أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق ناجح - عمارة يعقوبيان














المزيد.....

عمارة يعقوبيان


طارق ناجح
(Tarek Nageh)


الحوار المتمدن-العدد: 5374 - 2016 / 12 / 17 - 05:26
المحور: الادب والفن
    


إنه يوم الخميس الموافق 27 سبتمبر 1979م .. يوم مائل للحرارة من أحد أيام الخريف . كان يسير ناجــي  مسرعاً في شارع رمسيس بزيه العسكري .. ثم إنحرف يساراً ليسير في شارع عرابي ، وتجاوز تقاطع شارع عرابي مع شارع 26 يوليو ليصبح في شارع طلعت حرب .. و أكمل سيرُّه مستغرقاً في التفكير .. هل سيستطيع مقابلتها و التحدث إليها أم أن ظروف عملها في عيادة الدكتور  و ضيق وقته ( يجب أن يتواجد بوحدته العسكرية قبل غروب الشمس )  لن يسمحا لهما سوى بنظرات خاطفة .. باسمة .. مطمئنة .. أن كلاهما بخير . إنتبه من تفكيره إلى أنه إقترب من البناية رقم 34 بشارع طلعت حرب .. إنها عمارة " يعقوبيان " .. هدفه المنشود .. حيث تعمل مرڤت بعيادة أحد الإطباء الكائنة بالعمارة .. 
و قد حدث ما تَخَوَّف منه .. فالعيادة مكتظة بالمرضى .. و رأها و هي منهمكة خلف مكتبها في الإجابة على إسئلة المرضى .. 
مريض 1 :- أنا دوري رقم كام ؟ 
مرفت :- حضرتك رقم 7 ؟
مريض 2 :- هي مواعيد العيادة إيه ؟ 
مرفت :- من 11ص : 3م ، ومن 7م : 11م ، طوال أيام الأسبوع ما عدا الجمعة .. 
و غيرها من الإسئلة المكررة عن دور المرضى .. وعن العيادة و الدكتور .. و كم هو ماهر في مجاله .. و كم من المشاهير الذين يلجئون إليه و يفضلون عليه غيره من الأطباء  في بَرْ مصر ، بل وخارجه أيضاً .. فهو حاصل على الدكتوراه من أشهر جامعات إنجلترا . . 
عندما رأها هكذا أشفق عليها ، و هي حائرة بين إسئلة المرضى و طلباتهم ، و بين جرس الدكتور لتدخل له مريض تلو الآخر .. عٍلم وقتئذ أنه لن يستطيع التحدث إليها قبل وقت الراحة .. بعد الثالثة عصراً . و لكن أين له بالوقت ..فعليه أن يستقل سيارة أجرة لأقرب مكان من وحدته العسكرية بطريق القاهرة الإسماعيلية ، ثم يسير ما يقرب من الساعة في عمق الصحراء حَتَّى يقترب من بوابة الوحدة العسكرية قبل أن يبسط الليل وشاحه الأسود .. فلم  يجد بُدَّ من كتابة بعض الكلمات لها تعبيراً عن فَرحتهِ بإرتباطها و خطوبتها لإنسان خلوق ، طيب القلب لطالما حلم لها بشخص مثله منذ أن تقابلا و تعارفا منذ ثلاثة أعوام عندما كان يكمل تعليمه العالي هنا .. بأحد المعاهد العلمية بالقاهرة .. و لا يدري لماذا شعر أنها كإحدى أخواته منذ الوهلة الأولى ؟؟! هل السبب هو وجهها الملائكي وعيناها الخضراوين و شعرها الأسود الناعم المنسدل على كتيفيها في رقة و نعومة .. أم خجلُها و إبتسامتها الرقيقة العذبة التي تنسيك الدنيا و همومها ؟؟!  
 جلس على مقعد شاغر بجوار باب العيادة و أخرج مُفكِّرَته التي لا تفارقه أبداً .. من حقيبته التي رافقته طوال الطريق من قريته بشمال صعيد مصر حَتَّى هذه اللحظة .. و ستُكمِل معه مسيرته حَتَّى وحدته العسكرية ، و أخذ يكتب لها هذه الرسالة :-
( هذه النظرات التي تبكي بغير دموع ، و تصرخ بغير صوت ، و تنزف بغير دم .. هذه النظرات المليئة بالحزن و الألم ، الناطقة بالحيرة و العذاب .. هذه النظرات ليست غريبة عني .. رأيتها أنا من قبل في عينيَّ عندما إضطررت إلى أن أعيش وحيداً ، تائها ، غريباً .. الذي ذاق جحيم الغربة ، و كابد نار الوحدة يسمع جيداً أنين القلوب و لوعتها ..
كان علينا أن نسلك هذا الطريق الشاق لنصل في النهاية إلى بداية طريق كله أمان و آمال .. الحمد لله ..
أختي العزيزة الآنسة .. مرفت .. تحياتي و أشواقي .. و بعد ،
في الحقيقة أنني وجدت نفسي أكتب هذه الرسالة لتُعَبَّر عن فرحتي و سعادتي عندما زُرتِك أخيراً بالصدفة في " اليعقوبيان " .. ووجدت السعادة تَغمٌرِك ، والهدوء الممزوج بالثقة و الإطمئنان يُحيط بكِ .. و أحسست كأن المكان يُغَرِّد و يعزف الحاناً عذبة شجيَّة .. و أنا كنت محرج لهذه الزيارة المفاجئة .. و أتمنى ألا تكون قد سببت لكِ أي ضيق .. مع العلم بأن وقتي كان محدد و لا يسمح لي بالإنتظار حَتَّى وقت الراحة .. و شعرت أنني يجب أن أطمئن عليكي .. لأنني أعتبرك شقيقتي الغالية .. 
.. أخت جمعتني بها الصدفة على درب الحياة الطويل .. عندما كان كُلٌّ مِنَّا يبحث لاهثاً و بإصرار و تضحية عن أسباب العيش .. كُلٌّ يحاول أن يواصل تعليمه بعد أن أصبحت مقومات الحياة صعبة مضنية .. لم تجمعنا النظرة ، أو الإبتسامة ، أو ...... ، و إنما جمعنا إحساس كل مِنَّا بما يعانيه الآخر .. و بالرغم من أن الفرصة لم تسمح لي بِأن أقول  " مبروك " فأعتقد أنكِ سمعتي قلبي يقولها .. إنني أُهَنئك في بداية طريق الأمان و الآمال ، و أتمنى لكِ السعادة و الهناء .. 
و أهدي سلامي إلى الأخ العزيز الذي أحسن الإختيار " خطيبك " ، و أتمنى لكم الرضا و السماح 
و السلام ختام ،
ناجي في يوم الخميس 27 سبتمبر 1979م )
طوى الرسالة مرتين لتختفي في كِفّ يده ، و إقترب من مكتبها ليضع الرسالة أمامها في هدوء ، و أدار لها ظهره ، و أنصرف مُسرعاً ناحية الباب و هو ينظر في ساعة يده ، فلديه ساعات قليلة يجب أن يغتنمها في الوصول إلى و حدته العسكرية ، فهو لا يحب أن يؤنبه أحد لأي سبب كان حَتَّى و لو لمجرد تأَخرَّهُ عن موعد حضوره من الأجازة ساعة أو أكثر .. 
***********************************************
ملحوظة :-
# مستوحاة من قصة واقعية 
# شارك في الكتابة ..  بكلمات الخطاب .. والدي الشاعر  ناجح ذكري ( رحمه الله ) ( 1953-1995)



#طارق_ناجح (هاشتاغ)       Tarek_Nageh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلم مستمر
- سائق الميكروباص (1)
- على ضفاف نهر الحب (5) و الأخيرة
- جعلوني مجرماً … تشريد 53 أسرة وإهدار مايقارب 15 مليون جنيه
- جيت لي .. قلب مجهد و أسطورة لن تموت
- على ضفاف نهر الحب (4)
- على ضفاف نهر الحب (3)
- على ضفاف نهر الحب (2)
- على ضفاف نهر الحب (1)
- في مترو المرغني
- عندما يتكلَّم الحُبّ ..  يَصمُت العُشَّاق
- لعنة أغسطس
- البابا شنودة الثالث .. شاعراً
- الرجل الذي أضاع في الأوهام عمره
- من هيفاء لصافينار .. ياقلبي لا تِحتار
- قرية فوق صفيح ساخن
- ما بين الكاريزما و فوبيا البيادة
- هل ضرب أحمد زكي .. السبكي ؟؟؟
- باسم يوسف 00 وشئ من الخوف
- دير أبوحنس .. والفتنة القادمة


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق ناجح - عمارة يعقوبيان