نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1416 - 2005 / 12 / 31 - 10:21
المحور:
الصحافة والاعلام
الأستاذ زياد زين العابدين المحترم: تحية صادقة
الهدوء، كما أسلفت، والكبرياء، والتعالي والتسامي من طبع الكرماء، وهذا ليس بغريب على أي سوري على الإطلاق تنسم هواء سورية، وترعرع في أرض الحضارات. لم ننفعل، ولم تثر ثائرتنا، برغم حجم الخذلان والإحباط الكبيرين، وما شجعنا على التواصل هو تلك اللغة الراقية والأسلوب الهادئ الرصين البعيد عن المهاترات الذي اكتنف رد الأستاذ زياد زين العابدين. كما أن لغتنا وردنا لم، ولن يخرج يوما عن الإطار العام المتفهم الغميق، والأدبيات، وأخلاق السوريين، فلم نذكر، مثلا، أحدا بالاسم رغم أن أحدهم قذف السوريين بأشنع الصفات وتهكّم عليهم كبشر بدائيين. ولو كانت القضية فردية، أو الشتيمة شخصية، لما تجشمنا عناء الرد والاهتمام. فهل يستكثرون علينا موقعا سوريا "نَفّش" فيه خلقنا بعد أن كتم أصواتنا عقودا طوال نفس الجنرالات الأمنيين الذين كان يتبرك بأضرحتهم، ويرجو شفاعتهم، ويخطب ودهم، ويتضرع إليهم هؤلاء الأدعياء الجدد المتحولون؟ وأين كان "المساكين" في ذاكرة المتحولين إياهم أيام شهر العسل اللذيذ والدسم الطويل؟هل يستكثرون علينا التمرد، ولو بلاغيا، على سلطة الأولياء الثوريين، وفقهاء الزمان الإشتراكيين الذين جرعونا الذل، والاستكانة،والهوان، وصرنا ملطشة كما قال سيدنا عادل إمام " للي يسوى واللي مايسواش"، و"اللي نازل يضرب، واللي طالع يضرب" على شاكلة هؤلاء الآدميين.
ليس فورانا، ولم نتعود أو نعهد الفوران، ولسنا بقادرين أصلا على الغليان في هذه الأجواء المتجمدة والمتخشبة من حقب القهر، والتعتيم. ولا يمكننا حقا أن نصل لأية حالة فيزيائية إنسانية دنيا في أجواء الحصار والخناق، والحصار، وتغول الأشرار والمافيات. في أي سبات كان هؤلاء الفصحاء المتقولون جراء ما عانيناه نحن من إهمال، وظلم، وازدراء، وتغول سلطوي مكين لن يعرفه يوما أي من هؤلاء؟ ولكن حين أصابهم نذر يسير من لهيبه الغدار بدؤوا الاستغاثة، والنحيب، والصراخ والعويل، فما بالك بمن مكث عقودا، مطأطئ الرأس، مستلب الإرادة، ورجليه في "الفلقة"، وحرم عليه مجرد أن يقول "الآخ"، وكان مطلوبا منه أن يصفق ويشكر جلاديه على هذه النعم التي لا تزول في زمن القحط والزعيق الثوري. نحن ياسيدي لسنا ضد جنبلاط، ولا ضد حمادة، ولا أي لبناني، أو أي حر كريم، ونؤمن بحق الجميع في العدالة، والحرية، والمساواة. هذه هي قيمنا العظيمة التي تربينا عليها، ونشأنا عليها، وندافع عنها بالنواجذ، والأظافر، والسكاكين حتى النبض، والرمق الأخير. هذا هو خيارنا الإنساني والاستراتيجي الوحيد، وإن حرمنا منه، ووقفنا أمام الجدار مستسلمين، ورافعي اليدين لنفس العرفاء المتسلطين الذين كان يتضرع لهم، ويتبرك بهم هؤلاء المسترجلون على مرأى، ومسمع جميع "المساكين", ويطلقون التصريحات الغرامية بالجنرالات في وسائل الإعلام الحكومية التي كانت تفقأ عقول وقلوب السوريين
.
المعركة برمتها سياسية تجاذبية بحتة قائمة على حسابات تكتيكية وموازين دولية متأرجحة تتغير فيها الولاءات والاتجاهات بحساب مدى الربح والخسارات، وكان معظم السوريين بعيدين عنها. وليسوا في وارد الخوض فيها بعد أن حُيّد المجتمع وأبعد عن أي دور في الحياة العامة، ولا يسمح له بتاتا الاقتراب من إقطاعات ومزارع اللوردات الثوريين. وجلّ اعتراضنا كوطنيين، ومواطنين بسطاء سوريين على إقحام اسمنا في هذه الميادين. ولا علاقة لنا باستراتيجية أحد على الإطلاق، أوبمدى جنوحه، وميوله، وخروجه عن الطريق، فقد بلغ السيل الزبى، وهلك آلاف السوريين دون أن يرف لهؤلاء الشرفاء، ذات يوم، أي رمش، أو يرفع أي جبين.
نحن وطنيون سوريون، قبل كل شيء، فأرجو ألا يستكثر أحد علينا هذا الشيء، نقدس شيئا أسمه سوريا ولا نسمح لأحد بالتهكم والتطاول عليه، تهكموا على من شئتم، وصفّوا حساباتكم مع من أردتم، ولكن لا تطؤوا الديار المقدسة، والحرم السوري العفيف. ونكرر لماذا لم ترتفع عقيرة السادة النجباء الذين أيام كنا نسام القهر، والتكميم، والإسكات، وأين كانت وطنيتهم ونضالهم واستقلالهم، ولماذا يستيقظون فجأة بعد كل ذاك السبات الدهري الطويل؟ ولماذا حين كانوا يتبركون بالجلاوزة، والسجانين، والجلادين لم يشر أي منهم "للمساكين" السوريين؟ لذا لا يستطيع أي سوري حر كريم إلا أن ينفجر في وجه هذه السخرية، والتهكم المرير. لم ولن نخرج عن طورنا، ولن يفلح أي كان في جرنا إلى ذلك المستنقع الجرب الأسين، ولكن الكرامة الوطنية فوق الاعتبارات وحسابات السياسيين، سورية ليست كلمة، وشعبها "المسكين" ليس صفقة في حسابات التجار الجشعين الطامعين، سورية اسم قبل أسماء هؤلاء العابثين وستبقى علما نيرا شامخا إلى أبد الآبدين، وبعد أن يزول، ويذهب هذا الزبد، والرغوة في الزمن الآثم اللعين.
هل من المعقول أن نسمع كل هذه السخافات والهجومات والترهات، ونبقى صامتين، إلا إذا كنا ممن أدمن الهوان لا سمح الله، وطعن في شرفه وكرامته. ترهات يفوح منها عفن ، العنصرية والاستعلاء البغيض، وكأن السوري في العصر الجليدي الأول، وخارج من كهوف التاريخ؟ هل نبقى ساكتين ولدينا كل تلك الكواكب الجرارة من السوريين التي تفيض عطرا، وإبداعا، وموهبة، وعلما، وجمالا، ورياحين؟
ليفعلوا ما يفعلوا، وليقولوا ما يقولونه، وليشتموا من يشتموا، لن ندافع عن أشخاص، وأفراد زائلين، ومع الاحترام الشديد للجميع، ولكن سوريا، والسوريين قدسا مقدسا، وأمانة في أعناق الجميع، ومن يتلكأ عن هذا الفعل العظيم فهو من الخاسرين والساقطين المتواطئين. وكما قلنا سابقا، هاهو النظام، حبيبهم في زمن العشق البعيد، وصنمهم العتيد، ها هو أمامهم يتمختر بتيه، وغطرسة، وخيلاء، ولا يأبه لأحد على الإطلاق، فليشمروا عن سواعدهم، وليرونا "مراجلهم" وبطولاتهم عليه، أما الشعب " المسكين"، على حد تعبيرأحد شيوخ الولاءات المتبدلين، فنرجو أن يبقى بعيد، ودائما، عن المساس به، ولو من أقرب المقربين.
كما قلت سيدي الفاضل، الأوطان، والشعوب باقية، وأما السياسات، ومتسلقوها، وتجارها الطارئون، فهم حتما من الزائلين.
مع التحية
وبكل احترام
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟