أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - البديل














المزيد.....

البديل


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5334 - 2016 / 11 / 5 - 01:38
المحور: الادب والفن
    


البديل

شهقة واحدة، في عرف الزمن ليست أكثر من ثوان، في صراع أزلي يتكرّر منذ خَبَرَ الإنسان الموت، عند أول جريمة ارتكبها قابيل بحق أخيه هابيل، وحار كيف يسكنه دار الموات، وجاء الجواب على يد غراب يواري ندّه في التراب، سؤال دار وما زال يدور في ذهني :"من مات قبل الآخر الإنسان أم الحيوان ؟ هل مات الغراب قتلاً أم ماذا؟ كيف عرف الإنسان القتل ؟ ولماذا لم يدرك حتى الآن مقدار بشاعته ؟ وإن كان ندم على فعله فلماذا استمر في إتيانه ؟
و هل مازالت الغربان تدفن موتاها؟!"

يتبعه في كل تنقلاته، وكأنه ظلّه، بعد أن ربطه القدر به، طفل يخطو به العمر بقلق باتجاه الثامنة، يلحق برجل في أواخر الثلاثين، يمشي بعرج واضح بقدمه اليمنى، كم قميصه الأيمن يتدلّى، تلعب به ريح الخريف، كمّ لا يستر ذراعاً ولا تخرج منه يد ...!
ونظارة سوداء تأكل معظم ملامح وجهه، لو دقق أي واحد النّظر فيه لخاف مما يراه فيه، الندوب الكبيرة تعلمك أن ما تعرّض له كان شيئاً ليس بالقليل...
أما الطفل فآية من آيات الله...! لكن الجروح الغائرة في أطرافه، وأخرى في رأسه وجبينه، تحكي قصة كبيرة ...!
في بلد الحروب، كل الأماكن مستهدفة، الأمان نسبي، وبنسب قليلة، قد تأتي القذيفة إلى السرير لتنام مع شاغله ...!
لكنها كانت جائعة في ذلك اليوم من سنتين خلتا، جاءت إلى سوق الخضار بصخب الموت، وصافرة إسرافيل، فرقد الجميع فوق أديم الأرض بين ميت وجريح، أحياناً لا يمنحنا الموت فرصة للنطق بالشهادة، أو لوداع من نحب، هكذا غادر وحيدي أحمد الحياة...!
أصرّ على الذهاب مع والده إلى سوق الخضار، لم أفلح بإغرائه بالبقاء بالبيت، سحب والده من يده مستعجلاً إياه، يريد الهرب من إلحاحي على بقائه، كان على موعد مع الموت ...!
هناك رقد بسكون إلى جانب والده، الذي استفاق من غيبوبة، ليجد نفسه غارقاً في بركة حمراء، تغذّيها نوافير تتدفق من رأس أحمد وبطنه، توقّفت الحياة على وجه أحمد بابتسامة، أما أمجد (زوجي ) فقد آطلق صرخته التي ظنّ أنها قد تبعث الأموات.. لكنها عجزت عن بعث أحمد ...!
تحرّك عند سماعها طفل على بعد مترين منه، يئن متألّماً، وإلى جانبه رجل لفظ أنفاسه الأخيرة .. كان والده...!
قبّل أمجد ابننا أحمد، حاول جرَّه باتجاه الطفل الآخر، عندها اكتشف أنه لا يملك إلّا ذراعاً واحدة ...!
ذراعه الأيمن كانت حصة الموت منه، رآها ملقاة على بعد أمتار قليلة..مازالت ساعته تزين معصمها، طريقة اعتادها، أن يلبس الساعة بالرسغه الأيمن لتذكيره بشيء ينوي فعله ...!
فإذاً، ذراع واحدة لا تكفي لجرّ ميت وإنقاذ حي في وقت واحد.. لكنها تكفي لإخراج (علي) من ساحة الموت تلك ...
الغريب أن الخضراوات في سوق الخضار لم تتضرّر، فقط تبعثرت ...! وكأنّ القذيفة تنتقي طعامها، جوعها لا يشبعه الخضار، وإنما يشبعه لحوماً بشرية، ودماء تشربها وتكاد لا ترويها...
المسافة بين أمجد وعلي لا تزيد عن مترين، يقول أمجد أنها كانت بحساباته آلاف الكيلومترات ...
ما إن وصل إليه حتى أحاط جسدَه النازف بذراعه اليسرى، ومضى به زاحفاً على إسفلت الساحة التي تضمّخت بالدماء، وسحجت بدنَيهما، هذه المسيرة استهلكت كل طاقته، وغاب عن وعيه..
استفاق ليجد نفسه في دائرة ضوء شديد، لم يستطع أن يتحمّل شدّته فأغمض عينيه، ليسمع لغطاً وصراخاً، وهمهمات سريعة، فهم منها أن المشفى يغصّ بالضحايا والجرحى، وأنهم يحاولون إيقاف نزوفه، تمتم :"ابني، ابني" . رددّ عليه أحدهم :" اطمئن، هو بخير، لقد نجا بأعجوبة"!
عندما حضرتُ إلى المشفى، أخبروني أن أمجد بخير، لكنه ما يزال في غيبوبة المخدّر، وسيصحو بعد دقائق، وأن ابننا بخير، ضمّدوا جروحه، وأيضاً ما يزال غائباً عن الوعي...
دخلت الغرفة.. واتجهت مباشرة إلى طفلي، صرخت ملتاعة: " هذا ليس أحمد، أين أحمد ؟"
هرعت إلى أمجد، أمسكت بيده الباقية، ضغط على كفّي، همهم:"اسكتي الآن، سأخبرك القصة لاحقاً، هذا الطفل هو ابننا إلى أن يأتي أحد من أهله".
مرّت الأيام بالمشفى ثقيلة إلى أن تعافى أمجد وعلي، قال لي أن اسمه علي وأنه قدم من قرية بعيدة، أتى به والده إلى هنا بعد أن
ماتت أمه في مرضها العضال، ضاقت الدنيا بوالده، كما ضاقت ذاتُ يده، ولم يجد معيناً، فنزل بابنه إلى المدينة يبحث عن عمل، و لاقاه القدر في سوق الخضار.
الآن.. علي ينام بسرير أحمد، ويلعب بألعابه، يدرس بمدرسته، يرافق أمجد في معظم مشاويره، ويذهب معي إلى المقبرة، ويأتيني بالريحان، نزيّن به قبراً، ونقرأ الفاتحة على روح أحمد.. ووالد علي.

د. عبير خالد يحيي



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنتصر في الحرب مهزوم
- النهاية
- التدوير الأدبي ورسم المشاهد عند الكاتب المصري الأستاذ محسن ا ...
- نذور الوطن
- نقد أدبي مقدّم لرابطة الأدباء والنقاد والمترجمين العرب من ال ...
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأبدباء والنقاد والمترجمين العرب م ...
- ومع ذلك ..لم أقتنع
- وعد غير منجز
- الاتجاهات التربوية والعبر المجتمعية في نصوص الكاتب والأديب ا ...
- ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
- قراءة في نص (تأبط شراً ) للأديب العراقي / كريم خلف جبر الغال ...
- عشرون و نيّف
- اللعب مع الكبار
- جروح لا تندمل
- حفل شواء
- سوريتي
- نضج
- قراءة في تجربة أديب الأطفال جاسم محمد صالح
- هل أبكي ..؟
- رحلة


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - البديل