أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - مُصحف سيادة الرئيس














المزيد.....

مُصحف سيادة الرئيس


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يروى أنه لمّا بلغ أحد خلفاء الأعراب نبأ وفاة أبيه في أحدى الحقب "الناصعة" في تاريخهم المجيد ناصع البياض، وكان عاكفاً يقرأ ما "تيسر" له من آيات من القرآن فأغلق الكتاب الكريم على عجل، بعد أن آلت إليه الخلافة، مخاطبًا أياه: "لقد انتهى عهدي بك الآن".

وفي الحقيقة، لم يكف بعض من هؤلاء عن العبث ببراءة هذه الشعوب المنكوبة بهم، واستغلال عفويتها وطيبة قلبها، لا في أوج تمددهم، أو في أردأ حالات انحسارهم كما هو حال صاحبنا الآن. فقد حرص السيد الرئيس القائد الملهم المهيب الركن صدام حسين على الظهور أمام كاميرات التلفزيون وبيده كتاب الله الكريم، وذلك في محاكمة العصر التي تجري هذه الأيام، وتتلقفها "فضائحيات" العربان والفرنجة والعجمان، على حد سواء، بكل إثارة، وتنقلها لعموم الناس في أربعة أطراف الأرض. وزيادة في المؤثرات السينمائية التي أتقنها منذ إطلالاته النادرة على الرعية في غابر الزمان، فقد امتعض، وارتعد، واستنفر، وزمجرشيادته امام القاضي العراقي البارع رزكار محمد أمين في الجلسة السابقة بسبب حرمانه من تأبط القرآن الكريم، والدخول به إلى قاعة المحكمة في حركة مسرحية متقنة، ولكنها مفضوحة، لتظهره بذلك الجانب الكبير من الإيمان، والورع، والتقوى، مزودا بلحية مشذبة، كان حريصا على ألا يرسلها أبدا في أوج عزه، وسطوته، وتسلطه على رقاب الشعب العراقي العظيم، وياليته تحلى بنفس هذا الحرص الزائف أيام الأبهة، والسطوة،والجبروت والصولجان.

ولا بد من التأكيد دائما على حرية الإنسان في العبادة، والمعتقد، واعتناق الأديان، وممارسة أية طقوس خاصة به، وهذا مبدأ مقدس، لا بل إنه لشيء رائع وجميل أن يتمتع الإنسان بكل مكارم الأخلاق المتعارف عليها التي تحض عليها، وتقدرها جميع الأديان بما فيها الإسلام. ولا ننكر عليه أو على أي شخص آخر أن يتدين وحتى أن يتصوف، ويصبح من الثقاة الأخيار المبشرين بفراديس السماء. ومع العلم التام، بنفس الوقت، بأهمية ومعنى، وجزاء التوبة النصوح في الإسلام، وهذا حق لايختلف عليه إثنان. ولكن ما ليس رائعا، ولا جميلا، بل ربما شنيعا تماما، أن تتم الشطارة، والتجارة بكل شيء، بما فيه دين الله. وأن يستمر العمل بهذه الحركات الكاسدة التي لايمكن أن تقنع، وتنطلي على أي كان. وتبقى مسألة الإيمان الصافي، والصحيح، هي عبارة عن علاقة خاصة بين الإنسان وربه ولا يعلمها إلا الله، وإن كان البعض يحاول أن يجعل، وبشكل مطلق، من اعتبار بعض المظاهر كأساس ومعيار في الإيمان. كما أنه لا يمكن أبدا لهكذا سلوك، منتشر بكثرة بين الناس أن ينفي ، أو يؤكد إيمان الإنسان في هذه الشرق المشبع بالسحر، والعقائد، والعبادات، لأن الله وحده هو العليم بما في صدور الناس، وإن يكن الزهد في الحياة شيئا أصيلا،ملازما ومصاحبا للإيمان.

ولكن ،وبذات الوقت أيضا، فإنه لمن المعروف تماما، أن النجاسة، والوساخة، يطهرها الوضوء، والتيمم أحيانا إذا تعذر، وعز وجود الماء، ولكن هل من سبيل ديني أو دنيوي ليطهر الأيادي الملطخة بدماء الآلاف المؤلفة من الأبرياء من الأطفال، والشيوخ, والنساء؟ وما هي تلك الكفارة التي يمكن أن تغسل كل ذاك التاريخ الممهور بالقتل، والسجن، والتعذيب، والنفي، والغطرسة، وتجاهل تعاليم السماوات في الرحمة، والعدل، والرفق بعباد الله؟ وفي أي كتاب ومعتقد يمكن أن يصدفها الإنسان؟ أوليس في كتابه العزيزآيات بينات محكمات تحذر بأنه يجب "ألا يمسه إلا المطهرون" من البشر والناس، فما بالك بالدماء التي لا يمكن أن تصبح ماء، ولا يستطيع كل ماء الفرات العذب الرقراق أن يطهرها من وينقيها من الآثام؟

كم يتألم المرء وهو يرى عتاة الجلادين، وقساة الجنرالات، وكبار الاستبداديين وهم يتاجرون بالأديان ويجيّرون الرسائل السماوية، ويتلاعبون بعواطف ومشاعر البسطاء خدمة لأغراضهم الدنيوية الزائلة، ويتحالفون مع بعض المنافقين في تبرير سياساتهم، وتزيينها، لا بل إضفاء نوع من القدسية، وهالة من السحر والباطنية على ممارساتهم اليومية.

لم نشق بالطبع، على قلب الرجل الهمام، وحاشا، وأستغفر الله أن ندعي، أو أن يكون بمقدورنا ذاك لنتاكد من عمق ايمانه وتقواه، وليست هذه مهمتنا هذه على الإطلاق، ومعاذ الله، وبآن، ان نكّفر أحدا، أو نخرجه من أي دين في يوم ما. ولكن نتمنى فعلا لو أن هذا الإيمان قد ظهر في تلك الأيام الأسطورية الإمبراطورية من الجبروت، والعنجهية، وتأليه وتكريس ونشرعبادة الذات، والأصنام..

في السابق، وفي زمن القوة والجلال والفلتان الأرعن من كل عقال، كانت أقحومة المسدس هي ما كان يراد لها أن تظهر، وتحشر بمناسبة أو بدون مناسبة في الاجتماعات، واللقاءات، وكافة المناسبات، وارتبط المسدس رمز القمع، والاستعداد للحماقات دائما بأذهان الموطنين في كل مكان. واليوم، في زمن الضعف والوهن والانحسار، وبعد أن لجم ذلك الجامح المتغول في صحراء السياسة، وبيداء الاستبداد، أصبح من الضروي التسلح بما يعكس هذه الحالة التي أعادت الرجل لرشده بعد عقود من التوهان، ولم يجد بدا من العودة للقرآن بعد أن عز الوصول، واستحال للمسدس والرصاص. إنها حال للهزيمة الكبرى والانهيار، ومهما حاولت أن تتوشح بالإيمان، وتُخفى بذاك اللمعان، وعودة محزونة وأخيرة إلى الله، بعد أن تعذر التواصل واللقاء مع أي إنسان

وعلى عكس ذلك الرجل خليفة الله في الأرض اليباب، فربما يكون، فقط، الآن، وبعد زوال العز والجاه والسلطان، قد بدأ عهد التقي المؤمن صدام بالقرآن الكريم، بعد أن علم، وأدرك تماما، أن الله حق، وأن في الحياة عدل، وحساب، وقصاص. ولكن ربما، أيضا، بعد أن يكون قد فات عليه الآوان.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة الوعي للسوريين
- قناة الشام الفضائية
- الحوار المتمدن ومحنة الأمل الكبير
- فرصة الأخوان التاريخية
- الاستبداد هو الاستبداد
- نجوم خلف القضبان
- شدّوا الحزام
- كلاب أمريكا
- جنازة وطن
- الرسالة
- عرس الدم
- فرنسا الشمولية
- دعاء الجنرالات
- عصافير لا تطير
- ربيع سوريا الواعد
- أيه حكايةالأمراض النفسيةالماشية في البلد اليومين دول؟
- ديبلوماسية الكوارث
- كل عام وأنتم بلجنة للتحقيق
- الملاليس
- فليُسعدِ النَطْقُ إنْ لم تُسعدِ الحالُ


المزيد.....




- صحيفة روسية: باريس وواشنطن تخوضان صراعا في الفاتيكان
- تنزيل أحدث تردد قناة طيور الجنة 2025 DOWNLOAD TOYOUR EL-JAN ...
- ’إيهود باراك’ يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى والكيان من ’ ...
- ما قصة الحرس السويسري ذي الملابس الغريبة؟ وكيف وصل إلى الفات ...
- اغتيال بن لادن وحرب النجوم أبرز محطات أسبوع مايو الأول
- بعدما نشر صورته بزي بابا الفاتيكان.. هكذا جاءات الانتقادات ل ...
- حقوق الاسير بين القيم الاسلامية والمنظومة الغربية
- خامنئي: لو توحد المسلمون لما ضاعت فلسطين ونزفَت غزة
- لوموند تحذر من المعايير المزدوجة حول الإسلام بفرنسا
- استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد عبر الأقمار الصناعي لتسلي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - مُصحف سيادة الرئيس