عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 16:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (10)
تعاظم معضلة الحزب كهدف بذاته
لم يخطر على بال الايديلوجيين احتمال ان يكون الظرف الناشيء بعد عام 1963،او بعد ثورة 14 تموز 1958 وتداعياتها،يمكن ان يكون قد تضمن باي قدر،مستجدات تتطلب إعادة النظر في الوسائل المعتمدة، ومنها وعلى راسها "الحزب اللينيني" بصيغته الجامدة كوسيلة اختاروها، او اختاروا الانخراط فيها. ولايوجد ابدا، سواء في التقييمات المضحكة البائسة التي اعدت من قبل الحزب نفسه من زاويتي "اليمين" أو "اليسار"، او في السلوك العام، أي تلميح، ناهيك عن الاستعداد لمناقشة تبدل الأوضاع، واحتمال انعكاسها على الحزب، او على طرائق عمله الموضوعة في الثلاثينات. ومع ان الفارق بين اللحظتين الثلاثينية، مقارنة بالستينية، لايمكن تجاهله ،الا ان متعبدي "صنم " الحزب كانوا يضعون كما اعتادوا،وسيلتهم فوق الواقع، يختصرون به الحياة والتطور والصراع، والحزب بناء عليه هو الإختصار الذي لايقبل التعديل، للتاريخ وللطبقات والفئات، وفي حالتنا لاجمالي حركة التاريخ وآلياته.
وكما ان من اسسوا الحزب قبلهم كانوا مقتنعين بان حزبهم هو حزب "الطبقة العاملة"، او " البروليتاريا"، وان مكانته التي احتلها ويحتلها مكتشفوها، ومعها "الصراع الطبقي"، والبنية البرجوازية، وكل الخلفية الاستعارية لواقع اخر مختلف مر بتحول تاريخي، من الاقطاع الى الثورة الصناعية،وعبر خمسة قرون من "عصر الانوار"، وضمن حالة مجتمعية وبنيوية مختلفة كليا، لابل هي النقيض البنيوي، أساسها الانقسام الافقي الطبقي، مقارنة بالانقسام العراقي الامبراكوني العمودي، والسياق التاريخي الانقطاعي، وآلية الدورات الحضارية، وطغيان مفاعيل حقبة التردي والانقطاع الحضاري المستمرة منذ 1258 ،مع سقوط بغداد على يد هولاكو.
توهم هؤلاء مثل غيرهم من النخبة الحداثية في العالم العربي، وفي العرق، اكثر بكثير من سواه، عالما مستعارا نقلوه مدفوعين برغبة ملحة للخروج من واقعهم مع عجزهم عن اكتشاف حقائقه ومحركاته، فاقاموا حالة استبدال شبه مرضي، وصدقوا مااختاروه تحت وطأة تردي الأوضاع المحيطة بهم، او التي نشأوا وسطها ليصبحوا مواطنين اوربيين تخيلا، لحد التماهي ، همهم فرض حال تاريخي ومجتمعي تلبسوه على ذواتهم وعالمهم، فلم يبدوا اطلاقا اية رغبة في تحري ماهم فيه ومنه، ولقد جاء " فهد " بالاصل بالوصفة او " البنسلين" الشافي الى العراق وجنوبه، حزبا مكتمل الأسباب والبنية والالية والقواعد، درسه في روسيا، وتعلم كيفيات بنائه ضمن شروط دولية، كانت تغذي الوهم الكبير بخصوص بعض المباديء الكبرى مثل " الاشتراكية"، ونشوء واحتدام الصراع بين القطبين، مما حول النظرية والمباديء الاشتراكية وقتها الى وسيلة تصارع دولي بين قوتين ومعسكرين، كلاهما محكوم لبواعث تاريخية وبنيوية اوربيه، بين مركز طرفي شبه اوربي شبه اسيوي، يريد بحسب كينونته الخاصة، وبالانطلاق منها، ووفقا لاشتراطاتها، اللحاق باوربا الراسمالية الناهضة، مضطرا لتحوير أساليب الانتقال في موضع راسماليته هي الأكثر تاخرا، وبين اوربا الأصل ومنبت النظام الراسمالي الأعلى الغالب.
فما كان على حسب مثل هذه الشروط دوليا، وفي حال عدم اكتشاف الخاصيات العراقية البنيوية التاريخية ،وتقدير او التيقن من درجة ومدى تهيؤ الموضع العراقي، وفي المنطقة ،للاستجابة للحظة التحول الراسمالية، بغض النظر عن تحوراته، ماكان ممكنا وقتها النجاح في إيجاد وسيلة متطابقة مع الاليات المجتمعية التاريخية العراقية، وصولا الى احتمال او امكان ان ينطوي التبني الذهني لقضية التحول،او التقدم، باعتماد الوسيلة المستعارة ضارا ومتعاكسا مع مقتضيات التحول الواقعية الفعلية الوطنية، ان لم يكن مناقضا لها، وهو ماقد حصل بالفعل ضمن السياق الذي انتهى اليه "الحزب الشيوعي" بعد ثورة 14 تموز 1958.
وبالمقارنة مثلا بين ان ينتقل الحزب وقيادته الى محاولة التخلص من التكتيكات وقواعد التنظيم الموروثة من الثلاثينات والتي ثبتت عدم صلاحيتها، سواء بعد عام ،1963 او بناء على اجمالي تجربة ثورة 14 تموز وماتبعها من تداعيات، وصولا لاعتلاء نظام البعث الصدامي سدة الحكم، مع الانكباب بحثا عن الضروري اللازم ومايمكن ان يتلائم مع التغيرات الحاصلة وقتها، عمد التيار الكردي المتغلب، وان مجبرا بعد طرده من التحالف مع البعث، الى تحويل هزيمته المنكرة لمايؤمن حمايته من المحاسبة، وتامين مصالحه، بعد طرده من "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية" لعام 1973 ،فاختارالصعود شمالا صوب كردستان الى المكان الذي يبقي على الشكل والقوام الحزبي في ويتيح الاجهاز على الحزب جنوبا، مكملا مهمة البعث التصفوية العنفية، ومستفيدا مما توفره كردستان من سلطة، حيث الحزب الحاكم اضعف، لابل غائب، خاصة خلال الحرب مع ايران /19881980، فاستحوذ بذلك ومن موقع قومي كردي لاشيوعي، ولاماركسي، على الجزء الكردي من الحزب، مكررا صيغة سلطوية ضمن إقليم وقطاع من العراق، وبمحركات ومبررات قومية بحته في الجوهر، لنشهد وقتها حالة بعثية كردية، تقابل البعث العربي في مناطق الجنوب والوسط، بحيث حكم على الحزب بالموت والتصفية، وبحيث استمر تحالف البعث العربي /الكردي وطرفاه متباعدان مختلفان في الظاهر.
والادهى ان يظل هؤلاء قادرين على تركيب رؤى استعارية، منفصلة عن الحقيقة وعن واقع العراق ومساره الوطني، مستغلين ضعف المستوى النظري العام، مع غلبة ورسوخ النزعة العقيدية تكوينيا وتاريخيا، بما هي ارث تاريخي، مصدره الواقع المتردي، فالحزب هنا اكتسب قوته العقيدية الاستعارية من نفاذ مفعول العقيدة، ومن ملائمة الظرف المحلي والعالمي في الثلاثينات، والحزب كفكرة مستعارة من الغرب، واطرافه المتصارعه معه لاسباب مبعثها"تفاوت النمو"، عزز حضوره تاريخ ومزاج ( خاصية ) اصيلة، مثله مثل الإسلام بسلفيته التي تجعل الماضي العائد لالف وخمسمائة عام، حاضرا اليوم، ويستحق التقاتل الدموي كانه راهن معاش، وقد تكون تلك هي الإضافة الوحيدة السلبية التي قدمها الواقع وخاصياته العقيدية للحزب الايديلوجي، ساهمت وتساهم في افراغه من الحيوية والعقلانية التي تميز وميزت الظواهر الحديثة في الغرب، بما يجعل الحزب هنا مزيجا من ( عقيدية موروثة وأفكار مستعارة من نموذج مهيمن).
لم يخضع الحزب يوما للتشريح، مع انه ظاهرة تاريخية ومجتمعية، أي معطى، فسيادة العقيدية والايديلوجيا ماتزال تكبل أي بحث، وتحيله فورا لمقولات خارجه عن مجال ونطاق الواقع، وقد يكون السبب في ذلك عائد الى استمرارغياب المنظور الوطني المطابق، والى استمرار النقيصة التاريخية ذاتها التي جعلت أحزاب الايديلوجيا خلال الثلاثينات، مؤهلة لتصدر الموقف والتعبير الوطنيين، فالاحزاب آنفة الذكر، هي بالأحرى نتاج عمق الازمة الوطنية، مع درجة حدة التصادم مع الغرب الاستعماري الاستثنائية بعد 1920 ،وقيام الدولة الفوقانية الاستعمارية، زائد حضور الأفكار الايديلوجية القابلة للاستعارة والنقل المعلب.
لم يفعل "فهد" أي شيء له علاقة بالاستجابة للشروط التاريخية التي كانت تفوق في حينه قدراته العقلية والثقافية بما لايقاس، ومن حاول القول بان مؤسس الحزب قد "طبق الماركسية على ظروف العراق المخصوصة" / اكثر من يركز على هذه الناحية هو زكي خيري تكرارا/ يعكس هو بالذات قاعدة ايديلوجية شعاراتية للحكم ، لاعلاقة له بالتحليل التاريخي الذي يتعامل مع الظواهر كمعطيات مجردة ومستقلة، ف"فهد" في الحقيقة تعامل ب "انتهازية" مطلقة مع واقع عاجز عن التعبير عن نفسه وقتها، منحه كل مايريد، واكثر مما كان يحلم، بزخمه الشعبي الهائل، وروحة الجهادية التشاركية الاصيلة بنيويا، فالعراق عرف ردة فعل ضد الحضور الغربي، أساسها تكوينه التاريخي التشاركي ك"مجتمع لادولة"، اضطرت الإنكليز من بناء لمستواها وشمولها وابتكاريتها العفوية، لان يفكروا بترك العراق، فاختاروا بدلا عن ذلك تغيير شكل الممارسة الاستعمارية، باللجود الى ماعرف لاحقا ب "الاستعمار الجديد" غير المباشر، وبهذا وضعوا الأسس العملية لنهاية "الاستعمار القديم"، وبالذات نظريته الهندية المتغطرسة التي جاءوا الى العراق محملين بها، قبل ان يضطروا لاعتماد مااسموه "الحكم من وراء ستار " الذي سيصبح اسمه في الستينات على يد الأمريكيين "الاستعمار الجديد".
أي ان العراق كان ومرة أخرى، ساحة تحول كوني اسبغ تغييرا جوهرياعلى الممارسة الامبرالية، مما لم ينتبه له " فهد"، ولا تمكن من ملامستها وان من باب الملاحظة الحسية، مثلما انه لم يلامس الأسباب الفعلية التي أدت لارتفاع وتيرة ومستوى حدة الرفض المجتمعي الوطني الشامل، للحضور الاستعماري بتدبيريته التي لجا اليها بعد عام 1921 ، بعد اقامته "دولة مركزية حديثة" من خارج النصاب الاجتماعي، مركبة من اعلى، هدفها تصفية مجتمع اللادولة التشاركي التاريخي. مع سنه قانون التسوية لعام ، 1932 ، سلاحه الامضى في تدمير عدوته البنية المشاعية، عبر خلخلة العلاقات التاريخية، وإدخال ملكية الأرض والاقطاع المفتعل بالقوة، لمجتمع وحيز تاريخي هو بالاصل "نمط حياة واجتماع" تاريخي مميز، لموقع تاريخي فعال كونيا.
ـ يتبع ـ
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟