أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - الهاجس














المزيد.....

الهاجس


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5340 - 2016 / 11 / 11 - 03:12
المحور: الادب والفن
    


الهاجس

-" أهلاً بالغالي، اشتقت إلى جلساتك، وكلامك الموزون يا رجل، هل الزواج يجعلك تنأى عنّا كل هذه المدة ؟ والله يا سيدي يبدو فعلاً من لقي أحبابه نسي أصحابه ".

- " ما هذا الكلام الذي تقوله يا رجل ؟ كيف لي أن أنساك ؟ وهل أستطيع ؟ أنت الوحيد الذي أتكلم معه بمطلق حريتي، ولعلك الوحيد الذي يسمعني، ويتقبل فلسفتي، عندما وصلتني رسالتك على الجوال سارعت فوراً للقاء".

- " لم أتوقع أن تلبي الدعوة سريعاً هكذا، فما زلت عريساً جديداً، غريب كيف تركت عروسك ، والأغرب كيف سمحت هي لك بالمغادرة ! هل ملّت منك ؟هههه".

يصفعه مداعباً، ويطوّح الآخر وجهه باتجاه مسار الكف الهابط عليه، ويرفع يده متحسساً خدّه بحركة تمثيلية، ليتابع العريس كلامه :

- " أوصلتها إلى بيت أهلها زيارة، تتواصل معهم بصمتهم الصارخ، يا رجل ، أشفق عليها صامتة كل اليوم، يتحرك فيها كل شيء، وتبقى صامتة، ماذا أفعل ؟ كيف أستفزها لتتكلم معي كما نتكلم نحن ؟"

- " حرام عليك ، أنت براغماتي وتسألني هذا السؤال ؟ طبّق نظرياتك البناءة عليها، أين هي( العَمَلانية) يا (ويليام جيمس ) زمانك ؟ ".

- " تسخر ؟ سيأتي يوم وأجعلها تستمع لكل ما أقوله، كما تفعل أنت، وعندها لن أضطر للكلام معك، فقط أشفق عليها، لا تفهم الكثير مما تراه، وأشك أنها لا تسمع ..! قد تحتاج إلى سماعات كسماعاتك، تلك التي تستعملها للتمويه، بربك لماذا توهم الناس بأنك لا تسمع ؟ أهو نوع من التورية ؟ "

- ينظر إليه بإشفاق مشوب بالسخرية :
- " من يسمعك يظن أنك تسمع !"

- يضحك العريس ويجيب :
-" يا صديقي، نحن نتكلم بحريتنا في عالم لا يسمع، ولا يتكلم، بالمختصر أبكم، انظر إلى كل المحيطين بنا، فقط على مستوى القهوة التي نجلس بها، ماذا ترى؟ أشخاصاً ينظر بعضهم إلى بعض بخوف وحذر، وإن أمن أحدهم الآخر تراه يهمس همساً لا يكاد يغادر الشفاه، لا يجرؤون حتى على الشكوى، مع أن كل ما يحيط بهم يدعوهم إلى ذلك، لكن الخوف يلجمهم، أما نحن فنتكلم ونتكلم ونتكلم ، ونسمع ونسمع ونسمع دون خوف ".

ينظر الثاني إليه وبحركة تمثيلية يقول :
-" من قال لك أنني لا أخاف ؟ أخاف جداً ، ليس منك ، بل منهم، وعليك أخاف أكثر ".

يرد عليه العريس بنزق:
-" هييي ، أنت تبالغ في كل شيء، لِمَ تخاف؟ ومن من ؟ وعلام ؟ انظر أليست نعمة أن نتحدّث بكل شيء، وننتقد كل شيء، ونخوض في الأعماق، وبصوت عالٍ نقول رأينا بكل الأشخاص وكل المواضيع، ننتقد كل الأوضاع ونتناول كل القضايا، لا رقيب علينا سوى ضميرنا، بماذا تريد أن نتحدّث؟ بقضايانا العامة؟ ما يحدث في أوطاننا من حروب و نزاعات حمقاء؟ إن دلّت على شيء فلا تدل إلا على أننا شعوب غافلة، بكل طبقاتها، العليا قبل الدنيا، نُدمّر أوطاننا بأيدينا، وبأسلحة نشتريها من أعدائنا، والعدو الحقيقي يتربّص بنا، فرحاً بما يراه منا من فرقة وشتات واقتتال، وبما وصلنا إليه من شقاء وتهجير وموت، انظر إلى الفوضى المدمرة التي وصلنا إليها ..."

-" اسكت ، بربك اسكت ، بدأ الخرس ينظرون إلينا، أصواتنا العالية طرقت مسامعهم ، اسكت ، اسكت ".

-" ما بك يا رجل ؟ وهل أقول شيئاً غير الواقع، اسمع نتحدّث في شأن آخر، وضعنا الاقتصادي هل ترى إلى أي حدّ تردّى ؟ بتنا والفقر والشقاء أخوة وأهل، سرق المتنفذون أموال البلاد، وملأ تجار الحروب جيوبهم وخزائنهم بكل ما تبقى ..".

قاطعه الأول واضعاً يده على فمه : "أرجوك اسكت، اسكت، هذا الجالس على الطاولة المواجهة لي، أراه ينظر إلينا ويكتب، يا ويلي ، الله يستر ".

يضحك العريس ويرد متهكّماً :
" غبيّ أنت أم ماذا ؟ ماذا يسجل؟ وهل يسمع حتى يسجل ؟ اسمع يا صاحبي : حسب النظرية البراغماتية فإن الحقيقة هي في نتيجة العمل لا بالتصوّر المسبق، وقد جرّبنا على هؤلاء إنهم لا يسمعون، ولا يدركون، لذلك استرح واهدأ و اطمئن، ودعنا نكمل حديثنا ..الغلاء الفاحش، وتدني الأجور ، انتشار بيوت الرذيلة، و سكوت رجال الدين عن الكثير من المخالفات الشرعية ، وخطاباتهم التي تدعم توجهات غريبة عن أصل الدين، والإعلام الذي يجافي الحقيقة في معظم المحطات التلفزيونية والصحف والمجلات ، الدولااااار ...".
ينتفض الآخر ويمسك يد العريس مترجياً :
" لا.. أرجوك توقف هنا، يكفي .. لِمَ لا تحدّثني عن حياتك الجديدة؟ أقصد حياتك الزوجية؟ هذا حديث ممتع أطرب له، هيا عليك أن تخبرني لأرى هل أتبع خطاك أم لا ؟".

يعتدل العريس في جلسته، يتنحنح، ثم يدنو من الآخر مشيراً إليه أن هات إذنك، يستغرقان بحديث تتخلله بعض الضحكات الماجنة من العريس، واحمرار الخجل من الآخر، وضربات كف متبادلة من كليهما، مع صفعات خفيفة أحياناً، تنتهي باعتدال الاثنين على كراسيهما وارتشاف آخر ( شفّة ) قهوة، وآخر رشفة شاي.
ثم يقفان، يتصافحان معلنين انتهاء هذا اللقاء، يتباوسان بحرارة، يمشيان باتجاه المخرج، ليستقبلهما رجلان يطلبان منهما بتهذيب أن يذهبا معهما دون أي اعتراض أو جلبة، يلتفت الأول إلى العريس ويقول له بتهكم وسخرية :

" أيها البرغماتي العظيم، يبدو أنك نسيت أحدث مستجدات نظريتك البراغماتية، والتي تقول : أن الحقائق تتغير مع الزمن، وأن ما كان حقيقة بتجارب ونتائج الماضي، قد تغيّر في الحاضر، وأن الرجل الذي حكمت عليه بأنه لا يسمع .. يتقن لغة الإشارة ".

التفتُّ إليه مندهشاً .. كنت قد كتبت حتى هذه العبارة ...!

د. عبير خالد يحيي.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأدباء والنقّاد والمترجمين العرب
- البديل
- المنتصر في الحرب مهزوم
- النهاية
- التدوير الأدبي ورسم المشاهد عند الكاتب المصري الأستاذ محسن ا ...
- نذور الوطن
- نقد أدبي مقدّم لرابطة الأدباء والنقاد والمترجمين العرب من ال ...
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأبدباء والنقاد والمترجمين العرب م ...
- ومع ذلك ..لم أقتنع
- وعد غير منجز
- الاتجاهات التربوية والعبر المجتمعية في نصوص الكاتب والأديب ا ...
- ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد
- قراءة في نص (تأبط شراً ) للأديب العراقي / كريم خلف جبر الغال ...
- عشرون و نيّف
- اللعب مع الكبار
- جروح لا تندمل
- حفل شواء
- سوريتي
- نضج
- قراءة في تجربة أديب الأطفال جاسم محمد صالح


المزيد.....




- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-
- إصدار كتاب جديد – إيطاليا، أغسطس 2025
- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - الهاجس