أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ابو الفوز - اوراق عائلية 3 : أنا وزوجتي والكلاب















المزيد.....

اوراق عائلية 3 : أنا وزوجتي والكلاب


يوسف ابو الفوز

الحوار المتمدن-العدد: 1424 - 2006 / 1 / 8 - 10:41
المحور: الادب والفن
    


بدلا من الاهداء :
لكل القراء الاعزاء ـ والزوجات الطيبات خصوصا ـ اود القول ، ان تأخير نشر النص ، لم يكن مخططا له ، وربما هناك شئ ما ـ قوة خفية ـ جعلت موعد نشر النص يكون مع حلول العام 2006 ، الذي يقول التقويم الشرقي (الصيني والياباني ) انه "عام الكلب " ، والذي ـ ويا للمفارقة ـ تبين ان زوجتي وقبل حفنة من السنين ـ لا اجرؤ على ذكرها ـ ولدت في عام كان هو ايضا " عام الكلب " ، لذا اود التنبيه .
سماوة القطب
الساعة الاخيرة من عام 2005

***

ـ اذهب أو لا اذهب ؟
هكذا ، ومرة واحدة ، وجدت نفسي أمام جبروت وبهاء الكاتب العظيم وليام شكسبير، الذي لا اعرف كيف لم يعمم " القومجيون " العرب رسميا نظرية كونه عربي واسمه الحقيقي " شيخ زبير" ، ولأردد معه ـ شكسبير وليس غيره ! ـ وبصوت عال ، سؤالا مقتبسا من روح سؤاله الاشهر" اكون او لا اكون " ، الذي تردد كثيرا على لسان ملوك جبابرة وناس بسطاء تحددت مصائرهم بهذا الشكل او ذاك في مدارات جواب هذا السؤال !
من جانبي رددت السؤال بطريقة تلائم تلك المواقف التي طالما وضعتني فيها زوجتي ، التي طالما جعلتني اكز على اسناني فأشعر باختفاء اخر الشعرات السوداء حول صلعتي . ها اني أترك الحافلة الثانية ، الذاهبة الى مركز العاصمة ، تمر دون ان أرفع ذراعي لإيقافها . ولان احدا لم ينزل من الحافلة ، فأنها مرت دون ان تتوقف في موقف الحافلات الملاصق للعمارة حيث أقيم ، في طابقها الثاني ، منذ سنين طويلة ، بعد حلولي في هذا البلد لاجئا لاسباب انسانية رغم ان ملفي السياسي يصلح ليستخلص منه "شيخ زبير" تراجيديات تشيب لها القلوب . وها اني في هذا الطقس القطبي الشمالي ، الذي تتجمد فيه حتى الكلمات ، أجد نفسي أندفع الى موقف الحافلات غاضبا ، وانا اردد :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
احب زوجتي بشكل عميق ـ وحق رب العالمين ـ وكل يوم يزداد تعلقي بها ، ففي كل مرة أكتشف فيها أشياء تزيد من إعجابي بها . من الأيام الأولى لتعارفنا لفتت انتباهي بتمسكها بمواقفها المبدئية ، ويوما بعد يوم عرفت ان هذا اكتسبته من والدها الشهيد ، الذي دفع حياته ثمنا لثباته على مبادئه في نضاله من اجل حياة حرة كريمة للناس ، وكفاحه ضد نظام ديكتاتوري سلب الناس حتى حقهم في الحياة . بعد سنين من زواجنا ، اكتشفت ان مبدئية زوجتي ، التي أفخر بها ، ويحسدني عليها أصحابي ومعارفي ، اكتشفت ـ انا الزوج المحب ـ ان هذه المبدئية كثيرا ما رمتني في مواقف لا مناص من القول انها ورطة بشكل ما ، تصلح لكوميديا موليرية ناشفة ، تماما مثل ورطتي هذه المرة وانا في موقف الحافلات ، أرتجف من البرد ، رغم كل الثياب التي أرتديها ، التي حرصت زوجتي بنفسها على اختيارها هذا اليوم لتكون دافئة وانيقة في الوقت ذاته ، فهذه ليلة غير عادية ، وأنا ذاهب ـ هذا اذا ذهبت ـ الى مكان تتعلق فيه أنظار الحاضرين ـ هكذا تعتقد زوجتي ـ بمظهر كل من يحضر اكثر من اي شئ اخر ، وهذا واحد من الأشياء التي جعلتني أردد بصوت عال وأنا أحرك اقدامي المتجمدة باضطراب :
ـ اذهب او لا اذهب !
يوما بعد اخر ، كانت زوجتي تأسرني بردود فعلها ، وتصرفها الهادئ ، خاصة حين افاجأها بأشياء غير متوقعه لها تبرز في شخصيتي . مثلا عصبيتي المفاجئة ، التي تتجاوز احيانا حدودها وتجعلني أتصرف ، بعد عودتي الى نفسي ، بشكل يثير حزني اكثر من ندمي . كانت زوجتي بشخصيتها الطيبة والدمثة دائما تجد حلولا صائبة لمساعدتي للخروج من حرجي وحزني وندمي دون ان تجعلني أشعر بالذنب ، فروح التسامح عندها تأسرني اكثر من أي شئ اخر . ولكنها اليوم فاجأتني بأنها شئ اخر تماما ، انسانة مختلفة ، لا تسامح ، ولا هدوء ، ولا دماثة ، ولا كل تلك الاشياء الناعمة التي عودتني عليها . كانت قاسية مثل صخرة ، باردة مثل شفرة ، عيناها تلمعان بالغضب بدل الحب ، وشفتاها ترتجفان ، وهي تقول لي وبثقة بالنفس تعودتها منها :
ــ روح اضرب رأسك بالحائط ، افعل ما تشاء ، فلن اغير من موقفي ابدا !
وهذا جعلني أغضب جدا ، فأنا رجل شرقي ، ودماء اجدادي ـ بدو الصحراء ـ لا تزال تسري في عروقي حارة ـ رغم كل صقيع القطب ـ ، ولتدارك الموقف ، وخوف ان تفلت اعصابي بشكل يفسد اشياء كثيرة ، وبحكم وجود صديقتنا المقربة عواطف وزوجها خليل ، الذين هبطا علينا فجاة وكانا عاملا حاسما في تصعيد موقف زوجتي وافساد كل شئ ، اختطفت معطفي غاضبا ، وركضت الى موقف الحافلات ، ولكني وقبل ان أصل الموقف ، وقفت أزرر معطفي ، وأقلب كل ما قيل لأجد نفسي اردد بحيرة حقيقية :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
وأقول لنفسي بصوت مسموع :
ـ الا ترى يا هذا ، انت ايها الرجل الغاضب دوما والشاتم لكل شئ ، ان زوجتك ، حبيبتك ، صديقتك ، تبدو على حق فيما تقول ؟ وهل كانت بحاجة لمجئ عواطف وخليل لتقف هذا الموقف ؟ وأليس من الحكمة ان تعلن لك موقفها الرافض في بيتها بدلا من تعلنه بين الناس وتضعك في حيص بيص ؟
واردت الصراخ :
ـ من اين ظهرت لي عواطف ؟
من نافذة الشباك ، كنت ارى عيون تراقب حيرتي وقلقي وانا اتحرك في موقف الحافلة . لم تكون سوى عيون جارتي العجوز المتقاعدة ، لكني حاولت اقناع نفسي بقولي :
ـ ما لي وما لجارتي الان !
وفكرت ان الاهم هو الخروج من حيرة سؤال :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
ولاضع حلا لحيرتي ، رحت استعرض وبشكل سريع سبب كل المشكلة ، الا وهو علاقة زوجتي بالكلاب . القضية التي صدمتني في شخصية زوجتي منذ الاسابيع الاولى لوصولها هذه البلاد لتقاسمني عذاب المنفى ، وطالما ادخلتني في مواقف محرجة مع اصدقائي من اهل البلد ، بحيث ان بعضهم ، ومن اجل ضمان حضورنا ، وحتى لا نبحث عن عذر ساذج نعتبره ذكيا وهو مكشوف لهم ـ مثلما فعلنا عدة مرات ـ صاروا يضيفون عبارات خاصة في دعواتهم ، شفاهيا او كتابة ، مثلا عبارة تقول :
ـ ارسلنا " ويسكي " الى مكان اخر.
وما "ويسكي" الا كلب اسود ، بول دوغ Bulldog ، طالما اثار انتباهي اهتمام صاحبه به وطريقته في مبادلته الحديث وكأنه انسان عاقل ، وحدث ونحن في حفل انتقال احد الاصدقاء الى بيت جديد ، اقترب " ويسكي " ـ الذي كان مدعوا مثلنا الى الحفل مع صاحبه ـ من زوجتي يتشمم طرف ثوبها ، فاطلقت صرخة افزعت الحضور ، وكادت ان تقلب الطاولة القريبة ، واربكتني بحيث ضاع عليّ عدد كؤوس النبيذ التي شربتها مداريا خجلي . وعبثا حاولت علاج خوف زوجتي من الكلاب ، والتي كانت تكرر بأصرار:
ـ لا تتعب نفسك يا حبيبي ، الامر يسري في دمائي منذ طفولتي ، يكاد يكون وراثيا في عائلتنا : لا صحبة لنا مع الكلاب !
صرت ادرك ان الموقف السلبي من الكلاب عند زوجتي لا يعود لاسباب دينية كما ظننت اول الامر ، فانا اعرف رأي الأديان في الكلب التي تعتبره من الحيوانات النجسة :
ـ ... ، يلحس الدم المسفوك ، وينهش لحوم الأموات ، ويهاجم الناس ، ويطلق اسمه على أتباع الشهوات والناكثين توبتهم في العودة إلى الخطايا والكذابين .
ـ ... ، وفي القرآن الكريم ورد ذكره في سورة الأعراف في القول الكريم "مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث لك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا " وذاك للتشبيه بالوضاعة والخسة والكذب .
موقف زوجتي السلبي من الكلاب يأتي لاسباب خاصة بها ، ربما نفسية ، وربما اسباب اخرى لست مدركا لها . ولكم ان تقدروا حجم مشكلتي ، ونحن نعيش في وسط اجتماعي ، يعدون الكلب فيه من افراد العائلة .
حين سألت مرة جارتنا العجوز المتقاعدة ، عن عدد افراد اسرتها ، قالت ببساطة بينت لي سذاجة سؤالي وسخافته :
ـ نحن اربعة . انا و"شيرما " وزوجي وابنتي !
ولم تكن " شيرما " ، التي قدمتها على الجميع ، سوى كلبة ، ذئبية الطراز ، بأذنين منتصبتين دائما ، وذيل مثني على الظهر دائما يشبه الريش . حين صادفتنا جارتنا العجوزة عند سلم العمارة مع كلبتها ، هربت زوجتي مع كثير من الفوضى ، واذ رحت اداري الموقف بكثير من المجاملات ، توفرت الفرصة لجارتي المتقاعدة لتشرح لي ودون توقف ، صلة كلبتها مع كلاب " الهكسي " القطبية المهجنة ، التي يقال لولاها لانقرض جنس الاسكيمو ، والتي تمتد جذورها العائلية الى الذئب القطبي ، وطلبت جارتنا مني ـ بتهذيب كبير ـ مراقبة نباح كلبتها لارى كيف انه قريب من عواء الذئب . وفي كل لقاء ، كانت جارتنا تحكي لي قصصا عجيبة وغريبة عن كلبتها ، وكيف انها مرة انقذت في احد الليالي ابنتها الصبية ، من رجل سكير، مشبوه ، اراد سرقة حقيبة ابنتها ، وربما نوى اشياء اخرى . انا اصدق جارتنا الطيبة تماما ، مهما بالغت في الحديث عن كلبتها ، وكنت فرحا بحكاياتها للاستفادة منها كاسلوب علاجي ، تنفيذا لنصيحة صديق طبيب ، يعتقد نفسه خبير كلبي . وهكذا رحت اروي كل ذلك لزوجتي ومعه قصصا طريفة ومواقف مختلفة عن الكلاب ووفاءها وشجاعتها وذكائها . لم اتعب في ذلك كثيرا ، ففي المكتبة العامة للمدينة عثرت على عدة مجلات متخصصة بأنواع الكلاب . لم استعر المجلات المختصة بطعام الكلاب ، ولا المختصة بعلم نفس الكلاب ، ولكني وجدت في المجلات المصورة ، التي تتحدث عن رياضة الكلاب ، فرصة لاريها لزوجتي ، ولاقرأ لها قصة كل كلب والاوسمة التي حصل عليها . اما غنيمتي الكبرى ، فكانت مجلة اخبار الكلاب البوليسية ، التي تحوي قصصا تفوق قصص " جيمس بوند " ، حول ذكاء الكلاب البوليسية في اقتفائها لاثار المجرمين ومساهمتها في حل الغاز الجرائم . وفي مشاويرنا الى السوبر ماركت للتبضع ، كنت عامدا ادور بزوجتي عند قسم اغذية الكلاب ، لتلاحظ كيف انها في هذه البلاد مخلوقات تشاركنا حياتنا واسواقنا وحتى افكارنا . واطلعتها على خبر افتتاح فضائية تلفزيونية ، في احدى الدول المتمدنة ، مخصصة للكلاب والقطط ، تقدم برامج التسلية والترفيه وربما التعليم لهذه الفئة من الحيوانات الاليفة لادخال البهجة الى قلوبهم . ورغم كل محاولاتي وجهودي ، لم اجد ولا اسلوب مناسب استطاع مساعدتي في حل مشكلتي ، التي وصلت بي الى حد سؤال :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
جمعت لزوجتي وحكيت لها قصصا ، لم تفكر بها شهرزاد ولا عبد الله ابن المقفع . حكيت لها عن محبة الناس للكلاب ، وكيف ان الصحف نقلت بالتفاصيل حكاية الكلب المسكين " ديوي " الذي قامت امرأة بعد ربطه باحكام ، باغراقه في حوض حمام المنزل ، وقتلته من شدة غيرتها لاهتمام خطيبها بالكلب وتفضيله عليها احيانا . لكن زوجتي ، التي يبدو فهمت دوافعي ، برطمت بأستخفاف بكل تفاصيل الحكاية ، التي حرصت على تقديمها ساخنة موشاة بكثير من بهارات التشويق . ولجأت الى كتب التراث ، وانا اعتبر نفسي اقترب من روح زوجتي ، التي لا تمل تكرار تمسكها بشرقيتها . واستعرت من صديق محب للقراءة كتاب " فضل الكلاب على كثير ممَنْ لبس الثياب " لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان ، ورحت اقرا لها بصوت عال وابين فضل الكلاب الأخلاقي نسبة إلى أخلاق البشر ، من قليلي الوفاء وفاقدي الكرامة ، مَنْ لم يحفظوا أمانة الأصحاب ولم يستجيبوا للأصدقاء وقت الحاجة ، ولم يجد فيهم المروءة مثلما نجدها عند الكلاب . وحاولت ان ابين لها كيف ان الانسان تاريخيا لا يمكن ان يستغني عن الكلب ، وبعض وظائفه المعروفة ، مثل الحراسة والصيد ، ففي القران ورد في سورة "الكهف": "وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد"، وفي صورة "المائدة" : "وما علمتم من الجوارح مكلبين" ، أي ما تصيده الكلاب . ولكن كلامي كله كان يطير مع الهواء . لم تقتنع زوجتي بكون الكلب المهان حاليا كان يوماً من الأيام طوطماً يعبده البشر، ولكنه انتقل في ذهنية الناس من التقديس إلى التدنيس . وكان علي ان اتعايش مع موقف زوجتي السلبي من الكلاب ، وابحث عن سبل لتسهيل حياتنا اليومية ، وكان يزعجني جدا اني صرت رغما عني اعمل بوابا في شقتنا ، اذ كلما تريد زوجتي المغادرة الى العمل ، علي ان افحص سلم العمارة خوف ان تكون " شيرما" او "نيمو " ، او " فنك " هناك ، ولم يعد جيراننا يصدقون قولي ان لدى زوجتي نوع من الحساسية ، فصاحب الحساسية لا يطلق صرخات الخوف عند اقتراب الكلب منه . وهاهي عواطف وزوجها خليل ، يصلون في غير الوقت المناسب تماما ، ولتنطلق احتجاجات زوجتي بوجهي بغضب حاد ، مغلف بكلمات ناعمة ، وتصلني مثل الرصاص :
ـ حبيبي ، يا بعد عيني ، كيف تريد توريطي بمثل هذه الزيارة ؟
ولم اكن اعرف ان عواطف ستصل فجأة ، لتستعير منا قوالب " الكليجة " ، لو عرفت مسبقا لكنت فعلت شيئا ما وعرقلت زيارتها بشكل ما ، فبعد حديث هاتفي سريع مع زوجتي ، قالت عواطف انها سـتأتي لدقائق فقط ومن عند الباب . وجاءت عواطف بسيارة زوجها ، الذي من واجب الصداقة نزل ليلقي التحية . ولاننا اصدقاء حميمين جدا ، فقد الححت بنفسي ، ومن واجب اللياقة ، على ان يتناولوا فنجان قهوة او شاي بشكل سريع ، ويغادرونا على مزاجهم ، فنحن على كل حال سنغادر بعد اكتمال استعداداتنا . وبدأ الامر ـ الكارثة ـ مع سؤال برئ اطلقه خليل بكل هدوء ، حتى قبل ان تلامس عجيزته ظهر الكرسي في صالة شقتنا الصغيرة :
ـ الى اين كل هذه الاستعدادات ؟
وكنا نجهز انفسنا للخروج ، وكنت احسب ان ذلك امر يخصني وزوجتي فقط . كانت زوجتي قد قررت ان ارتدي بدلتي الشتوية القاتمة اللون ، واصرت ان اضع ربطة العنق الجديدة . اختارت لنفسها بدلة سهرة تتناسب مع لون بدلتي ، وكانت محتارة شيئا ما في نوع حقيبة اليد ، لذا كان وصول عواطف منقذا لها . وبنفس براءة سؤال خليل ، اخبرته باننا سنحضر حفل زواج احد المعارف من الاخوة العراقيين ، وهنا برز السؤال الثاني من عواطف وكـأنها توزع الادوار مع زوجها :
ـ ومن صاحب الحظ السعيد ؟
وما ان سمعت عواطف بالاسم ، حتى انتفضت ، وارتفع حاجبيها الى فوق ، واتسعت عينيها ، وانتصبت واقفة لتصيح بنا :
ـ وما علاقتكم بهذا الكلب ؟
ومع سؤال عواطف وترددي في الجواب ، بدات الامور تاخذ طابعا دراماتيكيا ، لم اكن انتظره ولا اتوقعه ابدا . ولا اراديا فككت ربطة العنق ، لان يدي زوجتي تجمدتا في الهواء ، وكاد يسقط من يدها ابريق الشاي ، وهي تسمع كلمة : " الكلب " . وسألت زوجتي بسرعة ، وبصوت مرتجف ، وقوي :
ـ كلب ... لماذا ؟
تبرع خليل ، تعاونه عواطف ، لنبش كل تاريخ العريس وعائلته ، امام زوجتي التي كانت ترميني بنظرات اتهام قاتلة وهي تتهمني بأخفاء كل ذلك عنها . كنت اريد اقناعها بكوني مجبرا ومتورط لقبول الدعوة :
ـ يا حبيتي ، سبق وان اخبرتك بانه العريس ليس صديقي ابدا . قلت لك الف مرة انه من المعارف فقط . وسأكون في ورطة حقيقية لو رفضت دعوة حضور حفل الزواج ، وموافقتي جاءت كوني مطالب امام الناس بألتزامات اجتماعية ، والعريس يا حبيبتي ذكي جدا ، لانه ارسل الدعوة بواسطة اخرين ، وفي حال رفضي للدعوة سادخل معهم في مماحكات لا تنتهي .
لكن زوجتي ، راحت تكرر ما سمعته ، من عواطف وخليل ، وتضيف :
ـ اهكذا ؟ هكذا يكون الامر يا حبيبي ، تستغل ثقتي وتاخذني الى حفل زواج رجل بهذا التأريخ المشبوه ؟ موقع اخوانه ، ولسنين طويلة في اجهزة حكومة صدام حسين ، ومتاجرته بمصيبة الشعب العراقي خلال سنوات الحصار ، وتهريبه الادوية الى الوطن تحت ستار مساعدة الشعب العراقي ، وما يقال عن مشاكله مع اجهزة الضريبة في بلد اللجوء الذي قدم له السقف الامن وفرص العمل ، وتفاصيل قصص خداعه لبنات الناس ، وثلاث خطيبات مغدور بهن مرة واحدة ، وفوق كل هذا هناك الشكوك العديدة حول تاريخه الشخصي ومساهمته في كتابته التقارير الامنية عن الناس الطيبين من معارفه ، خصوصا المثقفين ، واختفاء بعضهم بسبب تقاريره ، وحتى لو اتبعت ـ يا حبيبي ـ طريقتك في حساب هامش للمبالغات والاشاعات في احاديث الناس وما يتناقلونه عنه ، ومن كل الذي سمعته اليوم فقط ، فان ما يبقى في حصة هذا الكلب الحقير لا يسمح لي بان اشارك في حفل زفاف رجل ساهم بأي شكل كان في دعم نظام ديكتاتوري دموي أضطهد شعبي وقتل والدي ؟
ـ ولكن يا حبيبتي ...
ـ بلا اي كنكنة يا زوجي العزيز ، لن اذهب مهما ستقول . ان كان يهمك حفظ الاعتبارات الرسمية مع كلاب ولغوا بدماء شعبنا ، فاذهب وحدك يا بعد روحي .
وخطفت معطفي ، وغادرت المنزل هائجا بأتجاه موقف الحافلات ، وحمدا للسماء لم ادوس على" فنك " في سلم العمارة وهو يصعد مع صاحبه .

سماوة القطب
خريف 2002

لمن يود الاطلاع على الحلقات السابقة يمكنه زيارة الروابط التالية :

الحلقة الاولى :
http://iraqcp.org/members3/0051026foz.htm

الحلقة الثانية :
http://iraqcp.org/members3/0051026foz1.htm



#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يستحق الشعب العراقي هذا الجزاء ؟
- من هو المتهم الاول ؟
- على طريق الانتخابات : في الموقف من تحالفات الحزب الشيوعي الع ...
- هل سمعتم اخر نكتة بعثية ؟
- شماعة البعث هل ستنقذ السيد بيان جبر صولاغ ؟
- أخيرا يا ابناء شعبي ...!
- حنون مجيد ينسج شخصية روايته من ملامح صدام حسين
- - من يستفيد من ذلك ؟-
- الاتحاد الكوردستاني للاعلام الالكتروني خطوة انتظرناها طويلا
- حيث لا ينبت النّخيل جديد الشاعر العراقي عبد الكريم هدّاد
- رجل داهمه المطر !
- قصة ملف
- أيزيدية زهير كاظم عبود
- ماذا لو مات الشيخ ابو مصعب الزرقاوي ؟
- رحيل القائد الشيوعي اليوناني المخضرم هاريلوس فلوراكيس
- نهاية حرب عالمية أم انتصارعلى الفاشية ؟
- من المسؤول عن تصاعد وتيرة العمليات الأرهابية ؟
- تداعيات البصرة : ما اشبه هذا بذاك ؟
- بين الديكتاتورية والمطر وهموم المواطن !
- في ذكرى مجزرة حلبجة: شهادة شادمان علي فتاح ــ كنتُ هنــاك !


المزيد.....




- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...
- أدب إيطالي يكشف فظائع غزة: من شرف القتال إلى صمت الإبادة
- -بعد أزمة قُبلة المعجبة-.. راغب علامة يكشف مضمون اتصاله مع ن ...
- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- صدر حديثا ؛ إشراقات في اللغة والتراث والأدب ، للباحث والأديب ...
- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ابو الفوز - اوراق عائلية 3 : أنا وزوجتي والكلاب