاية للريح بإيقاع الحجر!!.. كذلك هناك سبب لإستدارة للصخور والأحجار على الشاطيء نتيجة ضرب الأمواج المستمر لها , ولكن هل غاية الأمواج جعل الأحجار تبدو كروية!! ..من هنا يتضح أن كل مشاهد الوجود تنتج ذاتها بدون غاية بل تحت الظروف المادية العشوائية التى أنتجتها لتبقى الغائية فى الإنسان كعادة ذهنية باحثه عن المعنى والجدوى ليقاوم فى داخله صدمته من وجود مادى لا يقدم معنى ولا غاية .

* فكرة الاله المصمم تناقض فكرة ألوهية الإله .!
- إن مقولة الإله العاقل الذى يُصمم ويُخطط مقولة تنال من ألوهية الإله , فالإله لا يجب أن يكون عاقلاً وهذا ما يفطن له أصحاب اللاهوت وأهل الكلام بينما يستغربه عامة المؤمنين , فالعاقل يعنى الإلتزام بقوانين العقل والمعقول ليتحدد بهما , أى أنه خاضع لمحددات صارمة لا يستطيع الحيد عنها وإلا بدا غير عاقل ليتحدد الإله هكذا وفق قوانين ونظام ومعقولات لا يحيد عنها , بينما يُفترض فى الإله القدرة المطلقة بأن يكون فوق المعقولات والمستحيلات غير خاضع لقوانين وإلتزامات العقل والمعقولية , لذا فالإله العاقل تنفى ألوهيته فهو صار معقولاً كأى شئ معقول , فكونه عاقل يعنى أنه محكوم بما هو معقول لا يحيد عنه ليقع تحت الجبرية خاضعاً للمادة وقوانينها , لذا فالسببية فى الإستدلال لا تعنى أن المُسبب عاقل لتنسف فكرة المُصمم العاقل , فليس بالضرورة أن يكون وراء الشئ سبب عاقل لإنتاجه , فالإله ذاته ليس عاقلاً , كما أن المؤمنين يرونه فوق العقل , وبالتالى فالإله ليس عاقلاً ولا معقولاً وهذا يعنى أنه غير مُصْمم .

- فكرة الإله المُصمم يعنى أن الإله خاضع لقانون المادة فلا يستطيع أن يحيد عنها لأنه ليس عشوائياً فهو ملتزم فرضاً فى كل تصميماته بقوانين المادة أى أن قوانين المادة هى الفاعلة , والنتيجة المترتبة على هذا هى أن الله بوصفه من أرسى القوانين المُسيرة للكون فلا حاجة لأن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة إذ لا معنى لأن يجعل الكون متحركاً وفق هذه القوانين وفي الوقت نفسه يتدخل بنفسه لتسييره , فالقوانين متكفلة بتسييره بدون تدخله , لتكون فرضية الإله هنا فرضية زائدة يمكن الإستغناء عنها وفقاً لنصل أوكام أى ذاك المنطق الذى نعتمده بأن كل فرضية زائدة يمكن إهمالها .
هذا التفسير الذي يعطي الأولوية للقوانين التي تقف خلف الظواهر تضع فكرة القدرة والتدبير الالهي للكون على المحك فهى تعفيه من المسئولية عن الكوارث الطبيعية مثلا , ولكن المؤمنين لن يقبلوا بهذا التفسير لأنه يضع الإله فى دائرة العجز وعدم القدرة والهيمنة فهو خاضع لقوانين المادة مثلهم لذا يفسرون الكوارث الطبيعية بإرادة ومشيئة وإبتلاء الإله .

- نأتى إلى نقطة أخرى تهدم فكرة التصميم من كائن شخصانى من مفردات الإيمان بوجود إله كامل العظمة والدقة فى تصميماته بالضرورة , لنجد هناك خلل كبير فى الكون لا يقترب من أى شئ إسمه تصميم ذو إرادة وغاية وهيمنة , فالعشوائية والفوضى ضاربة فى أطناب الكون لتنهار نجوم وتتصادم مجرات وثقوب سوداء تبتلع فى عشوائية تفرض نفسها على المشهد الوجودى , فنحن نهلل بنظام الحياة على الأرض و ننسى أو نتناسى الفوضى العارمة الموجودة خارج الأرض , فهناك بلايين البلايين من الكواكب و النجوم التي لا سبب لوجودها ولا غاية ولا نظام فهي تولد وتنفجر في عمليات عشوائية صماء كما أن أغلبها لا تصلح للحياة عليها .
مجرد وجود كوكب واحد يصلح عليه الحياة ويعتريه أيضا الكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وبراكين فهذا لا يزيد عن مجرد حتمية رياضية احصائية تؤدي الى وجود جزئيات يبدو عليها النظام في داخل مجموعات عشوائية .

- القول بأن الصنعه تدل على الصانع تبدد فكرة الإله المُصمم , فهناك خلل ومشاكل فى جسد الكائن الحى علاوة على التشوهات الخلقية والإعاقات الجسدية التى تعترى بعض البشر فكيف لمُصمم كامل تعترى منتجاته النقص والخلل .
المرض خلل فى الوظائف العضوية الطبيعية ليقول الملحد أن هذا شئ طبيعى فى وجود طبيعى غير مُصمم ولا مُخطط ولا مُدبر وليس بصاحب غاية , فالأمور تصير فى إتجاه الطبيعة بكل ظروفها , أما المؤمن بإله يجد حرج فى تفسير المرض فهو لن يجرؤ على القول أن الأمور فى يد الطبيعة , كذا يتحرج من القول بأنها خلل فى التصميم الإلهى لتأتى إجابته باهتة متهافتة ترمى للهروب من الحرج بالقول إنها حكمة الإله .

- هناك إشكالية أخرى فى فكرة الإله المصمم , فهم يقولون أن صفات الإله أزلية أبدية ولكن فعل الخلق والتصميم فعل حادث ليس من الأزل وهذا يعنى أن صفة التصميم مُستحدثة وليست أزلية مما يضع فكرة التصميم وصفات الإله على المحك .!

- أرى جوهر الخلاف بين الفكر المادى الجدلى والفكر الميتافزيقى فى تناول قضية التصميم والمصمم تكمن فى الغائية , فالفكر المادى لا يرى غاية وغائية بينما الفكر الميتافزيقى يُعلى من وجود غاية خارجية عن الإنسان تتمثل فى إله , فلا هم أثبتوا وجود إله ليضيفوا له فرضية أن لديه غاية .. سنعتنى بقضية الغائية فى جزء آخر من هذا البحث .

- قضية الغائية والتخطيط المُسبق تَستلزم وجود الفكر المُخطط, فيجب وجود الفكر والتفكير ليتم التخطيط , ووجود الفكر المُخطط يلزم وجود المادة أولا فمنها يأتى التصميم والتخطيط , فيستحيل وجود فكر مُخطط بدون المادة , فالمهندس أو المخترع لا يُصمم ولا يَخترع شيئاً بدون وجود وحدات مادية موجودة ليقوم بتركيبها بطريقة خاصة , وهذا يعنى أننا لو إفترضنا إله فهو لن يكون خالق لتنفى فكرة أنه مُصمم صفة الخلق عنه .!

- لو إفترضنا جدلاً بوجود إله وأنه مُصمم فهذا يعنى أن كل مشاهد الوجود من تصميمه بلا إستثناء لنسأل هنا عن صور من الطبيعة كمنحوتات طبيعية قد تقترب من موجودات كهيئة حيوان فهل الإله هو من نحت الجبل , كذا مشهد فى الغيوم توحى برأس إنسان , ثم لنا أن نسأل عن صور طبيعية عشوائية فوضوية ليست بذات معنى فأليس الإله هو من صممها أيضا .!

- سينفى الفوضي والنظام وجود إله بمعنى أن الفوضي والنظام كلاهما موجودان وهو غير موجود , فالكون به الكثير من المتضادات وطالما الإله المفترض يفعل كل هذه المتضادات , وطالما أن المتضادات ظاهرة ومُدركة والإله المُفترض غير ظاهر ولا مدرك , فلا سبيل عقلي لإثبات وجوده سوي أن يظهر كمتضاداته .

- إذاً فرضية الإله كصانع الفوضى واللامعنى فى الطبيعة تنفى عنه المُصمم , كما أن الإله الصانع يتضمن عجزه عن الظهور والتشيؤ فليس هناك من دليل حسي أو منطقي يمكن به إثبات وجوده إلا إذا غيرنا في صفاته وصار قابلاً للتجزؤ والخضوع للمكان والزمان , لذا فلا طريق عقلي لإثبات وجوده سوي الطرق الحسية والتجريبية لنصطدم بإفلاس فكرة الإله عن تقديم ذلك فهو لا يُستدل على وجوده حسياً بل ظنياً وإستنتاجياً وفق عقلية متخيلة متوهمة .

- يلاحظ شئ يغيب عن أذهان المؤمنين فهم يثبتون وجود الإله بوجود الكون بينما يفترض أن وجود الإله يثبت وجودالكون . فكر فيها .

* الأسباب التى دعت تبنى الإنسان لفكرة الصانع المُصمم .
- الجهل . من الأمور المتوهمة عن الوجود أن ثمة تصميم فيه لذا فهو فى حاجة إلى مُصمم فيستحيل أن يكون هناك نظام رائع ودقيق بلا مُنظم عاقل ومُريد كما يتصورون , ومن هنا تم فتح الباب الملكى للخرافة أن تمر معتمدة على جهل الإنسان الذى يفتح فاه ويعقد حاجبيه من الدهشة , فما هذه الروعة التى تجعل الأرض تدور حول الشمس فى مدارها فلابد من مُصمم ومُنظم لتجد تلك الإجابة السهلة الساذجة القافزة قبولاُ لعقلية تتوسم تبديد الحيرة .

- فكرة الإله المصمم هى مغالطة إسقاط الإنسان لذاته على الأشياء أى أنسنة الأشياء لتخلق فكرة إله شخصاني خارق القوى يُسميه البعض "الله" ,"يهوه", "كرشنا"ألخ . فهكذا حلول سهلة للعقل البشري تمليه العادة بتحقيق التجانس لمُسببات الأشياء المَعلومة والمَجهولة بتصور صور أكثر قبولا للذهن البشري المُفتقد للمعرفة ليرقع هذا الذهن فجوات عجزه التي هي مصدر حيرته حين يستشعرالطبيعة ولا يُدرك البدايات , ليتم الإختزال والترقيع برقع بالية من الأفكار القبلية المجردة .
أنسنة الاشياء تعكس نرجسية هذا الإنسان وإحساسه بالعظمة حيال ذاته فتملي عليه تلك العظمة الذاتية أن يستنسخ ذاته المتضخمة بإسقاطها على الأشياء من حوله ليحصل على عدة صور لها في مرآة الوجود تزيده إحساسه بالزهو والسعادة فيكون كل عظيم ملكاً له , فإن كان الكون عظيما فسبب عظمته هو ذات إنسانية عظيمة خارقة.

- منطق التعميم والإختزال . المؤمن يستخدم منطق التعميم فى كل المسائل المطروحة للسؤال , فبدءاً من تعميم السببية التى تناولناها فى بحث سابق إلى فكرة المُصمم العاقل , فهو يرى أنه طالما الفخار والساعة والكرسى لها صانع عاقل فالكون والطبيعة لها صانع عاقل وهذا الإدعاء لا يرتقى بتهافته وتحايله ومرواغته للمنطق , فكما ذكرنا سابقاً أن ليس مَنشأ كل النيران جاء من عود كبريت , كما أن الزعم أن كل مُنتج فى الكون من صانع عاقل يُلزمك معاينة مُسببات الكل وأنها جاءت من كيان عاقل , فأي محاولة لاثبات صفة للكون ككل بالإعتماد على صفات الكينونات أى الأجزاء به يكون غير صحيح منطقياً فتكون المغالطة هي تعميم الكل على صفات الأجزاء بلا أى دليل .. الحقيقة أننا نجد من المعاينة والفحص والإدراك أن المنتجات الطبيعية جاءت من وجود مادى غير عاقل كالأمطار والزلازل والبراكين ألخ .

- مغالطة من فعل هذا ؟ . هناك مغالطة فكرية شائعة فى إننا نبحث عن الفاعل من البدايات لتكون كل قضيتنا إعطاء إسم لهذا الفاعل وهذا مخالف للعلم والمنطق , فالعلم يفكر بعقلية كيف حدث هذا ؟ ليبدأ رحلة البحث والمعرفة بالتسلسل بتعقب الأسباب , أما المؤمن فيضرب بتعقب الأسباب عرض الحائط ليقفز على المنطق للبحث عن إسم فاعل والمصيبه أنه يدعي بأنه توصل لهذا الإسم بدون أي دليل عقلاني , فهو لم يجد الأسباب والجواب فلابد من القفز بالإستنتاج , لذا نجد أنفسنا أمام إله الثغرات والفراغات المعرفية .
البحث عن إسم الفاعل وإهمال البحث عن كيفية حدوث هذا سيأتى بالضرورة بالخرافات والإجابات الخاطئة , فلنتذكر أن الأغريق عندما كانوا ينظرون للغيوم والعواصف فبدل من أن يبحثوا عن أسباب حدوثها ذهبوا ليسألوا عن من فعلها وتسميته ثم قفزوا بالإستنتاجات لتحديد الفاعل وبدأوا يدعون أن للسحاب فاعل إله وأطلقوا عليه إسم وتعبدوه , وأدعوا للبحر إله فاعل وألفوا له إسم وتعبدوه ألخ .. لذا إن بدأت بالفكر الخرافي مثل الأولين بالبحث عن إسم فاعل غامض فقط لأنك ترى الإنسان يفعل , فهذا هو منبع خرافات الأولين لم تبتعد عنهم قيد أنملة.
عندما ترى الغيوم عليك أن تسأل عن أسباب تكون الغيوم فإن بحثت ووجدت أنها تتكون بسبب تبخر المياه وتكثفه فأنت نجحت بتعقب الأسباب لنشأة الغيوم.. لذا لا داعى على الإطلاق بالتسرع لإعطاء سببية المطر بإسم فاعل , فالبحث العلمى سيعطيك السبب ويمكن من هنا إدراك الفاعل الطبيعى .
بتقدم علم الإنسان وإكتشافاته أدرك أن هناك شيء يتواجد بالغيوم ينتج عنه حدوث عملية البرق والصواعق بعدها وجدوا الإسم لفاعلها المادى المتمثل فى شحنات كهربائية لذا لا يجب التسرع بسؤال من فعل هذا , فالسؤال خاطئ من ناحيتين الأولى أنه لم يبحث فى كيفية حدوث هذا ومن ناحية أخرى وضع السؤال بمن التى تعنى العاقل ليحصر الإجابة التى يريدها بدون أى دليل .

- إن الطبيعة ليس مثل الإنسان تُفكر وتُخطط وتَحتار وتتعامل بالصدّفة وتعتنى بالنظام أو العشوائيّة، فالواقع مجموعة معادلات ماديّة لها محصلة حتمية واحدة دائما , لذلك ما حدث لم يكن من الممكن أن يحدث غيره , وما سيحدث ليس بالإمكان أن يحدث غيره .

- التوازن الموجود بالطبيعة يثبت عدم وجود الإله الوهمي , لأن التوازن هو الأمر الطبيعي الذي سيحصل كنتيجة لمحصلة القوة , فلو رميت حجر سيسقط على الأرض حتماً ..فهذا لن يثبت وجود قوة خفية لأن ما حدث هو مجرد توازن .

- التصميم هو ترتيب وتركيب أشياء موجودة أصلا فيستحيل أن تصمم شئ ولا يوجد مفرداته موجودة أليس كذلك ؟ وهذا يقودنا إلى أزلية المادة التى جاء منها الفكر الواعى المصمم .

- نحن نعيش وجود طبيعى غير عاقل ولا مَعنى ولا مُهتم بتصدير رسالة لنا أو حكمة ما للإقتداء , فنحن من نحاول أن نجمع المشاهد المتواجدة لنلصقها مع بعضها لنكون فكرة هى نتاج ماهو موجود كل محتواها وجذورها من واقع مادى , ثم نتخيل وهما ًبأن هناك رسالة ما ورائها .
لا يعرف العقل الواعى العيش فى الحياة بدون أن يخلق روابط سببية بين الأشياء , فالحياة بالنسبة لنا هى قدرتنا على تجميع الصور فى صورة منطقية أو خيالية لخلق مفهوم نتعاطى به .. ومن هنا نحن خلقنا الإله بلصقنا صور مادية مع بعضها لنسقطها على صورة تشبهنا لنجعله قادر على تشكيل وتكوين الصور وإرسال الرسائل .

دمتم بخير
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغز داعش ؟ ابحث عن المستفيد .
- تأملات شيوعية .
- تحريف القرآن من المنطق ومن شهادة الصحابة
- التحريف فى الكتب المقدسة-تحريف الكتاب المقدس
- آيات ونصوص يجب مصادرتها وحظرها
- قضية للنقاش : هل هو إرهابى أم إستشهادى ؟
- تأملات لادينية فى الإيمان والأديان السبب والأثر
- خربشات ومشاغبات ومشاكسات-الأديان بشرية
- إنهم متبجحون-مائة خرافة مقدسة(من70إل85)
- أقوى تأمل وفكرة راودتنى
- السببية تنفى وجود وفعل الإله !-تأملات إلحادية(9)
- مغالطات بالجملة فى مفهوم السببية-خواطر إلحادية(8)
- تنبيط (4)-سخرية عقل على جدران الخرافة والوهم
- أيهما منطقى - تأملات إلحادية (7)
- منطق إله أم فكر بشرى عدائى إقصائى
- تأملات لادينية-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- إنها فكرة ومنظومة ضارة-تأملات إلحادية
- شيزوفرانيا على زهايمر-تناقضات فى الكتابات المقدسة
- وهم الخلق والخالق (2)- تأملات إلحادية
- وهم الخلق والخالق(1)- تأملات إلحادية


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - وهم المصمم العاقل..التصميم فاعل طبيعى