أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نضال نعيسة - عرس الدم















المزيد.....

عرس الدم


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 11:32
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لايملك المرء إلا الصمت، والخشوع، والدهشة في حضرة الموت الذي أصبح بضاعة تنتجه المجتمعات المكبلة بأصفاد الاستبداد,وخرافات الماضي ,وسير الزعماء,وأساطير الانتقام.وكيف سيستوعب العقل صورة ريما مصطفى العقاد وهي تهمّ بمصافحة وعناق والد مشتاق بلغت شهرته الآفاق,فكان الموت القادم من الشرق أسرع من كل العواطف والكلام ،واغتال بثوان خاطفة روعة ذاك اللقاء,وحوله إلى مأساة تتكرر في كل يوم من خلال الشر العابر للقارات؟هل أصبح لقاء الأحبة بالأحبة,والأبناء بالأباء,والأمهات بالأولاد,والعاشقين بالعاشقات,والناس بالناس,والأيادي للمصافحات، مستحيلات سبعة في عوالم الأعراب المليئة بحمى القتل والشبق الغريزي للدماء؟ ماذا فعلت ريما البريئة لهؤلاء ؟وهل آذاهم ،بشيء،يوما مصطفى العقاد؟هل كتب على الجميع الفراق ,وألا تلتئم الاجتماعات العائلية إلا أشلاء متناثرة يقوم رجال الإطفاء ،بتكاسل ولا مبالاة فرضتها ظروف الموت اليومي،بلملمتها,وكنسها, وإعطائها أرقاما صماء تختزل حياة موؤودة لكائن بشري كان إثمه الفظيع أنه ولد في فضاء متوتر أصبح جله من الجهلة والرعاع ,المسكونين بالكراهية والأحقاد،والذين لا يقيمون وزنا لحياة الإنسان؟ماذا كانت ستقول ريما لأبيها الفنان السوري العظيم ،في تلك اللحظات ، قبل أن تكمل عنها حديثها لغة الرصاص التي يجب أن تكون هي اللغة الرسمية الوحيدة المعتمدة بدساتير الأعراب؟

لِم لَم يترك القتلة لريما وقتا كافيا لتقول لأبيها مافي نفسها, وتبثه مشاعرها ,وتعبر له عن شوقها،وتحكي عن أحلامها,وتضمه بيديها,وتتلقى هداياه,وتغلفه بمقلتيها ؟ألم يجد القتلة وقتا أفضل من وقت الغسق حين يتآلف المحبون ،وتجتمع العائلات,ويتسامر السامرون,ويصطحب الآباء أبناءهم في المشاوير البريئة عند المساء,وحين يختاره العرسان وقتا مناسبا لعقد القران,وحين تختار الجفون المثقلة بوجع الأوطان أن تسترخي بعد يوم حافل بقصص الجوع ،والموت ،والاقتتال؟

هل كٌتب ألا تعود العصافير الهاربة من "قر الشتاء" القارس ،وتجمّد الزمان، إلا بأكفان موشحة بالدموع والآهات،ومزنرة بأكاليل الزهر والأشرطة السوداء في مواكب جنائزية حزينة ؟ ولماذا لا يتقاعد الآباء أبدا،ولا يتنعم الأبناء بطول الحياة؟هل كتب على الجميع الشقاء الأبدي؟هل عز عناق الجبين بالتراب في صلاة العشاء ,لبسطاء قومي, إلا مجبولا بدماء البررة من الأبناء,ودون أن يشهد المؤمنون ثلاثا بالله ,أو يتلوا,ولآخر مرة, التحيات ،والطيبات؟هل استكثروا حتى الشهادة على المسلمين بعد أن احتكروا الإيمان والجنان؟

لقد حمل المخرج الكبير رسالته الفنية العظيمة وعبر بها المحيطات فتيا,ومعها حلم لوطن جميل يتبرعم في الخيال, فحملوا له هدايا الأعياد أحزمة نسفت على جسد ريما الغض الذي لم يحتمل هول الانفجار الآثم،فيما دخل المخرج الكبير في غيبوبة لم تتح له ,ولربما لحسن حظه هذه المرة,أن يتلقى ذاك الخبر الصاعق عن "العرس الدموي" لمحروسته المحبوبة.لاشيء يحز في النفس مثل خسارة هذه القناديل المضيئة في عالم الظلام ,وهذه والمشاعل الوقادة التي يقتدى بها في غياهب هذه الدهاليز المليئة بالسكاكين والأشواك،مع الاحترام الكامل ,والتعاطف المطلق مع الضحايا الآخرين .ويبقى السؤال الكبير كم سنة ستنتظر سوريا حتى تلد عبقرية عالمية أخرى كالمغدور مصطفى العقاد،الذي كان يشكل هاجسا لأعداء الإنسانية على اختلاف مشاربهم ؟فلا شيء يرعبهم مثل المواهب الفذة، والعقول العظيمة والإبداع ,ولا شيء يريحهم مثل الأغبياء والعقول المسطحة والرعاع،وهذه صارت واحدة من القوانين الثابتة في معايير الحساب.

وهل نما لعلم القتلة ،كما أشيع من أنباء، عن اعتزام ,مبدعنا الكبير, القيام بإخراج فيلم عن الإرهاب ،فاستبقوا ذلك بـ"فيلمهم الخاص" الذي حقق "نجاحا"،و اكتسح فعلا كل الشاشات ،وصار حديث الشارع والناس؟ولكنه لن يروي،حتما،غليلهم من دم "الأيائل والغزلان".

هاهم رسل الموت يسرحون ويمرحون في كل مكان تحت سمع وبصر حكومات الاستبداد في حلف غير مقدس لتطويع الناس,يروجون للموت الزؤام باسم الله ،ويهددون بالقتل,ويشهرون السيوف والرماح،ويكفرون العباد.وهاهي رسائلهم الدموية تخترق كل حصار ،وتدخل كل بيت ناشرة فيه الويل ولون الحداد،ودمع مسفوح على حبيب صار في عالم الأموات. فلا يكاد يمر يوم واحد ,أو ربما ساعات قليلة،إلا وتطالعك الأنباء القادمة من محرقة الموت,والقهر ,والعذاب عن تفجير هنا,أو عملية هناك،أو خطف وتغييب لهذا،أو قتل لذاك.

ربما الجانب الوحيد الذي يمكن استغلاله من هذا العرس الدموي المخيف,والذي قد يصب مستقبلا في مصلحة من تبقى من الأحياءإن بقي أحد منهم خارج دائرة الرعب والدهشة والهذيان ,هو أنه قد يكون مقدمة لعودة الوعي لحكومات الاستبداد للتفكير مليا وبشكل جدي هذه المرة للتعاطي مع هذا التيار الأسود ,ويكون بمثابة مقدمة لاستئصال شأفة الفكر الإرهابي المنظم,ومروجيه ,وتفرعاته, من هذه المجتمعات التي شوهها هؤلاء وأحالوا الحياة فيها جحيما لايطاق.إنها الشرارة الأولى في حرب شاملة لاتبقي ولا تذر ضد رموز الإرهاب الأسود لتقتلعه من جذوره عبر تشريعات عصرية وضعية ,وإعادة النظر في كل الأساليب التربوية والتعليمية والاجتماعية التي مهدت لازدهار بزنس الموت بهذا الشكل المتفشي والمنفلت من أي عقال.

إن موت البشر بهذه الطريقة العبثية,العشوائية المجانية،يضع الإنسان أمام سؤال صعب وهام عن جدوى وقيمة الحياة برمتها أصلا في هذه الأصقاع المسكونة بالأساطير والغيب ،وقصص الأشباح والأوهام؟وهل من أي معنى لأي نشاط؟وما قيمة كل مايقوم به المبدعون والعظماء من فن وإبداع حين يتحكم بمصائر الجميع جاهل أرعن لا يرعوي ولا يقيم وزنا لحياة أو لفن ،أو موهبة،أو اسم كبير ،ومبدع خلاق؟ويتساوى في طاحونة الموت هذه جميع الناس.فمن نجا من محرقة الاستبداد،ستطاوله محرقة الإرهاب،ومن نجا من هاتين المحرقتين مات كمدا وقهرا وغيظا،أو عاش بمهانة وإذلال.ولا عزاء لأحد على الإطلاق.

الرحمة،والمغفرة لمصطفى وريما العقاد، ولجميع الضحايا الأبرياء، وألهم ذويهم جميعا الصبر والسلوان.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرنسا الشمولية
- دعاء الجنرالات
- عصافير لا تطير
- ربيع سوريا الواعد
- أيه حكايةالأمراض النفسيةالماشية في البلد اليومين دول؟
- ديبلوماسية الكوارث
- كل عام وأنتم بلجنة للتحقيق
- الملاليس
- فليُسعدِ النَطْقُ إنْ لم تُسعدِ الحالُ
- إنهم يورطون الرؤساء
- سوريا العلمانية
- الغائب الأكبر
- دراويش الفضائيات
- علام يراهن السوريون
- السيناريو الأسوأ للسوريين
- مضادات الاكتئاب السورية
- خوارج السياسة,وكفار الأديان
- القصة الكاملة للرسائل شفهية
- إعلان قندهار
- تفكيك الحرس القديم


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نضال نعيسة - عرس الدم