أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم نصر الرقعي - المايسترو والجني الاخرس!؟















المزيد.....



المايسترو والجني الاخرس!؟


سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)


الحوار المتمدن-العدد: 5393 - 2017 / 1 / 5 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


المايسترو والجني الاخرس!؟
(حكاية صاحبنا المايسترو وفقاعة المخاط الأخضر وعازفة الكمان والجن الأخرس !)
********************************************************
بينما كنت أشاهد أحد البرامج التلفزيونية سمعت بطريق الصدفة اليوم مثلا شعبيا يردده احدهم يبدو انه مثل شعبي متداول في مصر أو الشام ويقول المثل : ( خليك على مجنونك الأول أحسن ، خير ما يجيئك مجنون أجن منه !) فتذكرت لمجرد سماعه قصة غريبة ومؤسفة حدثت في الماضي البعيد وكنت أحد شهودها ، قصة عجيبة ومؤسفة ولا تخطر على البال !!.

فقد كان لي في ذلك الزمان البعيد حينما كنت مقيما في بلادي أحد الاصحاب الطيبين وكان رصينا هادئ الطباع له عقل (يزن بلد) كما يقال، ولا يشكو من شيء يدعو للقلق او الريبة اللهم الا حالة غريبة نادرة لا تخلو من الطرافة اكتشفناها أثناء سفره معنا في عدة رحلات شبابية خارج المدينة، وكانت تلك الحالة تقع ضمن حالات الكلام او المشي أثناء النوم![١]، الا ان حالة صاحبنا ذاك لم تكن تصل الى حد المشي اثناء النوم بل الجلوس فقط اثناء النوم ! ، حيث كان يقوم جالسا من نومه وهو مغمض العينين بشكل مفاجئ ثم يبصق في كفيه ويفرك احدهما بالآخر ثم يبدأ في تحريك كلتا يديه بطريقة حالمة كما لو انه أصبح فجأة قائد فرقة موسيقية (مايسترو) ودون أن ينبس ببنت شفة اللهم الا ابتسامة سعيدة ترتسم على شفتيه لحظة حدوث ذلك كما لو أنه سعيد بما يفعل! ، والمايسترو هو ذلك الفنان الذي يقف امام العازفين و يشير بيديه وبعصا أنيقة وصغيرة في يده على صوت الانغام بحيث يكون هو ضابط سير المعزوفة ، وهكذا كان حال صاحبنا حين تعتريه تلك الحالة اثناء النوم، فهو يقوم من نومه جالسا على فراشه ويأخذ في هز وتحريك يديه بطريقة رومانسية هادئة كما لو ان يديه ترقصان على لحن أنغام موسيقية حالمة يسمعها في عالمه الداخلي البعيد أو كما لو أنه مايسترو يقود فرقة (أوركسترا) مع أن صاحبنا هذا الذي تعتريه ، أحيانا ، هذه الحالة الغريبة والطريفة اثناء نومه لم يكن مهتما كما عرفناه لا بالموسيقى ولا بالغناء بل بدا لي أحيانا أنه لديه عقدة من سماع ورؤية الأغاني حتى حسبت ذات مرة أنه متأثر بأصحاب التوجهات الدينية السلفية التي تعتقد حرمة الغناء والموسيقى! ، وهذه الحالة لم تكن تعتريه دائما بل احيانا وكانت مدعاة للضحك لنا وله حيث نتبادل حولها التعليقات والتحليلات والتركيبات الطريفة لبعض الوقت حتى أننا اطلقنا عليه لقب (المايسترو) وأصبح هذا اللقب ملتصقا به في حديثنا عنه ومعه أكثر من اسمه الحقيقي ! ، وعدا هذه الحالة الغريبة الطريفة لم يكن صاحبنا المذكور يعاني من أية مشكلة اخرى بل كان هادئ الطباع لطيف المعشر! ، ولكن ذات مرة كان برفقتنا في الرحلة أحد الشباب المتدينين السلفيين والذي ما إن عاين معنا هذه الحالة الطريفة ذات ليلة حتى اصفر وجهه وأصر على أن هذه العملية تدل بشكل واضح على أن صاحبنا مسكون بجن عتيد من النوع الخطير !! ، خصوصا وان صاحبنا يعتقد ان الغناء حرام وان المعازف مزامير الشياطين [٢] ، والعياذ بالله ! ، وفيما أخذنا كلامه هذا على مأخذ الهزل والطرافة كان هو قد حمل هذا الأمر على محمل الجدية والخطورة واصبح يدندن حول هذه المسألة و يشنشن في أذن صاحبنا وهو يرمقه بنظرة شك وخوف وارتياب بوجه مصفر متحفز وينصحه كلما التقاه بضرورة المعالجة السريعة عند أحد المعالجين الروحانيين المختصين للتخلص من هذا (الجن الموسيقار الخبيث) الذي يستوطن جسمه ويظهر احيانا اثناء نومه وهو يرقص بيديه !! ، وكنا نحن، بقية الرفاق ، نأخذ هذه النصائح التي ما ينفك يبديها صاحبنا السلفي لصاحبنا المايسترو على سبيل الفكاهة ونظل نضحك ونمزح وننكت على صاحبنا بهذا الخصوص بل وكلما قابلناه سألناه : (أيش اخبار المايسترو اللي عايش معاك !!؟) فيرد ضاحكا : ( قاعد في خيار الخير ، واكل شارب ساكن بالبلاش !) ، وهكذا لم تكن تلك الحالة الغريبة تمثل لنا وله أية أهمية سوى انها موضوع طريف للتندر لا غير ! ، ولكن مع اصرار اخونا السلفي ، سامحه الله ، الذي كان يصر على ضرورة العلاج المبكر قبل استفحال الأمر على حد تعبيره! ، بل كان لا يكف عن النظر لصاحبنا (المايسترو) نظرة شك وارتياب كما لو أنه شيطان رجيم أو شخص مصاب بالطاعون حتى أنه على ما أذكر قد استضافنا ذات مرة في بيته على وليمة عشاء دون ان يدعو رفيقنا طيب الذكر (المايسترو) المسكين إلى تلك الوليمة الفاخرة ولما سألناه في لوم وعتاب عن سبب ذلك اقسم لنا بالله في انفعال شديد بأنه لن يسمح له بالدخول لبيته قط حتى يقوم صاحبنا بالعلاج عند احد الشيوخ المعالجين للمس الشيطاني " للتخلص من هذه (البلوى) التي تعشش في أعماق جسمه والتي عمال يجرجر ويكركر فيها معه في كل مكان وحيث سار ! " على حد تعبيره ! .
ومازال رفيقنا السلفي يدندن في أذن صاحبنا المايسترو ناصحا إياه في اصرار بضرورة المعالجة الروحانية على يد شيخ سني خبير في هكذا أحوال لإخراج هذا الجن الموسيقار الرقاص من جسمه وعقله حتى دبت الشكوك تدريجيا لرأس المايسترو وصار في قلق كبير وركبه بالفعل ستين ألف عفريت من عفاريت الشك والوسواس القهري (!!) وأصبح يشك في قواه العقلية بالفعل ، وفي نهاية المطاف رضخ واقتنع بأنه ممسوس ومسكون بجني موسيقار خبيث وشرير يسكن في احدى دهاليز جسمه أو مخه وقرر بالتالي عرض نفسه على أحد المعالجين الروحانيين ممن يعالجون حالات المس والسحر ، وتكفل اخونا السلفي بأخذ موعد له مع احد الشيوخ المعالجين المعروفين بهذا الخصوص ! ، وذهبنا جميعا لبيت ذلك الشيخ المعالج الذي فتح لنا الباب بنفسه وهو يمسك في احدى يديه بسوط سوداني مصنوع من الجلد العتيق ثم أخذ يحملق في وجوهنا بعينين تنضحان بالشك والريبة واحدا واحدا كما لو أنه كان يبحث عن (الممسوس) فينا ! ، حتى تخيلت أنه ضابط بحث جنائي يلقي نظرة متفحصة على عدد من المشبوهين وهم يقفون أمامه في خوف وارتباك بينما هو يتفرس في وجوههم واحدا واحدا لمعرفة من منهم الجاني المطلوب بحكم ما لديه من خبرة في تمييز الانفعالات اللاإرادية التي تعتري المذنبين والجناة حينما يقعون في قبضة البوليس !! ، كان الشيخ شيخا معمما كحيل العينين ذو لحية طويلة كثة وشعر رأس طويل كثيف يتدلى على ظهره ، وأخذ يتفرس في وجوهنا بعينين محمرتين متحفزتين حتى شعر كل منا بالشك والخوف خصوصا وأنه قد امتشق في يده سوطا يهزه في يده متحديا ومهددا في الوقت الذي ظهرت عليه في تلك اللحظات مظاهر التحفز والتوثب كما لو انه سيدخل الحلبة عما قليل لخوض معركة بالمصارعة او الملاكمة مع خصومه الألداء! ، ولكنها هنا ستكون مصارعة وملاكمة مع كائن غيبي خفي غير مرئي ، ربما يكون جن موسيقي رقاص يعشق الموسيقى الحالمة !!، أو أي جنى آخر قد يكون مختف ومخنس داخل أحدنا هنا أو هناك في هذا أو ذاك من حيث لا نشعر ولا نعلم! ، من يدري!؟، فالجنون فنون ولله في خلقه شؤون !.
وأتذكر أنني ،يومذاك ، مع تفرس الشيخ في وجوهنا واحدا واحدا شعرت بالشك و بالخوف والارتباك لأنني رأيته يطيل النظر الى مباشرة في عيني بعين تشبه عين المحقق المدقق ليتأكد هل أنا هو ذلك (الملموس) ام لا !؟ ، إلا أن اخانا (المايسترو) الذي كان يقف ملاصقا لي تماما فضحت امره معالم اضطرابه العصبي الشديد الممزوج بحمرة الخجل وصفرة الوجل التي كانت قد ظهرت بوضوح على وجهه مع تلبد جبينه بالعرق ، فما إن وقعت نظرة جانبية خاطفة من عين الشيخ المتفحصة على وجه المايسترو وهو بتلك الحالة من الارتباك والاضطراب العصبي وتصارع الاحمرار والاصفرار على لون وجهه حتى نسى الشيخ أمرى فجأة وأعرض عني والتفت بكامل وجهه وجسمه الى صاحبنا المايسترو وابتسم بخبث ولؤم كما لو أنه قد وجد بغيته ومطلبه وقال له بلهجة انتصار تنضح بالسخرية والتحدي وهو يحرك السوط في يده : ( مرحبا ، مرحبا بالغالي ، شرفت المكان !) ثم اعترته حالة من الحماسة والفرح والسرور المفاجئ كالتي تعتري التاجر حينما يدخل الى متجره مجموعة من الزبائن بعد يوم ثقيل من الكساد والركود !، ونظر الينا بفرح وترحاب حتى خلت ساعتها أنه سيأخذنا بالأحضان ثم قال بنبرات تشي بالفرح والسرور والحماسة وهو يخاطبنا جميعا : ( تفضلوا بالدخول ، تفضلوا ! ، الدار داركم ! ) فدخلنا لغرفة الضيافة والتي كانت جدرانها المطلية باللون الأصفر تتناغم مع ذلك الخوف من المجهول ومن الكائنات الغيبية والخفية الذي كان يعترينا والذي تدعمه كل قصص وحكايات العفاريت والساحرات والجن والغيلان والاشباح والارواح والبيوت المسكونة التي امتلأت بها رؤوسنا أيام طفولتنا ، وما كدنا نجلس على مقاعد وفرش عربية أرضية في غرفة الشيخ حتى صاح هذا الأخير بصوت مفاجئ مرتفع ومجلجل انخلعت له قلوبنا وهوت في بطوننا وهو يقول : ( الشاي الأخضر يا ولد !!) حتى خلنا أنه بهذا النداء إنما يخاطب اعوانه من الجن كي يساعدوه في معركته القادمة مع الجني الموسيقار الذي يسكن صاحبنا المايسترو !! ، وخيل لي شخصيا، للحظات ، أن عبارة (الشاي الأخضر يا ولد !!) تلك ما هي الا (كود) او كلمة السر أو اشارة مقصودة من الشيخ لإعلان اقتراب ساعة الصفر وبدء المعركة!! ، ولكن كل هذه الظنون تبددت سريعا مع دخول ولد جدع رث الثياب يبدو من معالم شكل وجهه أنه ولد للشيخ وهو يحمل سفرة عليها أكواب الشاي الاخضر بالفعل حيث أخذ يناولنا إياها واحدا واحدا !! ، ثم ما إن فرغنا من تناول الشاي حتى أخذ الشيخ المعالج مكانه بجوار أخينا (المايسترو) ووضع يده اليمنى على رأسه وأخذ يقرأ الرقى ، رقية تلو رقية ، تارة جهرا وتارة سرا ، والمايسترو ينظر الينا في رعب وارتباك وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة صفراء كما لو أنه خروف يساق الى ساحة الذبح ! ، وطال الوقت والشيخ يقرأ الرقى ويعيدها ويكررها مرارا وتكرارا لأكثر من ساعتين حتى أصابنا الملل وكدنا نيئس/نيأس من الموضوع برمته ولكن ، وفي الاثناء ، فجأة رأينا صاحبنا المايسترو وقد بدأ يتثاءب بصورة متكررة ثم ما لبث أن ذهب في نوم عميق وظل الشيخ يواصل عملية تلاوة الرقى لقرابة ساعة أخرى واذا بصاحبنا (المايسترو) يقوم من نومه مغمض العينين ويبصق في احدى يديه ويفركها بالأخرى ثم ينطلق في عملية (المسترة) فيهز يديه ذات اليمين وذات اليسار وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة رضى وسعادة كما لو أنه يستمع لسيمفونية من سيمفونيات بيتهوفن الاسطورية الخالدة بينما كان الشيخ ينظر اليه بتحفز وكأنه يستعد الى الانقضاض عليه خنقا وضربا ! ، وعندئذ وحيال هذا المشهد الغريب، لم أتمالك نفسي عن الضحك فقهقهت بصوت مسموع فنظر إلي الشيخ نظرة عدائية، شذرا مذرا ، محذرا إياي فتوقفت عن الضحك فورا ! ، ثم وضع الشيخ يده على عنق المايسترو الذي كان يواصل هز يديه بشكل رومانسي راقص وأخذ الشيخ يضغط بأصبعه على احد عروق الرقبة وصاح بأعلى صوته : (بسم الله ! ، انطق ! ، انطق ! ، من معي !؟ عرف عن نفسك ! ) ، وهنا حملق الجميع في خوف شديد في انتظار ان ينطق الجن العتيد ويعرف عن نفسه ومن يكون كما جرت العادة في مثل هذه الحالات التي يتحدث عنها الناس منذ القدم في حكايات كل الشعوب ، تلك الحكايات الشعبية المتعلقة باستحواذ الارواح والشياطين على أجسام بعض الناس والتحدث من خلالهم ! ، وانتظرنا ، في حين اخذ الشيخ يردد بصوت عال : ( انطق ! ، عرف عن نفسك ! ، اسمك !؟) ولكن مضى الوقت والجهد هدرا ولم يحدث شيء على الاطلاق ولم يتلق الشيخ أي جواب من عالم الجن في حين استمر المايسترو في ترقيص يديه وهو مغمض العينين مبتسم الشفتين بلا انقطاع ، وللمرة الثانية لم اتمالك نفسي عن الضحك!، حيث بدا الامر لي غريبا يصدح بمفارقات عجيبة ، فضحكت مقهقها مرة اخرى بصوت مسموع ، فتوقف الشيخ عن محاولة اجبار الجني المختبئ في جسم المايسترو على الكلام ونتزاع اعترافات منه والتفت نحوي في غضب وانزعاج وقد اصفر وجهه و احمرت عيناه وقال لي مزمجرا وزاجرا ومهددا : ( ضحكة اخرى وتطلع بره !!) ، فاعتذرت منه وحاولت ضبط تصرفاتي حتى لا تضيع مني هذه الفرصة التاريخية في مشاهدة هذا العرض النادر !!.. فقد كنت طوال الأيام الفائتة احضر نفسي نفسيا لمشاهدة حضور الجني وحديثه على لسان الانسان لأول مرة في حياتي !.
ولكن للأسف الشديد لم يحدث اي شيء غريب خارق للعادة كما كان متوقعا ولا ظهر الجن ولا نطق ولا تحدث ولا هم يحزنون! ، وطال الوقت وطال انتظارنا دون جدوى حيث ان صاحبنا المايسترو توقف عن (المسترة) بشكل مفاجئ ثم عاد للنوم وهو يشخر شخيرا عميقا ومخيفا حتى بدا لنا ذلك الشخير في تلك الاجواء الاستثنائية المترقبة كما لو انه حشرجة الأموات أو زمجرة الشياطين ! ، ثم ما لبث ان استيقظ وهو ينظر الينا في خوف وخجل محاولا رسم ابتسامة على شفتيه بدت لنا شاحبة ومفتعلة وسألنا بارتباك : ( هاه !؟ ، سبع أم ضبع !؟ ، طلع الموسيقار أم ليس بعد !!؟؟) ولم اتمالك حيال هذه العبارة الطريفة لا انا ولا بقية الرفاق أنفسنا، فانفلقنا ضاحكين بشكل جماعي وقال أحدنا مجيبا عن سؤاله في مزاح ساخرا : (لا ليس بعد ، فصاحبك الموسيقار ملعون ورفض الخروج منك الا على ايقاع وضرب الطبل وعزف الموسيقى العسكرية !!) .. فساد جو من الضحك الهستيري كما لو أنه تنفيس عن تلك اللحظات الحرجة السابقة والتي ساد فيها الخوف والترقب والانتظار حيث أننا كنا خلالها نجلس بالفعل على كف عفريت! ، وعندئذ شعر الشيخ بالحرج والارتباك محاولا التظاهر بشكل مفضوح مشاركتنا الضحك بطريقة مصطنعة مفضوحة ، فالحالة بدت له كما لو انها حالة مستعصية غير مفهومة ولكنه حاول التستر عن عجزه حيال حالة المايسترو بأن برر ذلك بالادعاء أن هذا الجني الخبيث الذي يستوطن جسم صاحبنا هو جن اصم واخرس وعاجز عن النطق ! ، فعلق أحد الرفاق على تبرير وتفسير الشيخ ساخرا : ( كيف يكون جن اخرس وهو يقود على ما يبدو فرقة موسيقية !؟؟) ، فعلقت بدوري على كلامه ضاحكا : ( ولماذا لا !؟ ، فبيتهوفن نفسه ألف اعظم موسيقاه بعد اصابته بالصمم التام !) ، وشعر الشيخ بالارتباك والحرج والضيق ثم دعانا للقدوم إليه مرة أخرى بعد مرور أسبوع ثم أعطى صاحبنا المايسترو وعاء (جالون) مملوء بماء الرقية المخصص لمعالجة الممسوسين [٣] كي يدهن به جسمه ويشرب منه بنية الشفاء الى أن يحين موعد الجلسة الثانية! .
***
عاد كل منا لبيته كأن شيئا لم يكن ولكن بعد ثلاثة أيام تفاجأت باتصال أحد الأصدقاء بي هاتفيا في حالة رعب وانزعاج شديد ليخبرني بأن صاحبنا المايسترو قد جن جنونه واعترته حالة جنونية غريبة فهو لم يتمكن النوم منذ ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه للشيخ خوفا من أن ينام فيسيطر عليه الجني اثناء نومه (!!؟؟) لهذا وبسبب الحرمان من النوم لعدة أيام متلاحقة حصل له انهيار عصبي وقام في حالة هيجان تام بتحطيم أثاث المنزل ثم خلع جميع ملابسه وخرج يركض عاريا وسط الشارع وسط النهار! ، فكانت فضيحة محزنة لعائلته أمام الجيران ، وقام اخوته باللحاق به و القبض عليه وادخاله للبيت عنوة وتقييده بحبل ، واتصل أحدهم بالشيخ ففسر له أن ذلك حدث بسبب ان الرقية أصبحتتؤدي مفعولها وبدأت تؤذي وتحاصر الجني داخل جسم صاحبنا من كل الانحاء (!!؟؟) ثم أغلق الشيخ الهاتف وجاء يركض من أقصى المدينة على عجل في فرح شديد وحماسة غريبة كما لو أنه صائد طيور نادرة وقد شعر أن أحد الطيور الثمينة والنادرة قد وقعت في فخ مصيدته ! ، وأخذ يتلو الرقى على المايسترو كما وصف لي أحد الأصدقاء تلك اللحظات التي فاتني حضورها ، ولكنني حينما حضرت ودخلت لبيتهم وللغرفة التي يعالجه فيها الشيخ وجدت صاحبنا (المايسترو) جالسا متربعا مغمض العينين في صمت تام على هيئة أوضاع (اليوجا) ثم ما لبث أن بدأ يهز يديه بشكل موسيقي انسيابي هادئ كالعادة بينما الشيخ يسكب على رأسه ماء الرقية ويضربه بين الفينة والاخرى على راسه ضربات خفيفة طالبا من الجني الخروج مهددا اياه بالويل والثبور وعظائم الأمور ! ، ولكن لم يحدث اي تأثير يذكر للشيخ ورقيته كالمرة السابقة وظل صاحبنا يواصل هز يديه بطريقة المايسترو في انسجام وانتظام تام حتى أكمل وصلته ثم اخلد للنوم ! ، وكأنه يقول لنا : (لا جديد تحت الشمس فاليوم كالأمس!) فاسقط في يد الشيخ وبدت علامة الحرج والامتعاض والشعور بالإحباط والإخفاق على وجهه ولكنه مع ذلك أخذ يطمئن أهل المريض بأن العلاج يحتاج لوقت طويل وصبر جميل مبررا ذلك بأن الجني الذي يسكن ابنهم جن خبيث مراوغ أو أنه جن أخرس أبكم وقد يكون أصم أيضا ! .

وعاشت أسرة المايسترو في رعب تام واعتراهم وسواس غريب او ما يشبه الهستيريا الجماعية حيث بات بعض اخوة المايسترو الصغار يقسمون أنهم يشاهدون اشباحا تتحرك وسط البيت في الليل ، تظهر وسط البيت في صورة ظلال تتحرك ثم تختفي كالبخار ! ، وبعضهم أقسم أنه رآها وهي ترقص في باحة البيت ليلا حاملة في يديها سكاكين !!!.. بينما آخر اقسم لي أنه سمع صوت الشيخ وهو يتلو القرآن ليلا وأن الصوت كان ينبعث ويخرج بشكل تلقائي من فوهة (غالون الماء الخاص بالرقية الشرعية) !!؟؟؟ ، وسألت يومذاك نفسي أو سألني عقلي في حيرة : هل أصبح الجميع فجأة ممسوسين جميعا !؟، هل المس ينتقل بالعدوى !؟، أم أنها حالة من حالات الهستيريا الجماعية !!؟؟؟ .
***
ازدادت حالة صاحبنا المايسترو سوءا على سوء حيث كانت تعتريه حالة من الهيجان العصبي فيقوم بتحطيم الاشياء من حوله وكذلك محاولة خلع ملابسه والركض في الشارع عريانا ! ، الا أن اخوته تعودوا على هذه الحالة وخبروها مع تكرارها فكانوا اذا لاحظوا بروز اماراتها وبوادرها الأولى بادروا على الفور الى تكتيف اخيهم بالحبال وشد وثاقه حتى يعود اليه هدوءه، فيفكوا عنه الوثاق وتعود المياه لمجاريها !، بل والأغرب من هذا كله أن صاحبنا المايسترو المسكين صار هو ذاته يعرف وقت حلول هذه الحالة العاصفة من الهيجان فيبادر هو بنفسه الى دعوة اخوته الى الاسراع في احكام وثاقه قبل حدوث العاصفة بقليل! ، أما جلوسه أثناء النوم والأخذ في لعب دور المايسترو فهي حالة عادية اعتيادية هادئة وسلمية اعتادت عائلته على حدوثها وقد تحدث وهم يغطون في نومهم دون ان يلاحظها أي أحد منهم ومن ثم تنقضي بسلام ! .
ولكن مع استفحال حالة الهيجان وعدم جدوى رقى ومعالجات الشيخ قررت الأسرة عرضه على طبيب نفسي مختص حيث انتهى الامر باستضافته في مستشفى الامراض النفسية والخضوع بالتالي للعلاج بالأدوية المثبطة للإحساس ومضادات الاكتئاب والهيجان مع جلسات الكهرباء كلما اقتضى الحال خصوصا بعد أن شخصه احد الاطباء على انه يعاني الذهان و من انفصام في الشخصية بينما شخصه طبيب آخر في بلد آخر على انه يعاني من حالات الاكتئاب المرضي الشديد! ، وعندما زرناه ذات مرة في المستشفى صدمنا مظهره وأحزننا نحوله وراعنا شحوبه وبالكاد تعرف علينا بل ونمى الى علمنا بأنه حاول الانتحار مرتين داخل المستشفى !!!.
وظل صاحبنا على هذا الحال من الهيجان والاكتئاب والحلول في مستشفى الامراض النفسية حتى اصبح بقايا انسان وهيكل عظمي شارد الذهن في عزلة تامة وشلل تام وانفصال عام عن الواقع، فلا الطب النفسي ولا العقاقير ولا الشيوخ والرقي افادته في شيء البتة بل زادت من الطين بلة ومن العلة علة وساءت حالته بشكل كبير الى أن صار شبحا وبقايا انسان رغم ان تلك الحالة الغريبة الطريفة اختفت ولم تعد تعتريه مرة اخرى!! ، اعني تلك الحالة الطريفة التي كانت تعتريه اثناء النوم وتجعله ينهض جالسا في فراشه ليتحول الى مايسترو حالم يهز يديه، وهو مغمض العينين، لدقائق معدودة قبل ان يعود للنوم في سلام ... ولكن حل محلها ما هو أسوء واشد وهو حالة الاكتئاب الشديد الرهيب والهيجان المفاجئ العاصف ! ، وكنت أقول لبقية الرفاق دائما : (يا ليتنا تركناه على حالته الأولى!) ، أي حالة (الهترسة)[٤] والتي كانت تتمثل في جلوسه اثناء النوم والأخذ في هز اليدين كما لو انه مايسترو حيث ترتسم على شفتيه ابتسامة انسجام كما لو انه يستمع الى نغمات الموسيقى في هيام ! ، يا ليتنا تركناه على تلك الحالة النادرة الظريفة والبسيطة الطريفة غير الضارة كما كان، لعلها كانت ستنتهي تلقائيا وتدريجيا مع مرور الأيام والأعوام دون كل هذه التدخلات المتعسفة التي أفسدت كل شيء وأدت الى تطور تلك الحالة البسيطة الطريفة الى هذه الحالة المعقدة العنيفة المؤسفة ! ، واليوم ، وأنا أشاهد التلفاز ، عندما سمعت هذا المثل الشعبي يردده احد ضيوف هذا البرنامج التلفزيوني ((خليك على مجنونك الأول خير ما يجيك مجنون أجن منه !)) تذكرت على الفور كل تلك القصة القديمة الأليمة وتلك الحالة الكارثية المؤسفة التي حلت بصاحبنا المايسترو ! .
***
ومر عام طويل انشغلت فيه شخصيا بأمور أخرى وغرقت في بحر هموم شخصية أثقلت كاهلي كأنها موج من فوقه موج وانقطعت عني فيها كل الاخبار عن اخينا (المايسترو) ولكن ذات يوم التقيت اخاه الاصغر في السوق وسألته عن أخيه وأحواله فأخبرني أنه يمضي من سيئ الى أسوإ بين المستشفى والبيت وجلسات الشيوخ المعالجين !!، وجلسنا سويا في احدى المقاهي نتبادل اطراف الحديث وإذا به يقول لي في ثقة وحزن : "أنا متأكد ان حالة أخي حالة نفسية بامتياز ! ، لا جن ولا سحر ولا هم يحزنون" ! ، قلت : " صحيح ، وأنا معك في هذا ، ولكن كيف تأكد لك ذلك !؟" ، قال : "تذكرت حكاية كان قد حكاها لي في صغرنا عندما كنا في المرحلة الابتدائية أثرت فيه نفسيا كثيرا ، ولكنني كنت قد نسيت تلك الحكاية ولم أتذكرها الا مؤخرا "! ، فسألته في استغراب وفضول : "هل من الممكن ان تخبرني بها أم هي من الخصوصيات العائلية؟" ، فأجاب : " لا ، ليست من الخصوصيات، واعتقد أنها ربما هي اساس تلك الحالة التي بدأت مع تلك الحالة الطريفة المضحكة التي كانت تعتريه أثناء النوم ليلعب دور المايسترو ! ، فقد كان أخي في المرحلة الابتدائية يتمنى ان يشترك في الفرقة الموسيقية للمدرسة خصوصا وأن فتاة صغيرة تثير اعجابه يومذاك كانت من ضمن أعضاء تلك الفرقة ، وذهب أخي لمعلم الموسيقى ذات يوم في الاستراحة رغم أنه فتى خجول وطلب منه ضمه للفرقة ولكن المعلم رفض بدعوى أنه لا يوجد محل شاغر! ، فالفرقة مكتملة والعدد واف وكاف!، فرجع أخي حزينا ولكن لحسن حظه ان أحد التلاميذ المشتركين في الفرقة ترك المدرسة بعد انتقال أهله لمدينة أخرى فبادر أخي بعرض نفسه على معلم الموسيقى مرة أخرى فقبله على مضض ولكن أخي ذكر بسذاجة طفولية للمعلم بأنه يريد ان يكون قائد الفرقة (المايسترو)، فضحك مدرس الموسيقى ساخرا وهو يخبط كفا بكف وقال له : (المايسترو مرة واحدة !!؟ ، أنت يا حبيبي بس تعلم في الأول تعزف على آلة من آلات الموسيقى وبعد ذلك أنا يا سيدي ، ومن عيني الإثنتين ، سأخليك تكون المايسترو !) ، وهكذا التحق أخي بفرقة المدرسة الموسيقية وأراد العزف على آلة (الكمان) لكن المعلم رفض ذلك وأصر على ان يتعلم على آلة البوق النحاسي (الساكسفون) التي تحتاج الى النفخ بالفم ! ، كان أخي في ذلك الوقت يعاني من مشكلة صحية مزعجة وهي كثرة سيلان المخاط من أنفه ولم يتعرف في ذلك الوقت على اختراع اسمه المنديل !، فكانت كثرة سيلان المخاط تزعجه وتحرجه وتزعج من حوله أيضا ولكن لا حيلة له معها ولا أهتم والدينا يومذاك بهذه المشكلة التي كان يعاني منها اخي ولا عرضوه على طبيب مختص لمعرفة سبب هذه المشكلة وطريقة علاجها ! .. وعموما أخذ مدرس الموسيقى يمرن ويدرب أخي على عزف الساكسفون أمام بقية التلاميذ إلا أن أخي كان يشعر بالحرج والانزعاج بسبب سيلان المخاط من انفه بشكل غزير خصوصا أيام البرد حتى أنه فكر بالانسحاب واخبر المعلم برغبته في ترك الفرقة ولكن المعلم اصر وقال له في غضب وعصبية وهو ينهره بتشنج : "أنت فاكر العملية سايبه على كيفك وهواك يا روح أمك !؟" ثم أخذ يشتد عليه أمام بقية التلاميذ وكان هذا يؤلمه جدا خصوصا في وجود تلك الفتاة الجميلة التي كان يشعر نحوها بانجذاب شديد ويحلم بأن يكون فتى أحلامها !، وفي اليوم التالي وفي فترة التدريب حيث كان أخي واقفا أمام التلاميذ والمعلم يحاول تعليمه التحكم في آلة الساكسفون والنفخ عليها كان أخي مشغولا بارتباك في محاولة منع المخاط عن السيلان من أنفه بكل ذلك التدفق الكثيف والقبيح المزعج بسبب حالة الزكام التي يعاني منها، لهذا أخذ ينشق بأنفه كثيرا ، مرة بعد مرة ، بصوت مسموع و بطريقة مزعجة او قد تكون مقرفة للبعض! ، ثم وأثناء محاولة النفخ في آلة البوق النحاسي تشكلت فقاعة (بالونة) على أنف أخي!! ، بالونة وفقاعة خضراء مصفرة أو صفراء مخضرة مصنوعة من المخاط ، بدأت صغيرة في أول الأمر ثم ولسوء حظه أخذت في الانتفاخ التدريجي واصبحت تكبر وتكبر حتى باتت واضحة للعيان وظاهرة للجميع كحال تلك البالونة التي تصنعها الفتيات من العلكة بطريقة إرادية متعمدة انطلاقا من افواههن ولكن الوضع هنا مختلف إذ أنها هنا فقاعة و بالونة من نوع آخر ! ، بالونة مكونة من المخاط الاخضر !!! ، فقاعة خضراء كبيرة تكونت بشكل قدري غريب وباجتماع عدة عوامل فيزيائية متداخلة بطريقة غير مقصودة انطلاقا من أنف طفل صغير مسكين مصاب بالرشح والزكام وأخذت في الانتفاخ تدريجيا بشكل عجيب ملفت للأنظار! ، وكان أكثر من شاهدها ولاحظ ظهورها المفاجئ على أنف أخي معلم الموسيقى ذاته والذي كان في تلك اللحظة ملتصقا بأخي محاولا تعليمه كيف يضغط بأصابعه على ازرار البوق (الساكسفون) بشكل صحيح كي يصدر النغمات المنشودة ، وفي الاثناء وحينما كان التلاميذ يشاهدون في ذهول ودهشة تلك الفقاعة الخضراء أو البالونة المخاطية التي خرجت من المجهول على حين غرة وهي تتعاظم على أنف أخي بشكل نادر الحدوث بينما معلم الموسيقى ينظر بعينين جاحظتين اليها في ذهول وارتباك ودهشة وحيرة بل وبشيء من الخوف والحذر والترقب وقد ارتسمت فوق رأسه علامة استفهام كبيرة ! ، علامة استفهام خضراء اللون بجوارها علامة تعجب ضخمة صفراء اللون ؟! ، في هذا الاثناء ووسط هذه التفاعلات القدرية الدراماتيكية الخارجة عن نطاق السيطرة وسياق الموقف ، اذا بتلك البالونة أو الفقاعة المخاطية الخضراء وقد بلغت اقصى مدى ممكن لها من حيث الانتفاخ تنثلم وتنفجر فجأة كما لو انها قنبلة موقوتة (!!) ومن ثم تتطاير وتتناثر اشلائها على وجه المعلم ! ، وهنا سادت لحظة صمت بهيم كحال تلك اللحظات من الصمت التي يقفها البعض اختيارا في ذكرى حادث حزين وأليم ، دقيقة صمت ! ، كل شيء توقف عن الحركة حتى عقربي ساعة الحائط المعلقة على جدار غرفة حصة الموسيقى توقفتا فجأة (تيك تاك) في لحظة صمت بهيم، وأخذتا تراقبان الموقف عن كثب في حذر وترقب كأنهما تقولان (ماذا سيحدث الآن!؟؟ ، وكيف سيكون رد فعل معلم الموسيقى!!؟؟) ، وهنا نترك ساعة الحائط معلقة على الجدار ونوجه عدسة تصوير الحدث ونركزها على وجه مدرس الموسيقى وقد تناثرت أشلاء فقاعة المخاط الخضراء على وجهه !! ، والجمهور يراقب في صمت في انتظار رد فعله على ما لحقه من هذا الصبي المزكوم الذي تنطلق من انفه فقاعات المخاط !! ، وبالفعل تمكن معلم الموسيقى ، بعد مرور لحظة الذهول وانتهاء مفعول الصدمة الاولى ، من استرداد نفسه و كامل وعيه من هول المفاجئة غير المتوقعة ! ، وبالتالي إدراك ما حصل له على وجه التحديد وما أصابه وما اصاب وجهه تحديدا من ذلك الرذاذ الاخضر اللزج ! ، ذلك الرذاذ المخاطي المتناثر كشظايا متطايرة لتلك القنبلة الخضراء الصغيرة التي انفجرت لتوها في وجهه كما لو انها اعلان لحرب غير متوقعة !! ، تلك الفقاعة المخاطية المنفجرة بعد مرورها بلحظات النشوء والتطور فوق أنف أخي ووصولها في الانتفاخ الى نقطة الضغط الحرج ولحظة الذروة التي تعني وفق قوانين الفيزياء حتمية الانفجار والإنثلام ! ، أدرك المعلم ما جرى له على وجهه ، على وجه الدقة، مع أنه ظل جامدا متسمرا للحظات كالأموات مشرئبا بعنقه مادا وجهه باتجاه أخي وهو ينظر ويحملق فيه كالبلهاء ، في حين يتحسس تدريجيا ذلك الرذاذ المخاطي اللزج وقد التصق على وجهه بعد لحظة ذلك الانفجار الرهيب والكبير !! ، بل ربما يكون قد تذوق طعم بعض ذاك الرذاذ الذي وقع على فمه وشفتيه ولسانه حينما كان مشغولا في استخدامها جميعا في حديثه المتشنج مع أخي وهو يشرح له ضرورة الضغط على ازرار الساكسفون بشكل دقيق ومنتظم ، ذاق مدرس الموسيقى طعم المخاط وأحس بنثارته على بشرة وجهه وتصور كل ذلك وتخيله في ثوان سريعة في ذهنه ! ، المخاط بلونه الاصفر المخضر او الأخضر المصفر ! ، وشعر استاذ الموسيقى بالمهانة التامة و بالاشمئزاز الكامل ثم ما لبث أن أحس بالدم يغلي في عروقه ثم يندفع هذا الدم الحار بشكل جنوني كحمم بركانية ملتهبة نحو دماغه ليغدو هذا الدماغ كما لو أنه مرجل بخاري مضغوط انفجر بسبب الضغط الحرج لتوه بشكل جنوني مسعور !! ، فدفع المعلم أخي عنه بشكل عنيف بعيدا وهو يصرخ في وجهه بغضب جنوني : ( الله يقرفك يا ابن المجنونة ! ، أيه القرف ده !!!؟؟) وسقط أخي بسبب قوة الدفعة على الارض ثم سمع صوت التلاميذ وهم ينفجرون في ضحك صبياني جنوني كبير ، وساد الهرج والمرج وصياح الأطفال غرفة الموسيقى بينما انطلق المعلم كالمجنون نحو دورة المياه وهو يشتم ويسب ويلعن ، فما كان من أخي إلا أن نهض ببطء وسط ألامه وحيرته محاولا ان يمسح أنفه المخضب بالمخاط الاخضر وسط كل هذا العار الذي شعر به يحدق به من كل مكان خصوصا وأن هذه الكارثة التاريخية المؤسفة حدثت في وجود ذلك الملاك الحبيب الرائع ، فتاة احلامه ، أكثر انسان يحس نحوه أخي يومها بذلك الانجذاب الطفولي البريء الكبير ! ، ولكنها وجدها هي الأخرى منخرطة مع بقية الأطفال وأعضاء الفرقة في الضحك والتعبير عن التقزز والاشمئزاز مما حدث !! ، فاسودت الدنيا في عين أخي وشعر للحظات كما لو أنه يتنفس من ثقب إبرة ! ، فنهض ثم انطلق يركض وهو يبكي بمرارة وذل مغادرا الى الأبد غرفة الموسيقى وتاركا خلفه فتاة أحلامه وكذلك حلمه الطفولي الجميل في أن يكون يوما من الأيام هو المايسترو!.
***
هكذا حدثني أخوه بألم وتأثر واضح عن تفاصيل تلك الحادثة المروعة التي تعرض له صديقنا المايسترو المسكين في طفولته وجعلته يحمل معه ، بقية عمره ، ذلك الشعور الطفولي بالعار والصغار والشعور بمرارة تحطم الأحلام الوردية بسبب انفجار قنبلة خضراء من المخاط اللعين فوق انفه الصغير تناثرت شظاياها على وجه معلم الموسيقى ! ، قنبلة مجنونة ، ملعونة، نشأت وتطورت وتشكلت بسبب تعاضد عدة عوامل فيزيائية رتيبة في لحظة كئيبة من لحظات القدر الغريبة فكانت الكارثة والعاصفة الرهيبة التي حطمت أحلامه بلا رحمة ولا هوادة ! ، وهي حادثة ربما ذات وجهين ، وجه مضحك قد يجعلك تستغرق في الضحك الممزوج بشيء من الاشمئزاز بسبب ملابسات القضية المرتبطة بظاهرة ظهور فقاعات المخاط على أنوف بعض الاطفال الصغار خصوصا عند البرد واصابتهم بالزكام! ، ووجه آخر قد يثير عندك الأسف والعطف على ذلك الكائن الطفولي المسكين الذي وجد نفسه بغير ارادته في ذلك الموقف المحرج المهين وما يرتبط به من شعور بالعار والصغار امام بقية الاطفال وخصوصا أمام فتاة أحلامه !!.
هكذا روى لي شقيق المايسترو هذه الحقيقة الغائبة من القصة ! ، الجزء السري المطمور في قبو نفس المايسترو حيث يختبئ في خوف وخجل ذلك الطفل المسكين! ، ذلك الطفل صاحب تلك الفقاعة المخاطية الخضراء التي انثلمت و انفجرت ذات يوم سحيق وبقيت آثارها ملتصقة بجدران ذلك القبو المعتم في أعماق المايسترو !! .
وما إن ودعني شقيق صاحبنا المايسترو بعد أن حدثني عن تلك الحادثة المؤلمة والتجربة المريرة التي حدثت لأخيه في طفولته حتى بات من المؤكد لدي أن الحالة المؤسفة التي تردى الينا المايسترو قد تكون بدايتها بالفعل عالقة هناك في غرفة درس الموسيقى! ، في ذلك اليوم المشؤوم حينما تكونت على أنفه بشكل فيزيائي قدري نادر تلك الفقاعة المخاطية الخضراء اللعينة ثم انفجرت وتناثرت اشلاؤها على وجه المعلم ثم ألقت بأحلامه وفتاة أحلامه في قعر الجحيم !! ، ربما حاول عقله الباطن بعد ذلك معالجة ذلك الشرخ الوجداني العميق والدفين في اعماق روحه من خلال تلك الحالة البسيطة الطريفة التي كانت تعتريه اثناء نومه فيقوم جالسا على فراشه ،دون استيقاظ وانتباه ، ويظل يلعب لبعض الوقت أثناء نومه دور المايسترو ! ، ربما يكون اثناء ذلك يشاهد نفسه وهو طفل صغير يقف أمام الفرقة الموسيقية لمدرسته على خشبة المسرح بكامل قيافته وهيبته حيث يقود الفرقة اثناء عزفها للقطعة الموسيقية المنشودة ! ، نعم ، من يدري !!؟؟ ، بل ربما كان اثناء ذلك وهو مستغرق في نومه يظل يشاهد تلك الفتاة الجميلة زميلته في الفرقة وفتاة أحلامه وهي تعزف على آلة الكمان بينما عيناها تنظران اليه بإعجاب كبير ثم ما تلبث ان تبتسم له ابتسامة ساحرة عذبة مشحونة بالحب والانجذاب! ، ربما كان في الاثناء يلقي نظرة على الجمهور فيرى من بينهم أمه وأباه وهما يجلسان بين الحضور ينظران اليه بكل فخر واعتزاز ! ، فيا ليتنا تركناه هناك ! ، ويا ليتنا تركنا عقله الباطن يعالج ذلك الشرخ الوجداني العميق بطريقته التدريجية العميقة الخاصة مع مرور الايام والأعوام حتى يلتئم ذلك الجرح الوجداني العتيق ويلتحم ذلك الشرخ الروحي العميق، لكننا ، بجهلنا المركب ، تدخلنا بطريقة متعسفة في طريق المعالجة الطبيعية الذاتية فافسدنا كل شيء ! ، ولم يعد المايسترو في تلك الاثناء وخلال تلك الدقائق التي يقوم فيها اثناء نومه يشاهد تلك المشاهد الطفولية الجميلة التي تعيد اليه اعتباره وتعيد اليه عالمه السحري المفقود ، عالمه العالق هناك في غرفة الموسيقى في المرحلة الابتدائية قبل انفجار تلك القنبلة المخاطية المجنونة والملعونة في وجه معلم الموسيقى حينما كانت عيناه معلقتان بلا انقطاع بعازفة الكمان المسحور !! ، ليتنا تركنا المايسترو هناك يحل مشكلته بطريقته الخاصة مع عالمه الوردي المفقود ! ، لقد ضاع صديقي المايسترو وتحطم وتحول الى بقايا انسان ! ، انسان مسكين حطمته فقاعة مخاط عابرة وغادرة ثم اختطفه في نهاية المطاف جني مجنون وملعون و ..... أخرس !!! .
نهاية المايسترو !!؟؟
بعد مرور عقود على تواجدي في المهجر خارج بلادي ، أخبرني أحد الاصدقاء أن صاحبنا المايسترو، رحمه الله ، كان قد فر من مستشفى الامراض النفسية اثناء الفوضى العارمة التي نتجت عن احداث ثورة 17 فبراير 2011 في ليبيا ، ثم ونتيجة فوضى انتشار السلاح تمكن المايسترو من الحصول على مسدس محشو بالرصاص ليستعمله في عملية انتحاره بعد أن وضع فوهة المسدس في أنفه حيث نمت ونشأت ذات يوم مشؤوم فقاعة مخاط خضراء تحولت الى قنبلة عمياء دمرت بانفجارها شيئا ما في أعماق أعماقه، وضغط بإصبعه بكل قوة على الزناد ، ثم اختفى المايسترو عن كواليس مسرح الدنيا ، ذهب مع الريح ورحل نحو عالم آخر فسيح لا مكان فيه البتة لفقاعات المخاط ولا للجن الأخرس !!.
***********
سليم الرقعي
2017
[١] حالة حديث الشخص وهو نائم بتمتمة أو همهمة وغمغمة أو حتى بصوت مرتفع أو المشي أثناء النوم هي من الحالات النادرة ولكنها موجودة ومشهودة ولها عدة تفسيرات مختلفة وسأخصص لها بابا في مقالة خاصة اعكف على تحريرها وتطويرها منذ عدة شهور حول الظواهر الغريبة والأحوال الخارقة للعادة!.
[٢] رغم أن الكثير من مذاهب أهل السنة تعتقد بحرمة الموسيقى والمعازف ، وبالتالي الرقص ايضا ! ، وبعض فقهاء السنة يرخص للدف فقط وفي الاعياد والأعراس فقط وللفتيات فقط (!!؟؟) الا أنه عند التحقيق في أدلتهم التي يسوقونها لتحريم الغناء والموسيقى بشكل دقيق ،وكذلك الرسم والنحت، يتأكد لكل باحث عاقل موضوعي أنها أدلة ضعيفة هشة غير قطعية بخلاف حرمة الخمر والزنى والربا ولحم الخنزير على المسلمين وحرمة الشرك والكذب والغش والخيانة والغدر مثلا فأدلتها قرآنية صحيحة صريحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة ، فلو كان الغناء والموسيقى بهذه الخطورة والبشاعة التي يدعيها أصحاب التشدد الديني فكيف يغفل الله تعالى عن ذكرها وذكر حرمتها في القرآن الكريم وهو مصدر التشريع الاساسي في الاسلام !!؟؟.
[٣] عبارة عن ماء يقوم الشيخ بتلاوة بعض آيات أو سور القرآن وتكرار بعض الأدعية المأثورة المعينة عليه وقد يفعل ذلك مع زيت الزيتون أيضا !! ، ولست أدري ما المصدر الشرعي لهذا النوع من الرقى !؟ ، ولكن هناك أيضا عند اصحاب الديانات السماوية الاخرى معالجات ورقى شبيهة بهذه الرقى عند معالجة من يعتقد أنهم ممسوسون وملبسون بالأرواح الشريرة!! .
[٤] (الهترسه) في اللهجة المحكية الليبية تعني حديث وكلام الشخص أثناء نومه ، فقولنا في لهجتنا المحلية الليبية : "فلان يهترس" أي أنه يهذي ويتكلم بدون وعي أثناء نومه ! ، ولعل أصلها أنها تحريف لهجوي لعبارة (هسترة) المأخوذة من العبارة الأجنبية (هستيريا) التي اصبحت اسما مخصوصا لأحد الأمراض النفسية المعروفة في علم الطب النفسي! .
[٥] هذه القصة بدأت كتابتها ووضعت حجر الاساس فيها العام الماضي 2016 ثم أتممت بنائها بداية العام الحالي 2017 وهي عبارة عن مجموعة حكايات وأحداث واقعية لشخصيات مختلفة عايشت اغلبها بنفسي الا أنني بوصفي هنا ألعب دور (القاص) قمت بدمج بعضها ببعض وتشكيلها بطريقتي الخاصة في إطار أدبي قصصي موحد ، وهكذا الحال مع أغلب القصص والحكايات التي أقوم بتأليفها، فخاماتها الاساسية من حيث الشخصيات والأحداث مأخوذة من الواقع حيث استعملها كما لو أنها لبنات الطوب التي من خلالها أقوم ببناء بيت القصة !، ولكنني قد أجري تجربة أخرى لاحقا فأفصل قصة الطفل وفقاعة المخاط ومعلم الموسيقى عن هذه القصة المركبة الأم لتصبح قصة مستقلة في سياق آخر بعيدا عن قصة الجن الأخرس ! ، قد أفعل ذلك لاحقا اذا سنحت فرصة الإلهام الادبي والا فسيظل هذا الطفل وقنبلة المخاط محشورا ومتورطا في هذا السياق القصصي الذي خلقته أنا في لحظة تداعي حر للخيال بدمج عدة حكايات في قصة واحدة محاولا التخفيف عن نفسي من ثقل الضغوطات التي يمارسها علي منذ ثلاثين عام أبطال قصتي المفقودة الذين حدثتكم عن حكايتهم ومشكلتي معهم ومشكلتهم معي في مقالتي (قصة أبطال بلا قصة!!) ، أولئك الأبطال الذين خلقتهم في خيالي منذ ما يربوا عن ثلاثين عاما قبل أن أجد لهم قصة يلعبون فيها دور البطولة ، فظلوا كل هذه السنين عاطلين عن العمل قابعين في هامش اهتماماتي لكنهم بين الفينة والأخرى يحاولون اقلاق راحتي باحتجاجهم الغاضب على عدم صناعة قصة توفر لهم أدوار ووظائف في عالم انتاج القصص تنقذهم من هذا الفراغ الكبير وهذه البطالة المدمرة!.



#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)       Salim_Ragi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللذة الضائعة !؟
- المستذئب !؟
- موقفي من السلفيين والإخوان المسلمين!؟
- مفاجأة من العيار الثقيل!؟ (تجربة أدبية!)
- صبابة!؟ شعر
- ظاهرة انتقال امراض النظام الشمولي لمعارضيه!؟
- صعود القبلية والطائفية وجمود الدولة الوطنية المدنية!؟
- لماذا سأم الغربيون من الهجرة لبلدانهم!؟
- الشخص الآخر ذو الوجه المألوف !؟
- هل للسوق تأثير على الحاكم العربي!؟
- هل هي ثورة،وهل هي فاشلة!؟
- الوجودية كما فهمتها !؟
- نظرية المؤامرة ونظرية الانتقام الالهي!؟
- فلسطين للفلسطينيين،كيف ولماذا !؟
- العرب وشماعة وعد بلفور !؟
- تأثير كمية المعرفة والقدرة في كمية الحرية!؟
- بين مفهوم (النخبة) و مفهوم (الأئمة)!؟
- مشكلة نخب أولا لا مشكلة شعب !؟
- العرب وسن المراهقة والمهدي المنتظر!؟
- هل الديموقراطية أسيرة للرأسمالية!؟


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم نصر الرقعي - المايسترو والجني الاخرس!؟