أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - نهاية الانتظار














المزيد.....

نهاية الانتظار


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5345 - 2016 / 11 / 16 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


نهاية الانتظار

-" مابك سارة ؟ لماذا تبدين بصفار ليمونة ؟ وما هذه الهالات السوداء المحيطة بعينيك ؟ مؤكد أنك لم تنَامي بشكل جيد، هل تعب عمّي مجدداً ؟"

تنظر سارة جانباً إلى لمى، ثم تشيح بنظرها إلى الأمام بضجر واضح، ترفع يدها ثم تسقطها بقلة حيلة وعصبية، تشدّ الكاب الأبيض الذي تحمله بيدها الثانية، ترد وكأنها تتحدث من أغوار بعيدة:

-" ليس أبي، إنها أمي، وقد راودها الكابوس نفسه مجدداً، لكنها هذه المرة تؤكد أنه مات !".

تفتح لمى فمها وقد امتقع وجهها، تقف فجأة، و بحركة من يدها توقف سارة، يتحشرج صوتها وهي تسأل :

-" سارة هل هناك أخبار جديدة عن حسن؟ أخبريني أرجوك هل وردكم أي شيء عنه؟".

تنظر سارة إلى لمى بإشفاق، لمى صديقتها وهي أيضاً حبيبة أخيها حسن وبحكم الخطيبة، أحسّت سارة أنها تسرّعت بالتفوّه بكلماتها، ناسيةً شدة تعلّق لمى بأخيهاحسن، فهي مُذ اختفى حسن من حوالي سنتين، لا يكاد يمضي يوم دون أن تكون معهم في بيتهم، تواسي أمّ حسن، وتعتني بأبيه، وكأنها فرد من البيت، لا تغادر إلا للمبيت عند أهلها، وتترافق منذ الصباح مع سارة إلى الجامعة وتعود معها، تذكر سارة أنهما من فرط التصاقهما حصلتا على مجموع علامات متقارب بالثانوية العامة، وأنها دخلت كلية الطب إكراماً لرغبة لمى، حتى تبقيان معاً، على الرغم من أنها تكره دراسة الطب بالمجمل، ويصيبها الدوار عند رؤية الدّم والجروح والأورام، سارعت سارة لتهدئة روع لمى قائلة بكلمات متلاحقة :

-" لا لا ، لا شيء جديد، إلى الآن لا ندري أين حسن، تدرين لمى كلّما مررت على حاجز من الحواجز التي قطّعت أوصال المدينة، أقول ربّما اختفى حسن من هنا أو من هناك، يا إلهي كيف يختفي كيان كامل ؟ إذا كان هذا حالي أنا أخته، وبحال من الأحوال تلهيني الدنيا بمشاغلها، بين دراسة وعناية بالبيت، فكيف الحال في دواخل أمي التي أفرغت كل تفكيرها وقلبها عنده ؟ أما أبي فأخذها من الآخر .. غيّبه الألزهايمر المبكر عن كل العوالم، إلا عالم حسن ! مازال ينادي عليه كل صباح ! تخيّلي..!".

عندها نطقت عيون لمى، وخرس لسانها:

" أما أنا فأنادي حسن في كل لحظة، وأعيش معه في عالمه الضبابي الذي لا أرى فيه شيئاً، لكني فقط أسمع أنفاسه المتلاحقة، وأرشف عبراته الساخنة، أهدهده حتى ينام وأنام معه".

تستأنفان السير معاً، والوجوم يحتل وجهيهما المليحين، ثم لا تلبث سارة أن تنتفض فجأة قائلة :

-"محاضرة التشريح اليوم، هي ما أرّقتني، لمى كيف لي أن أتحمّل رؤية الجثث الآدمية المبطوحة على طاولات التشريح في القاعة التي أكره المرور بقربها، وأتقيأ من رائحة ( الفورمولا ) المنبعثة منها ؟ أنت شجاعة لمى أما أنا فلا أتحمّل ذلك ، يوم مات عمي لم أجرؤ على الدخول لوداعه، قمة الجرم ألّا يوارى الميت الثرى، حتى ولو كان غريباً، إكرام الميت دفنه، وقمة الغباء والقسوة أن يكون الإنسان بعد موته وسيلة إيضاح دراسية، هل عجزت كليات الطب عن ابتكار نماذج صلبة تحاكي جسد الإنسان ؟ أم أنهم فقدوا إنسانيتهم إلى حد التمثيل بالجثث حتى ولو كانت الغاية نبيلة ."

تمسك لمى بيد سارة محاولة التخفيف من انفعالها، فهي تدرك جيداً الرهاب الذي يعتري سارة عند مشاهدة جرح ينزف، فكيف وهم اليوم سيدخلون قاعة التشريح لأول مرة، ليكونا وجهاً لوجه مع موتى؟ وسيُطلب منهم أيضاً العبث بهم تحت مسمّى التشريح المباشر؟، الفكرة مرعبة لا شك، حتى هي نفسها- بالرغم من شجاعتها- تتهيّب الموقف..!

-"لا عليك، نكون معاً سارة ، أسندك ، إلا إذا كانت طاولتي غير طاولتك، لكن بكل الأحوال أكون قريبة منك، لا تخافي".

رائحة الفورمولا النفّاذة لم تحل بينها وبين أنوف الطلبة الكمامات السميكة البيضاء التي غطت الجزء التنفسي من وجوههم،
المعظم دخل القاعة مغمّض العينين ، إلّا من تباهى بشجاعته، وأطلق نكاتاً يهزأ بها من الخائفين، هؤلاء الشجعان تولَّوا قيادة الخائفين -مُغَمّضي الأعين- إلى طاولاتهم، وكان حدس لمى في مكانه، التباعد الأبجدي بين اسمها واسم سارة، جعل كل واحدة منهما على طاولة مغايرة للأخرى، الصمت والسكون الذي ساد القاعة بعد الانتهاء من توزيع الطلاب، قطعته صرخة مارقة، أعقبها صوت ارتطام حاد بالأرض..!
تداعى الجميع باتجاه الصوت، اجتازت لمى حشودهم، ووصلت لتجد سارة على الأرض مغشياً عليها..!

-" لقد فعلتها سارة ، غلبها خوفها ".
هكذا حدّثت لمى نفسها..
لكن نظرة أخرى إلى ما فوق الطاولة، جعلت لمى أيضاً تصرخ صرخة أعلى ..قبل أن تسقط فوق سارة ...!
كان من تنتظره دائماً قد احتلّ طاولة التشريح..!

د.عبير خالد يحيي



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهاجس
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأدباء والنقّاد والمترجمين العرب
- البديل
- المنتصر في الحرب مهزوم
- النهاية
- التدوير الأدبي ورسم المشاهد عند الكاتب المصري الأستاذ محسن ا ...
- نذور الوطن
- نقد أدبي مقدّم لرابطة الأدباء والنقاد والمترجمين العرب من ال ...
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأبدباء والنقاد والمترجمين العرب م ...
- ومع ذلك ..لم أقتنع
- وعد غير منجز
- الاتجاهات التربوية والعبر المجتمعية في نصوص الكاتب والأديب ا ...
- ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
- قراءة في نص (تأبط شراً ) للأديب العراقي / كريم خلف جبر الغال ...
- عشرون و نيّف
- اللعب مع الكبار
- جروح لا تندمل
- حفل شواء
- سوريتي
- نضج


المزيد.....




- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...
- شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - نهاية الانتظار